تدخلات الإسلاميين والقوى المدنية في القوات المسلحة السودانية- الأضرار والتداعيات
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
زهير عثمان
التداخل الحزبي في الجيش السوداني له تاريخ طويل ومعقد يعود إلى فترة ما بعد الاستقلال في عام 1956. الجيش السوداني، كمؤسسة وطنية، كان دائمًا في قلب الصراع السياسي في البلاد. فيما يلي سرد لأهم المحطات التاريخية التي شهدت تداخلاً بين الأحزاب السياسية والجيش السوداني:
الفترة من الاستقلال إلى انقلاب عبود (1956-1958)
الاستقلال والحكم المدني بعد استقلال السودان في 1956، كانت الحكومة المنتخبة ذات طابع مدني، ولكن الصراعات الحزبية والتنافس بين القوى السياسية، مثل حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي، أضعف قدرة الدولة على الحكم.
الانقلاب الأول (1958) بسبب الفشل في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية، قام الفريق إبراهيم عبود بانقلاب عسكري في 17 نوفمبر 1958، مما أدى إلى استيلاء الجيش على السلطة لأول مرة في تاريخ السودان.
حكم عبود والانتفاضة الشعبية (1958-1964)
حكم عسكري صارم: حكم الفريق عبود السودان بقبضة حديدية مع قمع واسع للمعارضة السياسية. ومع ذلك، كان الجيش يتأثر بالتيارات الحزبية، خاصة بعد أن بدأ يظهر تأثير القوى اليسارية والقومية داخل الجيش.
الانتفاضة الشعبية (1964) انتهى حكم عبود نتيجة لانتفاضة شعبية مدعومة من القوى السياسية والمدنية، مما أدى إلى استقالة عبود وتشكيل حكومة انتقالية مدنية.
الفترة الديمقراطية الثانية (1964-1969)
حكومة ديمقراطية وحزبية: شهدت هذه الفترة عودة الحكم المدني، حيث كانت الأحزاب السياسية، مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب الأمة، تلعب دورًا رئيسيًا في الحياة السياسية. ومع ذلك، ظل الجيش يحتفظ بنفوذه، خاصة مع تعاظم دور التيارات اليسارية داخل القوات المسلحة.
انقلاب النميري (1969): في 25 مايو 1969، قام مجموعة من الضباط، بقيادة جعفر نميري وبدعم من القوى اليسارية، بانقلاب عسكري مدعوم من الحزب الشيوعي السوداني وبعض التيارات القومية. كان هذا الانقلاب بمثابة بداية فترة جديدة من التداخل العميق بين الجيش والأحزاب السياسية.
حكم النميري وتقلباته الأيديولوجية (1969-1985)
الفترة الاشتراكية في البداية، تحالف النميري مع القوى اليسارية والشيوعية، مما أدى إلى تكوين مجلس قيادة الثورة الذي كان له تأثير كبير على الجيش. ومع ذلك، في عام 1971، بعد محاولة انقلابية فاشلة من الحزب الشيوعي، انقلب النميري على اليساريين وقام بتصفية النفوذ الشيوعي داخل الجيش.
التحول نحو الإسلاميين في أوائل الثمانينات، بدأ النميري في التحالف مع الإسلاميين، بما في ذلك حسن الترابي وجماعة الإخوان المسلمين. هذا التحالف أدى إلى إدخال عناصر إسلامية داخل الجيش، وهو ما أثر على مسار الأحداث السياسية فيما بعد.
انقلاب الإنقاذ وحكم البشير (1989-2019)
انقلاب 1989 في 30 يونيو 1989، قاد العميد عمر البشير، بدعم من الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي، انقلابًا عسكريًا ضد الحكومة الديمقراطية المنتخبة. منذ ذلك الحين، أصبح الجيش أداة بيد الحركة الإسلامية، التي سعت للسيطرة على الدولة بكافة مفاصلها، بما في ذلك الجيش.
الدمج بين الجيش والأمن خلال فترة حكم البشير، تم دمج القوات المسلحة السودانية مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، حيث أصبحت تلك الأجهزة مسيسة بالكامل وتحت تأثير الإسلاميين. أدى ذلك إلى تدهور الجيش كمؤسسة وطنية مستقلة.
الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر (2019-2021)
الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، دخل السودان فترة انتقالية تهدف إلى التحول الديمقراطي. ومع ذلك، كان الجيش، بقيادة المجلس السيادي، لا يزال يسيطر على الكثير من مفاصل الدولة. واجهت الحكومة الانتقالية صعوبات جمة بسبب النفوذ المتزايد لبعض القوى السياسية، بما في ذلك الإسلاميين داخل الجيش.
