القدس المحتلة- وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسه، بأزمة داخلية مع إعلان جيش الاحتلال العثور على جثث 6 أسرى إسرائيليين، تم أسرهم وهم على قيد الحياة خلال معركة "طوفان الأقصى"، حيث كان من المفترض الإفراج عن بعضهم لو تم التوصل إلى صفقة تبادل جديدة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وخلافا للسابق، حيث كان رئيس الوزراء يسارع لعقد مؤتمر صحفي ويفاخر وينافس المؤسسة الأمنية والمستوى العسكري بالنجاح في العثور على الأسرى حتى لو كانوا قتلى، التزم نتنياهو الصمت لساعات.

وأمام الانتقادات غير المسبوقة من قبل معسكر المعارضة برئاسة يائير لبيد، ورئيس "المعسكر الوطني"، بيني غانتس، وحتى من قبل مصادر في حزب الليكود، اضطر للخروج بفيديو مصور اعتذر من خلاله لعائلات المختطفين عن عدم إعادتهم للبلاد وهم على قيد الحياة.

عصيان مدني

تصاعدت مشاعر الغضب والسخط الشعبي ضد نتنياهو وحكومته، وذلك مع الكشف عن التقييم الأولي للجيش الإسرائيلي، ومفاده أن "المختطفين الستة قتلوا قبل 24 إلى 48 ساعة من عثور القوات الإسرائيلية عليهم داخل نفق برفح على بعد نحو كيلومتر من مكان العثور على المختطف كايد فرحان القاضي".

وسط هذه التطورات وتكشف المعلومات حول التقييم الأولي للجيش، والذي كشف عن الفشل والإخفاق العسكري بالبحث عن الأسرى وإعادتهم وهم على قيد الحياة، تعالت الدعوات التي رفعها رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، للعصيان المدني وشل الاقتصاد، وإضراب بالحكم المحلي، إلى جانب توسيع دائرة الاحتجاجات لتعم جميع أنحاء البلاد.

ووجهت إلى نتنياهو انتقادات شديدة اللهجة لرفضه التقدم نحو صفقة تبادل، وتعمده إضافة المزيد من البنود والشروط التعجيزية، فيما اتهمته أوساط سياسية ومنتدى عائلات الأسرى الإسرائيليين بالتضحية بالمختطفين من أجل إنقاذ حكومته، وهي القراءات التي توافقت عليها تقديرات المحللين والسياسيين بإسرائيل.

الضرر بالصفقة

وأجمعت قراءات المحللين أن المخطوفين الستة المقتولين هم الثمن الذي تدفعه إسرائيل بسبب مراوغة نتنياهو والامتناع عن التوصل إلى صفقة تبادل، ووقف مؤقت لإطلاق النار، والإصرار على الحفاظ على وجود قوات للجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا.

وحذر المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" آفي أشكنازي، من سيناريو تكرار العثور على المزيد من جثث المختطفين داخل أنفاق غزة، قائلا "بالأمس كان هناك ستة، وغدا سيكون هناك ستة آخرون. يجب أن يفهم الجمهور أن غباء الإصرار على محور فيلادلفيا له ثمن".

ويعتقد المراسل العسكري أن الثمن هو حياة المختطفين بالأسر والتضحية بهم، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية كافة بينت لأعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، أنه لا جدوى من الإصرار على بقاء الجيش على هذا المحور.

ولفت أشكنازي إلى أن الإصرار على هذا الشرط في المفاوضات لن يؤدي إلا إلى الضرر بصفقة التبادل، وهو الموقف الذي عبر عنه وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي صرح أن الإصرار على محور فيلادلفيا يضر بصفقة إطلاق سراح المختطفين.

انتقادات لنتنياهو

بدا مقدم البرامج الإخبارية الكاتب الإسرائيلي، أمنون ليفي، أكثر حدة في انتقاداته لنتنياهو، قائلا في مقال له بالموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت، "لا بد من قول الحقيقة، إن البندقية التي أطلقت النار كانت مملوكة لحماس، ولكن الذي جعل القتل ممكنا هو نتنياهو، الذي فضل أهدافا أخرى على حياة المختطفين".

