اللعبة السياسية في السودان و تغيير قوانينها
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن المراحل التاريخية التي مر بها السودان فترة ما بعد الاستقلال، طرحت أسئلة عديدة، و ليست تلك المتعلقة و المعنية بالهوية و المركز و الهامش و توزيع الثروة و السلطة و التنوع الثقافي و غيرها، و لكن متعلقة بقضية الحكم المتمحور حول " ديمقراطية النظام و التعددية السياسية من جانب، و الشمولية ذات الحزب الواحد مع تعددية الآراء من جانب أخر" و الأسئلة التي تحتاج أيضا لإجابات من قبل قيادات الأحزاب السياسية هل بالفعل أن الأحزاب السياسية السودانية التي تأسست قبل الاستقلال، و التي تأسست بعد الاستقلال، مؤمنة بقضية الديمقراطية و راغبة في تأسيس النظام الديمقراطي و تعمل بمبدئة لتحقيق هذا الهدف على الواقع أم هي شعارات تبطن داخلها مصالح أخرى مغايرة؟ و هل الأحزاب ذات المرجعيات التي تتناقض مع الديمقراطية تستطيع أن تحل هذا التناقض أم هو مقصود كمناورة لأهداف أخرى مبطنة؟ هل الأحزاب نفسها المطروحة في الساحة السياسية منتجة للثقافة الديمقراطية و قادرة أن تسهم في عملية التغيير.
بعد ثورة أكتوبر 1964م ظهر منافس للأحزاب السياسية في قضايا الحكم، هي جبهة الهيئات باعتبار أنها شريك في حكم الفترة الانتقالية، تحت إدعاء أنها لعبت دورا في سقوط نظام عبود، و هذه مقولة غير صحيحة.. لأن أغلبية قيادات أتحاد نقابات عمال السودان و اتحاد المزارعين كانوا قيادات في الحزب الشيوعي، و كانت في تلك الفترة علاقة حميمية بين الشيوعين و نظام عبود، حيث كانوا أعضاء في المجلس المركزي.. و حدث صدام عنيف في تلك الفترة بين القيادات النقابية غير الشيوعين مع قيادات شيوعية أغلقت نادي العمال بهدف منع الندوة و حصل ضرب بالكراسي.. فالدعوة لإشراك جبهة الهيئات تبين عدم الثقة في الأحزاب و ضرورة تجاوزها.. هي الرؤية التي جاءت بالديمقراطيون الثوريون لاحقا..
بعد المصالح في 1977م بين الجبهة الوطنية التي تضم " الاتحادي و الأمة و لإسلاميين" وافق حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي و الإسلاميين بقيادة الترابي دخول الاتحاد الاشتراكي، و أصبح الصادق و الترابي أعضاء في اللجنة المركزية و المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي.ز ثم عقد الصادق المهدي مؤتمرا صحفيا أكد فيه إيمانه بدور الحزب الواحد و تعددية الأراء داخل التنظيم الواحد.. و غدت الديمقراطية شعارا لا مبدأ.. كان الشريف يمثل الاتحادي الديمقراطي رفض المصالحة.. أما الميرغني أيد الانقلاب من أول يوم و دخل أحمد الميرغني الاتحاد الاشتراكي.. تأكيدا أن ديمقراطية لا تعنيهم في شيء..
في انتفاضة إبريل 1985م نجد الدور الأكبر " للتجمع النقابي" في الانتفاضة و حوار العسكر، و الوصول لتفاهمات هي التي أدت إلي نجاح الفترة الانتقالية، و مغادرة العسكر بعد سنة واحدة كراسي الحكم. لكن الفترة نفسها كانت تطرح تساؤلات هل الأحزاب السياسية التي كان دورها بعد التجمع النقابي مؤهلة أن تقود عملية تغيير سياسي و مجتمعي لكي تحافظ على النظام الديمقراطي؟... خاصة أن الديمقراطية تحتاج إلي البقاء دورات انتخابية لكي ترسخ ثقافتها في المجتمع، و توسع قاعدتها الاجتماعية خاصة وسط الأجيال الجديدة..