انقلاب البرهان (2021): في 25 أكتوبر 2021، قاد الفريق عبد الفتاح البرهان انقلابًا عسكريًا ضد الحكومة الانتقالية، مما أدى إلى تعليق العملية الانتقالية والعودة إلى الحكم العسكري المباشر.
الحرب الأهلية والصراع الداخلي (2023)
التصعيد الداخلي في أبريل 2023، اندلع الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهي ميليشيا مسلحة نشأت في ظل النظام السابق وكانت لها صلات وثيقة بالإسلاميين. كان هذا الصراع نتيجة لتفكك الدولة والنفوذ العميق للأحزاب السياسية داخل الجيش، بما في ذلك الإسلاميين والقوى المدنية الأخرى.
ولا أنسي لواء البراء تداخل المليشيات الإسلامية مثل "اللواء البراء" في أعمال الجيش السوداني والتحالف معه في الحرب يعكس تعقيدات عميقة في المشهد العسكري والسياسي في السودان. هذا التداخل ليس مجرد تعاون عسكري، بل يعكس تأثير الأيديولوجيات السياسية والدينية في قرارات الجيش السوداني وفي تشكيل مواقفه العسكرية.
نقاط التحليل هي , التداخل الأيديولوجي: تاريخيًا، لعب الإسلاميون دورًا محوريًا في الجيش السوداني منذ انقلاب البشير في 1989. خلال فترة حكمه، تم تمكين الإسلاميين في المؤسسة العسكرية بشكل منهجي، وتم تحويل الجيش إلى أداة لخدمة الأجندة الإسلامية. هذا التداخل الأيديولوجي استمر حتى بعد سقوط البشير، حيث ظلت المليشيات الإسلامية مثل "اللواء البراء" تعمل كذراع عسكري لمجموعات إسلامية متطرفة، مستفيدة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.
التأثير على العمليات العسكرية: وجود هذه المليشيات ضمن العمليات العسكرية للجيش يؤثر على طبيعة الصراع وعلى استراتيجيات القتال. هذه المليشيات، التي غالبًا ما تكون أقل انضباطًا وأكثر تطرفًا، قد تتبع تكتيكات أكثر عنفًا وبدون مراعاة للقوانين الدولية أو حقوق الإنسان. هذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في مناطق النزاع وزيادة معاناة المدنيين.
الشرعية والمصداقية تحالف الجيش السوداني مع مليشيات إسلامية مثل "اللواء البراء" قد يضر بمصداقية الجيش على الساحة الدولية، ويضعف من شرعية الحكومة السودانية في عيون المجتمع الدولي. هذا يمكن أن يؤثر سلبًا على الجهود الدبلوماسية والدعم الدولي للسودان، خاصة في ظل الانتقادات المستمرة للانتهاكات التي ترتكبها مثل هذه المليشيات.
خطر انقسام الجيش هذا التداخل قد يؤدي أيضًا إلى انقسامات داخل الجيش نفسه. فوجود مليشيات ذات أيديولوجيات محددة تعمل جنبًا إلى جنب مع وحدات الجيش يمكن أن يؤدي إلى توترات داخلية، حيث قد يرفض بعض القادة العسكريين غير المتحالفين مع الإسلاميين هذه الشراكة، مما يزيد من خطر الانقسام داخل الجيش.
تداخل المليشيات الإسلامية في أعمال الجيش السوداني وتحالفها معه في الحرب يشكل خطورة كبيرة على الاستقرار الداخلي، ويزيد من تعقيد الصراع في السودان. كما أنه يضر بسمعة الجيش ويزيد من احتمالات انقسامه، مما يجعل الوضع في البلاد أكثر اضطرابًا ويصعب من جهود الوصول إلى حل سلمي ومستدام.
التداخل الحزبي في الجيش السوداني أدى إلى إضعاف المؤسسة العسكرية، وتحويلها من جيش وطني إلى أداة سياسية بيد القوى المختلفة. هذا التداخل كان له تأثير كارثي على استقرار السودان وساهم بشكل مباشر في تفاقم الأزمات السياسية والأمنية التي يعاني منها البلاد حتى اليوم.
