رغم أن "التفاهم" المعلن بين الأمم المتحدة والنظام السوري، أعاد فتح الحدود أمام المساعدات الإنسانية إلى شمالي البلاد بعد تعليق إيصالها لأسابيع، ولّد الغموض المرتبط بتفاصيله حالة من التوجس لدى نشطاء وعمال إغاثة ومعارضين، إذ باتوا يعتقدون أن "الملف الحساس" المرتبط بحياة الملايين "دخل مرحلة جديدة".

وخلال الأشهر الستة المقبلة، سيكون "معبر باب الهوى" الحدودي متاحا بموجب "التفاهم"، وسيسمح للمساعدات التي تشتد الحاجة إليها بالوصول إلى ملايين الأشخاص في شمال غرب سوريا، حسب بيان للأمم المتحدة.

كما تضمن ما توصلت إليه الأمم المتحدة مع النظام السوري استخدام معبري باب السلام والراعي الحدوديين لمدة ثلاثة أشهر إضافية، بعدما افتتحا في الأصل في وقت سابق من هذا العام، كجزء من الاستجابة الطارئة لكارثة زلزال فبراير المدمّر.

وقال نائب الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في بيان رسمي، الأربعاء، إن إعادة فتح المعابر جاء بعد "تفاهم تم التوصل إليه مع الحكومة السورية، وفي أعقاب محادثات أجراها مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية".

وأضاف حق أن "الخطوة تأتي لأغراض السعي إلى وصول المساعدات الإنسانية بطريقة تحمي الاستقلال التشغيلي للأمم المتحدة".

ولم تكشف الأمم المتحدة عن تفاصيل "التفاهم" الحاصل، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"الشرطين"، اللذان وضعهما النظام السوري مؤخرا أمام السماح بأي عملية إيصال للمساعدات عبر الحدود.

وشملت الشروط التي وضعها النظام، في يوليو الماضي، منع الأمم المتحدة من التعامل مع ما تسميه "المنظمات الإرهابية" في المنطقة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا.

كما حدد في رسالة سبق وأن نشرت تفاصيلها وكالات غربية من يمكنه الإشراف على عمليات التسليم، وتسهيلها إلى "الهلال الأحمر العربي السوري" (SARC) و"اللجنة الدولية للصليب الأحمر" (ICRC).

"رسائل متبادلة"

وسبق أن تمت عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا لأيام في السنوات الماضية، ليتم استئناف دخولها لاحقا. ومع ذلك يعتبر الحال القائم الذي تم التوصل إليه "استثنائيا".

وهذه الحالة من الاستثناء ترتبط بدخول النظام السوري على الخط، وانتظار الأمم المتحدة للحصول على موافقته، بعدما كان استئناف آلية الإيصال يتم بالتصويت داخل أروقة مجلس الأمن.

ولطالما نسقت منظمات غير حكومية ودول بمفردها إرسال قوافل مساعدات من طرف واحد إلى الشمال الغربي، لكن منظمات الأمم المتحدة لا تستطيع اجتياز المعبر دون موافقة النظام في دمشق، أو مجلس الأمن.

وانعكست إشكالية الحصول على موافقات على مناطق شمال سوريا خلال الزلزال المدمّر الذي ضربها، إذ استغرق إيصال المساعدات إليها أسبوعا حتى حصلت الأمم المتحدة على موافقة من رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وورد في رسالة، يوم الخامس من أغسطس الجاري، بعثها منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، إلى سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، واطلعت عليها "رويترز" أن الأمم المتحدة "قد تحتاج إلى التعامل مع جهات فاعلة مختلفة في شمال غرب سوريا" أثناء قيامها بعمليات إغاثة.

كما قال إن مكتبه وليس "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" و"الهلال الأحمر العربي السوري"، هو المسؤول عن الإشراف على العمليات في شمال غرب سوريا، وأن الجهتين المذكورتين ليس لهما حضور كاف في تلك المنطقة لتولي مثل هذا العمل الإنساني.

