سودانايل:
2025-04-30@04:39:23 GMT

من وراء العزلة الدولية للسودان؟

تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT

إلى عهد حكومة الصادق المهدي – الديمقراطية الثالثة، كان يتمتع السودان بعلاقات دولية طبيعية، ولم توضع حكوماته على قوائم التصنيف الإجرامي، ونظامه المصرفي وعلاقاته التجارية كان يضبطها "السيستم" العالمي، رغم ضعف الأنظمة العسكرية طويلة الأمد وهشاشة الحكم الديمقراطي المسنود بأحزاب أقل ما توصف به أنها طائفية، كانت الحالة السودانية ينظر إليها من قبل المحيط العالمي بنوع من الإشفاق، وشيء من الأمل بخروجها إلى بر أمان الاستقرار السياسي، وهنالك منظمات وهيئات دولية كانت تعمل على جعل هذا القطر الإفريقي منطلقاً لتزويد العالم بالموارد الاقتصادية المتنوعة والمتعددة، ومن هذه الهيئات التي كانت عاملة في هذا الشأن بجد واجتهاد لجعل الحلم ممكناً، مشروع هيئة تنمية غرب السافانا الممول من البنك الدولي، والمدعوم من المانحين – أمريكا وبريطانيا ودول أخرى، المشروع الذي كان بادرة لجدوى مؤكدة تجعل من جغرافيا غرب السافانا محط أنظار الدنيا، وأضابير مكاتب هيئة تنمية غرب السافانا المبنية على نسق بديع جنوب مدينة نيالا – على مقربة من الإذاعة، كانت تحتضن أرفف دواليبها الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، المحددّة لإحداثيات الموارد الطبيعية والزراعية والحيوانية، هذا فضلاً عن الأصول التي تملكها من سيارات وآليات حفر ومعدات، زد على ذلك توفيرها لعدد كبير من الوظائف للسكان المحليين، هل تصدق يا عزيزي القارئ أن هذه المؤسسة العملاقة باعها والي جنوب دارفور في العهد البائد – عبد الحليم المتعافي لمن دفع أكثر، وتقاسم حصيلة ثمنها بينه وبين الفاسدين من جوقة الحزب الفاسد، إنّ نموذج تدمير هيئة تنمية غرب السافانا يعتبر قطرة صغيرة في بحر فساد بيع أصول وممتلكات الشعب المسكين، فهنالك مؤسسات وهيئات محلية عالمية بيعت بأوامر ولاة ووزراء ونافذين في النظام القديم.


البعد الآخر لعمليات إنهاء الوجود الدولي في السودان إما ببيع ألأصول والاستحواذ عليها، أو بطرد الموظفين العاملين، هو استمراء نظام الفساد والاستبداد استباحة مقدرات العلاقات الدولية للبلاد وتعاونها المشترك مع المجتمع الدولي، سواء كانت هذه المقدرات معنوية أو مادية – أصول ثابتة وسائلة، ولا يجب أن ننسى آخر عمليات التخريب والسطو التي طالت أصول البعثة الأممية المشتركة – اليوناميد – وكيف نهبتها الحركة المسلحة التي تدين بالولاء لجماعة الاخوان المسلمين، حين سطت على السيارات والمعدات والآليات في وضح نهار مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، وآخر تجليات بقايا النظام البائد المرتكب لجرائم الإبادة الجماعية القائمة اليوم، أنه وقف ضد إرادة الشعب والوسطاء والمسهلين بعدم التعاون لوضع حد لحرب أشعلها ولم يحسب حسبان ما آلت إليه من مآسي، ومن أعظم الجرائم الحمقاء التي وضعت حداً فاصلاً بين السودان ومحيطه الدولي، استخدام فلول النظام القديم لجهاز الدولة كسلاح لارتكاب جرائم الإرهاب الدولي العابرة للحدود، بالقرصنة والاعتداء على الاساطيل البحرية (المدمرة كول)، والاشتراك في الجريمة الإرهابية بتفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية بتنزانيا و كينيا، وتخطيط وتمويل وتنفيذ جريمة الشروع في اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، هذا غير ملفهم الأسود في نقل السلاح للمنظمات والجماعات الإرهابية في الإقليم، كل هذه التجاوزات الدولية لا يجب أن يرتكبها نظام حكم دولة إفريقية غلبانة، دون أن تتعرض للعقوبات الدولية والتضيق الاقتصادي الذي يدفع بالإرهابيين لإشعال الحروب، هذا هو التطور الطبيعي للحالة السودانية، التي تحكم فيها العقل الإرهابي لثلاثة عقود وبضعة سنين، فحرم هذا القطر الطموح المنافع المترتبة من التواصل الصحي مع الأسرة الدولية، حتى رئيس حكومة الانتقال الهزيلة الدكتور عبد الله آدم حمدوك قد أنجز انجازاً مشهوداً بفتح الأبواب التي أغلقها الإرهابيون ثلاثون عاماً، فما لبث أن عمل المتطرفون على إغلاقها مرة أخرى بحكم الشراكة (الخطيئة) مع المدنيين في ذات الحكومة.
على المجتمعين الدولي والإقليمي أن يعملا معاً على معط جذر منظومة الإرهاب أولاَ، والتعاون مع كل المؤمنين بقضية اجتثاث الشجرة الخبيثة من عروقها من أعماق أرض السودان، ثم من بعد ذلك ستتوقف الحرب تلقائياً بقطع شأفة مشعليها، فليس من العقل في شيء انتظار الكادر الحزبي الذي حكم البلاد زمناً تجاوز المدة التي حققت فيها ماليزيا نهضتها الاقتصادية، أن يكون شريكاً في إصلاح بلد يعتبر هذا الكادر الإرهابي العامل الأول والأخير في تدميره، والإيقاع به في حضيض البلدان المنكوبة بالكوارث الإنسانية، من حروب وجوع وفقر ومرض ونزوح ولجوء، على الفاعلين دولياً وإقليمياً الخروج من المنطقة الرمادية، والعمل بكل قسوة على قطع رأس ثعبان الإرهاب والتطرف الذي يحتسي دماء الأطفال والنساء والشيوخ صباح مساء، في سادية مفرطة دون أن يطرف له جفن، برمي البراميل المتفجرة فوق رؤوسهم، لقد آن الأون للسودان أن يعود إلى الأسرة الدولية معافى من قيود العقوبات، ومرفوع عن قوائم دعم الإرهاب، وخالياً من بؤر التطرف والهوس الديني الذي فتك بعقول الشيب والشباب، لقد خسر السودان كثيراً جراء عهد الظلام الذي أخرجه من التفاعل الدولي بإيجابية.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

