ناحوم أفندي.. ساعد «الصهيونية» على ابتلاع فلسطين وإعلان دولة الاحتلال
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
للوهلة الأولى يبدو كتاب «ناحوم أفندى - أسرار الحاخام الأخير ليهود مصر»، للكاتبة سهير عبدالحميد، مجرد سيرة رجل دين لطائفة يهود مصر، لكن عبر صفحات الكتاب سيجد القارئ مقاصده أبعد من كونه سيرة ذاتية، إذ يناقش عدة قضايا بالغة الأهمية؛ بشكل أساسى نشأة الحركة الصهيونية، التى كانت فكرة، تطورت إلى استراتيجية ممنهجة تبلورت بوضوح نهاية القرن التاسع عشر، كما يتعرض للوجود اليهودى فى الدولة العثمانية ومصر، وعلاقة هذه الحركة بالدولة العثمانية، وموقف الدولة منها، ثم يرصد أشكال تغول وتوغل الصهيونية فى جسد فلسطين، إلى إعلان دولة إسرائيل وتداعياتها التى نعايشها ويعايشها الأشقاء الفلسطينيون واقعاً مريراً منذ 76 عاماً.
فى البداية تقدم المؤلفة بطاقة تعريف بشخصية الحاخام الأخير للطائفة اليهودية فى مصر (ناحوم أفندى 1873- 1960)، حيث عاش وعايش فترة حرجة تتزامن وتتماس مع الحركة الصهيونية، إذ بدأت هذه الحركة تكشف عن وجهها القبيح منذ مؤتمر بازل بسويسرا 1897، كما تتزامن حياة الرجل مع العديد من التحولات التى حدثت على خريطة العالم، من أبرزها سقوط الخلافة العثمانية وتقسيم تركتها بين قوى الاستعمار البريطانى والفرنسى، وقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وغيرها.
تقول المؤلفة عن الرجل: «عاش حايم ناحوم أفندى، الحاخام الأكبر ليهود مصر، حقبة من الدم والنار سادتها علامات الاستفهام واللغط الذى لم يرسُ جزء منه على مرفأ اليقين حتى يومنا هذا، ونال الرجل من هذا اللغط ما ناله..».
وتتتبع مسيرته وانتقاله من إسطنبول إلى مصر: «حايم ناحوم أفندى، (حاخام باشى) اليهود فى بلاط السلطان العثمانى، ثم الحاخام الأكبر فى بلاط الملك فؤاد منذ 1925، ومن بعده ابنه الملك فاروق، وأخيراً جمهورية الضباط الأحرار حتى توفى عام 1960، الحاخام رقم 49 أو قبل الأخير فى تاريخ حاخامات مصر، وإن كان هو فعلياً الحاخام الأخير، إذ لم يكن خليفته حايم دويك سوى رئيس للطائفة التى تقلص حجمها كثيراً، ولم يكن له النفوذ الذى تمتع به سلفه».
كما ترصد جوانب أخرى من حياته والأدوار والمهام التى تقلدها خلال رئاسته للطائفة اليهودية فى مصر، ومن بينها عضويته فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعمله مترجماً للملك فؤاد ورئاسته (شرفياً) لجمعية الأبحاث التاريخية الإسرائيلية التى تأسست عام 1925 لإحياء التاريخ اليهودى والوعى القومى، كما كتب عدة مؤلفات عن فلاسفة اليهود، خصوصاً موسى بن ميمون، كما اهتم بكل ما يخص اليهود وتاريخهم فى مصر.
من خلال الكتاب نفهم أن الرجل كان كاريزما، له وزنه وقدرته على التأثير فى طائفة اليهود أينما حلوا، فقد كان يجيد عدة لغات، منها العبرية والعربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والتركية، وغيرها: «لم يكن ناحوم رجل دين وحسب، بل كان دائم الحرص على الاطلاع، ومثلما كانت التوراة لا تفارقه كان القرآن بجواره دوماً يدرس ألفاظه ومعانيه، كان بشهادة كل من عاصره خطيباً مفوَّهاً، فكانت محاضراته المستمرة فى كنيس الإسماعيلية لا تنقطع حول الموضوعات الدينية».
