اعتبر وزير الثقافة محمد وسام المرتضى أن "أكثر ما يسترعي النظر في أهداف اوسكار المبدعين  العرب أنها تتخطى فكرةَ إظهارِ المواهب وتشجيعِها، إلى دعم التراث العربي والحفاظ عليه، وتوطيد العلاقات الثقافية بين العرب والعالم وهذا  شأن جلل خصوصًا في هذه الأيام التي نشهد فيها عملية اجتياح منظَّمة لمجملِ مفردات تراثنا،حيث أعداء الانسانية يستهدفون لبنان التنوّع والفكر والدور وصراعنا معهم اساسه ثقافيٌّ انساني".

كلام وزير الثقافة جاء خلال رعايته حفل تكريم المشاركين في المسابقة الأدبية الكبرى لمهرجان "اوسكار المبدعين العرب" الذي اقيم ضمن فعاليات طرابلس عاصمة للثقافة العربية، في مركز الصفدي الثقافي في طرابلس، في  حضور رئيس اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو المحامي شوقي ساسين ،الدكتور مصطفى الحلوة ممثلًا مؤسسة الصفدي وممثلين عن اتحاد الكتاب اللبنانيين والعرب ومؤسسة اوسكار  للمبدعين العرب. وقال الوزير المرتضى في مستهل كلمته: "كان ينبغي لطرابلس مليكةِ الثقافة على مرّ العصور، أن تستضيفَ في رحابِ سلطانِها هذا المهرجانَ الأدبيَّ الرفيع، فإن الثمرة تحنُّ دومًا إلى أمِّها الشجرة، ولا تتغلغلُ في باطنِ الأيامِ إلا لكي تنبتَ جديدةً فوقَ غصنِها في ذات ربيع. هكذا المواهبُ ترجعُ إلى الأحضانِ التي تحفظُ لها الدفءَ والخصبَ وأحوالَ التفتُّح والنموّ، وهل أفضلُ من هذه المدينة الفيحاء الواقعةِ على حدودِ رائحة الجنة كما قال مرةً نزار قباني، موطنًا لاحتضان جوائز الإبداع؟"

اضاف: "على أن أكثرَ ما يسترعي النظر في أهداف هذا الأوسكار أنها تتخطى فكرةَ إظهارِ المواهب وتشجيعِها، إلى دعم التراث العربي والحفاظ عليه، وتوطيد العلاقات الثقافية بين العرب والعالم. وهذا بالحقيقة شأن جَلَل، خصوصًا في هذه الأيام التي نشهدُ فيها عمليةَ اجتياح منظَّمة لمجملِ مفردات تراثنا، بدءًا من تدهور اللغة العربية على ألسنة أبنائها الناطقين بها، وتنكُّرِ كثيرين منهم للإسهامات الثقافية الكبيرة التي كانت لأجدادهم في مسار الحضارة الإنسانية، مرورًا بمحاولات التنصلِ من المناقب والفضائل التي رسَّخَتْها الحياة في مجتمعاتِنا... وصولًا إلى الهدف الأخير المخطَّطِ له، وهو الاستحواذُ على حقوقنا وثرواتِنا وبلادِنا ومقدراتِنا، وتشريعُ مصائرِنا في النهاية لمآربِ الاحتلال".

ولفت  الى ان :"نحن إذن في غمرةِ حربٍ ثقافية توجبُ علينا أن نُعِدَّ لها العتاد المعرفيَّ الكامل، في التربية والعلوم والفنون والآداب وأشياءِ الحداثة كلِّها، لكي نحوزَ الانتصار. وما المسابقات الأدبية والعلمية والفنية التي تقام على غرار هذا الأوسكار، في أقطار بلادِنا كافةً، إلا معمودياتُ حِبْرٍ يخوضُها المبدعون فُرادى وجماعات، لكي يتأهلوا إلى امتلاكِ موهبةِ ابتكارِ الغدِ الأفضل."

وأكد  أن "الصراع في هذا الوجود بطبيعته وجوهره ثقافيٌّ فكريٌّ، وليست الحروب العسكرية منه سوى نتائج فشل الأفكار في بسطِ حقيقتِها، أو إذا شئتم هيمنتِها، عبر العقلِ والكلمة، فيلجأُ أصحابُها إذّاك إلى السلاح لتزكية أدواتِهم المعرفية، وتاليًا، مصالحِهم الأمنية والاقتصادية والسياسية."

