معالجة درامية مشوقة في سياق بوليسي تنتهي خارج التوقّعات

في أفلام الجريمة والعنف يتكامل عنصران رئيسيان وهما الشخصية والمكان ومن خلالهما سوف ننطلق في تقصي الأحداث التي تقع في مدينة ما فيما تكون الشخصيات منتظمة في سلسلة إما من المحققين أو مرتكبي الجرائم ومن هنا تنطلق مهارات كاتب السيناريو والمخرج في بناء الحبكة الرئيسية والحبكات الثانوية التي تدفع المشاهد إلى المتابعة والمشاركة في تصاعد الأحداث ورسم التوقعات وخاصة في ذلك النوع من أفلام الجريمة والعنف المبنية على الغموض والشخصيات الإجرامية التي تلف نفسها بمساحة من الحذر والمكر في التنكر والاختفاء.

وفي موازاة ذلك سوف ينتج هذا النوع من الأفلام ثنائيتين للصراع تتمثلان في قوة إنفاذ القانون ومنه توصلنا سواء في الرواية أو السينما إلى شخصية المحقق سواء السري أو العلني من جهة والمجرم أو عدد من المجرمين من جهة أخرى، وما بينهما يتسع البناء السردي لإثبات مهارة كل طرف للوصول إلى غايته سواء المحقق في الوصول إلى المجرم أو شبكة المجرمين أو المطلوب للقضاء في براعة التخفي وإخفاء الأدلة وما إلى ذلك.

وفي هذا الفيلم للمخرج راجا كولينز هنالك الكثير مما أشرنا إليه، فمن جهة المكان فإن مدينة الهلال هي في الواقع هي اسم آخر يطلق على مدينة نيو أورليانز في ولاية لويزيانا الأمريكية بينما في الحقيقة أن الأحداث الفيلمية تقع في مدينة ملتبسة وغامضة وهي مدينة ليتل روك في ولاية آركنساس الأمريكية أما من جهة الشخصيات فإن هنالك مجموعة من الضباط والمحققين الذين يلاحقون قاتلا متسلسلا يواصل ارتكاب جرائمه من دون القدرة على الإمساك به أو إيجاد خيط يمكن أن يقود إليه.

ها نحن مع ضابطي الشرطة برايان – يقوم بالدور الممثل تيرينس هوارد، والضابط لوك – يقوم بالدور الممثل ايساي موراليس وهما زميلان قديمان في سلك الشرطة وها هما يحاولان اقتفاء أثر قاتل متسلسل غامض يترك آثارا غريبة حول ضحاياه ممثلة في تلك الدمى التي يتم بواسطتها عرض الأزياء في المحلات أو المنيكان، والضابطان كانت لهما تجارب في تلك الملاحقات ولكن في هذه المرة كل شيء مبعثر ومشتت ومن الصعب جمع ذلك الشعث من الوقائع لغرض الوصول إلى الحقيقة.

فمن جهة هنالك شبهات تتعلق بالكنيسة وراعيها الشاب الذي يتكفل شابا مختلا مشتبها به ولكن من دون العثور على أدلة دامغة ومن جهة أخرى هنالك أشخاص يختفون فجأة مما يثير بلبلة وحيرة في أوساط أجهزة الشرطة مما يستدعي تدخل رئيس الشرطة الكابتن هاويل – الممثل اليك بالدوين الذي يزج بالمحققة جاكلين – الممثلة نوكي ويلان وبذلك يتكامل هذا المثلث الذي يربط المحققين الثلاثة.

يعمل كاتب السيناريو والمخرج على إضفاء قدر من الغموض على الأحداث ومن بين ذلك أن المحقق برايان يرتبط بعلاقة صداقة متينة مع جاكلين وأنهما يلتقيان سرا بعيدا عن الأنظار لكن المفاجأة أن المكان الذي يلتقيان فيه يصبح هدفا للشرطة وصولا إلى اتهام برايان نفسه بأنه هو الذي يرتكب تلك الجرائم وتتم إزاحته من عمله لكن ذلك التحول لن يكتمل إلا باتهام جاكلين نفسها بتلك التهمة نفسها.