بعد ذلك، وفي رسالة بتاريخ، 6 أغسطس، شكر الصباغ غريفيث على "التوضيحات المتعلقة ببعض الإجراءات العملية الأساسية"، وقال إن سوريا "تتطلع إلى مشاركة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري عندما تسمح الظروف بذلك"، دون الإشارة إلى الشروط السابقة.

وورد في رسالة صباغ، حسب نسخة حصل عليها موقع "الحرة" أن دمشق وافقت على تمديد إيصال المساعدات من "باب الهوى" لمدة ستة أشهر اعتبارا من 13 يوليو 2023.

أما عملية الإيصال من "الراعي" و"باب السلامة" حددتها دمشق لثلاثة أشهر، تنتهي في الثالث عشر من ديسمبر المقبل.

ووافق النظام السوري على استخدام معبري سرمدا وسراقب للمساعدات المتجهة من الداخل "عبر الخطوط" لمدة سنة أشهر تنتهي في فبراير 2024، وأضاف في رسالته: "نأخذ علما برغبة الأمم المتحدة باستخدام نسخة من ترتيبات الرقابة الصارمة والمستقلة لشحنات المساعدات عبر الحدود".

"مرحلة جديدة"

ومن غير الواضح حتى الآن ماهية التغيّر الذي طرأ حتى وافق النظام السوري على استئناف إيصال المساعدات عبر الحدود، ومن خلال المعابر الثلاثة التي لا يسيطر عليها بالأساس، إذ تخضع لفصائل معارضة مختلفة.

وكذلك الأمر بالنسبة لتفاصيل آلية الإيصال الجديدة، وما إذا كان قد طرأ عليها أي اختلاف قياسا بمسارها السابق، والممتد منذ عام 2014.

ويعتبر الطبيب السوري، محمد كتوب، أن "ملف المساعدات العابرة للحدود إلى سوريا دخل في مرحلة جديدة"، وأن "الأمم المتحدة باتت تعمل تحت موافقة النظام، وبالتالي سيكون له نفوذ أكبر وسيصبح له تدخل أكبر".

ويقول كتوب المطلّع على الآلية الإنسانية الدولية المتعلقة بسوريا لموقع "الحرة": "من غير المتوقع تدخّل مجلس الأمن طالما هناك موافقة من النظام، وبالتالي الأمم المتحدة أصبحت تحت ضغط النظام".

ومن المفترض "إيجاد حلول مع المانحين لاستمرار الأمم المتحدة بالعمل عبر الحدود دون انتظار موافقة النظام وشروطه كل 6 أشهر"، بحسب كتوب.

ويضيف الطبيب السوري: "كما يجب على المدى الطويل رفع قدرات وموارد المنظمات السورية، لتكون قادرة على إدارة العمليات الإنسانية باعتمادية أقل على المنظمات الدولية".

ويرى المحلل المستقل لشؤون سوريا، سام هيلر، أن "بعض التفاصيل للتفاهم الحاصل بين الحكومة السورية والأمم المتحدة وآلية العمل الجديدة التي ستتبعه لم تتضح بعد".

ومع ذلك يرى هيلر في حديثه لموقع "الحرة" أن "التفاهم يمثل أساسا ومنطلقا للعمل لوضع تفاصيل هذه الآلية الجديدة، ولإعادة العمل الإغاثي الأممي عبر باب الهوى بطريقة تتطابق مع المبادئ الإنسانية".

ومن جانب الباحث "يجب الانتظار لرؤية التفاصيل العملية للآلية الجديدة، والتي قد تشبه إلى حد كبير الآلية القديمة التي سبقت جلسة مجلس الأمن والفيتو الروسي في شهر يوليو الماضي".

ويوضح أنه "على ما يبدو ووفقا للرسائل المتبادلة فقد أبدت دمشق نوعا من المرونة وتراجعت عن بعض الشروط التي وضعتها في رسالتها السابقة، وذلك بعد لقاءات وحوار مع المسؤولين الأمميين، وإيضاح الأخيرين لطريقة عمل الوكالات الأممية وفقا للمبادئ الإنسانية".

ماذا يريد النظام؟

وتم استخدام "باب الهوى" منذ عام 2014، عندما أجاز مجلس الأمن الدولي تسليم شحنات الإغاثة عبر الحدود. ومنذ ذلك الحين، مرت حوالي 85 في المئة من شحنات المساعدات عبر هذا المنفذ من تركيا، وفق الأمم المتحدة.