أسهم فى تطور الأحداث بزيادة عدد المهاجرين إلى فلسطينيتعرض الكتاب لعدد من الوقائع والأحداث التى تم توظيفها لخدمة الهدف الاستراتيجى، منها توظيف الأدب لخدمة الصهيونية، ومنها أيضاً واقعة ذات دلالة خاصة تكشف أبعاد تأسيس الحركة الصهيونية فى تركيا (قلب الخلافة العثمانية) ونشرها على يد أحد الشباب اليهود، للدعوة للهجرة إلى فلسطين بدعوى «استعادتها» من العرب، والذى ادَّعى دخوله الإسلام ونشر مذهبه الذى يعلن الإسلام ويُضمر مذهبه الصهيونى، وهو ما كان نواة لما عُرف فيما بعد بـ«يهود الدونمة»، وهى الحركة التى كانت تأسيساً وسبباً لسقوط الدولة العثمانية بشكل كامل فى 1923، تمهيداً لتحقيق المطامع اليهودية فى فلسطين، خاصة فى فترة السلطان عبدالحميد الثانى، الذى اتخذ عدة إجراءات ليحول دون توغل اليهود فى فلسطين، وأبرز هذه الإجراءات «الجواز الأحمر»، الذى يمنع إقامة اليهود فترة طويلة فى فلسطين آنذاك.
ألغى «الجواز الأحمر» الذى منع الهجرة اليهودية مؤقتاًويوضح الكتاب الدور الخطير الذى لعبه «ناحوم أفندى» فى تطور الأحداث، وكان له دور بارز فى زيادة عدد المهاجرين، فقد «كان له دور البطولة فى إلغاء الجواز الأحمر الذى كان بمثابة القيد الأخير الذى يغل الهجرة اليهودية إلى فلسطين».
بسقوط الدولة العثمانية ينتهى دور الحاخام فى تركيا «ليبدأ فصل جديد للأسرة العلوية التى كان لليهود فيها مكان ومكانة»، وتفرد المؤلفة فصلاً لمكانة يهود مصر بعنوان «يهود مصر.. وجود تاريخى»، وتستعرض خلال هذا الفصل مظاهر حضورهم فى المجتمع المصرى، سواء فى الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الفنية، فضلاً عن رعاية الدولة المصرية، «اتبع الملك فؤاد سياسة أخيه السلطان حسين كامل فى رعاية اليهود والتبرع للجمعيات والأعمال الخيرية الخاصة بالطائفة اليهودية، وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى هاجر عدد كبير من اليهود إلى مصر فرحبت بهم»، وحصل اليهود على مزايا المواطن المصرى آنذاك، وحمل نسبة منهم الجنسية المصرية.
وعندما انتقل ناحوم أفندى إلى مصر صدر له قرار من الملك فؤاد فى 1925، بتعيينه حاخاماً للطائفة اليهودية فى مصر، وبذلك يبدأ فصل جديد من حياته فى أجواء مهيأة ليلعب أدواراً جديدة، تزامناً مع تزايد الهجرة إلى فلسطين، ويستقر فى مصر إلى وفاته فى 1960، ويحظى بعلاقات قوية مع رموز السلطة فى عهد الملكية والجمهورية، ويمارس نفوذه الروحى على الطائفة.
يرصد الكتاب انقسام موقف الطائفة اليهودية فى مصر من الصهيونية آنذاك، وموقف ناحوم أفندى الذى ظل ملتبساً من الحركة، وهو موضوع من الموضوعات التى تهتم سهير عبدالحميد بإثارة الأسئلة حولها أكثر من تقديم إجابات. «لم أجد رأياً قاطعاً حول مواقف ناحوم أفندى من الصهيونية فى المراجع التاريخية أو قصاصات الصحف التى مدحته حيناً بوصفه زعيماً دينياً وطنياً يجمع الصف اليهودى وراء الدولة، سواء فى عهد الملكية أو الجمهورية، واتهمته حيناً بوصفه نموذجاً لما حوته بروتوكولات حكماء صهيون».
وتنبهنا المؤلفة إلى اختلاف معايير تقييم الصهيونية آنذاك عن معايير الوقت الحالى، وتدلل على ما ذهبت إليه برصد موقف المفكرين المصريين والعرب وكيف تمكن اليهود فى فلسطين من الاستيطان وخداع العرب باعتبار الصهيونية حركة سلام تدعو للعيش المشترك بين العرب واليهود على أرض فلسطين، موضحة أسباب عدم الوعى بخطورة الحركة الصهيونية آنذاك قائلة: «ما ساعد على الترويج لتلك الفكرة الماكرة هو أن الحركة الوطنية المصرية كانت غارقة فى قضية الاستقلال، التى لم تدع لها فرصة التفكير فى المحيط الجغرافى حولها».
