الضفة الغربية والعربدة الإسرائيلية
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
مخطئ من يظن مجرد الظن بأن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في السابع من أكتوبر من العام الماضي كانت السبب وراء العدوان الصهيوني الغاشم و حرب الإبادة الجماعية و الحصار الجائر ضد أبناء قطاع غزة ، فالإجرام الصهيوني لم يتوقف يوما واحدا ، وآلة القتل الصهيونية مستمرة في حصاد أرواح أبناء الشعب الفلسطيني ليلا ونهارا ، على مرأى ومسمع العالم أجمع ، بمعنى أن هذا الكيان الإجرامي الفاشي لا يحتاج إلى ذرائع ومبررات لممارسة سلوكه الوحشي اليومي تجاه أبناء قطاع غزة وبقية المناطق الفلسطينية المحتلة ، فالإجرام والتوحش ديدنه ، ونهجه الذي دأب عليه منذ الوهلة الأولى لتدنيسه الأراضي الفلسطينية .
وهذا ما أثبتته العملية العسكرية الموسعة لقوات الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية، حيث نسفت العملية تلك الإدعاءات التي روج لها البعض عقب شن هذا الكيان عدوانه على قطاع غزة ، بأن ذلك جاء ردة فعل على عملية طوفان الأقصى ، وأظهرت أن هذا الكيان لا يحتاج إلى ذرائع لشن عدوانه على أبناء الشعب الفلسطيني ، وخصوصا أن الضفة الغربية لم تتخذ أي مواقف مساندة لأبطال المقاومة في غزة ، ولم يصدر منها أي عمل يبرر لهذا الكيان الغاصب شن عملية عسكرية واسعة عليها ، والأمر هنا لا يعدو عن كونه معركة استباقية هدف العدو من خلالها فصل وسط فلسطين عن جنوبها وشمالها بعد أن تكبد وما يزال خسائر كبيرة هنالك ، وبعد أن أدرك تنامي قدرات حركات المقاومة في الضفة الغربية ، ورغبة منه في توسيع نطاق سيطرته داخل الأراضي الخاضعة لما يسمى بالسلطة الفلسطينية ، وخصوصا عقب تصريحات مرشح الرئاسة الأمريكي دونالد ترامب بشأن مساحة ما أسماها دولة إسرائيل ، والتي قال أنه يجب توسيعها في سياق تصريحاته الإعلامية المصاحبة لحملته الانتخابية والتي يسعى من خلالها لكسب دعم وتأييد اللوبي اليهودي في السباق الانتخابي نحو البيت الأبيض .
اللواء العسكري الذي اقتحم مناطق متفرقة في الضفة الغربية ، شرع منذ الوهلة الأولى في تدمير البنية التحتية في المناطق التي يصل إليها ، ومن ثم عمل على فرض حصار مشدد على المستشفيات تحت ذريعة البحث عن مطلوبين أمنيا ، وقام بإخلاء بعض العمارات والتجمعات السكنية من سكانها وجعل منها ثكنات عسكرية ، وشرع في إجراء تحقيقات ميدانية مع بعض المواطنين ، في سياق الممارسات الاستفزازية التي أشعلت نيران الغضب في أوساط حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية التي سارعت للالتحام مع عناصر جيش الاحتلال والتصدي لمحاولاته للتوغل في طولكرم ونابلس وجنين وقلقيلية وغيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ، وسط حالة من النفير في أوساط المواطنين الذين خرجوا إلى الساحات استجابة لدعوات المقاومة الفلسطينية لدعم وإسناد المجاهدين في الضفة ، وإشعال ثورة شعبية عارمة ضد هذا الكيان الإجرامي المتغطرس الذي يسعى لتوسيع رقعة الخراب والدمار في الأراضي الفلسطينية ، والإغراق في الدم الفلسطيني بكل صلف وتوحش وبكل دم بارد ، معتمدا على الدعم والإسناد والحماية الأمريكية .