قراءة نقدية لمقال المجتمع الدولي والسودان

وصلتني رسالة قيمة من الصديق الكاتب الصحافي الأستاذ محمد أحمد شبشة، تعقيبا على مقالي السابق حول إدمان المجتمع الدولي الفشل في السودان، يقدم فيها قراءة نقدية لما طرحته في ذاك المقال. وقيمة الرسالة تكمن في ما حوته من مناقشة جادة وموضوعية، تتناول من زاوية نقدية الأفكار التي طرحتها في مقالي.
ابتدر الأستاذ شبشة رسالته مشيرا إلى أن المقال المعني قدم تشخيصًا حادًا وموجعًا لمسار المجتمع الدولي والإقليمي في تعاطيه مع الكارثة السودانية المستمرة منذ اندلاع الحرب قبل عامين. وأن المقال ينطلق من أطروحة جوهرها أن المنظومة الدولية، بكل ما تملكه من مؤسسات ومواثيق ومبعوثين ومؤتمرات، تحوّلت إلى كيان مدمن على الفشل والعجز، مكتفية بإعادة تدوير عبارات الشجب والإدانة، بينما تغض الطرف عن مصادر تدفق السلاح والموت في السودان، في ظل عجز كامل عن حماية المدنيين أو توفير الحد الأدنى من الاستجابة الإنسانية. ويقول الأستاذ شبشة: «يقر الدكتور الشفيع بأن الحل لا يأتي من الخارج أو بالنيابة عن السودانيين، لكنه في الوقت ذاته لا يقلل من أهمية مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي، بل يعتبرها ضرورية، شريطة أن تتجاوز الطابع الرمزي والخطابي إلى الفعل الحقيقي. غير أن ما نعيشه منذ مايو 2023 هو العكس تمامًا: مبادرات ومؤتمرات متكررة، من جدة إلى باريس ثم لندن، دون نتائج ملموسة على الأرض، حتى بدا وكأن تدوير الفشل صار سياسة قائمة بذاتها».
وفي قراءته النقدية، يسلط الإستاذ شبشة الضوء على فكرة في المقال تنبّه إلى التناقض الحاد بين خطابات المجتمع الدولي عن وحدة السودان ورفضه للتقسيم ومطالباته بوقف الحرب، وبين فشله العملي في فرض إجراءات رادعة لوقف تدفق السلاح ولجم التدخلات الإقليمية، خاصة في ظل غياب استراتيجية متكاملة أو تنسيق حقيقي بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى. ولكن سرعان ما يستدرك الأستاذ شبشة منوها ومنبها، فيقول «ورغم القيمة التحليلية العالية للمقال، إلا أن تحميل جزء كبير من المسؤولية لغياب «كتلة مدنية موحدة» في الداخل، يحتاج إلى تفكيك أعمق. فالواقع يؤكد أن فشل المجتمع الدولي لا يرتبط فقط بضعف الجبهة المدنية السودانية، بل أيضًا بوجود إرادة سياسية غائبة، أو ربما مقصودة، لإدارة الأزمة لا حلّها، وفق منطق توازنات إقليمية ودولية لا ترى في السودان سوى ساحة صراع بالوكالة، أو ملفًا هامشيًا في ظل اشتعال ملفات دولية أخرى». ثم يواصل فيقول «من جانب آخر، لا يتطرق المقال بوضوح إلى أدوار بعض الدول الإقليمية التي تغذي الحرب بشكل مباشر، رغم أن تقارير أممية وإعلامية عديدة تشير إلى دعم عسكري ولوجستي متكرر من دول عربية وأطراف أفريقية، وهو ما يجعل من «إدمان الفشل» في هذه الحالة أقرب إلى تواطؤ مغلّف بالدبلوماسية، لا مجرد ضعف أو عجز».

