نحو مستقبل مُستدام لعُمان
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
د. بدر بن أحمد البلوشي
baderab_2000@hotmail.com
يشهد قانون الاستثمار في عُمان تطورًا ملحوظًا منذ إقراره بهدف جذب الاستثمارات وتحفيز النمو الاقتصادي. لكن هناك تساؤلات أُثيرت حول آثاره وآليات تطبيقه، لا سيما بعد السماح لغير العُمانيين بأن يصبحوا مستثمرين بشروط يُعتقد أنها تُفرغ القانون من مضمونه الأساسي وتفتح المجال لتدفق استثمارات صغيرة وغير فعّالة.
لذلك لا بُد من النظر إلى الأسباب التي دفعت السلطنة إلى تسهيل إجراءات الاستثمار؛ حيث كان الهدف الأساسي جذب رؤوس الأموال وتعزيز بيئة الأعمال في عُمان، مما يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني ويخلق فرص عمل جديدة. غير أنَّ الشروط المُيسَّرة قد أثارت مخاوف من أن تتحول هذه السياسة إلى بوابة لإغراق السوق المحلي بمستثمرين غير مؤهلين ولا يمتلكون الخبرة الكافية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية.
من جهة أخرى، قد يظن البعض أنَّ السماح لغير العمانيين بأن يصبحوا مستثمرين بشروط بسيطة، مثل وجود مبلغ مالي زهيد في حساباتهم، يُساهم في تشجيع النشاط الاقتصادي، لكن الحقيقة أنَّ هذا المبلغ لا يكفي لتمويل مشاريع ذات جدوى اقتصادية، مما قد يؤدي إلى تحول بعض المستثمرين إلى مُستغلين لنظام الاستثمار لتحقيق مكاسب شخصية دون إحداث تأثير إيجابي يُذكر في الاقتصاد الوطني.
ومن أبرز المخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة هو انخفاض مستوى الاستثمارات الفعلية وتحول بعض هؤلاء "المستثمرين" إلى شبه متسولين، يسعون للبقاء في السوق بأي وسيلة، ما ينعكس سلبًا على سمعة السوق العُمانية ويُضعف من جاذبيتها للمستثمرين الحقيقيين القادرين على تقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
ولتفادي هذه النتائج السلبية، ينبغي إعادة النظر في شروط الاستثمار وجعلها أكثر دقة وشمولاً. ويجب أن تتضمن هذه الشروط معايير واضحة تتعلق بالقدرة على تحقيق قيمة مضافة، وأن يتم التفريق بين المستثمر الحقيقي الذي يُساهم في التنمية والمستثمر "الشكلي" الذي يسعى لتحقيق مكاسب شخصية قصيرة الأجل. ولمواجهة تحديات الاستثمار في عُمان، من الضروري تطبيق نهج شمولي يُعزز الجودة والاستدامة في الاستثمارات.
وهنا أضع بعض الحلول المقترحة التي يمكن أن تعالج القضايا المثارة بحكمة ومنطق، مثل:
تعديل الشروط القانونية للاستثمار، وتحديث قانون الاستثمار ليشمل شروطًا تتطلب خبرات ومؤهلات معينة للمستثمرين. هذا سيضمن جذب مستثمرين ذوي جودة يمكنهم المساهمة بشكل فعّال في الاقتصاد. تطبيق نظام تصنيف للمستثمرين، وذلك بإنشاء نظام تصنيف يفرق بين أنواع المستثمرين بناءً على قدراتهم المالية وتجاربهم السابقة. ويُمكن لهذا النظام أن يحد من المستثمرين الذين يسعون للاستفادة من النظام دون إضافة قيمة حقيقية. تشجيع الشراكات الاستراتيجية؛ وذلك بتعزيز فرص الشراكات بين المستثمرين الأجانب والمحليين؛ مما يضمن نقل المعرفة والخبرة ويُعزز من جودة المشاريع الاستثمارية. إنشاء منصة تعليمية للمستثمرين، وذلك عبر توفير منصات تعليمية وتدريبية للمستثمرين الجدد تشمل دورات حول السوق العُماني، والقوانين، وأفضل الممارسات الاستثمارية. وهذا سيساعد في تقليل الاستثمارات الضعيفة وغير المدروسة. تعزيز الرقابة والمتابعة، وذلك بتعزيز قدرات الهيئات الرقابية لمتابعة أنشطة الاستثمار وتقييم أثرها على الاقتصاد الوطني. يمكن أن يشمل ذلك التفتيش المنتظم وتقييم الأداء بشكل دوري. تحفيز الاستثمار في قطاعات استراتيجية، بتوجيه المستثمرين نحو قطاعات تعزز الابتكار والتكنولوجيا والتنمية المستدامة، مما يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني بشكل فعّال. التواصل الفعّال مع المجتمعات المحلية، وذلك بإشراك المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار للاستثمارات الكبرى لضمان أن تعود بالنفع على الجميع وتحفظ مصالحهم.ومع تطبيق مثل هذه الاستراتيجيات، يمكن لعُمان تحقيق نمو اقتصادي مُستدام يستفيد منه الجميع، مع ضمان أن الاستثمار ليس فقط جمع للأموال؛ بل هو مساهمة حقيقية في تطوير الاقتصاد والمجتمع.