هذا البناء السردي في هذا النوع من أفلام الجريمة ليس جديدا ولا غريبا على هذا النوع الفيلمي فقد عرفت السينما إنتاج مئات من أفلام الغموض والتحري ومن بينها سلسلة الأفلام المأخوذة عن روايات الكاتبة الأشهر على الإطلاق على مستوى العالم في هذا النوع وهي الكاتبة اجاثا كريستي حيث نموذج التحري التقليدي الذي تتشابك من حوله خطوط الجريمة ولكن مع تصاعد أحداث هذا الفيلم سوف يتم التشويش على البوصلة التي من الممكن أن تؤدي إلى المجرم الحقيقي.

وفي هذا الصدد يقول الناقد كيث جارلينجتون في موقع كيث وموفيز: «أحداث هذا الفيلم تحيلنا إلى نوع من الإثارة والجريمة المعقدة وحيث تدور الأحداث في مدينة ليتل روك في ولاية أركنساس وما حولها، وهو فيلم مليء بالأحداث والتعقيدات بالإضافة إلى شرارة القاتل المتسلسل المثقل بجرائمه الذي يتم زجه في نطاق حبكة مركبة. يبذل كاتب السيناريو ريتش رونات قصارى جهده، في إيجاد مزيد من التحولات المفاجئة».

أما الناقد جاري زوتولي في موقع بانج كريتيكس فإنه على خلاف غيره من النقاد الذين كتبوا عن الفيلم يرى أن الفيلم بسبب تشعب أحداثه يكون قد أدخلنا في نوع من الفوضى في كثرة الأحداث وتعدد مساراتها، إنه نوع من المحاكاة الساخرة لهذا النوع من أفلام التحري والأفلام البوليسية التي تراكمت على امتداد تاريخ السينما.

هذه الآراء المتضادة بالطبع لا يمكن ان تجعل من الفيلم مجرد عرض مرئي لسلسة من الأحداث المتشعبة المرتبطة بقاتل متسلسل بل إن المخرج ومعه كاتب السيناريو سعيا إلى إغراق الفيلم بخليط من الأحداث فقد أسس لمسارات سردية متداخلة وذلك في معالجة سينمائية أراد من خلالها تعزيز جانب الغموض والمفاجأة.

من هنا كان هنالك مسار عاطفي في السرد الفيلمي من خلال علاقة المحقق برايان مع جاكلين وهي علاقة ملتبسة اتضح من خلالها انها جاءت للتحقيق في جريمة قتل مراهق من طرف برايان لكن هذه المهمة سرعان ما اختلطت بجانب عاطفي ثم ما لبثت ان تعقدت اكثر بالتزامن مع اكتشاف لوك لتلك العلاقة واستغلالها لضرب الاثنين معا.

على أن الجانب النفسي الذي تم التركيز عليه في بعض المشاهد فهو الذي يتمثل في عجز برايان عن القيام بدوره عندما تحضر أمامه حادثة قتل ذلك المراهق برصاصة منه وهو يحاول أن يوقفه بسبب اتهامه بالمتاجرة بالمخدرات ووضع اليد على مبلغ مالي كبير ما لبث لوك أن وضع اليد عليه وهو ما سوف يعترف به برايان لاحقا لكن رئيسه الكابتن هاويل لن يأخذ الأمر على محمل الجد ويعيد برايان إلى الخدمة.

ها نحن في المشاهد الأخيرة عندما يقع برايان تحت قبضة صديقه المحقق لوك الذي سوف نكتشف انه ليس إلا ذلك القاتل المتسلسل الذي ورث تلك الطبيعة الإجرامية من والده، هذه المفاجأة غير المتوقعة لم تكون واردة في المسار الدرامي ولم تكن استثنائية بقدر ما هو حل لجأ إليه كاتب السيناريو والمخرج لغرض قلب مسار الأحداث برمتها وإيجاد خط درامي بديل جعل من ذلك الفيلم البوليسي يندرج في خانة النمطية وما هو معتاد وليس استثنائيا في اكتشاف حقيقة الجريمة ومن الذي ارتكبها.