في 30 يونيو 1989م انقلبت الجبهة الإسلامية على النظام الديمقراطي، و يؤكد الدكتور الترابي أن دخوله الاتحاد الاشتراكي كان يعني أيمانه القاطع " بنظام الحزب الواحد" و يحل كل الأحزاب و يصادر الحريات و الصحف و يحل النقابات و الاتحادات، و يؤكد أن الحركة الإسلامية تحتاج إلي إعادة النظر في مرجعيتها التي لا تتلاءم مع النظام الديمقراطية للحكم.. كانت الحركة الإسلامية قبل الإنقاذ تواجه تحديات كبيرة من قبل القوى السياسية الأخرى، و خاصة خصومهم الأيديولوجيين آهل اليسار " الشيوعيين" و لكنهم كانوا يغزلون القوميين.. لكن نسي الترابي أن حصر السلطة على الإسلاميين سوف ينقل الصراع السياسي الذي كان سائدا مع الآخرين، إلي داخل الحركة الإسلامية نفسها، حيث تغيب الفكرة العامة التي كانت تربط العضوية بالتنظيم، إلي بروز المصالح الفردية و التطلعات الخاصة التي ساعدت على هدم التنظيم من داخله.. و قد كانت المفاصلة 1999م.. خرج الترابي و الذين يؤيدونه.. و ظل الصراع داخل الجانب الأخر، تحت السطح و فوق السطح.. في ظل هذا الصراع المحموم تصبح المصالح الشخصية هي السمة العامة حيث تفشى الفساد و الهث وراء المال العام و الخاص و ضعف التنظيم و كل كان يبحث عن ليلاه...
بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018م و عندما بدأ الجدل بين العسكريين و المدنيين، أرسلت الحرية و التغيير فريق للحوار على الوثيقة الدستورية برئاسة قيادي من الحزب الناصري ليس له علاقة مبدئة بالديمقراطية.. هذا أول خطأ ترتبت عليه أخطاء كثر.. قيادة قحت خسرت الشارع و أظنها لا تعلم أن تأسيس الديمقراطية يحتاج لتوازن القوة في المجتمع، و التطورات الاحقة كان المتوقع أن ترجع للشارع لكنها فضلت الرهان على الخارج بديلا عن الشارع..
كل هذه التطورات السياسية التاريخية، التي لم تتعلم منها القيادات السياسية، و حتى لم تخضعها للنقد و التقييم، لكي تتفادها في المستقبل، هي التي قادت للفشل. و الغريب تقع القيادات في ذات الأخطاء باستمرار، و كل مرة تحاول أن تجد لها تبريرا.. هذه الأخطاء تؤكد أن الأحزاب السياسية تحتاج إلي حوارات داخلية لكي تعيد بناءها الفكري و التنظيمي. و أن القيادات السياسية التاريخية قد فشلت في تجربة الحكم و التحول الديمقراطي، و لابد من تغيرات جذرية داخلها تأتي بقيادات جديدة من الشباب يحملوا تصورات جديدة ،و يقبلوا على الحوار الوطني للوصول لتوافقات فيما بينهم.. قيادات جديدة مؤمنة بدورها و مدركة أن البلاد لا يصلحها إلا أبنائها و ليس النفوذ الخارجي.. بعد الحرب لابد أن يحدث تجديدا داخل المؤسسات الحزبية بشكل جذري كما يحب الوصف الزملاء.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النظام الدیمقراطی الأحزاب السیاسیة
إقرأ أيضاً:
«قمة» عربية مصغرة في السعودية.. إسرائيل تقول: «اللعبة» انتهت!
أكدت إسرائيل استمرار تنفيذ عملية تبادل الأسرى والرهائن المقررة السبت، رغم المطالبات بعدم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ردا على تفجير الحافلات في تل أبيب مساء الخميس.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في وقت مبكر من صباح الجمعة، “أنه من المتوقع أن تستمر عملية إطلاق سراح الرهائن المقررة السبت كما هو مخطط لها”.
وحذر الجيش في بيان من أنه “سيتعامل بحزم مع أي انتهاك من حماس”، وتسلمت إسرائيل الخميس 4 جثث لرهائن من حماس، ومن المقرر أن يتم تسليم 6 رهائن أحياء السبت، وفي المقابل ستطلق إسرائيل سراح مئات الأسرى الفلسطينيين.
وطالب عدد من الوزراء الإسرائيليين بعودة القتال في غزة، وعدم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم السبت.