ومن النقاط المهمة التى حرص الكتاب على التعرض لها رصد الموقف الفلسطينى، حيث تنبه الشعب مبكراً إلى خطورة تدفق الهجرة إلى فلسطين، ولجأ إلى الاستنجاد بالدولة العثمانية لمنع توغل اليهود، فيرصد موقفاً عدائياً من الصحفى الفلسطينى نجيب نصار، الذى تنقل بين القاهرة والقدس، مدافعاً بقلمه عن عروبة فلسطين، محذراً من خطورة الصهيونية وأسس فى عام 1908 من حيفا «جريدة الكرمل» وتنبأ بمغبة المصير الذى سيلاقيه العرب جراء هجرة اليهود المتزايدة إلى فلسطين.
الكتاب يجيب عن سؤال «كيف تمكنت طائفة اليهود من تأسيس دولة إسرائيل فى غفلة؟»ولا تلتزم الكاتبة بالضرورة بالترتيب الزمنى للأحداث التاريخية، لكنها فى الوقت نفسه تلتقط الأحدث التى تدعم وتخدم الفكرة الأساسية، تجيب على تساؤل: كيف تمكنت طائفة اليهود من تأسيس دولة إسرائيل فى غفلة من الوعى العربى، لتصبح فى عقود محدودة شوكة فى خاصرة الجسد العربى، بعد «منح من لا يملك (الأرض) وعداً لمن لا يستحقها، فأصبح وعد بلفور المشؤوم 1917 كرة النار التى أحرقت الخارطة العربية بلهيب الحرب والقهر، وتوغلت الصهيونية فصار الباطل فى لمح البصر حقاً».
وفى إشارة من الكاتبة لتوضيح العوامل المساعدة فى نشأة الصهيونية تضيف: «وبعد انعقاد مؤتمر بازل بسويسرا فى أغسطس 1897 بنحو نصف قرن، زرعت قوى الاستعمار كياناً شيطانياً افترش الأرض الفلسطينية وعبأت سمومه سماء القدس».
وهكذا تمكنت المؤلفة، عبر صفحات الكتاب الـ344، من تسليط الضوء وتعميق مناطق كانت مسطحة من التاريخ ما زالت آثارها قائمة وممتدة إلى الوقت الراهن، وهى موضوعات ضرورية لفهم الواقع الإقليمى والصراع العربى الإسرائيلى وتطور أدوات القوى الاستعمارية والماسونية فى المنطقة العربية عبر سيرة حياة ناحوم أفندى الحاخام الأخير للطائفة اليهودية فى مصر، سواء خلال وجوده فى تركيا أو فى مصر.
استعانت المؤلفة بكم كبير من المراجع والصور والوثائق المتنوعة، كما تضمنت صفحات الكتاب هوامش لتوضيح الكلمات الملتبسة، بشكل يجعل الكتاب يتخطى تصنيف السير الذاتية أو الكتابة التاريخية الجافة، ويجعل منه عملاً بحثياً ومرجعاً مرموقاً يستحق الاطلاع عليه والرجوع إليه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الاقتصاد القوى الاستعمارية الدولة العثمانیة الحرکة الصهیونیة دولة إسرائیل إلى فلسطین فى فلسطین یهود مصر
إقرأ أيضاً:
«الأزمة الاقتصادية» الباب الخلفى لمجتمع دموى
لم يعد الرأى العام المصرى يندهش أو حتى يهتز لأننا أصبحنا نبحر فى كل اللا معقَول بسبب الأحداث التى تفوق كل التوقعات والتكهنات وحتى الخيالات التى غالبًا ما تنتهى بسنياريوهات دمويه للعنف الأسرى أو بدافع الحب، هزت نسيج أسطورة المجتمع المصرى المتدين المعروف بالتدين والحياء، خلافات قد تكون تافهة تنسف كل المشاعر الإنسانية، وتدمير كلى وجزئى لكل أدبيات «العيش والملح»، والعشرة الطويلة على المرة قبل الحلوة.. الحقيقة المفزعة بأن هناك ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر فى البيوت المصرية التى تحولت إلى قنابل موقوتة تسقط عند أول اختبار صعب للظروف المعيشية و«العيشة الضنك».. بسبب البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة الذى يمر بها، تدل بل تؤكد على هشاشة العلاقات الأسرية. وتبادل الأدوار فى تحمل المسئولية بين أزواج ضعاف النفوس ومنزوعى العلاقة الروحية والربانية التى توثق الأخلاق وتهذب النفوس بالخوف من الله والظلم... لتتحول كل المشاعر إلى نزعة انتقامية تنتهى برغبة أكيدة بالتخلص من كليهما،. غالباً ما تقع الزوجة الطرف الأضعف كضحيه لهذا الخلل..جرائم قتل بشعه تهز عروش السماء وينفطر لها القلب وتخرج عن كل التوقعات أو حتى ما يستوعبه المنطق والعقل..والأسباب تافهة الذبح هو سيد كل نزاع بين العاشقين أو الزوج والزوجه وأمام أعين أولادهم فاجعة بكل المقاييس، تزامنًا من تزايد وتيرة العنف بشكل غير مسبوق فى ظاهرة باتت تهدد المجتمع المصرى بشكل خطير، للأسف الإعلام والدراما الهابطة ساعد فى تأجيجها هذه الظاهرة.