إخراج / راجا كولينز

تمثيل/ إليك بالدوين – الكابتن هاويل، تيرينس هوارد – برايان، ايساي موراليس- لوك، نوكي ويلان – جاكلين

سيناريو / ريك رونات

«مدير التصوير: اليكس صلاحي»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کاتب السیناریو هذا النوع النوع من من أفلام من جهة فی هذا

إقرأ أيضاً:

زنزانة 65.. دراما جريئة تفضح جحيم السجون في مصر (شاهد)

بدأت قناة "مكملين" مع أول أيام شهر رمضان المبارك، عرض مسلسل "زنزانة 65"، في خطوة وصفت بالجريئة لتقديم دراما مختلفة تكشف زوايا غير مسبوقة عن تجربة السجون السياسية في مصر.

تدور أحداث المسلسل داخل أحد السجون المصرية، حيث يصبح كل من الزنازين، مكاتب الضباط، وممرات السجن عالمًا مغلقًا يموج بالصراع بين الشخصيات، محاطًا بالأسئلة الغامضة حول مصير المساجين، الذين انتقلوا إلى زنزانة جديدة دون معرفة سبب نقلهم أو ما ينتظرهم، ويضع المسلسل المشاهد أمام خيارات أبطاله الصعبة: هل يقبلون الصفقة التي عُرضت عليهم؟ أم يقلبون الطاولة على من يقود اللعبة؟.

بين الدراما والتشويق  
تتنوع أجواء المسلسل بين الدراما المشوقة والأكشن النفسي، مصحوبًا بلمحات من الكوميديا السوداء في بعض المواقف، حيث يظهر التلاعب النفسي الذي يمارسه ضابط الأمن الوطني "أدهم" على السجناء، ليضعهم أمام معركة مع أنفسهم قبل أن تكون معركتهم معه.

كل حلقة تبدأ بتتر يكشف جزءًا من أسرار أحد المساجين، وتنتهي بحدث مثير يفتح تساؤلات جديدة حول مصير الشخصيات، مما يجعل المشاهد في حالة ترقب دائم لمعرفة النهاية.

يأخذ المسلسل منحى بصريًا خاصًا، حيث تميل تيمة الألوان إلى الأخضر المشبع، الذي يرمز لزي حراس السجن، والأزرق القاتم، الذي يمثل ملابس السجناء، في انعكاس مباشر لحالة القمع والصراع النفسي داخل أسوار المعتقل.

يشارك في بطولة المسلسل محمد شومان، هشام عبدالله، وجدي العربي، وهمام حوت، في أداء تمثيلي قوي يعكس العمق النفسي لشخصيات تحمل بداخلها صراعات بين الواقع القاسي والمصير المجهول.



ليست مجرد دراما
وفي تصريح خاص، أكد مخرج المسلسل عبادة البغدادي أنه "بعد فتح سجون صيدنايا، رأى العالم جزءًا مما كان يجري خلف الأبواب المغلقة في نظام الأسد، لكن أحدًا لم يلتفت إلى أن هناك نظامًا أشد قمعًا على بعد كيلومترات قليلة، في نفس البقعة الجغرافية، لأن سجون السيسي ليست مجرد أماكن احتجاز، بل مصانع للقهر وكسر الإنسان، حيث تتلاشى الأرواح تحت وطأة التعذيب والإذلال اليومي".

وتابع: "مع تسارع الأحداث والكوارث، اعتاد الناس على نسيان مآسي الماضي، لكن في السجون المصرية، لا تزال المأساة مستمرة بلا توقف بينما تحاول الدراما الرسمية أن تروج لصورة زائفة عن العدالة والإنسانية، وأضاف: "نحن لا ندّعي أن زنزانة 65 يستطيع تقديم صورة كاملة لكل ما يجري داخل المعتقلات، فهذا مستحيل. لكننا أردنا أن نرمي حجرًا في مياه الظلم الراكدة، أن نحرك وعيًا ربما ينام، أو نضيء زاوية صغيرة في هذا الظلام الحالك".