لكن شحنات المساعدات كانت قد توقفت، في يوليو الماضي، عندما فشلت القوى الغربية وروسيا الحليف الرئيسي للنظام السوري في الاتفاق على تمديد تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للعملية.

بعد ذلك أعطى النظام في دمشق موافقة أحادية الجانب ولكن بشروط رفضتها الأمم المتحدة باعتبارها "غير مقبولة"، لتعلن قبل يومين عن "التفاهم الحاصل".

وأثار التفاهم مخاوف منظمات إغاثية وإنسانية، إذ قال "الدفاع المدني السوري" في بيان، الأربعاء، إن "الأمم المتحدة تجاهلت مطالب السوريين ومناشداتهم، وسمحت لنظام الأسد بالتحكم بالملف الإنساني والمساعدات عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا".

وأعاد "الدفاع المدني" التذكير بوجود مستند قانوني يمكّن الأمم المتحدة من إدخال المساعدات دون موافقة الدولة المعنية أو مجلس الأمن.

وأضاف بيانه أن "الرضوخ الأممي للنظام وهو الذي قتل وهجر السوريين واستخدم الأسلحة الكيميائية ولديه تاريخ حافل باستغلال المساعدات وتسييس توزيعها والتلاعب بها هو إهانة وخذلان للسوريين ولتضحياتهم".

من جهته اعتبر "فريق منسقو الاستجابة في الشمال السوري" أن "ترحيب الأمم المتحدة بتفويض النظام السوري يعني تواطؤها معه من أجل تحقيق مصالحه على حساب المدنيين".

وجاء في بيان له: "نرفض دخول مؤسسات النظام السوري (الهلال الأحمر السوري) وشريكها الدولي (اللجنة الدولية للصليب الأحمر)"، وأن "كل جهة تتعامل معها سيتم اعتبارها شريكا في دعم الأسد".

ويوضح الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي أن "النظام السوري لم يتخل عن مطالبه في الرسالة التي بعثها للأمم المتحدة في السادس من أغسطس، لكنه خففها بشكل أو بآخر تحت عبارات من قبيل (عندما تسمح الظروف)".

ويقول بربندي لموقع "الحرة": "هدف النظام هو إلغاء تفويض مجلس الأمن، وصولا إلى اختصار مسار المساعدات الدولية ضمن علاقة ثنائية تربطه مع الأمم المتحدة بشكل مباشر، وبالتالي قد يعمل على ابتزازهم طول العمر".

وحتى الآن لا يعرف الكثير من التفاصيل بشأن الآلية الجديدة أو "التفاهم"، وكذلك الأمر بالنسبة لموقف الولايات المتحدة الأميركية.

ويضيف بربندي مستدركا: "هل سيوافقون على رسالة النظام؟ ولا سيما أنها تسحب الكارت منهم بالتدريج ومن يد المجتمع الغربي".

"تحركات بالتدريج"

ومنذ حلول كارثة الزلزال المدمّر، في فبراير الماضي، بدا لافتا سلسلة الزيارات التي أجراها المسؤولون الأمميون إلى العاصمة دمشق، إذ كانوا يلتقون في الغالب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير خارجيته، فيصل المقداد.

ولم تنسحب الزيارات على وكالة أممية دون غيرها، بل شملت غالبيتها.

ويوضح الطبيب السوري كتوب أن "العمل والتنسيق بين النظام السوري والأمم المتحدة يسير على قدم وساق"، بعدما سلكت دمشق "استراتيجية مختلفة".

"ما نراه اليوم بإعطاء الموافقة من جانب النظام هو سلسلة من الإجراءات التي يتخذها الأخير لتغيير التعامل مع الآليات الأممية جميعها وليس فقط المتعلقة بالمساعدات العابرة للحدود".

ويقول كتوب: "منذ فترة أراد النظام الانخراط في الآليات، وسعى لتعيين ممثل له في منظمة الصحة العالمية، في وقت تجاوب مع مجلس حقوق الإنسان وحاول وضع صوت له في الإطار الاستراتيجي للأمم المتحدة".

