الغزيون يطعّمون أبناءهم ضد شلل الأطفال ويخشون غدر الاحتلال
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
غزة- يشعر المواطن الغزي زكريا عثمان بالراحة، بعد أن تلقى حفيداه التوأمان "آسر وأكرم" (10 شهور) لقاح مرض شلل الأطفال، ويقول قبيل مغادرته عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في مخيم دير البلح وسط قطاع غزة "كنّا ننتظر وصول التطعيم، وكان لديّ شعور بالقلق ألا يصل بسبب منع إسرائيل له، هذا وباء خطير ويشكل خطرا على صحة ومستقبل أولادنا".
وكان الجدّ الفلسطيني قد نزح من مدينة رفح في مايو/أيار الماضي، ويُقيم حاليا عند بعض أقاربه في دير البلح، ويلفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن انتشار وباء مرض "القوباء" الجلدي الذي أصاب غالبية الأطفال بقطاع غزة، أثار قلقه الشديد إزاء إمكانية تفشي مرض شلل الأطفال وتسببه بكارثة لسكان القطاع.
ويضيف "نعاني من الحصار والحرب وتكدس الناس، ونحاول اتباع الطرق الصحية لحماية أنفسنا وأولادنا، ما زلنا نعالج أطفالنا حتى الآن من الأمراض الجلدية".
وبرفقة 7 أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين 6 شهور إلى 7 سنوات، تقدم عمر أبو سيدو لتطعيمهم ضد شلل الأطفال في عيادة "أونروا"، ويقول للجزيرة نت "طعّمتُ بناتي وبنات أختي، خشية إصابتهم بشلل الأطفال وللحفاظ على صحتهم وصحة المجتمع"، ويضيف "التطعيم لازم، لأنه إذا ما صار وباء سينتشر هنا وفي كل العالم".
بدوره، كان أبو سيدو يخشى أن تعرقل إسرائيل إدخال اللقاحات إلى القطاع، مبديًا سعادته الكبيرة لوصولها، ومضيفا "الله يعينُنا على هذه المحنة وهذه الحرب، وشكرا لمن وفروا لنا هذا التطعيم"، ويُكمل "نعيش في أوضاع صعبة، وأي وباء ينتشر بسرعة؛ الآن كل الأطفال مصابون بأمراض جلدية بكتيرية صعبة، وما نزال نعالجهم، فكيف اذا انتشر شلل الأطفال؟".
ورغم سماعها شائعات تتحدث عن أن تطعيمات شلل الأطفال التي وصلت للقطاع غير آمنة، فإن هناء القُرعان قررت "التوكل على الله وتطعيم أولادها الأربعة" كما تقول، وتضيف "خائفة من إصابة أولادي بالمرض، لأن مناعتهم ضعيفة، وكلهم مصابون بالمرض الجلدي المنتشر حاليا، وهذا دفعني للتطعيم".
وانطلقت اليوم الأحد المرحلة الأولى من التطعيم ضد مرض شلل الأطفال في منطقة وسط قطاع غزة وستستمر لمدة 4 أيام، وستليها المرحلتان الثانية والثالثة على التوالي، في منطقتي شمال قطاع غزة وخان يونس في جنوبه، وتستهدف الحملة تطعيم 640 ألف طفل، ممن لا تتجاوز أعمارهم العاشرة، في جميع أرجاء القطاع.
وكانت إسرائيل قد وافقت على هدنة إنسانية، توقف خلالها اعتداءاتها لمدة 8 ساعات خلال عملية التطعيم في المنطقة التي يتم فيها أخذ اللقاح فقط، بينما تواصلها في المناطق الأخرى.
يأتي ذلك بعد أن أعلنت وزارة الصحة بغزة، الأسبوع الماضي، تسجيل إصابة بشلل الأطفال هي الأولى منذ 25 عاما لطفل يدعى عبد الرحمن أبو الجديان، ويبلغ من العمر عاما واحدا، كما اكتُشف فيروس شلل الاطفال (من النمط 2) في 6 عينات تم أخذها من مياه الصرف الصحي بقطاع غزة في يوليو/تموز الماضي.
