سكت النغم ,,, نضم الكلاش

المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com

هاهم المبدعون يودعون ,,, واحدا تلو الآخر ,, يتساقطون مثل حبات المسبحة بصوت خفيت ,, الكثيرون لا يحسون برحيلهم ,, فنحن مشغولون عن عالم الموت و حقيقته بالموت نفسه , نعيشه , ونكابد رائحة البارود وطعم دم أبناء البلد الواحد . لقد طغي صوت الرصاص و دوي و القذائف ,, عم الدخان و ظلل عاصمة الجمال و الأبداع و عظم البؤس و كبرت الحيرة و أثمر الشقاء .

لقد هجرت قماري النيل وكناتها و عشش مكانها البؤم فوق نوافذ المباني المدمرة . لقد رحل المبدعون تباعا و ساد المهرجون و الهمج و الأوصياء الجدد ,, سكت الرباب و علا صوت الكلاش ,, تحطمت قيثارات الابداع تحت ظلال الخوف و الرعب و الدمار ,تهاوت النجوم وتساقطت ,, ليس أولهم الكابلي و لا آخرهم محمد ميرغني و لابين رحيل هذين الهرمين سقوط نجم مثل ود الأمين ,, كان الوعد أن لا نغيب عن بعض أبدا ونحن والأشواق حبايب ,, نمرح في حدائق النوار وهمس الأشواق و بهجة المواعيد و نغني معا ,, هو يغني و نحن نغني ,, نغني لجبل مره و لغاب الفافنوس و لخال فاطمة المتمدد كبرياء في غابات الفافنوس لا يفشي الخبر و لا يضن بالوعد

أنه زمن الرصاص الغبي و عفص البوت الممزق علي ورود الجداول المنورة . لقد سكت النغم المتدفق من ضفاف النيلين من عاصمة الحب والحنين و حل مكان الرباب و وتر الحنان صوت أجش دعي ,, يهدر بقول فظ و يوقظ الأحزان و الخوف في نفوس المسنين و الأطفال . لقد حلت الدمامة و الغباء مكان الأناقة و الحسن والوسامة. انه زمان الرعب و الدخان . أنه زمن انكسار القيثار و خفوت صوت المزمار و تهتك الطبول . زمن العناد والهياج و البل و الجغم و كل لفظ جاف خشن أجش مهووس. زمن رحيل الكنارات الصداحة التي ما فتئت تلون الصباحات بطعم الخلود و عمق الصحو و صفو الابتسام .
أن ما شكل وجدان شعب هذه البلاد ليس سوي نغم شجي و نيل ونجم ومساء و ورود ضاحكة و عصافير تعود في موسم الخريف و غزلان تمرح فوق القيزان و عنب مترامية ظلاله علي الحيشان وجلسة عاشقين علي ضفاف المقرن و نفحات من نخيل الباوقة و رفة رمانة علي جداول مرة و سقي من كفوف العذاري وفراش ملون من ضفاف القاش و رحلة في قطار الشوق وسيرة بالبص السريع و مسدار حافل بالفرح و الشواق الي مضارب الحبيبة البعيدة .

لقد عم في بلادنا الحبيبة حزن طويل و خيم دوي مخيف و ضاعت منا في طرقات الخوف عبارات المواساة والتعازي و صارت نجوم الابداع تتهاوي في صمت و نحن مشغولون بالبحث عن الأمان و عن الطعام وعن الحنان . لقد طغت في الطرقات حوافر خيل المغول و دوي القذائف المجنونة حين سكت النغم و نضم السلاح . سكت النغم الشجي الحنون و تحدث الكلاش الغبي المجنون . إنه زمان تهاوي النجوم وافول الأقمار ,, زمن تحطم الأوتار و رحيل العنادل .  

المصدر: سودانايل