في الولايات المتأرجحة الرئيسية التي فاز بها الديمقراطيون بفارق ضئيل في عام 2020، يشكل الأميركيون المسلمون كتلة تصويتية كبيرة، ولديهم أولوية تصويتية واحدة: غزة.

قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، ازدادت حدة السباق لجذب الناخبين. ومن بين الدوائر الانتخابية المختلفة التي يتنافس عليها الديمقراطيون والجمهوريون، هناك واحدة تبرز بشكل خاص: وهي المجتمع المسلم.

على الرغم من أن المسلمين يشكلون حوالي 1% فقط من السكان الأميركيين، فإنهم يُعتبرون كتلة تصويتية مهمة؛ بسبب تركيزهم في الولايات المتأرجحة، والتي غالبًا ما تُحسم في الانتخابات بفارق ضئيل.

في هذه الدورة الانتخابية، يبدو أنّ المجتمع المسلم أكثر اتحادًا من أي وقت مضى حول قضية سياسيّة واحدة: الحرب في غزة. أي مرشّح يأمل في كسب شرائح كبيرة من الناخبين المسلمين سيحتاج إلى تلبية مطالب المجتمع بإنهاء إراقة الدماء في فلسطين.

هذا وَفقًا لدراسة جديدة نشرها معهد السياسات الاجتماعية والتفاهم (Institute for Social Policy and Understanding – ISPU) بالشراكة مع منظمة إيمجيدج (Emgage) وتشينج ريسيرش (Change Research). تستند هذه الدراسة إلى استطلاع أُجري في أواخر يونيو/ حزيران وأوائل يوليو/ تموز، حيث ركز على نوايا التصويت لدى المسلمين في ثلاث ولايات متأرجحة: جورجيا، بنسلفانيا، وميشيغان في انتخابات الرئاسة لعام 2024.

ما وجدناه هو أن تعامل الرئيس جو بايدن مع الحرب في غزة قد حوّل المسلمين، الذين كانوا من أكبر مؤيديه في عام 2020، إلى أشد منتقديه.

في عام 2020، حوالي 65% من الناخبين المسلمين في هذه الولايات أدلوا بأصواتهم لصالح بايدن. كان هذا الدعم حيويًا لفوزه الانتخابي؛ لأنه فاز بالولايات المتأرجحة الرئيسية بفارق ضئيل. فقد فاز في جورجيا بفارق 12,000 صوت فقط، وهي ولاية صوت فيها أكثر من 61,000 مسلم، وفاز في بنسلفانيا بفارق 81,000 صوت، حيث صوت 125,000 مسلم.

بالمقابل، في استطلاعنا، الذي أُجري قبل انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، قال 12% فقط من المستجيبين إنهم سيصوتون له، مما يمثل انخفاضًا حادًا في الدعم لم يُشهد مثيله بين أي مجموعة أخرى شملتها الدراسة. في حين أن هذا يؤثر على السباق الرئاسي، إلا أنه أيضًا ظهر في شكل استياء أوسع من الحزب الديمقراطي بشكل عام.

لقد وحدت الحرب على غزة الناخبين المسلمين بطريقة لم يسبق لها مثيل في الذاكرة الحديثة. وفقًا لاستطلاع المسلمين الأميركيين لعام 2020 الذي أُجري بواسطة ISPU، كانت الرعاية الصحية (19%)، الاقتصاد (14%)، والعدالة الاجتماعية (13%) من أهم القضايا الانتخابية للناخبين المسلمين.

قارن ذلك بعام 2024: عبر الطيف الحزبي، كانت الأولوية القصوى للناخبين المسلمين في جورجيا، بنسلفانيا، وميشيغان هي الحرب في غزة (61%)، يليها إبقاء الولايات المتحدة خارج الحروب الخارجية (22%).

حظي تقليص المساعدات العسكرية لإسرائيل أيضًا بدعم الأغلبية الساحقة من الناخبين المسلمين في دراستنا، الذين – بغض النظر عن الميول الحزبية – جميعهم يرون في هذه السياسة سببًا للتصويت لصالح المرشح. في حين أن الحرب في الخارج قد تبدو بعيدة عن اهتمامات الناخبين المسلمين الأميركيين اليومية، إلا أن العديد منهم يرون دور الولايات المتحدة – من خلال تقديم مساعدات غير مشروطة ودعم دبلوماسي لإسرائيل – كنوع من التواطؤ في استمرار اضطهاد الفلسطينيين.

أهمية الحرب في غزة بالنسبة للناخبين المسلمين كانت واضحة قبل أشهر من إجراء استطلاعنا. لعب المجتمع المسلم دورًا قياديًا في الحركة الوطنية لغير الملتزمين (Uncommitted National Movement)، التي حثت الناخبين الديمقراطيين على التصويت "بلا التزام" في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في ولاياتهم. نجحت المبادرة في إقناع أكثر من 700,000 ديمقراطي بالقيام بذلك، مما أبرز مطالبهم بضرورة تغيير نبرة وسياسة إدارة بايدن تجاه إسرائيل وفلسطين.