وافتتحت وزارة الصحة بالتعاون مع وكالة "أونروا" ومنظمات دولية شريكة، نقاطا طبية للتطعيم في مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة ومخيم النصيرات، بينما لم تتمكن الطواقم الطبية من الوصول للمناطق الشرقية من وسط القطاع (مخيمي البريج والمغازي وشرقي دير البلح)، خوفا من استهدافها من قبل جيش الاحتلال، بحسب مسؤول طبي، تحدث للجزيرة نت.
وتقيّم الموظفة في نقطة تطعيم الأطفال في عيادة "أونروا" إيمان أبو ربيع إقبال الأهالي على أخذ اللقاح، بـ"الممتاز"، وتوضح للجزيرة نت "إقبال الأهالي كان هائلا، الأطفال من جميع الفئات المستهدفة وصلونا، والأمور ممتازة"، مؤكدة عدم مواجهتهم لمشاكل، ووجود وعي جيد لدى الأهالي بأهمية حماية أبنائهم.
وكان مما أثار انتباه الفرق الطبية مدى انتشار الأمراض الجلدية لدى الأطفال المُقبلين على أخذ اللقاح، حيث قالت أبو ربيع إنهم يخشون على أنفسهم من إصابتهم بالعدوى، وتضيف "الأطفال بنسبة 100% أو غالبيتهم العظمى مصابون بأمراض جلدية ظاهرة، ونخشى أن نصاب نحن بالعدوى خلال منحهم التطعيم".
غدر الاحتلالورغم سير اليوم الأول من عملية التطعيم بسلاسة، وسط إقبال كبير من السكان، يخشى مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة بقطاع غزة الدكتور موسى عابد من "غدر الاحتلال الإسرائيلي"، ويقول للجزيرة نت "أتمنى ألا يكون هناك استهداف لأي من الطواقم الطبية، وأن تمر هذه الأيام بأمان على كل الطواقم".
ويضيف "لدينا خشية كبيرة جدا من تعمّد الاحتلال استهداف الطواقم العاملة في إعطاء اللقاح، نحن في وضع سيئ جدا، الاستهدافات هنا وهناك، والاحتلال يواصل استهداف المستشفيات ومراكز الرعاية"، مبديا خشيته من استهداف إحدى النقاط التي تُقدم التطعيمات أو طواقم العمل فيها.
وحول سير عملية التطعيم في مرحلتها الأولى، أشار عابد إلى وجود الكثير من التحديات التي تواجههم بسبب إجراءات الاحتلال، وأهمها تقسيم قطاع غزة إلى مناطق منعزلة، ويقول "هناك نقاط هدنة لكن لا تشمل كل المنطقة الوسطى، كمناطق مُخيم المغازي ومخيم البريج وشرق دير البلح التي تقع ضمن المناطق الحمراء، ولم تستطع الطواقم الطبية الوصول إلى الأطفال فيها"، وأكد أنهم بانتظار التنسيق بين المؤسسات الدولية والاحتلال للتحرك إلى هذه المناطق".
وأشاد المسؤول بوزارة الصحة، بمدى إقبال المواطنين على تطعيم أولادهم، معربا عن اعتقاده بأن الوزارة ستصل إلى هدفها المتمثل بإعطاء اللقاح إلى حوالي 90% من الأطفال، إذا سارت الأمور دون منغصات من جانب الاحتلال.
وفي ذات السياق، يأمل مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة أن تسير عملية التطعيم وفق الخطة المرسومة من قبل السلطات الحكومية بالتعاون مع المؤسسات الدولية، وأعرب في حديثه للجزيرة نت عن خشيته من استهداف جيش الاحتلال لعملية التطعيم، عبر قصف نقاط طبية أو سيارات وزارة الصحة والمؤسسات الدولية الشريكة.
ويضيف الثوابتة أن "هناك تحديات تواجه عملية التطعيم يفرضها الاحتلال، من خلال رفض الهدنة خلال عملية التطعيم، والخشية من استهداف الطواقم العاملة، وقد عبّرنا عن مخاوفنا هذه أكثر من مرة".
