لجريدة عمان:
2025-03-31@10:39:27 GMT

في عصر لا يعرف البطولة.. هؤلاء هم أعظم الأشرار

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

يصعب أن تتزعزع فكرة القرن التاسع عشر القائلة بأن عظماء الرجال -من أصحاب المواهب والشجاعة والشخصيات الاستثنائيةـ هم الذين يوجهون دفة التاريخ ويغيرونه بالقوة المحضة الكامنة في عبقرياتهم وذواتهم. فقد بقيت تلك الفكرة على الرغم من صعود فكرة المساواة والنظرية الاجتماعية الماركسية وظهور مدرسة (إي بي طومسن) في ستينيات القرن العشرين الداعية إلى التسوية وكتابة «التاريخ من أسفل إلى أعلى».

كان الفيلسوف الإسكتلندي توماس كارلايل يرى الشخصيات من أمثال أرسطو ويوليوس قيصر ونابليون ومارتن لوثر والنبي محمد [صلى الله عليه وسلم] أبطالا بارزين في عصورهم استطاعوا أن يغيروا العالم من حولهم تغييرا أساسيا ودائما. وكان يرى أن جموع البشر لا يملكون إلا أن يكتفوا بالمشاهدة والعجب والإعجاب والاتباع المذعن لصناع التاريخ العالمي أولئك، صناعه من أعلى إلى أسفل، ومزعزعيه.

وتلك فكرة سقيمة، لكنها مغرية، وطويلة الأمد. ولا يزال بيننا بشر، وأغلبهم رجال، يؤمنون إيمانا حقيقيا بأنهم مخلوقون من طينة أولئك الأبطال، ومن ثم فإن لهم مهمة خاصة، ودعوة، وواجبا مقدسا بالقيادة وتخليص الشعوب والأمم. وهم يحسبون أنهم الأعلم، والأبصر. وهؤلاء تنعدم فيهم الرحمة وتتوافر الغطرسة بما يكفي لأن يفرضوا رؤاهم على الجميع.

لولا أن «عظماء» الرجال في الحقبة الحديثة ليسوا أبطالا على الإطلاق، حسبما يفهم العالم الآن معنى البطولة، إنما هم أضداد الأبطال، أو لمزيد من الدقة، هم الأشرار. وشأن قلة كارلايل المختارة، فإن في أيديهم سلطة كبيرة. لكن خلافا لهم، يستخدمها أولئك المحدثون بلا حكمة، وبأنانية، وبتدمير، مغازلين أحط غرائز البشر، وأهوائهم، ومخاوفهم. وكان أعظم أشرار القرن العشرين سفاحين: هم أدولف هتلر وجوزيف ستالين وماو تسيدونج.

اليوم ثلاثة من أضداد الأبطال المعاصرين يملكون التأثير العالمي المغير للتاريخ، ورؤاهم ورسائلهم وذواتهم المتضخمة وازدراؤهم للحقيقة، وسقمهم، ووحشيتهم الباردة، ليتقدم إذن فلاديمير بوتن وبنيامين نتانياهو ودونالد ترامب، سحرة عالمنا التعيس المتحارب وأشراره.

ما القاسم المشترك بين هذا الثلاثي؟ بوتين، رئيس روسيا، يغزو بلاد الآخرين. وأدى ما حصل في أوكرانيا إلى مقتل ما لا يقل عن أحد عشر ألف شخص غير مقاتل. وأحدث الأهوال المصنَّعة في موسكو تتمثل في القنابل الانزلاقية، المحشوة بخمسمائة وتسعين كيلوجراما من المتفجرات تأتي في صمت، ومن العدم، لتدمر مباني سكنية بأكملها في انفجار واحد. (بالمقارنة، تحتوي قذيفة المدفعية على حوالي 5.9 كجم من المتفجرات). كما أمر بوتين بشن المزيد من الهجمات الجوية المدمرة الأسبوع الماضي.

