المخصصات الشهرية واستيفاء الشروط!
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
في وقت كهذا من العام المنصرم، كتبتُ مقالا عن الطلبة الذين يتخلون عن مقاعدهم في التعليم الجامعي لأسباب تتعلق بعسر اليد وقلة الحيلة، فتحول الأسرة من مهمة صرف مائتي بيسة في مقصف مدرسة إلى ما لا يقل عن ١٢٠ ريالا بين مواصلات وسكن وطعام -لا سيما للطلبة الذين يغادرون مناطقهم البعيدة نحو العاصمة- هو أمر جلل يورثُ الهم والشقاء!
ولذا تغدو احتمالات الانسحاب واردة، فالأهالي لا يستطيعون تحمل فداحة المبالغ الطائلة التي ستقع على عاتقهم! وقد يذهب الأمر ببعضهم إلى اقتراض المال أو إلى تضييق فسحة العيش على بقية الأبناء في سبيل أن ينجو أحدهم بفرصة! وقد يُغير الراتب الشهري -الذي تمنحه بعض المؤسسات- خريطة الرغبات التعليمية للطالب، فيختار تخصصا وإن قلّ شغفه به، خجلا من إثقال كاهل العائلة بما لا طاقة لها به!
المفاجأة السارة هذا العام والتي أخذت تتردد بين الناس، تمثلت في منح الطلبة مخصصات شهرية، كبارقة أمل جديدة تُسعف المضطر في بؤس عيشه لكيلا يتخلى عن مقعده، وهي لفتة لا يمكن تجاهل الأثر الذي ستتركه في المتعلم والتعليم على حد سواء، إلا أنّ البهجة والمسرات ضمرت عندما رُبطت بمستوى دخل الأسرة وعدد أفرادها والمسافة بين البيت والمؤسسة التعليمية، إذ بقدر ما سيعود القرار بالنفع على عدد من الأسر المتهالكة أوضاعها، سيحرم آخرين ممن يرزحون تحت أثقال رفع الدعم وكلفة الضرائب وغلاء المعيشة، لمجرد عدم استيفائهم للشروط، يحدثُ هذا في وقت لم يعد باستطاعتنا -على وجه الدقة- معرفة من هو «الفقير» أو «المحتاج»، لا سيما أمام هشاشة الطبقة الوسطى وتذبذب أحوال المعيشة!!
والسؤال: لماذا لا تتسع دائرة الأمل أكثر، قياسا بمنفعة كبار السن التي لم تُحدد بشروط، رغم أنّ بعضهم يحصل على راتب تقاعد، أو يمتلك مشاريع استثمارية! بينما الطالب الذي سيكمل الثامنة عشرة مُهدد بخسارة منفعة العشرة ريالات من جهة، ويحوم قلق خافت حول مستقبله التعليمي من جهة أخرى، ويمنعه الحياء من طرق أبواب المعونة من الفرق الخيرية!
بعض التخصصات الحكومية أيضا لا تنظر بعين الاعتبار لأطراف محافظة مسقط البعيدة، الأمر الذي يدفع البعض للتزوير والتحايل بتغيير مكان الإقامة أو ادعاء امتلاك وثائق إيجار في مكان يستحق المعونة الشهرية!
إنّ التمييز بين البعثات الداخلية والخارجية يُورث الأذى، فالذين نالوا نصيب هذه المقاعد ليسوا طلبة بائسين أو مُتخاذلين، لقد ثابروا وخاضوا منافستهم الشرسة والمضنية، وقد قُدرت هذا العام البعثات الداخلية بنحو (١٠٩١١) مقعدا، وهو كالعادة رقم كبير جدا مقارنة بالبعثات الخارجية التي لم تتعد (٥٥٠) مقعدا!!
هذا إذا ما وضعنا في الحسبان أنّ قرابة ١٠ آلاف طالب وطالبة حصلوا هذا العام على معدل ٩٠٪ وأكثر، مما يعني أنّ فرص بعضهم كانت ضمن البعثات الداخلية!!