وأضاف "لقد ترك نتنياهو المختطفين ليموتوا. ففي النهاية، لقد ظلوا على قيد الحياة حتى الأسبوع الماضي، بحسب تقييم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. لقد بقوا في أنفاق الموت لمدة عام تقريبا، وتمكنوا من النجاة من الرعب، والجوع، والخوف، حتى جاءهم الموت، بسبب مماطلة ومراوغة نتنياهو".

وأوضح أن رئيس وزراء إسرائيل الذي فضل أهدافا أخرى على حياة المختطفين، ما زال يروي للإسرائيليين قصصا عن "النصر المطلق" الذي يزعم أنه ما زال في متناول اليد، متعهدا بأن الجيش الإسرائيلي وحده هو الذي سيطلق سراح المختطفين، وأن التسوية ممنوعة مع حماس، ويصر على الحرب بلا نهاية.

ويعتقد ليفي أن نتنياهو الذي اخترع محور فيلادلفيا، فقط حتى لا يتم التوصل إلى تسوية تضمن إطلاق سراح المختطفين وهم على قيد الحياة، يواصل مساعيه لإنقاذ حكومته، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل وأمن إسرائيل، قائلا إنه "يقدم التنازلات لليمين المتطرف لضمان بقاء حكومته، وليس لديه استعداد للتسوية وتقديم تنازلات لإنقاذ حياة المختطفين".

الضغط الشعبي

الطرح ذاته، تبنته محللة الشؤون السياسية في الموقع الإلكتروني "والا"، تال شيلو، التي وجهت انتقادات شديدة اللهجة إلى نتنياهو وإدارته لملف مفاوضات صفقة التبادل، وإصراره على القتال والترويج بأن الضغط العسكري هو الضمان الوحيد والكفيل بإعادة المختطفين الإسرائيليين وهم على قيد الحياة.

وتحت عنوان "العكس يا نتنياهو، العكس: الضغط العسكري لا يعيد المختطفين، بل يقتلهم"، كتبت شيلو مقالا، استعرضت فيه تداعيات تصويت "الكابينت" على بقاء قوات إسرائيلية بمحور فيلادلفيا، قائلة إن "الـ48 ساعة الأخير وحتى نبأ انتشال الجثث تأكّدنا أخيرا أن نتنياهو ببساطة لا يريد صفقة تبادل وضحّى بالمختطفين لإنقاذ حكومته".

وتعتقد أن العثور على جثث المختطفين الستة داخل نفق يعكس حقيقة أخرى، وهي أن "نتنياهو لا ينوي الانسحاب من غزة في العقد المقبل، وهو يستعد لوجود عسكري إسرائيلي دائم في القطاع".

وأوضحت أن نتنياهو يمتنع عن مصارحة الجمهور الإسرائيلي بهذه الحقيقة وينأى بنفسه عن التعامل مع التداعيات الأمنية والسياسية والاقتصادية المترتبة على مثل هذا القرار، ويرفض الاعتراف صراحة بالتخلي عن المختطفين لصالح استمرار الحرب، وذلك خلافا لطرح المؤسسة الأمنية التي تعتقد أنه بدون صفقة تبادل فإن إسرائيل ستغرق في غزة.

وحيال ذلك، استبعدت محللة الشؤون السياسية أن يسهم قتل المختطفين الستة في أي تصدع داخل حكومة اليمين المتطرف قائلة إن "أولئك الذين تصوروا أن الصباح الأسود من شأنه أن يثير محاسبة ذاتية في الحكومة، ربما سيصابون بخيبة أمل. لقد أصبح من الواضح الآن أن الضغط الشعبي، وليس العسكري، هو وحده القادر على إعادة المختطفين إلى ديارهم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات محور فیلادلفیا حیاة المختطفین الإصرار على صفقة تبادل العثور على

إقرأ أيضاً:

ما الذي يعنيه قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو؟ وما القادم؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية اليوم الخميس مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك "أسبابا منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

وأضافت المحكمة أن "هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين".

وأوضحت أن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاحا للحرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.

كما أصدرت أيضا مذكرة توقيف بحق قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) محمد الضيف.

ونسعى في السطور التالية إلى تسليط الضوء على القرار وتداعياته وشرح بعض جوانبه.

1- ما المحكمة الجنائية؟ وماذا تفعل؟

محكمة أُسست بصفة قانونية في الأول من يوليو/تموز 2002 بموجب "ميثاق روما" الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من السنة نفسها، وتعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب.