هذا التحول الكبير للمسلمين بعيدًا عن بايدن لا يعني تحولهم الكامل إلى الجانب الآخر من الطيف السياسي. ارتفع دعم المسلمين لترامب بشكل طفيف من 18% في عام 2020 إلى 22% في عام 2024 في جورجيا، ميشيغان، وبنسلفانيا.

بأغلبية ساحقة، يتحرّك المسلمون الذين كانوا يدعمون بايدن سابقًا نحو الأحزاب الثالثة أو ما زالوا غير متأكدين. وجدت دراستنا أن ما يقرب من ثلث الناخبين المسلمين إما سيصوتون لمرشح حزب ثالث (27%) أو سيكتبون اسم مرشح (3%). حوالي 17% من المسلمين قالوا إنهم لم يقرروا بعد بشأن مرشحهم مقارنة بـ 6% من الجمهور العام. هذا يعني أنه لا يزال هناك متّسع من الوقت للمرشحين لكسب هذه الفئة الانتخابية الحيوية. ويبدو أنّهم يحاولون.

لم يسحب بايدن نفسه فقط من السباق، بل إنّ المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس أشارت إلى أنها تنأى بنفسها عن دعمه الثابت لحرب إسرائيل على غزة. ففي يوليو/ تموز، لم تحضر نائبة الرئيس خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، وقالت إنها لن تصمت بشأن المعاناة في غزة، وأوضحت دعمها لوقف إطلاق النار.

وفي أغسطس/ آب، اختارت حاكم مينيسوتا تيم والز كنائب لها، والذي يُعتبر على نطاق واسع أكثر تعاطفًا مع القضية الفلسطينية من حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو الذي كان ضمن القائمة المختصرة. أشاد والز هذا العام بالناخبين غير الملتزمين في مينيسوتا، ووصفهم بأنهم "منخرطون مدنيًا" وقال: "هذه القضية أزمة إنسانية. لهم كل الحق في أن يُسمع صوتهم".

ورغم أن المسلمين كانوا متفائلين بحذر في أحسن الأحوال، فإن رفض حملة هاريس السماح لشخصية أميركية فلسطينية بالتحدث في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي قد أفسد هذا الأمل.

المرشحان من الأحزاب الثالثة، جيل ستاين، وكورنيليوس ويست، كلاهما كانا صريحين في دعمهما لشعب غزة. اختار ويست ميلينا عبد الله، وهي امرأة مسلمة سوداء، كنائبته. واختارت ستاين الناشط المسلم والأكاديمي رودولف "بوتش" وير.

حتى حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب تسعى إلى الوصول إلى الناخبين العرب الأميركيين، وهو أمر مفاجئ بالنظر إلى الخطاب المعادي للمسلمين الذي استخدمه أثناء حملته في عام 2016. كان الأشخاص المرتبطون بحملته يحاولون كسب الناخبين العرب في الولايات المتأرجحة. تزوجت أصغر بنات ترامب، تيفاني، من ابن رجل أعمال لبناني أميركي، مسعد بولس، الذي كان يحاول إقناع العرب في ميشيغان بالتصويت للرئيس السابق؛ بسبب فشل سياسة الإدارة الحالية في غزة.

لقد جاءت تعبئة المجتمع المسلم حول فلسطين بتكلفة باهظة للكثيرين. أفاد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بزيادة غير مسبوقة في حوادث التحيز: ارتفاع بنسبة 56% في تقارير الإسلاموفوبيا في عام 2023. كما تصاعدت العنصرية المعادية للفلسطينيين بشكل كبير، وهو اتجاه مقلق انعكس في حادثة إطلاق النار على ثلاثة طلاب فلسطينيين في فيرمونت كانوا يرتدون الكوفية. تم اعتقال الآلاف – العديد منهم من الطلاب المسلمين – في احتجاجات في الجامعات، وتعرض العديد منهم للتهديد بالفصل أو مواجهة تهم جنائية؛ بسبب نشاطهم المؤيد لفلسطين في الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

ومع ذلك، حتى مع العواقب المترتبة على اتخاذ موقف علني بشأن فلسطين، يبدو أنّ الناخبين المسلمين غير مردوعين هذه المرّة. لقد برز التضامن مع شعب غزة كأهمّ قضية للناخبين المسلمين الأميركيين، وهي مجموعة لا يستطيع أيّ مرشح تجاهلها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتأرجحة الناخبین المسلمین المجتمع المسلم الحرب فی غزة المسلمین فی فی عام 2020

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يترأس الاجتماع الثامن عشر لمجلس حكماء المسلمين

عقد مجلس حكماء المسلمين اجتماعَه الثامن عشر، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وبحضور أعضاء المجلس.