ويقرر الأستاذ شبشة بأن قيمة المقال تكمن في توصياته الواضحة في خاتمته، حيث يطالب المجتمع الدولي بالتركيز على ثلاث أولويات محددة، تمثل الحد الأدنى لأي تدخل دولي صادق، لكنها تظل رهينة لإرادة غائبة، في وقت تتسابق فيه القوى الفاعلة لتثبيت نفوذها، لا إنقاذ أرواح السودانيين. والأولويات الثلاث هي: 1 ـ وقف تدفق السلاح باعتباره الخطوة الأولى لوقف إطلاق النار. 2 ـ تحييد وتكثيف المساعدات الإنسانية وضمان عدم استغلالها سياسيًا. 3 ـ حماية المدنيين كأولوية لا تحتمل التأجيل أو التلاعب.
ويختتم الأستاذ شبشة رسالته القيمة مشيرا إلى أن «مقال الدكتور الشفيع خضر لا يكتفي بتسجيل الفشل، بل يدعو إلى مساءلة جذرية لأدوات التدخل الدولي، ويضع الأصبع على جرح الاستراتيجيات العرجاء التي تمارس النفاق باسم السلام. ولعلنا، كسودانيين، نحتاج أن نعيد توجيه البوصلة: من مطالبة المجتمع الدولي بفعل شيء، إلى مطالبته بالتوقف عن التواطؤ، أو على الأقل، الكف عن تمويه الفشل بمصطلحات إنسانية جوفاء».
انتهت رسالة الصديق شبشة، والتي حوت مناقشة تسير في ذات اتجاه ما سطرناه في العديد من مقالاتنا السابقة حول المجتمع الدولي وحرب السودان، حيث أشرت في أحد هذه المقالات إلى اعتقادي بأن المجتمع الدولي، والإقليمي أيضا، لم ينضب معين طاقتهما وتدابيرهما العملية لوقف الاقتتال في السودان. ولكن هناك كوابح عديدة تمنع تفجير هذه الطاقة وتفعيل هذه التدابير العملية، منها تضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، قائدة المجتمع الدولي والإقليمي، لإغماض أعينها عن مصدر تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، ومنها فقر المنهج الذي ظل يتبعه المجتمع الدولي والإقليمي وإفتقار تحركه إلى استراتيجية قوية وشاملة تجاه قضية الحرب. وفي مقال آخر منشور في عمودنا هذا، مارس/آذار 2924، كتبت: من غير المرجح أن تتوقف الحرب في السودان قريبا، وأن دولا في النطاقين الإقليمي والعالمي ربما لا ترغب في توقفها وتريدها أن تستمر لبعض الوقت. واستندت في استنتاجنا هذا إلى عدد من المؤشرات، منها استمرار تدفق الأسلحة بكثافة عبر دول في الإقليم، دون أي نية أو اتجاه وسط الدوائر العالمية ذات القدرة لحظر ذلك، مما يعني تشجيع استمرار القتال، وأن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع لم تواجه برد الفعل المناسب من المجتمع الدولي العالمي. وأن بنوك التفكير ومراكز القرار الدولية ظلت، في عدد من تقاريرها الرسمية، توصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، وكأنها توحي بأن استمرار الحرب يخدم هذا الغرض، خاصة، والسودان أصلا يحتل موقعا رئيسيا في مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى لاستخدام الفوضى الخلاقة كآلية لإعادة تقسيم المنطقة، والسودان في مقدمتها، إلى دويلات ضعيفة ومتصارعة. ومن الواضح أن استمرار الحرب واتساع رقعتها مستخدمة التهجير والنزوح القسري، وفي ظل غياب خطوات مضادة فعالة من المجتمع الدولي، يخدم هذا المخطط.

نقلا عن القدس العربي  

مقالات مشابهة

  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • قراءة نقدية لمقال المجتمع الدولي والسودان
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • مندوب مصر أمام محكمة العدل: إسرائيل انتهكت كافة القوانين الدولية التي وقعت عليها
  • نشرة المرأة والمنوعات| السبب الحقيقي وراء وفاة أمح الدولي .. صورة الوداع الأخير.. وفاة مصممة الأزياء جينا سلطان
  • السبب الحقيقي وراء وفاة أمح الدولي
  • لا وجود للسودان كدولة بوجود الجنجويد
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
  • السودان: المُسيّرات التي استهدفت عطبرة حديثة وفّرتها للمليشيا راعيتها الإقليمية