ويعتبر كتوب أن "النظام السوري فهم اللعبة بأن يكون منخرطا في الآليات الأممية بدلا من أن يفرض الموضوع عليه فرضا".

وأمام "المرحلة الجديدة" التي دخل فيها ملف المساعدات إلى سوريا يشير الطبيب السوري إلى "ضرورة وجود دور للمانحين الدوليين، إذ بإمكانهم الضغط على صعيد تمويلاتهم المقدمة للأمم المتحدة، وأن لا تخضع لسيطرة النظام السوري".

ولا تتعلق المساعدات عبر الحدود بشاحنات الإغاثة فحسب، بل "هي أبعد من ذلك"، وتشمل حسب حديث الطبيب: "إدارة العمليات الإنسانية والمشاكل المتعلقة بالبرمجية ومشاركة المعلومات".

"لا تتطلب إذنا"

وسبق وأن أوضحت منظمات حقوق إنسان دولية أن المساعدات إلى شمال غرب سوريا يمكن أن تمر دون إذن من مجلس الأمن أو حتى موافقة النظام السوري، وبشكل قانوني.

ووفقا لتحليل قانوني نشرته منظمة "العفو الدولية"، في مايو الماضي، فإن تسليم المساعدات الإنسانية غير المتحيزة عبر الحدود السورية إلى المدنيين الذين هم في حاجة ماسة إليها دون تصريح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو موافقة الحكومة السورية أمر قانوني، بموجب القانون الدولي.

وذلك "بسبب عدم توفر بدائل أخرى ونظرا لضرورة عمليات الإغاثة عبر الحدود التي تقوم بها الأمم المتحدة للحد من معاناة السكان المدنيين، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شمال غرب سوريا".

وقالت شيرين تادروس، نائبة مدير برنامج أنشطة كسب التأييد وممثلة منظمة العفو الدولية لدى الأمم المتحدة في مايو: "تدعو منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة إلى مواصلة إيصال المساعدات عبر الحدود عبر جميع المعابر الحدودية المتاحة، بغض النظر عن موافقة الحكومة السورية أو عدمها".

"حياة أكثر من أربعة ملايين شخص على المحك، والقانون الدولي واضح في أن حقوقهم يجب أن تكون ذات أولوية قصوى"، وفقا لتادروس.

وأضافت تادروس: "يجب ألا يعتمد مصير الملايين على تصريح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو موافقة الحكومة السورية. لقد حالت الألاعيب السياسية السامة دون وصول المساعدات إلى أولئك الذين تعتمد حياتهم عليها".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر المساعدات عبر الحدود المساعدات الإنسانیة فی شمال غرب سوریا الحکومة السوریة إیصال المساعدات للأمم المتحدة النظام السوری الأمم المتحدة مرحلة جدیدة مجلس الأمن باب الهوى إلى شمال فی رسالة

إقرأ أيضاً:

مع تصعيد القصف على سوريا.. هل دخلا دمشق الحرب رسميا؟

لا يكاد يمر يوم إلا والاحتلال يشن غارات عنيفة على سوريا، حتى شملت مجمل المناطق التي يسيطر عليها النظام من دمشق حتى حماة وحلب وصولا إلى القصير والمعابر الحدودية مع لبنان.

وبينما يكتفي النظام السوري بإدانة الهجمات والاحتفاظ بحق الرد، تضاعف "إسرائيل" عدوانها على البلاد وتهدد بشكل صريح بتوسيعه هذا فضلا عن تحركات برية يقوم بها جيش الاحتلال في الجولان المحتل.

في هذا التقرير نحاول الإجابة على السؤال الأهم:
هل دخلت سوريا رسميا دائرة الحرب؟

محاولات التحييد
منذ الأيام الأولى للعدوان ذكرت تقارير إسرائيلية، أن الإمارات أرسلت رسائل إلى بشار الأسد تحذر فيها من أي تدخل لسوريا في الحرب الدائرة في غزة أو هجمات ضد دولة الاحتلال من الأراضي السورية.