أما أحمد الشناف، مدير عام قناة مكملين، فأكد أنه "منذ انطلاق قناة مكملين، التزمت بتقديم محتوى يكشف الحقيقة، ويسلط الضوء على القضايا التي يحاول البعض طمسها، مضيفا أن "مسلسل زنزانة 65 ليس مجرد دراما رمضانية، بل شهادة حية على واقع يعيشه الآلاف خلف القضبان، لكن واجبنا الإعلامي يحتم علينا ألا نكون جزءًا من الصمت المفروض على هذه القضايا".

وتابع: "نقدم زنزانة 65 لجمهورنا كنافذة على عالم مغلق، عالم لم يُسمح للناس برؤيته أو سماعه إلا من خلال شهادات متناثرة.. والآن، نقدمه في صورة درامية جريئة ومؤثرة"، مشددا أن "الإعلام في مصر اليوم لم يعد صوتًا للحقيقة، بل تحول إلى بوق للنظام، يزيّف الواقع ويدفن معاناة الآلاف خلف الشعارات الزائفة.

بينما تمتلئ الشاشات بمسلسلات تمجد القمع وتبرر الاستبداد، لذا فإن زنزانة 65 سيكون صوت من لا صوت لهم، وصورة لما تحاول الدراما الموجهة طمسه وإخفاءه.

واختتم حديثه بأن "ما يُعرض على قنوات النظام ليس دراما، بل بروباغندا مدفوعة، تهدف إلى تزييف وعي الجماهير وتبرير القهر. بينما يأتي مسلسل زنزانة 65 ليكشف الوجه الحقيقي لما يجري داخل السجون، بعيدًا عن التلميع والتزييف".

مخرج مسلسل زنزانة 65 عبادة البغدادي: تناهت إلى أسماعنا قصص تجسد روح الشر في نظام الأسد بسجون صيدنايا، لكن ما لم ينتبه له أحد هو وجود نظام السيسي الأشد شرا على بعد كيلومترات.. مسلسل زنزانة 65 يكشف حكايات حقيقة من داخل زنازين السيسي pic.twitter.com/hc6Cd538Uu

— Daoud Hamdi (@DaoudHamdi29435) February 28, 2025

الفن مراية المجتمع والفن اللي ميعكسش واقع
مجتمعه ويتكلم عن معاناة شعبه يبقي مش فن
بيكون ترفيه زي فقرة الارجوز بالظبط #زنزانة65 مش حكاية معتقلين في سجون السيسي دي حكاية مصر المسجونة فكل شعب مصر محبوس في زنزانة 65 https://t.co/SPkc8WhFQQ

— غادة نجيب - Ghada Nagib (@Ghadanajeb) March 1, 2025

مش متابع مسلسلات من زمان بس فى مسلسل حلو اوى اسمه زنزانة 65 انصح اى مواطن شريف يسمعه

— تريكة ???????????????? (@khaldwl60960201) March 1, 2025

مقالات مشابهة

  • ضبط أحداث بعد مشاجرة بينهم بمخيم جرش
  • توزيع المير الرمضاني في مدينة زايد بالظفرة
  • مصر بلد المواهب.. عمرو أديب عن دراما رمضان 2025
  • سؤال مزعج في دراما ترامب وبوتين
  • الهريفي يعلق على ضياع هدف محقق من تاليسكا في الدوري التركي
  • مشاهد الانتحار في دراما رمضان تثير غضب التونسيين
  • دراما رمضان2025.. مواعيد عرض مسلسل «سيد الناس» لـ عمرو سعد والقنوات الناقلة
  • ليبيا.. استقرار الأوضاع في مدينة الأصابعة بعد حرائق غامضة
  • إنقاذ مريض مسن من موت محقق بمجمع الشفاء الطبى التابع لهيئة الرعاية الصحية ببورسعيد
  • زنزانة 65.. دراما جريئة تفضح جحيم السجون في مصر (شاهد)