ثم هناك نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الذي يعوق اتفاق وقف إطلاق النار بإصراره على إبقاء قوات الاحتلال في غزة. وفي الأسبوع الماضي، شن «غزوا جديدا» مميتا في الضفة الغربية. وهو يتوق إلى غزو لبنان أيضا. لقد مات أكثر من أربعين ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، في غزة منذ طوفان حماس في السابع من أكتوبر. وشأن بوتين، ثمة اتهامات لنتانياهو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

أما ترامب، المرشح الرئاسي الأمريكي، فهو نوع مختلف، إذ حاول قتل الديمقراطية الأمريكية. وهو يفضل الهرب على الغزو، كما حدث في أفغانستان والعراق والصومال وفنزويلا وكوريا الشمالية. لن يقف ترامب مع أوروبا أو الناتو أو أوكرانيا أو اليابان أو تايوان. لكنه قاتل على الرغم من ذلك، وانظروا إلى اغتياله للجنرال الإيراني قاسم سليماني في عام 2020. وقد تجدَّد توجيه الاتهام لترامب الأسبوع الماضي في محاولة الانقلاب في 6 يناير 2021.

الثلاثة يستغلون وسائل إعلام متحيزة، ويزدهرون على ممارسات الفساد ويستخدمون خطاب التنمر لتحقيق أهدافهم. وشأن الديماجوجيين الصاخبين في الماضي، يستطيع ترامب حشد الغوغاء بمهارة. أما نتانياهو فحسبه الصياح والتهديد. وبوتين يميل إلى الابتسام والهدير ثم البكاء والاختباء عندما تسوء الأمور، كما هو الحال في منطقة كورسك الآن.

إن أضداد الأبطال في يومنا هذا، وما هم إلا محاكاة هزلية سقيمة لـ«الرجال العظماء»، يقوضون القيم العالمية بدلا من أن يعززوها. والثلاثة جميعا يشجعون ظهور المنافسين القوميين المتطرفين، فيفرزون نسخا صغيرة سامة من أنفسهم في جميع أنحاء العالم. وفي النهاية ينجو بوتين بالتلويح بالصواريخ النووية في وجه جو بايدن. ويتسلح نتانياهو بمعاداة السامية. وكاد ترامب ألا ينجو من القتل، لولا أن أنقذته العناية الإلهية.

كيف يمكن إيقاف أمثال هؤلاء الرجال؟ استرضاء الطغاة هو الموقف المعهود من ترامب، لكن استرضاءه هو أشبه بمحاولة لإثارته. وتقديم التنازلات لنتانياهو، كما يفعل الأمريكيون باستمرار، أمر لا يقل حماقة؛ لأنه يأخذ ما يقدَّم إليه ثم يستمر في ما كان يفعله ولا يبالي. أما بوتين العدمي فلا يكاد يعنيه شيء. ولن تنتهي حربه حتى ينتهي هو نفسه.

وهنا تكمن المشكلة، فأضداد الأبطال الثلاثة يتبنون رؤى وطنية كبرى. بوتين يضجرنا بالحديث عن إحياء الإمبراطورية السوفييتية. ويسعى نتانياهو إلى توسيع دولة إسرائيل لتسيطر على كامل فلسطين التاريخية ويسعى إلى تحقيق نصر حاسم في صراع الدولة اليهودية مع إيران والمسلمين. ويريد ترامب أن يعيد عظمة أمريكا، على حساب الجميع.

تلك الأوهام الخطيرة المتعلقة بالمهام والتفويض ونبل القضية، والمرتكزة حول الذات، غير قابلة للتفاوض. ولا مجال للتسوية مع المهووسين. لقد صعد بوتين إلى السلطة على جثث ضحايا الشيوعية في العصر السوفييتي وحتى الآن. ونتانياهو نتاج شرير لمحنة الدم والدموع التي دامت طيلة حياة أمته الناشئة. وصعود ترامب يضرب بجذوره أيضا في العنف، منذ شارلوتسفيل في عام 2017 إلى مبنى الكابيتول في عام 2021. ولن يسكت هؤلاء الرجال إلا بالنفي أو السجن أو الموت. ولن تكون نهاياتهم سعيدة.