وذكرت المصادر للقناة 12 العبرية، أن الإماراتيين نقلوا الرسائل إلى سوريا على أعلى مستوى، وأبلغوا الإدارة الأمريكية بعد ذلك بمحادثاتهم مع سوريا بشأن قضية غزة.

مطلع الشهر الجاري، تحدثت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن ما وصفتها بـ"إغراءات" الإمارات لإقناع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالتخلي عن تحالفه مع إيران وحزب الله.

وقالت الصحيفة إن "نتنياهو يراهن على تحقيق تغيير ليس في لبنان فقط، بل في سوريا أيضا"، مشيرة إلى أن تقارير دبلوماسية تتحدث عن أن "إسرائيل" تتابع باهتمام ما يجري في دمشق، وما الذي يمكن أن تحققه جهود تقودها الإمارات بالتعاون مع الأردن، لإقناع الأسد بالتخلي عن إيران وحزب الله.

وتابعت: "تل أبيب لا تراهن على تغيير كبير في الموقف السوري، لكن حلفاءها في أبو ظبي وعمّان يطلبون مهلة لمحاولة إقناع الأسد بالطلب من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بمغادرة الأراضي السورية، وإقفال المقرات الخاصة بكل من له صلة بمحور المقاومة، والتعهد بعدم إفساح المجال أمام عبور أي نوع من الدعم المادي والعسكري إلى لبنان عبر الأراضي السورية".

وذكرت أن "الإمارات تحاول تقديم إغراءات مالية كبيرة للأسد، مع إبداء الاستعداد لإطلاق ورشة إعادة إعمار في كل سوريا إذا ابتعدت عن محور إيران. كما يتعهد الأردن بالقضاء على كل المجموعات المعارضة للحكومة السورية في جنوب وشرق سوريا".



هل نجحت خطة التحييد؟

يقول الكاتب والباحث السياسي محمد الخفاجي، إن "سردية الوساطة الإماراتية ليست وليدة اللحظة كما أن عودة الأسد إلى الجامعة العربية كانت قبل طوفان الأقصى، لذا فإن محاولة التركيز عليها لتفسير صمت الأسد تبدو مخطئة، خصوصا أن علاقة سوريا بالمحور علاقة عضوية استراتيجية عميقة وليست مصلحية بسيطة".

وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أن "تكثيف الكيان للضربات على سوريا، يأتي لزيادة الضغط على حزب الله للقبول بوقف إطلاق النار وفق شروط نتنياهو وبنفس الوقت رسالة لإيران بأن الحرب تتسع وقد لا يسعفها الوقت للنأي بنفسها عنها، فعليها الضغط باتجاه قبول الحزب بشروطها لوقف الحرب في لبنان".

هل وصلت الحرب دمشق؟
يشير الخفاجي، إلى أن "سوريا منذ سنوات كانت ساحة صراع إسرائيلي إيراني مستتر فالغارات التي تتصاعد الآن هي حلقة أخرى من صراع قديم اشتعل بشكل أكبر بعد طوفان الأقصى، لكن فعليا الاحتلال غير قادر على فتح جبهة سوريا لأسباب سياسية أولا وعسكرية لوجستية ثانية".

وعن الأسباب يقول الخفاجي، إن "إسرائيل في اجتياح لبنان بثمانينات القرن الماضي وصلت بيروت بوقت قياسي بينما إلى الآن لم تستطع الوصول إلى الليطاني وما زالت تقاتل في البلدات الحدودية رغم تقدمها في عدة محاور، لذا فإن فتح جبهة سوريا مكلف للغاية وقد شاهدنا خلال عام من العدوان أن نتنياهو لم يفتح جبهة لبنان إلا بعد انتهاء الجزء الأكبر من العملية البرية في غزة ووصولها لطريق مسدود".

وتابع، "يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أن الخشية الإسرائيلية ليست من النظام فحسب بل من الفصائل الموجودة في سوريا خصوصا حركة النجباء العراقية، التي روجت قبل أيام بشكل ضمني لاحتمالية فتح جبهة الجولان".