وقد وافقت 120 دولة في 17 يوليو/تموز 1998 خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في إيطاليا على "ميثاق روما"، واعتبرته قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، وعارضت هذه الفكرة 7 دول، وامتنعت 21 عن التصويت.

2- كيف وصلت الجنائية إلى محطة إصدار مذكرة التوقيف؟

في 20 مايو/أيار الماضي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات توقيف بحق قادة من حركة حماس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خلفية هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب على غزة.

ووصف نتنياهو حينها الطلب بأنه "سخيف" والمدعي العام كريم خان بأنه أحد "أبرز المعادين للسامية في العصر الحديث".

3- ما تهم نتنياهو وغالانت؟

وفق ما جاء في موقع المحكمة الدولية على الإنترنت، فإن نتنياهو وغالانت متهمان بـ"جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع وسيلة للحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية".

ورأت المحكمة أن "ثمة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن المتهمين حرما عمدا وعن علم السكان المدنيين في غزة من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم -بما في ذلك الطعام والماء والأدوية والإمدادات الطبية، وكذلك الوقود والكهرباء- من 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الأقل إلى 20 مايو/أيار 2024".

وأضافت "من خلال تقييد أو منع وصول الإمدادات الطبية والأدوية إلى غزة -ولا سيما مواد وآلات التخدير- فإن الرجلين مسؤولان أيضا عن إلحاق معاناة كبيرة عن طريق أعمال غير إنسانية بالأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج".

كما حمّلت المحكمة نتنياهو وغالانت المسؤولية عن الأعمال التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية تحت قيادتهما، بما في ذلك حالات التعذيب والعنف الوحشي والقتل والاغتصاب وتدمير الممتلكات.

 4- ما المتوقع بعد صدور مذكرة التوقيف؟

بمجرد أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف فإن قراراتها تعتبر ملزمة، لكنها تعتمد على أعضائها لضمان التعاون.

وبالتالي، فإذا سافر نتنياهو أو غالانت إلى أي من الدول الأعضاء البالغ عددها 124 دولة فستكون السلطات في تلك الدول ملزمة باعتقالهما وتسليمهما إلى مقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.

ويرى مراقبون أن نتنياهو وغالانت ربما لن يتعرضا للاعتقال إن سافرا إلى دول حليفة لإسرائيل، وبالتالي فإن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ستكون بمثابة "انتصار أخلاقي" لفلسطين أكثر من أي شيء آخر، كما أنها ستعمق الضغط الدولي على إسرائيل، إذ لا يمكن لنتنياهو السفر إلى العديد من الدول الصديقة لها دون إحراج حكوماتها.

5- كيف قرأت واشنطن وتل أبيب قرار "الجنائية الدولية"؟

أدان نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل قرار "الجنائية الدولية"، ووصفوه بالمخزي والمعادي للسامية.

كما انتقده أيضا الرئيس الأميركي جو بايدن، معربا عن دعمه ما وصفه بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس".

وقال مايكل والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب "توقعوا ردا قويا في يناير/كانون الثاني المقبل على تحيز الجنائية الدولية المعادي للسامية"، في إشارة إلى موعد تسلم ترامب منصبه رسميا.

مقالات مشابهة

  • ما الذي يعنيه قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو؟ وما القادم؟
  • مزاعم إسرائيلية حول موافقة حماس على صفقة إنسانية دون وقف كامل للحرب
  • محلل سياسي: قرار «الجنائية العليا» سيدفع نتنياهو للوصول إلى صفقة
  • أزمة الحاكم العسكري بمالي ورئيس حكومته.. ما جذورها وتداعياتها على المنطقة؟
  • "مجلس الإنعاش العربي" يستعرض مبادئ توجيهية جديدة لتقنيات إنقاذ الحياة
  • دعوة إسرائيلية لعصيان شامل لإجبار الحكومة على تنفيذ صفقة تبادل تعيد الأسرى
  • يوآف جالانت: الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة خطوة غير مسؤولة
  • حدث أمنيّ صعب... ما الذي يحصل مع الجيش الإسرائيليّ في جنوب لبنان؟
  • قراءة إسرائيلية في مستقبل المسجد الأقصى في ضوء صفقة القرن الجديدة لترامب
  • هآرتس: أسرى غزّة ليسوا من اهتمامات «نتنياهو» والإفراج عنهم قد يكلّفه حكومته