فمنتهى الهدوء والثبات والثقة قام زوج ببث فيديو مباشر بـ «سيلفى» مع زوجته التى قطع راسها أمام بناتها الثلاث بعد ٩ سنوات من العشرة انتهت بمشهد انتقامى دموى.. وآخر سابق «بطلها» طبيب قتل زوجته الطبيبة وأطفاله الثلاثة ذبحا فى دقائق وسط بركة من الدماء..وفى شوارع الإسماعيلية جريمة هزت أنحاء المحافظة، بعدما أقدم الشاب عبدالرحمن نظمى، الشهير بـ»دبور»، على ذبح عامل وسط الشارع أمام أعين المارة باستخدام سلاح أبيض «ساطور». ولم يكتف الشاب بذلك، بل فصل رأس العامل عن جسده وتجول بها بين المارة فى مشهد مرعب وسط ذهول، إذ سجل مقطع فيديو قتل شاب لجاره وفصل رأسه بطريقة مروعة باستخدام سكين، وفى محافظة الغربية قام شاب بقتل أفراد عائلته بطريقة بشعة، قام بالتخلص من عائلته المكونة، من والدته وشقيقه وشقيقته ذبحا بالسكين، وإشعال النيران فى أجسادهم بمركز قطور ، مشاهد الذبح اليومية التى ملأت أسماعنا هنا وهناك لم تفرق بين الطبقات بل انها النهاية البشعة لكل فئات المجتمع سواء المثقفة أو حتى الأمية، فى ظل انتشار «السوشيال ميديا» وسرعة البرق فى نشر الأفكار المسمومة الذى تسبب فى انتهاك الخصوصية للمواطن المصرى البسيط «أبوضحكة جنان» الشهير بخفة الدم و»القفشات» التى يحول المواقف الصعبة إلى ضحكات وابتسامات.. للأسف لم يعد دمه خفيفًا بل أصبح دمه رخيصًا، وتنوعت الأسباب التى يرجع إلى غياب الوعى الثقافى والدينى، وتعاطى المخدرات الرديئة الصنع آلتى انتشرت حالياً فى السوق المصرى والتى تفتك بالعقل وتغيبه وأسباب كثيرة وخطيرة أهمها ضياع الوازع الدينى وانهيار الأخلاق والضغوط والتوترات الاقتصادية الباب الخلفى الذى أفرز مجتمعًا مضغوطًا نفسياً وعصبيا وجسدياً عجز عن توفير حياة كريمة، يمكن تلخيصها فى عدة عوامل متداخلة، إذ إن تدهور الأوضاع الاقتصادية من تضخم وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة، يعزز من مشاعر الإحباط والضغوط النفسية، مما يؤدى إلى تصاعد العنف كوسيلة للتنفيس عن الغضب. بالإضافة إلى ذلك يؤثر الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة على تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، يعمق الإحساس بعدم العدالة الاجتماعية ويزيد من السلوكيات العدوانية.، ولابد من وضع السياسات العاجلة وزيادة الوعى الثقافى والاجتماعى ونشر الخطاب الدينى، عدة عوامل حربية كخطة عاجلة لوقف نزيف وجراح مجتمع فى طريقه إلى الانهيار، إلى جانب تراجع القيم المجتمعية، أدى إلى تغيرات فى التركيبة الاجتماعية وانخفاض الوعى بالقيم الإنسانية والتسامح، زادت من انتشار السلوكيات العدوانية والعنف كجزء من سلوكيات الاحتجاج أو الدفاع عن النفس، إضافة إلى أن تعدد مصادر الأسلحة والمخدرات فى بعض المناطق يجعل العنف أكثر شيوعًا.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]