أما سياسيا فيقول الخفاجي، إن "جميع حلفاء إسرائيل بمن فيهم العرب يحاولون التهدئة وإبعاد شبح الحرب الشاملة التي لا يطمح لها أحد سوى نتنياهو، والأخير لم يعد بإمكانه فرض الأمر الواقع على حلفائه خصوصا الأوروبيين الذين باتوا يرونه عبئا عليهم بسبب المجازر المستمرة في غزة والمكررة في لبنان".



الحليف الإيراني
وبين محاولات التحييد والقصف الإسرائيلي المتواصل، برز الموقف الإيراني أخيرا بزيارة مكوكية شملت دمشق وبيروت لعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي حط في العاصمة السورية وهناك التقى الأسد.

لاريجاني قال لوسائل إعلام لبنانية، إنه حمل رسالة لرئيس النظام السوري "وسيترك له الإجابة على مضمونها".

بعد لاريجاني، وصل وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، إلى العاصمة السورية دمشق، السبت، على رأس وفد أمني رفيع؛ لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين.

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن الوفد الإيراني بحث "آخر المستجدات في المنطقة بشكل عام، وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجيشين الصديقين".

بدورها، نقلت وكالة مهر الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني قوله لدى وصوله إلى دمشق، إنه "بناء على توصيات قائد الثورة الإسلامية، مستعدون لتقديم كل وسائل الدعم لسوريا الصديقة".

وأضاف أن سوريا لديها مكانة إستراتيجية في السياسية الخارجية لإيران، مبينا أن الزيارة إلى دمشق جاءت بناء على دعوة من نظيره السوري.

وأوضح نصير زاده أنه والوفد المرافق له سيبحثون مع المسؤولين السياسيين والعسكريين في دمشق عدة مسائل مشتركة في مجال الدفاع والأمن، لتوسيع وتطوير العلاقات في هذا المجال بين البلدين.

بدورها ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكي في تقرير لها الأسبوع الماضي، إن "غياب سوريا عن الصراع الحالي هو دليل واضح على فشل استراتيجية إيران الرامية إلى -وحدة الساحات-، والتي تفترض استجابة منسقة من جانب جميع شركائها في محور المقاومة. ويكشف هذا عن أن البقاء السياسي للأسد يتقدّم على الموقف الإيديولوجي، وأن سوريا في وضعها الحالي لن تشكّل مشكلة بالنسبة لإسرائيل".

ما سر الصمت؟
يقول الكاتب والباحث السياسي رائد الحامد، إن "النظام السوري لا يبدو منسجما مع خيارات محور المقاومة بما يعرف بتعدد الجبهات أو وحدة الساحات".

وأضاف في حديث لـ "عربي21" أن "النظام الذي تلقى مئات الضربات خلال هذا العام اكتفى أحيانا بإصدار بيانات الإدانة فيما لم يرد على أي من الضربات كما أنه لم يسمح لأي من الفصائل المنخرطة في محور المقاومة باستخدام الأراضي السورية منطلقا للرد على إسرائيل أو شن هجمات انطلاقا منها".

وأضاف، أن "ذلك يعزز فرضية عدم رغبة قيادة المحور ممثلة بإيران بانخراط سوريا في طوفان الأقصى تجنبا لمصير متوقع لدمشق على الأقل شبيه بمصير غزة، ومن جانب آخر بقاء الاراضي السورية مستودعا لأسلحة وذخائر المحور وممرا لها من طهران عبر العراق إلى لبنان".

وذكرت "فورين بوليسي" في تقريرها، أنه "على الرغم من القصف الإسرائيلي المنتظم على سوريا، ووعد الحكومة السورية بالوقوف إلى جنب الشعب الفلسطيني، إلا أن النظام السوري وقف متفرّجا على الحرب التي اندلعت منذ  أكثر من عام على غزة".

ويقول الخبراء والمراقبون الذين نقلت عنهم  المجلة، إن أهم أولوية للأسد هي نجاة نظامه والبقاء متحكما في الجماهير السورية. ورغم سحقه للمقاومة، إلا أن نسبة 40 في المئة من الأراضي السورية خارجة عن سيطرة الحكومة، وفقا لذات التقرير،

وقال النائب السابق لمدير مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، عيران ليرمان: "لو ارتكب خطأ وانضم لمحور المقاومة بنشاط فستكون العواقب سريعة"، مضيفا: "في الوقت الحالي، أعتقد أن الأسد متردد للانخراط، ورغم أن الحكومة السورية هي قومية عربية، إلا أن فلسطين تقع في أسفل قائمة الأولويات. فعلى رأسها النجاة".