تدخل الإسلاميين والقوى المدنية في القوات المسلحة السودانية الأضرار والتداعيات
تسيس الجيش وفقدان الاحترافية
الاستقطاب السياسي تدخل الإسلاميين والقوى المدنية في القوات المسلحة السودانية أدى إلى تسيس الجيش، حيث تم إدخال عناصر ذات ولاءات سياسية داخل المؤسسة العسكرية. هذا الاستقطاب أدى إلى إضعاف الاحترافية داخل الجيش، حيث أصبحت القرارات العسكرية تتأثر بالاعتبارات السياسية بدلًا من المصالح الوطنية.
تقويض الانضباط العسكري: مع تزايد النفوذ السياسي داخل الجيش، تراجعت معايير الانضباط العسكري. كان ذلك واضحًا خلال فترة حكم عمر البشير، حيث أصبحت القوات المسلحة بمثابة ذراع سياسي للحركة الإسلامية الحاكمة، مما أدى إلى فقدان الثقة داخل المؤسسة وبين الشعب.
. تفتيت الوحدة داخل الجيش
الصراعات الداخلية: تدخل القوى السياسية أدى إلى تفتيت الوحدة داخل القوات المسلحة. فكل طرف كان يسعى لتجنيد ودعم ضباط وجنود موالين له، مما خلق انقسامات داخلية عميقة. هذه الانقسامات جعلت من الصعب على الجيش التحرك كوحدة متماسكة في الأوقات الحرجة، خاصة خلال الأزمات الوطنية مثل الحروب أو الانقلابات.
ضعف الجيش أمام التحديات الأمنية: بسبب هذه الانقسامات، أصبح الجيش السوداني أضعف في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، سواء كانت تلك التحديات داخلية مثل النزاعات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان، أو خارجية مثل التهديدات من دول الجوار.
دور الإسلاميين في تعزيز نفوذ الميليشيات
تشجيع إنشاء ميليشيات مسلحة: خلال حكم البشير، ساهم الإسلاميون في إنشاء ودعم ميليشيات شبه عسكرية مثل قوات الدعم السريع (التي تطورت من ميليشيات الجنجويد). هذه القوات أصبحت تعمل بشكل شبه مستقل عن الجيش النظامي، مما زاد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية في السودان.
تهديد السيادة الوطنية: تعزيز نفوذ هذه الميليشيات أدى إلى تقويض سيادة الدولة، حيث أصبحت قرارات مهمة تتخذ من قبل قادة الميليشيات وليس من قبل القيادة العسكرية العليا، مما جعل السودان عرضة للابتزاز والضغوط من قوى خارجية وداخلية.
الأضرار الاقتصادية
تضخم الإنفاق العسكري بسبب التسيس وتدخل القوى المدنية والإسلامية، ارتفع الإنفاق العسكري بشكل غير مبرر، حيث كانت الحكومة تستثمر في الولاءات السياسية داخل الجيش والميليشيات على حساب الاحتياجات الأساسية للشعب، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد السوداني بشكل كبير.
استنزاف الموارد و كذلك، استنزف الدعم المالي والسياسي للميليشيات موارد الدولة، حيث تم توجيه جزء كبير من الموارد لدعم هذه القوات بدلاً من استخدامها في التنمية الاقتصادية والبنية التحتية.
تداعيات على الانتقال الديمقراطي
إفشال الانتقال السلمي و تدخل الإسلاميين في الجيش جعل من الصعب على السودان تحقيق انتقال سلمي إلى الديمقراطية بعد ثورة ديسمبر 2018. حيث أصبح الجيش مدججًا بالعناصر الموالية للنظام القديم، مما عرقل جهود القوى المدنية في بناء نظام ديمقراطي مستقر.
استمرار النفوذ العسكري: بالرغم من المحاولات لتقليص نفوذ الجيش في السياسة، إلا أن التدخلات السابقة للإسلاميين والقوى المدنية جعلت من الصعب تحقيق ذلك، حيث استمر النفوذ العسكري والسياسي في تشكيل المشهد السياسي السوداني بعد الثورة.
أن تدخل الإسلاميين والقوى المدنية في القوات المسلحة السودانية أدى إلى تدهور الجيش كمؤسسة وطنية مستقلة، وزيادة الانقسامات الداخلية، وتعزيز نفوذ الميليشيات المسلحة. هذه التدخلات كانت لها آثار كارثية على الاستقرار السياسي والأمني في السودان، وأعاقت جهود الانتقال الديمقراطي، مما جعل السودان عرضة لأزمات مستمرة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة الجیش السودانی الإسلامیین فی مما أدى إلى فی السودان داخل الجیش بما فی ذلک حیث أصبحت انقلاب ا فی الجیش ومع ذلک
إقرأ أيضاً:
كيف ترى الأوساط السياسية إسقاط روسيا لمشروع القرار البريطاني حول السودان؟
أسقطت روسيا مساء الاثنين مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في السودان، أيده 14 عضوا لكنه واجه فيتو المندوب الروسي ديمتري بوليانسكي، مما استقطب انتقادات شديدة وملاسنات بينه وبين مندوبي الولايات المتحدة ليندا توماس غرينفيلد وبريطانيا باربرا وودوارد.