وكانت هددت إسرائيل، في منشورات ألقتها على قطاع غزة بالطائرات، بتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتهجير أهل غزة قسرا، قائلة فيها “لم يبق إلا القليل وانتهت اللعبة ونحن هنا باقون إلى يوم القيامة”، على حد تعبيرها.
وجاء في بداية المنشور آيات قرآنية تتحدث عن الابتلاء والمصيبة وأجر الصابرين. وقال المنشور: “نداء أخير لمن يريد أن نقدم له مساعدات.. أعيدوا حساباتكم. خريطة العالم لن تتغير إن اختفى كل أهل غزة عن الوجود”.
في السياق، قال المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، الخميس، “إن خطة الرئيس لغزة لا تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، وإن الحديث عن مستقبل غزة يتحول نحو كيفية إيجاد مستقبل أفضل للفلسطينيين، بحسب “رويترز”.
وتستضيف السعودية قمة عربية مصغرة، اليوم الجمعة، تجمع عددا من القادة العرب لمناقشة خطة بديلة لمقترح الرئيس الأمريكي، الداعي إلى نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن.
يعقد قادة دول الخليج ومصر والأردن قمة مصغّرة غير رسمية في السعودية اليوم الجمعة، في ظل مسعى عربي لتقديم خطة مضادة لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول قوله “إن القمة تأتي بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتضم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “في لقاء أخوي غير رسمي”.
وأضافت أنه “فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك وما يصدر من قرارات بشأنه فسيكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة المقبلة التي ستنعقد في جمهورية مصر العربية الشقيقة” في الرابع من مارس.
والثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، تأجيل القمة العربية الطارئة حول التطورات في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، والتي كان من المقرر عقدها نهاية فبراير الحالي.
بدوره، كشف الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري، ملامح خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير أهله، وهو الموقف الذي أعلنته مصر وكشفت عن نيتها تقديم تصور متكامل لإعادة الإعمار.
وقال البرلماني المصري خلال تقديمه برنامجه “حقائق وأسرار” عبر قناة “صدى البلد” مساء الخميس، إن مصر لم تكتف برفض تهجير الفلسطينيين بل قدمت بخطة لإعادة إعمار القطاع، منوها بأن الخطة تستغرق في مراحلها الثلاث ما يصل إلى 5 سنوات.
وأوضح أن المرحلة الأولى تتضمن تقسيم القطاع إلى 3 مناطق إنسانية وإدخال المنازل المتنقلة “الكرفانات” والخيام إليها لإيواء السكان لمدة 6 أشهر، وبالتوازي يجري رفع الركام ودخول المساعدات الإنسانية والوقود وآليات إعادة الإعمار.
وذكر أنه في أول عام ونصف العام سيجري بناء وحدات سكنية آمنة بمناطق القطاع الثلاثة، كما سيتم إنشاء منطقة عازلة وحاجز لعرقلة حفر الأنفاق عبر حدود غزة مع مصر.
وأوضح أن عملية إعادة الإعمار ستشارك فيها نحو 50 شركة متعددة الجنسيات متخصصة في مجالات التشييد والبناء، وبتمويل عربي ودولي، وسيتم إنشاء صندوق لإعادة الإعمار.
وعن مستقبل الحكم في قطاع غزة، قال إن الخطة تتضمن تشكيل إدارة فلسطينية محايدة بعيدة عن الانقسامات بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية للإشراف على جهود الإعمار وإدارة القطاع خلال المرحلة الانتقالية.
وأضاف أنه سيتم تشكيل قوة شرطة فلسطينية جديدة، ستكون بشكل أساسي من عناصر سابقة تابعة للسلطة الفلسطينية مع تعزيزها بقوات من دول أخرى لضمان الأمن خلال فترة الإعمار.
وكانت مصر قد أكدت أنها ستقدم “تصورا متكاملا لإعادة إعمار قطاع غزة يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه وبما يتسق مع الحقوق الشرعية والقانونية لهذا الشعب”.
وشددت مصر على أن “أي رؤية لحل القضية الفلسطينية ينبغي أن تأخذ في الاعتبار تجنب تعريض مكتسبات السلام في المنطقة للخطر، بالتوازي مع السعي لاحتواء والتعامل مع مسببات وجذور الصراع من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك بين شعوب المنطقة”.