واردف المرتضى: "فحبذا لو بقيت كلُّ النزاعات في هذا الكون متخذةً من الفكر والأدب والحوار العقليّ وسائلَ حصريةً لها، لكانت البشرية إذن في ذروة تألق القيم، أو لكانت على الأقل أفضلَ مما هي عليه اليومَ بكثير."

وقال: "أما مصرُ ولبنان، فخِدرانِ للضادِ لم تُهتَكْ ستورُهما، ولا تحوَّلَ عن مغناهما الأدبُ، كما قال شاعر النيل حافظ ابراهيم. وهما إذ تحتفيان معًا باسم العروبة جمعاء في هذا اللقاء الثقافي، بنخبة المبدعين، من رعاةٍ وفائزين، فإنما تؤكدان بذلك على أولية الأدب والفنون في بناء الحياة، كمدخلٍ لكلِّ تطورٍ وحداثة، مع المحافظة على معطياتِ تراثنا التي شكَّلت قوّةَ الدفع المعرفيةَ الأساسيةَ التي جعلتِ العالم كلَّه يعيشُ وقتاً ما في الزمن العربي. هذا زمان نريدُ له أن يعود. وعلينا أن نجهدَ في سبيل ذلك" 

وفي الختام قال وزير الثقافة"أوجه التهنئة لجميع المبدعين الفائزين، وللمؤسسة التي نظمت هذه المسابقة، للجهات التي دعمت، وللجنة التحكيم التي أخرجت النتائج. وإلى مهرجانات قادمة، والسلام".

الحفل بدأ بالنشيد الوطني وقدم للفعالية الكاتب والإعلامي روني ألفا الذي اعتبر ان "إقامتها في طرابلس هو فعل ايمان بلبنان وفعل مقاومة يواكب تلك التي تجري في غزة والضفة والجنوب شاكرًا وزير الثقافة  اهتمامه الدائم بتطوير حركة الثقافة في لبنان وخاصة في طرابلس في موسمها لهذا العام وفي كل الاعوام كعاصمة للثقافة العربية".

ابي حنا

ثم القت ممثلة اوسكار في لبنان سعاد مارون ابي حنا كلمة  لفتت فيها الى انطلاق المهرجان قبل سنتين في القاهرة في سباق تنافسي خلاق مع الحرص على حضور لبناني فاعل، واشارت الى " تمثيلها المؤتمر في لبنان وما سجل من مشاركة فيه، والى رعاية الوزير مرتضى للمهرجان وتكليف المحامي شوقي ساسين بمتابعة منتجة وانجاح كل الخطوات" .

ولفتت الى "مشاركة مراكز عدة في مناطق مختلفة في ظل التأكيد على التعاون مع مؤسسات ونقابات عدة "، مثنية على "دور هذه الشراكة  منوهة بمواكبة هذه التظاهرة بتظاهرة اعلامية وابداعية  وتحقيق جوائز قيمة". 

وفي كلمة عبر الفيديو توجه مدير اوسكار ماريو منير  بالتحية الى وزارة الثقافة وغيرها ومجلس الإدارة ومجلس الامناء،  مهنئا ومشيرا الى "دور الأدب العربي الإبداعي عبر العصور واهميته لنقل الثقافة العربية بين الأمم"،  لافتا الى "غناه وتنوعه ، وإلى دور لبنان في النهضة العربية وبروز ادباء في موازاة تنوع  غني ومدارس مختلفة" .

وأكد " دور مصر المركزي، و دور ادب المقاومة وما عكسه من تطلعات الشعب الفلسطيني . شكر ختما القيمين والمتسابقين".

وفي كلمة عبر الفيديو ايضا ، القت سهير شلبي باسم مجلس إدارة المهرجان كلمة حيت فيها اللقاء في طرابلس وقدرت للدكتورة سعاد عملها واهتماماتها متمنية التوفيق للحفل والمبدعين العرب.