ويثير صعود أضداد الأبطال في العصر الحديث سؤالا بديهيا. من هم الأبطال الحقيقيون اليوم، سواء المعترف بهم أم غير المعترف بهم، من الرجال والنساء العظماء حقا الذين يلهمون ويقودون؟

يظهر عن استحقاق كل من الراحل نيلسون مانديلا وأليكسي نافالني المغتال. وكذلك الناشطتان من أجل حقوق المرأة في إيران والفائزتان بنوبل للسلام نرجس محمدي وشيرين عبادي. وأنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي ينهض من الفراش كل يوم ليسعى جاهدا من أجل السلام. الملك تشارلز؟ جريتا ثونبرج؟ تايلور سويفت؟ مدرس الرياضيات في مدرستك؟

سيطرح الجميع مرشحيهم المفضلين، في المجال السياسي وخارجه. غير أن الجميع بالتأكيد يجب أن يتفقوا على أن العالم ينبغي أن يجد طرقا للبقاء والنجاة من عصر أضداد الأبطال. وبمرور الوقت، مثلما حدث مع أشرار التاريخ العظماء، سوف يرحل هؤلاء الثلاثة أيضا.

سايمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة أوبزيرفر.

عن الجارديان البريطانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تصريحات ترامب..تهديدات لـ إيران وروسيا وموقف من بوتين وزيلينسكي

أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسلسلة من التصريحات المثيرة للجدل حول قضايا دولية عدة، شملت الموقف من روسيا وأوكرانيا، والعلاقات مع إيران، والرسوم الجمركية على النفط.

فيما يتعلق بأوكرانيا، قال ترامب إنه كان "غاضبًا جدًا" من انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصداقية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، معتبرًا أن تصريحات بوتين "لم تكن تسير في الاتجاه الصحيح".

وفيما يخص روسيا، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على خام النفط الروسي في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الأزمة الأوكرانية، في خطوة تصعيدية ضد موسكو.

كما كشف ترامب عن إجراء محادثات بين مسئولين أمريكيين وإيرانيين، دون تقديم تفاصيل إضافية حول طبيعة هذه المحادثات وما إذا كانت تتعلق بالملف النووي الإيراني أو قضايا أخرى.

وفي تصريح أكثر حدة، نقلت وكالة "رويترز" عن ترامب تهديده بقصف إيران وفرض رسوم جمركية عليها ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، في إشارة إلى إمكانية تصعيد عسكري إذا لم تتحقق المطالب الأمريكية.

تعكس هذه التصريحات استمرار نهج ترامب التصادمي تجاه إيران وروسيا، مع إبقاء ملف أوكرانيا ضمن أولوياته.

مقالات مشابهة

  • ستارمر وترامب يتفقان على مواصلة الضغط الجماعي على بوتين
  • ترامب ينتقد بوتين وزيلينسكي بعد تعثر محادثات وقف إطلاق النار
  • ترامب "ينقلب" على بوتين.. ويهدد روسيا
  • ترامب: شعرت بالغضب الشديد عندما شكك بوتين في مصداقية زيلينسكي
  • ترامب يعلن موعدا للتحدث مجددا مع بوتين
  • تصريحات ترامب..تهديدات لـ إيران وروسيا وموقف من بوتين وزيلينسكي
  • كينجز يتوج بلقب الرجال في ختام بطولة جراوند بريكارز لكرة السلة 3x3 تحت 23 سنة
  • كينجز يتوج بلقب الرجال ببطولة جراوند بريكارز لكرة السلة 3x3 تحت 23 سنة
  • تقرير أمريكي: نتانياهو يكلف الموساد بالبحث عن دول تستقبل سكان غزة
  • كيف وصف بوتين خطط ترامب لضم غرينلاند إلى أمريكا؟