وتقول معدة التقرير المتخصصة في السياسة الخارجية، أنشال فوهرا، إن "هناك عوامل أخرى وراء ابتعاد الأسد عن النزاع، فهو يأمل بأن يكافئه الغرب على ضبط نفسه وتخفيف العقوبات المفروضة على نظامه". مضيفة: "قد وضع نفسه إلى جانب الإمارات العربية التي تعدّ لاعبا رئيسيا في إعادة تأهيل الحكومة السورية".



مصير نصر الله
هدد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمهاجمة أي محاولة لنقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية، إلى جانب استهداف مستودعات الأسلحة والمقرات العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ.

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري في تصريحات لوسائل الإعلام؛ إن "الجيش استهدف مستودعات الأسلحة والمقرات العسكرية ومنصات الصواريخ، ودمر معظم مستودعات حزب الله في بيروت"، مدعيا أنه "تم التعرف على صواريخ منتجة في سوريا، ويتم نقلها إلى الحزب".

وتابع قائلا: "من ثم فإن الجيش الإسرائيلي سيهاجم أي بنية تحتية في سوريا توفر أسلحة لحزب الله".

الأسبوع الماضي تحدثت تقارير صحفية، عن رسالة تهديد إسرائيلية لرئيس النظام السوري بشار، بأنه سيلقى مصير الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الذي اغتيل أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، في حال واصل التحالف مع حزب الله وإيران.

تلك التقرير ترجمها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مطلع الشهر الجاري، عندما أكد أن "على إسرائيل أن توضح للرئيس السوري بشار الأسد أنه إذا استمرّت سوريا في كونها طريقاً لتوريد الأسلحة من إيران إلى حزب الله، وسمحت بالعدوان من أراضيها على إسرائيل، فإنه يعرّض نظامه للخطر".

وأضاف ساعر، أن "تل أبيب لن توافق على تجديد بناء قوة حزب الله عبر سوريا، ولن توافق على فتح جبهة ضدها من الأراضي السورية والآن يجب أن يواجه الأسد خياراً حاسما".

وعن ذلك يقول الحامد، "ليس ثمة أي شك في أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت لثلاث مرات منفذ المصنع على الحدود مع لبنان وتدمير عدة جسور في بلدة القصير على الحدود مع لبنان كانت رسائل واضحة، كما نجح الاحتلال بشكل واضح في إلحاق أضرار كبيرة بخطوط الإمداد عبر الاراضي السورية".

مقالات مشابهة

  • الاحتلال والأمم المتحدة.. ما الذي تخسره دولة تطرد من المنظمة الدولية؟
  • روسيا باقية في سوريا.. اسألوا نتنياهو
  • لماذا تخشى المعارضة السورية تولي تولسي الاستخبارات الأمريكية؟
  • مع تصعيد القصف على سوريا.. هل دخلا دمشق الحرب رسميا؟
  • إيران تدعو إلى تدخل الأمم المتحدة لوقف جرائم الحرب الإسرائيلية في سوريا
  • مسؤول إغاثي: الوضع في شمال غزة يشبه "فيلم رعب"
  • اندونيسيا تطالب مجلس الامن الدولي والأمم المتحدة بطرد ممثلي كيان الاحتلال الإسرائيلي
  • الأمم المتحدة: دخول المساعدات إلى غزة عند مستوى متدن
  • علي الرغم من قمع المرأة في إيران.. لا تزال النساء يقاتلن من أجل الحرية.. طالبة تحتج بالملابس الداخلية.. والسلطات تنقلها إلى مركز للأمراض النفسية.. والأمم المتحدة تسلط الضوء علي حقوق الإنسان في البلاد
  • الأمم المتحدة: "أرجلنا مكسورة" في مساعدة شمال غزة