من  جهتها القت درية فرحات كلمة اتحاد الكتاب اللبنانيين وحملت تحيات الأمين العام لاتحاد احمد نزال، واشارت الى تاريخ طرابلس والى القلوب البيضاء فيها التي لا يشوهها اي نمط دخيل وهي التي تبقى خير حاضن للاداب والفنون،  ونوهت بان " الثقافة جماعة ما يتفاعل من فنون وحضارات"، مثنية على "المسابقة الإبداعية كمرآة تعكس  الطموح العربي وقيمه".

واشارت الى ان "البحث عن الثقافة يتعلق بالمجتمع وحيث لا بد من توفير بيئة حاضنة والإضاءة على الدرر المكنونة"، واكدت  "المضي في درب النهضة في بلد الحرف والابداع وتعزيز موقع الثقافة في لبنان"، ولفتت الى "المسابقة واهميتها احتفاء بالادب مشيرة الى دور الفنون في الحياة والتطور"،وشكرت راعي الاحتفال والقيمين عليه مؤكدة انه ب"الثقافة يصنع النصر وبالتفاعل المثمر نحقق بناء الاجيال".

رئيس اللجنة الوطنية لليونسكو شوقي ساسين ألقى بدوره كلمة استهلها بالقول  : "حديثي اليوم إليكم حكاية صغيرة... وما بعدَها. أما الحكاية فهي أنني منذ قرابةِ عقدين من الزمان، كنتُ مشارِكًا في أعمالِ المكتبِ الدّائمِ لاتّحاد المحامينَ العربِ المنعقدِ يومذاك في عمّان. فرُتِّبَت لنا زيارةٌ إلى مدينةِ السَّلْط، لأنَّ على مشارفِها جبلًا يستطيعُ الواقفُ عندَه أن يرى القدسَ بأمِّ العينِ. وبالرَّغمِ من قرب المسافة بين المدينتين، عمانَ والسلط، لم يفارقني لحظةً سؤالُ المتنبي: "أطويلٌ طريقُنا أم يطولُ؟". وفي رحلةِ الذهابِ إلى هناك، استوقفنا زملاء أردنِّيُّون، وأهدَوْا كلَّ واحدٍ منّا قنينةَ زيتٍ من مَعاصرِهم وكيسًا صغيرًا من "زعترِ" جنين. فلمَّا جُزْنا السَّلْطَ وارتقَيْنا جبلَها، كانت العتمةُ قد بَرَكَتْ، فأومأَ الدليلُ إلى أنوارٍ تخفِقُ في الليلِ العميق".

وقال: "انظروا هذه هي القدس! لن أصفَ ما اعترانا من مشاعرَ حينذاك، لكنْ بحسبي أن أخبرَكم أننا في نهايةِ المؤتمر، وتحت تأثيرِ الزيارة، دبَّجْنا بيانًا ختاميًّا مدوِّيًا، حيَّيْنا فيه فِلِسطين وشعبَها، وتوعَّدْنا الأعداءَ بألفاظٍ مزمجِرة ارتعَدَتْ لها فرائصُ السطور، ثمَّ تركْنا القدسَ للَّيلِ العميق، وعدْنا إلى ديارِنا مكتفين بما حملتْ أيدينا من قواريرِ زيتٍ وأكياسِ "زعتر"، وأعينُنا من جِرارِ ضوءٍ مقدسيٍّ سبيّ". 

اضاف: "أما الذي بعد الحكاية فشاهدُها، وهو أمرٌ بديهيٌّ جدًّا، أن أذكِّرَ بدورِ الإبداع في تجديد حياة الشعوب. كلُّ مسألةٍ تثبتُ مقارباتُها على أصلِ كعبِها، وتبقى معالجاتُها تقليديةً، بالرغم من سيلان الزمان وتبدل ظروفه، لن تعرفَ تطورًا ولن ترى حلًّا. هذا جرى معنا حين عالجنا الاحتلالَ بالبيانِ فما أجدى. أنا بالطبعِ لن أخوضَ في المقاربات الأخرى التي بتنا نشهدُها حديثًا في قضية فلسطين، كي لا أخرجَ عن سمتِ الخطاب، لكنني أشير في المقابل إلى أن هذا المهرجان الذي منذ نشأته، جعل قصارى دأبِه تحفيزَ الإبداع في دنيا الأدب، على امتداد لغة العرب، أدركَ أنَّ الإبداع الذي تفجِّرُه الحريةُ في ميادين الحياة كلها، هو الذي يجدِّدُ معنى الوجود؛ وأنه ما من أمةٍ تبقى فاعلة في مسيرة الحضارة الإنسانية حتى يسكن الإبداعُ رؤى أجيالِها وعزائمَهم، فلا يكتفوا بما يُملى عليهم من مصائر، ولا يكونوا أسواق استهلاك لما ينتجه الآخرون. فأين نحن من حركية الإبداع في صنوفِ المعارف المتشعبة"؟ 