لا يمكننا مجددا تجاوز محدودية الابتعاث للخارج، فابتعاث (٥٥٠) من أصل ٥٧ ألفا، هو رقم ضئيل للغاية، يُحبط العديد من الطلبة الحالمين بفرصهم الأسمى!
ونكرر السؤال: بينما تدعم الحكومة مؤسسات التعليم الخاصة بسلطنة عمان، هل تُحقق هذه الجهات المطمح التعليمي الذي تصبو إليه خطط المستقبل المنتظرة؟ إذ تتدفق الأجيال عاما بعد آخر، وتعصف بأنماط التعليم واختصاصاته تغيرات هائلة على مستوى العالم؟ فهل تمضي المركب باقتدار نحو شطآنها الآمنة!
بذل المال في سبيل التعليم ليس بذلا في اتجاه واحد، سيعود هذا المال في أشكال لا نهائية، يتبدى أهمها في حماية نسيج المجتمعات من الانجراف وراء ما تُحدثه الحاجة والفاقة من سرقات وجرائم وإدمان، فما الخيارات المتاحة لمن أنهى الثانوية ولم تحتضنه مؤسسة تعليمية وبالضرورة لا مصدر رزق له؟ من المؤكد أنه سيصنع تهديدا أشد وطأة ممن انضووا تحت راية تعليمية.
لننظر بحدقة واسعة لأولوية التعليم، فكلفة الجهل -عند تسديد فواتيرها- أشد من كلفة التعليم وبناء العقول المنفتحة، فالتعليم لا يصنع طريقا للمهن وحسب وإنّما يصنع الغد ويكتشف «الأنوات» المغايرة، ويعتني بتأنٍ بالجذور الصغيرة والتربة، تلك العناية التي لا تجعل الحقل يزهر وحسب، وإنما يُقوي الأذرع ويمنحها الفضول ولا محدودية التطلع.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فضيحة جديدة: إحباط محاولة هدر 30 مليون دينار في منفذ سفوان الحدودي
ديسمبر 22, 2024آخر تحديث: ديسمبر 22, 2024
المستقلة/- كشفت هيئة المنافذ الحدودية عن واحدة من أكبر محاولات التلاعب التي كادت أن تُهدِر أكثر من 30 مليون دينار عراقي في منفذ سفوان الحدودي، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول كفاءة الإجراءات الرقابية ومحاسبة المتورطين.
بحسب البيان الصادر عن الهيئة، تمكنت مديرية منفذ سفوان من ضبط عجلتين براد محملتين بمادة “الكبدة” خارج الحرم الجمركي في سيطرة البحث والتحري، وذلك بعد إتمام معاملتها الجمركية في مركز جمرك المنفذ.
وخلال عملية التدقيق، تم اكتشاف تلاعب فاضح في وصف ووزن البضاعة، مما أدى إلى محاولة هدر المال العام بقيمة 30,562,000 دينار عراقي.
إذا كان التلاعب بهذا الحجم، فهل هناك خلل في منظومة الرقابة داخل مركز الجمرك؟ أم أن هناك تواطؤاً داخلياً؟ هل ستصل القضية إلى محاسبة الفاعلين؟
إحالة العجلات والمضبوطات إلى مركز شرطة كمرك سفوان هو خطوة إيجابية، لكن هل ستكون هناك إجراءات شفافة وحاسمة لمعرفة المتورطين ومعاقبتهم؟ دعوة للتحقيق الشامل
هذه الحادثة تسلط الضوء على ضرورة تعزيز الرقابة والإجراءات الرادعة لمنع تكرار مثل هذه المحاولات التي تستنزف المال العام في وقت يعاني فيه العراق من أزمات اقتصادية خانقة.
هل ستكون هذه الفضيحة بداية لإصلاح جذري في المنافذ الحدودية؟ أم أنها ستنضم إلى قائمة القضايا المنسية؟