ودُعِيَ إلى الاجتماع الذي عقد في العاصمة البحرينيَّة المنامة، نخبة من كبار العلماء والمرجعيات الدينية من المذاهب الإسلامية المختلفة حول العالم، وذلك لدراسة قضايا الحوار الإسلامي الإسلامي، في ظل التحديات التي تواجه الأمة اليوم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وأجمع المشاركون على رفض محاولات التهجير كافَّة التي تستهدف تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة، وعلى تأكيد دعم الموقف العربي والإسلامي الرافض لهذه المحاولات.

وحيا المجتمعون صمود الشعب الفلسطيني وتشبثه البطولي بأرضه وتراب وطنه، في ظل عدوان لا يعلم قيمةَ الأرض والانتماء للوطن وفداءه، مؤكِّدين أنَّ السبيل الوحيد لاستنهاض إمكانات الأمة في مواجهة هذه التحديات هو وحدة الصف والانطلاق من المشتركات الجامعة في مواجهة الأخطار المحدِقة التي تهددها في أماكن كثيرة.

أخبار ذات صلة الإمارات تشارك في مؤتمر «الحوار الإسلامي-الإسلامي» بالمنامة السعودية تشدد على رفض تصريحات تهجير الفلسطينيين

وأعرب المجتمعون عن تأييدهم وتبنيهم الكامل ودعمهم لمخرجات مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، وما تضمَّنه ميثاق «نداء أهل القبلة» الَّذي صدرَ عن هذا المؤتمر المهم، والذي يُقدم لعالم المسلمين رؤية مستقبليَّة متكاملة لمنطلقات الحوار الإسلامي، وأولوياته وقضاياه الملحة خلال المرحلة القادمة من أجل تحقيق الأخوَّة الإسلامية بين مكوِّنات الأمة في ظل أجواء يسودها التفاهم والاحترام المتبادل ووقف أشكال السب وخطابات الكراهية والتكفير كافة.

وانطلاقًا من هذا النداء، قرَّر العلماء المشاركون مواصلة العمل الجماعي في مجال الحوار الإسلامي، من خلال تطبيق تلك الرؤى في مبادرات عملية، في مقدِّمتها تشكيل رابطة للحوار الإسلامي تضم ممثلينَ عن جميع المذاهب الإسلامية، لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر، بالتشاور والتنسيق مع الشركاء من مدارس الفكر الإسلامي في كل أنحاء العالم، مؤكِّدين دعمهم الكامل لمؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي المزمع عقدُه في الأزهر الشريف في جمهوريَّة مصر العربية العام المقبل.

كما ناقش المجتمعون إيجابيَّات الذكاء الاصطناعي وسلبياته على منظومة القيم والأخلاق، وضرورة أن يواكب هذا التطور ميثاق أخلاق مواز يحكم عمل القائمين على هذه الأدوات التكنولوجية، ويرشد مستخدميها إلى السبيل الأمثل للاستفادة منها بشكل إيجابي، مؤكِّدين ضرورة مبادرة المؤسسات الإسلامية وتضافر جهود علماء المسلمين للاستفادة منها وتوظيفها بما يخدم التواصل الفعال مع الأجيال النَّاشئة والشباب، خاصةً فيما يتعلق بالحصول على المعلومات الدينية الصَّحيحة والفتاوى السَّليمة.

وقدَّمَ المجتمعون الشكر إلى دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة على الدعم الدائم لجهود مجلس حكماء المسلمين العالمية في خدمة السَّلام وتعزيز الأخوَّة الإسلاميَّة والتعايش الإنساني.

مقالات مشابهة

  • مجلس حكماء المسلمين يرفض محاولات تهجير الفلسطينيين
  • شيخ الأزهر يترأس الاجتماع الثامن عشر لمجلس حكماء المسلمين
  • الوضع الاقتصادي يتصدر اهتمامات الناخبين في ألمانيا
  • ترامب يتهم بايدن بإشعال الحروب في أوروبا
  • أستون فيلا يقلب الطاولة على تشيلسي بثنائية أسينسيو في الدوري الإنجليزي
  • «خوري» تشارك في فعالية إطلاق عملية «تسجيل الناخبين»
  • الانتخابات الألمانية من منظور دولي: كيف ترى كل من الولايات المتحدة، روسيا والصين الحدث؟
  • انطلاق مرحلة تسجيل الناخبين بالمجموعة الثانية للانتخابات البلدية
  • الهلال يقلب الطاولة على انزيدان .. ونواذيبو يتعثر ضمن منافسات الجولة 18 من الدوري الموريتاني الممتاز
  • فيلم “كابتن أميركا” يسحق منافسيه في الولايات المتّحدة وكندا