تابع: "أعترف أمامكم بأنني في الطبعة الثانية من هذا المهرجان التي نوقع اليوم نسختَها الأخيرة، لم أكُ إلا حارسَ ظِلِّ الحبر، الواقفَ على البوابةِ الخارجية وِقفةَ من يراقبُ عدّاد الوقتِ من غيرِ أن يملكَ إمساكًا لمجراه. كان شأني أن أتابعَ عن بعدٍ النقاشاتِ الرصينةَ بين المحكمين، وهي تزكّي كتابًا على كتاب، وتفاضلُ بين المشاركات، في مداولاتٍ نقديةٍ كانت هي الأخرى عملًا إبداعيًّا صِرْفًا. ودور المتفرج هذا، في مقابل الأدوار الخلاقة للكتابِ والمحكمين هو الذي ذكرني بالحكاية التي بها استهللت. اليوم إذ نحتفي بإخوتنا الفائزين اللبنانيين، وبالجهات والشخصيات الوطنية الداعمة، نسدي أعطرَ الشكرِ لكلِّ من وضعوا بصمةً في هذا التقويم، من أول عهدِه بالضوءِ إلى الآن، ونرجو له أن يستمر ويتمدد". 

وختم :" وبعد يقول سعيد عقل: 

ما الكون؟ قله رنينَ الشعر، قلْه صدًى

لكفِّ ربِّكَ... إذْ طنَّتْ... على الزمنِ

نعم يا سادتي، المبدعون أصداءُ كفِّ الله التي بها يقرعُ الزمان، فلنكن منهم. وشكرًا". 

ثم قدم الوزير  المرتضى دروعا للمشاركين من الأدباء والمحكمين، و شهادات تقدير للإعلاميين، تلفزيون لبنان ممثلا بالاعلامي منذر المرعبي، "الوكالة الوطنية للاعلام" ممثلة بالاعلامية لينا الخوري ، وعدد من الاعلاميات والاعلاميين وهم مرلين وهبي،كمال ذبيان ، اندريه داغر،بسكال بطرس ،جنى جبور، و دانييلا مارون.

كما تخلل الحفل مقطوعات موسيقية قدمتها زينة عون ونجلها انطونيوس غطاس.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: وزیر الثقافة فی طرابلس فی لبنان فی هذا

إقرأ أيضاً:

قائمة أعداء ترامب الطويلة

حرب إدارة ترامب ضد الدولة العميقة ليست عملية تطهير تهدف إلى تحريرنا من استبداد أجهزة الاستخبارات، والشرطة العسكرية، وأكبر نظام سجون في العالم، والشركات الجشعة، أو إنهاء المراقبة الجماعية. لن تؤدي إلى استعادة سيادة القانون لمحاسبة الأقوياء والأثرياء، ولن تقلل من الإنفاق العسكري الهائل الذي يبلغ تريليون دولار تقريبًا سنويًا.

جميع الحركات الثورية، سواء من اليسار أو اليمين، تسعى إلى تفكيك الهياكل البيروقراطية القديمة.

الفاشيون في ألمانيا والبلاشفة في الاتحاد السوفياتي، بمجرد استيلائهم على السلطة، قاموا بتطهير الخدمة المدنية بقوة. لقد رأوا في هذه الهياكل عقبة أمام سيطرتهم المطلقة، وهو ما يحدث الآن في الولايات المتحدة، لكن بأسلوبها الخاص.