واتهم الاحتلال بالتسبب في وصول مرض شلل الأطفال وغيره من الأوبئة إلى القطاع بسبب حرب الإبادة التي يمارسها منذ نحو 11 شهرا، وقال "تدمير شبكات الصرف الصحي ومنع وصول سيارات نقل النفايات للمكبات وتراكمها أدى إلى انشار الأوبئة والأمراض ومن ضمنها شلل الأطفال".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مرض شلل الأطفال عملیة التطعیم إقبال الأهالی وزارة الصحة من استهداف الأطفال فی للجزیرة نت دیر البلح قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
صحفيون للجزيرة نت: جرائم الاحتلال لن تخفي الصورة ولن تخرس أصواتنا
غزة- "كان جسد الزميل أحمد منصور يذوب من شدة النيران"، يقول الصحفي عبد الرؤوف شعث، الذي انتصر لإنسانيته، واندفع وسط ألسنة اللهب وأعمدة النار والدخان المتصاعدة لإنقاذ زملائه في خيمة للصحفيين استهدفتها غارة جوية إسرائيلية.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليلة الماضية، عندما صُدم شعث وزملاؤه في "مخيم الصحفيين" أمام مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، من مشهد اشتعال النيران في خيمة تؤوي عددا من الصحفيين.
تعود هذه الخيمة للصحفي حسن اصليح، وهو على "قائمة الصحفيين"، الذين يتعرضون لتحريض إسرائيلي مستمر منذ ظهوره في مقطع فيديو يوثق مشهدا من سيطرة كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على دبابة إسرائيلية وأسر جنودها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في عملية تطلق عليها المقاومة "طوفان الأقصى".
وتداولت مواقع وحسابات إسرائيلية هذه الغارة، وقالت إنها كانت تستهدف اصليح، الذي وصفته بصديق رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الشهيد يحيى السنوار، ونشرت صورة تجمعهما معا.
مشاهد قاسية
اندفع شعث وسط النيران محاولا سحب الصحفي منصور، الذي بدا عاجزا عن الحركة بينما النيران تلتهم جسده. يقول شعث للجزيرة نت "كان المشهد قاسيا للغاية، لم أتخيل يوما أن أكون في مثل هذا الموقف المؤلم (..) النار تأكل صحفيا وجسده يذوب أمام عيوننا".
إعلانأصيب شعث بحروق في يده، وفي شهادته على الجريمة، يقول "وقع انفجار كبير، واندفعنا خارج الخيام وإذا بالنيران تلتهم الخيمة بكل ما فيها"، متسائلا بحرقة وغضب "إلى متى سنبقى نخسر كل يوم زميل في هذه المحرقة؟، نطالب بالحماية كما كل الصحفيين حول العالم".
واستشهد في استهداف هذه الخيمة الصحفي حلمي الفقعاوي، والعامل في أحد الوكالات الصحفية يوسف الخزندار، ما يرفع عدد الشهداء الصحفيين منذ اندلاع الحرب عقب طوفان الأقصى إلى 210 صحفيين، وفقا لتوثيق نقابة الصحفيين الفلسطينيين.
ولم تكن قد مضت دقيقة واحدة على استهداف الخيمة عندما وصلها الصحفي تامر قشطة، المقيم في خيمة قريبة، واستطاع إجلاء الصحفي حسن اصليح، ونقله على كتفه لقسم الاستقبال والطوارئ في مجمع ناصر الطبي.
يقول قشطة للجزيرة نت "المشهد كان مروعا، ولم أفكر مرتين قبل الاندفاع وسحب الزميل حسن وحمله على كتفي للمستشفى .. الحياة أهم من الصورة".
ووجدت شجاعة شعث وقشطة إشادة واسعة في أوساط الصحفيين، الذين أثنوا على انتصارهم للإنسانية، وتفضيلهم حياة زملائهم الصحفيين والتضحية رغم الخطر على عملهما الصحفي، ويقول قشطة "كلنا هنا قد نكون الضحية التالية".
وبإصرار لا يخلو من حزن، يشدد قشطة على أن "مثل هذه الجرائم المتلاحقة والمتكررة بحقنا كصحفيين في غزة، لن توقفنا عن أداء رسالتنا الإنسانية والمهنية"، ويصف الصحفيين في غزة بأنهم "آخر حراس الحقيقة، ومن يقع على عاتقهم إيصال الصورة المأساوية للعالم وكشف ما يتعرض له الأبرياء".