وفي النهاية.. يتعين على صُنّاع القرار في عُمان أن يتعاملوا بحكمة مع هذه المسألة؛ لأنَّ الاستثمار ليس مجرد حشد للأموال؛ بل هو عملية متعددة المراحل تتطلب استراتيجيات مدروسة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. لذا، يجب أن يتم تعزيز الرقابة وتطوير السياسات لضمان أن يكون كل مستثمر في عُمان قادرًا على تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة، وأن نسعى نحو استثمار فعّال يُعزز النمو الوطني، ولا يُشوِّه بيئة الأعمال.
** دكتوراه في الإعلام والعلاقات العامة وباحث في التخطيط الاستراتيجي وعلم النفس في الإدارة الحديثة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"الوطني للإعلام" يطلق قمة "بردج" لاستشراف مستقبل الإعلام في العالم
كشف المكتب الوطني للإعلام، خلال احتفالية خاصة أقيمت في العاصمة الأمريكية واشنطن، عن قمة "بريدج" BRIDGE، المبادرة العالمية التي تنطلق من أبوظبي في الفترة من 8 إلى 10 ديسمبر(كانون الاول) 2025 المقبل، بهدف استشراف مستقبل الإعلام وقيادة التحول في القطاع وزيادة مساهمته في الاقتصاد العالمي عبر إنشاء منظومة ديناميكية وشاملة تُمكّن الإعلاميين، وتُرسخ الابتكار، وتدعم الصحافة المسؤولة في العصر الرقمي.
وتُجسد القمة التي أطلقها عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، رئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، وبحضور يوسف مانع العتيبة، سفير الدولة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، والدكتور جمال محمد عبيد الكعبي، المدير العام للمكتب الوطني للإعلام، وريتشارد أتياس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Richard Attias & Associates، رؤية دولة الإمارات الهادفة إلى ترسيخ الشراكات الاستراتيجية وبناء جسور من التعاون الإعلامي، وتشجيع تبادل الخبرات والتجارب، بما يساهم في تطوير صناعة الإعلام عالمياً.
وتمثل قمة بريدج تظاهرة إعلامية فريدة تسعى لتقديم تجربة استثنائية للإعلاميين من مختلف أنحاء العالم، إذ يستهدف الحدث مشاركة قادة دول ورؤساء تنفيذيين وصناع قرار من دول العالم المختلفة بالإضافة إلى أكثر من 2000 إعلامي. كما سيصاحب هذا الحدث معرض للإنتاج الإعلامي بكل أطيافه وبمشاركة مجموعة كبيرة من الشركات الإعلامية العالمية.
وتسعى القمة إلى وضع رؤية استراتيجية شاملة ومتطورة، تساعد قطاع الإعلام العالمي على الاستجابة السريعة للمتغيرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية في العالم.
وفي خطوة تعكس الالتزام بترسيخ مستقبل مستدام للإعلام، أطلق رئيس المكتب الوطني للإعلام، “BRIDGE Foundation”، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تمكين الجيل القادم من الإعلاميين والمبتكرين، وتعزيز الصحافة المسؤولة، وإعادة تعريف دور الإعلام كقوة مؤثرة في التنمية والتغيير.
وستعمل المؤسسة على إحداث نقلة نوعية في المشهد الإعلامي من خلال دعم المواهب الشابة، وإطلاق برامج تدريبية متخصصة، وتقديم منح بحثية لابتكار حلول إعلامية جديدة تعزز النزاهة والمصداقية، كما ستوفر المؤسسة منصة لتمكين الشركات الناشئة الإعلامية وربطها بفرص التمويل والتعاون الدولي، وبما يسهم في بناء منظومة إعلامية أكثر استدامة وتأثيراً.
وقال عبدالله آل حامد إن دولة الإمارات كانت وما زالت البيئة الحاضنة للأحداث الكبرى، والرائدة في استشراف المستقبل، والأكثر مواكبة لتطور القطاع الإعلامي، وانطلاقاً من رؤية القيادة الرشيدة بضرورة تعزيز التكامل والشراكات مع مختلف دول العالم، واستجابة لتوجيهاتها بالعمل على ترسيخ مكانة الدولة مركزاً عالمياً للابتكار الإعلامي، أطلقنا قمة "بريدج" بهدف ترسيخ الحوار البنّاء، وابتكار حلول تُساهم في مواجهة التحديات الإعلامية الراهنة والمستقبلية، وتدعم التطوير المستدام لهذا القطاع الحيوي، الذي يُعد شريكاً أساسياً في العمل الحكومي والمؤسسي، وداعماً للاستراتيجيات التنموية.
