في الأسابيع الأولى من حرب غزة، أو الحرب عليها، أيهما يصح، علا الاتهام، إما لحركة حماس باعتبار أن طوفانها الذي بدأته في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشعل شراراتها، وإما للسياسات الإسرائيلية التي تمهد الطريق دائماً لأي عنف وتوصد الأبواب أمام ما يلوح من فرص للسلام، ومن ثم الاستقرار في المنطقة والعالم.
وبعد نحو 11 شهراً شديدة الوطأة، خاصة على الشعب الفلسطيني في غزة، لا يجد كثيرون مفراً من جمع طرفي الحرب الرئيسيين في خانة المصرّ على استدامتها، وكأن في موت الآلاف وتشريد غيرهم ومحو كل ملمح لحياتهم الطبيعية استمراراً لهما ولرهاناتهما السياسية التي تثبت الأيام خطورتها على الجميع.
ستجد من يرفض أي مساواة بين السجين والسجان، أو صاحب الأرض ومحتلها، وهذا لا جدال فيه وقاعدة مستقرة في عموميات القضية الفلسطينية، غير أن خصوصيات لحظة فارقة كالتي نعيش تبعاتها على الفلسطينيين، تسمح بالشذوذ المؤقت عنها، وبمساءلة لا تنفي حق الدفاع عن الأرض ونبل مبدأ التصدي للمحتل، وإنما تستفسر عن بعض وسائل ذلك وجدواها من دون تبرئة الطرف الآخر.
الانشغال هنا تحديداً عن الوقت المهدر على طريق الوصول إلى نهاية للمأساة في غزة، والتي يبدو أن كل المعنيين بها حريصون على وقفها، إلا طرفيها الرئيسيين: بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحركة «حماس».
البادي أن لا نية جادة لدى الطرفين لوضع حد لما يجري، فنتانياهو راغب في ألا تحين ساعة حسابه السياسي، لذلك يقامر بكل شيء حتى بعيداً عن الأهداف التي وضعها للحرب وتعهداته بشأن نتائجها وما بعدها، فيفتح جبهات مع كل المحيط، بما في ذلك أطراف وسيطة، وينقل الأزمة من غزة إلى الضفة. يراوغ رئيس الوزراء الإسرائيلي الجميع، حتى رفاقه السياسيين والعسكريين، بل يسعد بتطرّف بعضهم ما دام يبقيه في الحكم، ويمنح مبررات لإطالة الحرب ونسف كل جهد متفائل بقرب نهايتها.
إنه أيضاً يخلق المبررات لـ«حماس» الموقنة بأن قبضتها على غزة ستكون في «اليوم التالي» لنهاية الحرب أخف كثيراً منها، مقارنة بما كان قبل بدايتها، ليس ذلك فحسب، بل إن الحركة ستقف أمام الفلسطينيين في غزة وغيرها، وأمام كل معني بالقضية مطالَبة بالإجابة عن أسئلة كثيرة تخص الحرب، وما قبلها.
تعلم الحركة أن أسئلة ومآخذ كثيرة على طوفانها مكتومة في الصدور إلى حين توقف الحرب، احتراماً للدم الفلسطيني المتدفق في غزة وتضحيات أهلها ومأساتهم التي يبدو أنها آخر ما يشغل نتانياهو و«حماس».
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل فی غزة
إقرأ أيضاً:
نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.
خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام
يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.
وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.
تفاصيل صفقة الإقرار بالذنبوفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.
مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.
السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهولا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.
الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.
احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.
ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.
أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟
تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.