بالمختصر المفيد.. العملية العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية ، مغامرة مصيرها الفشل الذريع ، وستكون شاهدة على هزيمة هذا الكيان ، وفشله الذريع في تحقيق تلكم الأهداف التي سعى لتحقيقها من خلال العدوان على قطاع غزة ، يريد أن يظهر في صورة المنتصر والمنتشي ، ولكنه يفشل في ذلك ، فالخسائر التي يتكبدها يوميا في محاور القتال في قطاع غزة ، والضربات الموجعة التي يتعرض لها في الجبهة الشمالية مع حزب الله ، وتداعيات عمليات الإسناد التي تقوم بها القوات البحرية اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط دعما وإسنادا لإخواننا في قطاع غزة ، جعلته يترنح ، ودفعت به للتخبط في المواقف والتوجهات والقرارات التي باتت تتهدد مصير حكومته المتطرفة وخصوصا في ظل حالة السخط في الشارع الصهيوني تجاهها على خلفية مماطلتها في إنجاز صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية، وعدم اكتراثها لأوضاعهم والأخطار المحدقة بهم في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
نذر الانفجار الكبير فى الضفة الغربية
تتواتر نذر النار فى الضفة الغربية، كأنها استئناف للحرب على غزة وتصعيد بالوقت نفسه لمستوى المواجهات الوجودية، أن تكون أو ألا تكون القضية الفلسطينية.
لم تكن مصادفة أن تكون جنين ومخيمها بالذات أول مواجهات النار.
تمثل جنين عقدة مستحكمة أمام آلة الحرب الإسرائيلية، التى لم تتمكن من إخضاعها رغم الحملات والمداهمات المتصلة بكل أنواع الأسلحة والجرافات والطائرات.
«جنين هى النموذج والبداية». كان ذلك تصريحًا لافتًا لوزير الدفاع الإسرائيلى «يسرائيل كاتس»، الذى يفتقر إلى أية خبرة عسكرية، لكنه ينطق بما يريده رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو".
الكلام يعنى بالضبط أن تكون جنين «أمثولة» تتحطم فيها مقومات الحياة حتى يدب الذعر فى أنحاء الضفة الغربية. بتعبير آخر لـ«كاتس»، قال إن: «عملية جنين جزء من عملية أكبر ضد إيران والميليشيات الحليفة لها».
إنها محض ذريعة لتسويغ فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
من حيث التوقيت يستهدف «نتنياهو» الدخول فى حرب جديدة خشية عواقب وقف إطلاق النار على مستقبل حكومته. لم تكن هدنة غزة خياره فقد رفض مشروعًا مماثلًا فى مايو (2024) قدمه الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن باسمه، لكنه لم يتبنه ولم يدافع عنه وعمل على إجهاضه.
كما ليس بوسعه الانتظار إلى حين انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق حتى ينهيه بذريعة أو أخرى حسب نواياه المعلنة، خشية أن تفضى التفاعلات الداخلية الإسرائيلية إلى إحكام الخناق عليه وإجباره على الاستقالة وخسارة مستقبله السياسى.
كان تصدع تحالفه الحكومى باستقالة وزير الأمن القومى المتطرف «إيتمار بن غفير» احتجاجًا على وقف إطلاق النار فى غزة، الذى اعتبره كارثيًا، وتلويح وزير متطرف آخر «بتسلئيل سيموتريتش» بالاستقالة، داعيًا جوهريًا لفتح جبهة حرب جديدة حتى يتجنب انهيار حكومته.
يجد «نتنياهو» نفسه فى هذه اللحظة أسيرًا سياسيًا لدى «سيموتريتش» وكلمته نافذة فى الخيارات الرئيسية. إنه رجل المستوطنات والمستوطنين وقضيته الرئيسية فرض السيادة على الضفة الغربية بلا إبطاء.
«نتنياهو» يشاركه الأفكار نفسها، لكنه قد يميل إلى شىء من التحسب قبل تفجير الضفة الغربية.. فيما يطلب هو برهان أمام قواعده اليمينية المتشددة يثبت أن وجوده فى التشكيل الحكومى أفيد من استقالته.
المثير أن آخر استطلاعات الرأى العام فى الدولة العبرية تكشف أن أغلبيته مع إنفاذ اتفاق وقف إطلاق النار لإعادة جميع الأسرى والرهائن فى غزة.
إذا أجريت الانتخابات الآن فإن حزب الصهيونية الدينية، الذى يترأسه، لن يتجاوز نسبة الحسم. وفق الاستطلاعات نفسها فإن حظوظ الليكود ارتفعت عما كانت عليه من قبل، لكن نتنياهو لا يريد أن يغامر، أو أن يجد نفسه خلف جدران السجون محكوما عليه بتهم الفساد والاحتيال والرشى.