وتابع أن قطاع الإعلام يشهد مرحلة تحولات غير مسبوقة، تدفعنا إلى استشراف تطوراته المستقبلية، ومواكبة الفرص والتحديات التي تفرضها التحولات الرقمية المتسارعة، حيث ستعمل قمة "بريدج"، على تقريب المسافات بين المؤسسات الإعلامية والمتغيرات المستقبلية، وتمكينها من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز جودة المحتوى وتطوير نماذج عمل مستدامة تضمن استمرارية ونمو قطاع الإعلام.
وأكد رئيس المكتب الوطني للإعلام، أن BRIDGE تسعى إلى لعب دور محوري في تشكيل التوجهات الاستراتيجية لقطاع الإعلام العالمي، من خلال دعم الابتكار، وتعزيز المعرفة، وترسيخ مبادئ المسؤولية الإعلامية، ودعم دور الإعلام كمحرك رئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكأداة أساسية في صياغة مستقبل مستدام قائم على الإبداع والتكنولوجيا، فالمستقبل الإعلامي لا يُنتظر، بل يُصنع، و"بريدج" ستكون الجسر الذي يربط الإعلام العالمي برؤية جديدة قوامها التأثير والابتكار والاستدامة.
وأشار إلى أن إطلاق BRIDGE Foundation، يأتي انطلاقاً من رؤية دولة الإمارات الرامية إلى ترسيخ دور الإعلام كقوة مؤثرة في مسيرة التنمية، وتوفير بيئة داعمة تُمكّن المواهب الإعلامية من تطوير مهاراتهم، اعتماداً على أحدث التقنيات والمعايير العالمية، بما يساهم في بناء منظومة إعلامية أكثر تأثيراً، تعكس القيم المجتمعية وتخدم قضايا التنمية الشاملة والمستدامة.
من جهته قال ريتشارد أتياس إن قمة بريدج تقوم على الإيمان بأن الشراكات، وليس العزلة، هي الكفيلة بتحديد المستقبل، لا سيما في الإعلام، فالإعلام ليس مجرد شاهد على التاريخ، بل هو قوة تشكّله.
وتابع أن قمة BRIDGE تمثل منصة للتفاعل والتعاون والعمل على مدار العام، وتصل إلى ذروتها مع BRIDGE 2025، وهو الحدث الإعلامي الأكبر والأكثر تأثيراً في العالم، والذي سيُعقد في أبوظبي في ديسمبر المقبل.
من جانبه، قال الدكتور جمال الكعبي إن قمة بريدج توفر منصة مثالية تجمع نخبة من القادة وصناع القرار وكبار المستثمرين والرؤساء التنفيذيين والمفكرين والمبدعين والإعلاميين من مختلف أنحاء العالم، حيث تُجسد القمة رؤية طموحة لتمكين منظومة إعلامية حديثة تسهم في دعم الإعلام المسؤول، وترسي معايير جديدة في التفاعل الإعلامي والتقني، بما يواكب التحولات الرقمية ويساهم في استشراف مستقبل الإعلام.
وأكد أن "بريدج" تتيح فرصاً استثنائية لمناقشة مستقبل الإعلام وتقديم حلول مبتكرة لتمكين قطاع الإعلام من التكيف مع تحولات القطاع المتسارعة، حيث تأتي القمة BRIDGE لتعالج أبرز التحديات التي تواجه صناعة الإعلام وتقدم لها حلولاً واقعية، مشيراً إلى أن القمة ستعمل على خلق فرص اقتصادية واعدة وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار وتمكين الشركات الناشئة من الوصول إلى أسواق أوسع، وتعزيز تنافسية القطاع الإعلامي وتحفيزه على النمو المستدام، ليكون محركاً رئيسياً لاقتصاد المعرفة القائم على الابتكار.
وتابع المدير العام للمكتب الوطني للإعلام أننا لا نبني مجرد منصة إعلامية، بل نؤسس لمستقبل تُرسم فيه ملامح الإعلام العالمي وفق رؤية أكثر ابتكاراً وتأثيراً، فقمة "بريدج" ليست مجرد مساحة للنقاش، بل هي مسار للعمل والتغيير، حيث تتلاقى العقول لرسم خريطة جديدة للإعلام، قوامها التعاون، والتكنولوجيا، والاستدامة.
وتعتبر قمة بريدج منصة دائمة تستشرف تحولات المشهد الإعلامي من أجل رسم ملامح مستقبل قطاع الإعلام وتوحيد الجهود وتبادل الأفكار المبتكرة والحلول التقنية المتطورة ومناقشة أحدث الاتجاهات والفرص التي يقدمها قطاع الإعلام بهدف زيادة مساهمته في تسريع خطط التنمية المستدامة.
وتشهد قمة بريدج BRIDGE التي تنطلق في ديسمبر المقبل، مشاركة واسعة من القادة وصنّاع السياسات والناشرين والمستثمرين والصحفيين من مختلف أنحاء العالم، والذين توحّدهم رؤية مشتركة لصياغة مستقبل الإعلام عبر التعاون والابتكار والعمل الاستراتيجي، بما يضمن مواكبة التحولات الرقمية وترسيخ دور الإعلام كقوة مؤثرة في مسيرة التنمية المستدامة.