ومن بين 10 صحفيين أصيبوا في استهداف هذه الخيمة، كان الصحفي عبد الله العطار المتعاون مع وكالات أجنبية، ويقيم في خيمة ملاصقة للخيمة المستهدفة، ويقول للجزيرة نت في شهادته على الجريمة، "كنت والزملاء نتابع استهداف منزل سكني وسط مدينة خان يونس استشهد فيه 8 أطفال ونساء، ومن شدة التعب وضعت رأسي على المخدة لنيل قسط بسيط من الراحة، وما هي إلا لحظات حتى شعرت بزلزال يفجرني من الداخل".
إعلانوإلى جانب العطار واصليح ومنصور، أصيب الصحفيون أحمد الأغا، ومحمد فايق، وإيهاب البرديني، ومحمود عوض، وماجد قديح، وعلي اصليح، وحسام الكردي، وبينهم إصابات بالغة وقد أصيب جلهم بحروق شديدة، بحسب نقابة الصحفيين وأوساط صحفية.
ويقول العطار إن زميليه منصور والبرديني هما الأشد خطورة، حيث أصيب الأول بحروق في كافة أنحاء جسده وأدخل العناية الفائقة، فيما أصيب البرديني بشظية اخترقت رأسه وفقأت عينه.
وأصيب العطار نفسه بشظايا في البطن والساقين، ويصف استهداف الخيمة بأنها "جريمة اغتيال مباشرة بهدف كتم الصوت والصورة"، وباللهجة الفلسطينية الدارجة وبتحد كبير يقول "فشروا (هيهات)، سنعالج ونعود للميدان ونكمل رسالتنا، ولن يوقفنا هذا الاحتلال المجرم".
ويتفق معه حسام الكردي ويعمل مهندسا للبث ضمن طاقم قناة الجزيرة في غزة، وأصيب بجروح أثناء وجوده في الخيمة المقابلة للخيمة المستهدفة، ويصف في حديثه للجزيرة نت المشهد بأنه كان مروعا والنيران تلتهم أجساد الزملاء في خيمة من القماش والبلاستيك تحولت إلى كتلة من اللهب.
ونجا الكردي من غارة إسرائيلية سابقة استهدفت ساحة مجمع ناصر الطبي في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب، وأصيب حينها بشظايا في أنحاء جسده، ويقول "الاحتلال حولنا جميعا في غزة إلى أهداف محتملة في كل لحظة".
مسلسل من الجرائم
وفي مجمع ناصر الطبي احتشد صحفيون في وقفة دعت لها نقابة الصحفيين الفلسطينيين، احتجاجا على الجرائم الإسرائيلية المتكررة بحق الصحفيين في غزة.
وعلى هامش الوقفة، قال الدكتور تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين للجزيرة نت، إن "لدى الاحتلال مخططا واضحا ضد الصحفيين، وهذه الجرائم المتكررة تستهدف اغتيال الصحفي الفلسطيني كونه الشاهد على حرب الإبادة الجماعية".
إعلانووضع الأسطل استهداف الصحفيين في السياق ذاته مع الاستهداف الممنهج ضد العاملين في القطاع الإنساني والإغاثي، وبرأيه فإن الاحتلال يريد أن يرتكب جرائمه ومجازره بحق المدنيين بصمت، وبعيدا عن عيون الصحفيين، ويريد أن يقطع كل يد تمتد لهم بالمساعدة.
ويقول نائب نقيب الصحفيين إن "هذه الجريمة ليست حدثا عابرا أو استثناء، بل هي جزء من سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال لتصفية الصحفيين الفلسطينيين الذين باتوا هدفا مباشرا لآلة القتل الإسرائيلية، فقط لأنهم يقومون بواجبهم في نقل الحقيقة".
وأضاف أن 210 صحفيين وصحفية وعاملا بالإعلام استشهدوا برصاص وصواريخ الاحتلال، في أكبر مجزرة دموية ترتكب بحق الإعلاميين في التاريخ الحديث، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ مخجل مع جرائم الاحتلال.
وشدد الأسطل على أن النقابة توثق هذه الجرائم ومستمرة في ملاحقة قادة الاحتلال في كافة المحافل القانونية والدولية، لكشف وجهه الإجرامي أمام العالم، "وأن محاولات إسكات الصحافة الفلسطينية لن تنجح، وأن صوت الحقيقة سيظل أعلى من صوت القتل والتنكيل".