وكانت كل من بريطانيا وسيراليون تقدمتا بمشروع قانون يتضمن 15 بندا تهدف إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط في حوار للاتفاق على تهدئة الصراع، والتنفيذ الكامل للالتزامات التي تم التعهد بها لحماية المدنيين، ووقف العنف الجنسي، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تجنب أي تدخل خارجي يثير الصراع وعدم الاستقرار.
ورحبت الخارجية السودانية بالفيتو الروسي، وقالت -في بيان- إن "حكومة السودان ترحّب باستخدام روسيا الاتحادية حق النقض، وتشيد بالموقف الروسي الذي جاء تعبيرا عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية".
من اليمين: محمد الطاهر وأمين حسن عمر وعبدالرحمن عبدالله محمد وعبدالمطلب الصديق (الجزيرة+وكالات) جدل مستمرورغم عدم مرور مشروع القرار في مجلس الأمن، فإنه ما زال يثير كثيرا من الجدل بشأن الأهداف التي يرمي إليها، والقوى التي يمكن أن تمارس ضغطا على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتنفيذ البنود التي جاءت فيه، خاصة أنه ليس مشروع القرار الأول الذي يصوت عليه مجلس الأمن ويتعلق بالسودان.
فقد قال الأستاذ المساعد في كلية الإعلام بجامعة قطر عبد المطلب صديق إن مشروع القرار ما زال يثير كثيرا من الجدل كونه جاء بعد محاولات بريطانية عديدة، "بدأت منحازة لمليشيا الدعم السريع في البداية، ثم خفّت حدة التماهي مع مصالح الدعم السريع على أمل الحصول على موافقة دولية تعطي بريطانيا وحلفاءها مشروعية في اتخاذ إجراءات أكثر تشددا تجاه الجيش السوداني والحكومة".
وعدّد صديق -في مقابلة مع الجزيرة نت- أسباب الجدل التي أثارها مشروع القرار:
أولا: المشروع جاء دبلوماسيا ومتخفيا، حيث أكد تأييده اتفاق جدة، وهذا لم يكن واردا في القرارات والمواقف السابقة لبريطانيا وحلفائها في الملف السوداني. ثانيا: حمل مشروع القرار إدانة صريحة لقوات الدعم السريع، خاصة في مناطق دارفور والجزيرة، لكن سبب الإدانة يرجع إلى الحرج البالغ الذي وقعت فيه هذه الدول مع تنامي جرائم الدعم السريع. ثالثا: الإدانة أيضا انسحبت على الجيش السوداني، وتغيرت لغة مشروع القرار لتعود إلى سابق عهدها باستخدام مصطلح "طرفي النزاع"، وبالتالي المساواة بين الجيش الحكومي و"مليشيا الدعم السريع". رابعا: كذلك تخفى مشروع القرار تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، وهو في الواقع قفزة نحو الوصول إلى تسوية مدنية تحافظ على هيكل الدعم السريع بالوصول إلى اتفاق يضمن مصالح أطراف خارجية في السودان. خامسا: مشروع القرار أُعد على عجل، كأنه يستبق الوصول إلى حل سياسي قبل تورط الدعم السريع في المزيد من الجرائم، مما يحول دون الوصول إلى تسوية مرضية للحلفاء الخارجيين.يذكر أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، اندلعت حرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه سابقا محمد حمدان دقلو (حميدتي).
دخان وحرائق بالخرطوم جراء القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع (رويترز) الوقوع في الفخوفي بداية الشهر الحالي، قالت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة -مع تولي بريطانيا رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر- إنه "بعد مرور 19 شهرا منذ اندلاع الحرب (في السودان)، يرتكب الجانبان انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اغتصاب النساء والفتيات على نطاق واسع".
ويذهب مستشار الرئيس السوداني السابق أمين حسن عمر إلى "أن مسودة المشروع البريطاني حتى لو عدلت مرة أخرى لإغراء الحكومة والقوى السياسية بقطعة الجبن في أطراف الفخ، فإنها لا تزال تحمل الهدف ذاته المتمثل في تمرير شرعية ما للمليشيا وكذلك حجز دور رئيسي لقحت (مكونات سياسية سودانية تتشكّل من تجمع المهنيين) في المستقبل السياسي".