كانت استقالة رئيس أركان الجيش الإسرائيلى «هيرتسى هاليفى» إثر الإعلان عن هدنة غزة معترفًا بمسئوليته الكاملة عن التقصير الفادح فى (7) أكتوبر داعيًا جوهريًا آخر لمزيد من القلق عند مركز صنع القرار.
احتذى موقف «هاليفى» قادة عسكريين آخرين، أبرزهم قائد المنطقة الجنوبية «يارون فينكمان». الاستقالات فى توقيتها وسياقها بدت نوعًا من حفظ ماء وجه القيادات العسكرية بدلًا من الخضوع لإهانات الإقالة، التى يتبناها رموز اليمين المتطرف حتى يمكن إعادة بناء القيادة العسكرية وفق تصوراتهم لإدارة الحروب. إنه زلزال حقيقى فى المؤسسة العسكرية توابعه قد تضرب فى صلب أدوارها وطبيعة النظرة إليها بالمجتمع الإسرائيلى.
ثم أنه يجعل من مثول «نتنياهو» أمام جهة تحقيق مستقلة مسألة محتمة الآن، أو فى المدى المنظور عن مسئوليته السياسية عن الفشل الذريع فى السابع من أكتوبر، لكنه يسعى بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لتأجيل أية محاسبة مفترضة لأطول فترة ممكنة، ربما يمكنه خلالها أن يحقق شيئًا مما يطلق عليه «النصر المطلق»!
لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأنه سوف ينجح بالضفة الغربية فيما فشل فيه بغزة. فى (8) يناير الحالى نشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية فى افتتاحيتها أن إسرائيل تريد تحويل الضفة الغربية إلى أطلال.
كان ذلك كشفًا مبكرًا عما تنتويه آلة الحرب الإسرائيلية من مداهمات عسكرية لكل مدنها وتقتيل جماعى لمواطنيها والتطهير العرقى وتهجيرهم قسريًا إلى الأردن. إنه مشروع يستهدف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى يهودا والسامرة، فى طولكرم وجنين ونابلس وفى أى مكان يهدد المستوطنين الإسرائيليين، بنص تعبير سيموتريتش.
إذا فرضت السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بقوة السلاح وأعمال العنف فسوف تفتح أبواب الجحيم كلها مرة واحدة وتمتد نيرانها إلى كل مكان.
إنها الكراهية عندما تتجاوز كل حد وتصور. كل شىء سوف يكون محتملًا، هدم المسجد الأقصى والقتل على الهوية الدينية بأى مكان فى العالم.
سوف تتقوض إلى الأبد أية رهانات على القانون الدولى، الذى يجرم الاستيطان فى الضفة الغربية، أو أية رهانات أخرى على «حل الدولتين»، وتتحلل السلطة الفلسطينية من تلقاء نفسها، رغم أدوارها فى التنسيق الأمنى مع إسرائيل لملاحقة جماعات المقاومة!
عند هذه اللحظة يصبح الكلام عن منح إسرائيل أية حوافز باسم البحث عن السلام إدماجا فى معادلات المنطقة غير محتمل على أى نحو أو بأى قدر.
أين إدارة دونالد ترامب من ذلك كله؟! فى يومه الأول بالبيت الأبيض صدرت عنه إشارات خطرة تشكك بقدرة اتفاق وقف إطلاق النار بغزة على الصمود لما بعد المرحلة الأولى، وتلغى عقوبات أمريكية على مستوطنين إسرائيليين ارتكبوا أعمالًا إجرامية مروعة بحق فلسطينيين عزل.
الأخطر التعهد بإدارة معركة ضد محكمتى العدل الدولية والجنائية الدولية لمنع الأولى من إدانة إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة فى غزة.. وتعطيل الثانية عن متابعة مذكرتيها بتوقيف «نتنياهو» ووزير دفاعه المُقال «يوآف جالانت» بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
هذه كلها نذر انفجار كبير يستدعى المقاومة الفلسطينية من جديد، التى أثبتت جسارتها وصلابتها دومًا، لتقول كلمة أعدل القضايا الإنسانية فى التاريخ الحديث كله.
(الشروق المصرية)