المعارك الخلفية- كما حدث في السنوات الأولى من الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية- تدور الآن في المحاكم ووسائل الإعلام المعارضة لترامب. في البداية، ستكون هناك انتصارات مؤقتة، كما واجه البلاشفة والنازيون مقاومة من القضاء والصحافة، لكن عمليات التطهير، المدعومة بليبرالية مفلسة لم تعد تدافع عن شيء، ستضمن في النهاية انتصار الحكام الجدد.

أقدمت إدارة ترامب على طرد أو إقالة مسؤولين كانوا يحققون في الفساد داخل الحكومة الفدرالية، بمن فيهم 17 مفتشًا عامًا. أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات الفدرالية، مثل مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) ووزارة الأمن الداخلي (DHS)، يتم تطهيرها من الأشخاص الذين يعتبرون معادين لترامب.

إعلان

سيتم تحويل المحاكم، مع تكديسها بقضاة موالين، إلى أدوات لملاحقة "أعداء الدولة"، وحماية الأثرياء وأصحاب النفوذ. المحكمة العليا، التي منحت ترامب حصانة قانونية، وصلت بالفعل إلى هذه المرحلة.

الهدف الحقيقي لإدارة ترامب ليس الدولة العميقة. الهدف هو القوانين واللوائح والبروتوكولات والأنظمة، وكذلك موظفو الخدمة المدنية الذين ينفذونها، لأنها تعيق السيطرة الدكتاتورية.

سيتم إلغاء الضوابط والتوازنات والمساءلة والسلطة المحدودة للحكومة. سيتم تطهير أي شخص يعتقد أن الحكومة يجب أن تخدم الصالح العام، وليس فقط أوامر الحاكم. ستُعاد هيكلة الدولة العميقة لخدمة عبادة القائد، وستصبح القوانين والحقوق الدستورية بلا معنى.

قال ترامب في منشور على منصتَي تروث سوشيال وإكس: "من ينقذ بلاده لا ينتهك أي قانون".

تم استبدال الفوضى التي ميزت إدارة ترامب الأولى بخطة منظمة لخنق ما تبقى من الديمقراطية الأميركية الضعيفة. تم إعداد مشاريع مثل "مشروع 2025" (Project 2025) ومركز تجديد أميركا (Center for Renewing America) ومعهد سياسة أميركا أولًا (America First Policy Institute) مسبقًا، حيث قدمت مخططات تفصيلية، ومقترحات تشريعية، وأوامر تنفيذية وسياسات تهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة بالكامل.

الركيزة القانونية لهذا التفكيك، هي نظرية السلطة التنفيذية الموحدة، التي صاغها القاضي أنتونين سكاليا في رأيه المخالف في قضية Morrison v. Olson. وفقًا لسكاليا، فإن المادة الثانية من الدستور تمنح الرئيس السلطة المطلقة في كل ما لا يُصنف صراحة ضمن اختصاص الكونغرس أو القضاء. إنها تبرير قانوني للدكتاتورية.

رغم أن مشروع 2025، لم يذكر صراحة هذه النظرية، فإنه يروج لسياسات تتماشى مع مبادئها، مثل فصل عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين واستبدالهم بموالين لترامب، وإضعاف حقوق العمال الحكوميين لجعلهم أكثر عرضة للإقالة بناءً على رغبة السلطة التنفيذية. راسل فويت، أحد مهندسي مشروع 2025، عاد الآن ليشغل منصب مدير مكتب الإدارة والميزانية، وهو المنصب نفسه الذي شغله في الولاية الأولى لترامب.

إعلان

واحدة من آخر خطوات ترامب في ولايته الأولى كانت توقيع "أمر إنشاء الجدول F في الخدمة المستثناة"، الذي ألغى الحماية الوظيفية للبيروقراطيين الفدراليين. قام جو بايدن بإلغائه، لكنه عاد الآن بقوة.

تم فصل أكثر من 9.500 موظف فدرالي، مع قبول 75.000 آخرين لشراء تقاعد مبكر أقل حماية، بالإضافة إلى تخفيض 70٪ من الموظفين في وكالات حكومية مختلفة. في الوقت نفسه، يتم تجميد مليارات الدولارات من التمويل، وتستمر وزارة كفاءة الحكومة (Department of Government Efficiency – DOGE) التي يديرها إيلون ماسك في الاستيلاء على البيانات السرية.