وأضاف أمين حسن عمر -في منشور على حسابه في فيسبوك- أن "محاولة بريطانيا التجاوب الجزئي مع رؤية الحكومة السودانية إنما تهدف لإحراج مناصري رؤية الحكومة حتى لا يصوتوا ضد القرار المشبوه، ولكن جوهر المسودة لا يزال يساوي بين الحكومة والمليشيا بالكف عن الخروقات، وبريطانيا لا تزال تحاول أن تحجز للمليشيا مقعدا شرعيا في المستقبل السياسي القريب والبعيد".
ووصل مستشار الرئيس السوداني السابق إلى استنتاج بأن "تأهيل المليشيا كان هدف بريطانيا منذ سنوات، ومهما تغير التعبير والتكتيك، فيظل المقصد ذاته قائما".
روسيا استخدمت الفيتو من أجل إسقاط مشروع قرار متعلق بالحرب في السودان (الفرنسية) أزمة توصيفمشروع القرار الذي عارضته روسيا الاثنين ليس المحاولة الأولى من أجل وقف إطلاق النار في السودان، ولم يكن مجلس الأمن المنبر الأول الذي يشهد هذه المحاولات.
فقد قال المختص في الجغرافيا السياسية عبد الرحمن عبد الله محمد إن مشروع القرار لم يكن سيحظى بوجود فعلي على أرض الواقع، وذلك لأن الأزمة السودانية تم التعامل معها بطرق مختلفة وعبر منابر مختلفة، وتم إصدار كمية من القرارات سواء كانت أممية أو حالية من بريطانيا أو أميركا أو الاتحاد الأوروبي، ولكنها ذهبت أدراج الرياح".
وأضاف محمد -في مقابلة مع الجزيرة نت- "أننا الآن أمام أزمة توصيف للقضية السودانية، فالمجتمع الدولي ما زال مصرا على أن القضية هي أزمة بين الجيش السوداني والدعم السريع، وأن نص البيان فيه نوع من الضبابية حيث يحاول أن يجرّم الجيش والدعم السريع على حد سواء".
وأشار المختص في الجغرافيا السياسية إلى "أن الجيش السوداني لم ينتهك حرمات ولم يتعرض للنساء أو الأطفال، ولم يجند الأطفال، إنما فعل ذلك كله الدعم السريع". ولكن الضغط الإقليمي والمجتمع الدولي يحاولان أن يساويا بين الطرفين، وعجزا عن وضع مصفوفة مطالب تكون موضوعية وتكون موجهة للدعم السريع.
ووصف قوات الدعم السريع بأنها لم تعد لديها هرمية أو قيادة مركزية، لكنها "استحالت إلى مجموعة من العصابات التي لا رادع لها"، و"حتى الجنرال حميدتي نفسه لن تنصاع الجنود لقراراته، لأنها تقاتل من أجل المغنم فقط".
تخفيف المعاناة الإنسانية
لكن هناك وجوها أخرى لمشروع القرار على صعد مختلفة تتعلق بفتح المعابر وإمكانية وصول الهيئات الإغاثية إلى جميع مناطق السودان من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، وكذلك منع تدخل الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن السوداني، ووقف وصول الأسلحة إلى الجهات المتحاربة.
ولذلك يرى الناشط السوداني محمد الطاهر أن مشروع القرار سيكون له تأثير كبير على الصراع في السودان من حيث تخفيف المعاناة الإنسانية في مناطق الصراع، وتقليل العمليات العسكرية وإيقاف إطلاق النار في كثير من المناطق تمهيدا لدخول طرفي النزاع في مفاوضات مباشرة تحت رعاية الوسطاء الدوليين.
وأضاف الطاهر أن الشعب السوداني في أمس الحاجة حاليا لكل أنواع المساعدات، سواء منها ما يتعلق بالغذاء أو الدواء، فأبواب المجاعة بدأت تغرق مناطق كثيرة من مناطق الصراع، والآن تفتك الأمراض والأوبئة بأبناء الشعب السوداني الذين لا يتمكنون حاليا من الحصول على أقل الاحتياجات العلاجية، خاصة الأمراض المزمنة كالملاريا.
وتسببت الحرب في نزوح نحو 11.3 مليون شخص، بينهم 3 ملايين تقريبا إلى خارج السودان، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون الإنسان التي وصفت الوضع بأنه "كارثة" إنسانية، في حين يواجه نحو 26 مليون شخص انعداما حادا في الأمن الغذائي.