لكن هذه التخفيضات لن تحد من الإنفاق الحكومي الفدرالي، خاصة إذا ظل الإنفاق العسكري مقدسًا، حيث يدعو الجمهوريون في الكونغرس إلى زيادة 100 مليار دولار إضافية في الميزانية العسكرية خلال العقد المقبل. وبينما يريد ترامب إنهاء الحرب في أوكرانيا ضمن إستراتيجيته لكسب ود بوتين، فإنه يدعم الإبادة الجماعية في غزة.

هذا التطهير يهدف إلى القضاء على الرقابة الحكومية، وتجاوز القوانين واللوائح التي تحكم عمل المؤسسات الفدرالية، وملء المناصب الحكومية بـ"موالين" تم اختيارهم عبر قاعدة بيانات أعدها معهد الشراكة المحافظة (Conservative Partnership Institute). كما أنه فرصة لإثراء الشركات الخاصة، بما في ذلك عدة شركات يملكها ماسك، التي سيتم منحها عقودًا حكومية مربحة.

إضافة إلى ذلك، يهدف ترامب إلى زيادة نفوذ ماسك في المجال الرقمي، حيث يسعى إلى تحويل منصة إكس إلى "التطبيق الشامل". وقد أعلن ماسك عن "X Money"، وهي محفظة رقمية تتيح تحويل الأموال بين المستخدمين. وبعد أسابيع قليلة من إعلان الشراكة مع Visa، طلبت وزارة كفاءة الحكومة الوصول إلى بيانات مصلحة الضرائب الأميركية، بما في ذلك أرقام الضمان الاجتماعي، والعناوين، والدخل، والعقارات المملوكة، واتفاقيات حضانة الأطفال.

إعلان

ترامب، ككل المستبدين، لديه قوائم طويلة من الأعداء. فقد سحب الحماية الأمنية من مسؤولين سابقين في إدارته، بمن في ذلك الجنرالان مارك ميلي ومايك بومبيو. كما هدد بإلغاء التصاريح الأمنية للرئيس بايدن ومسؤولين آخرين مثل أنتوني بلينكن وجيك سوليفان. كذلك، يمنع وسائل الإعلام المعارضة من تغطية الأحداث في البيت الأبيض، ويطرد مراسليها من البنتاغون.

بمجرد أن يترسخ هذا النظام الجديد، ستصبح القوانين واللوائح مجرد أدوات بيد البيت الأبيض. ستفقد الوكالات المستقلة مثل لجنة الانتخابات الفدرالية (Federal Election Commission – FEC)، ومكتب حماية المستهلك (Consumer Financial Protection Bureau – CFPB)، ونظام الاحتياطي الفدرالي (Federal Reserve System) استقلالها.

ستبدأ عمليات الترحيل الجماعي، وسيتم فرض التعليم القومي المسيحي في المدارس، مع تقليص البرامج الاجتماعية مثل الرعاية الطبية، والإسكان لذوي الدخل المنخفض، وبرامج التدريب المهني. ستتمكن الشركات الجشعة من استغلال الجمهور دون أي قيود.

النتيجة ستكون مجتمعًا من السادة والعبيد. وكما قالت روزا لوكسمبورغ: "إضفاء الطابع الوحشي على الحياة العامة".

المقاومة الأخلاقية ضرورة، حتى عندما تبدو الهزيمة أمرًا حتميًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • عراكٌ قبل الإفطار في طرابلس.. والسبب مفاجئ!
  • قائمة أعداء ترامب الطويلة
  • في المنية… إشكال تطوَّر إلى إطلاق نار وسقوط إصابات!
  • "الشارقة للصحافة" يناقش الثقافة والتراث في الأدب
  • كهرباء لبنان تنفي ما يشاع : فيل لن يطير حتما
  • في طرابلس.. توقيف مطلوب بحادثة إطلاق النار في شارع الثقافة
  • شاهد | العدو الاسرائيلي يعمق الازمات الانسانية في غزة مع قرار قطع الكهرباء
  • بالفيديو... حريق كبير في طرابلس
  • بلاغ كاذب عن حريق في طرابلس
  • العكاري: مرحباً بالعجز المالي الذي يوجد معه إعمار واستقرار أمني