هل تقودنا ثورة الذكاء الاصطناعي إلى رخاء أعظم ؟
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
يخوض العالم الآن غِـمار ثورتين تكنولوجيتين: الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية، والصعود السريع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الرقمية. معا، توشك هاتان الثورتان أن تعيدا تشكيل اقتصاداتنا وتغيير الطريقة التي نعمل بها، والسلع والخدمات التي ننتجها ونستهلكها. لكن السؤال: هل تترجم هذه التغيرات الجارفة إلى نمو اقتصادي أسرع؟
مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، يأمل كثيرون أن يكون الإبداع التكنولوجي حلًا محتملًا.
ربما يكون بوسعنا أن نعزو الموجة الحالية من التفاؤل التكنولوجي، جنبًا إلى جنب مع حالة القلق بشأن العواقب المحتملة التي قد تخلفها التكنولوجيات الناشئة على أسواق العمل، إلى فكرة مفادها أن الذكاء الاصطناعي هو ما يسميه أهل الاقتصاد «تكنولوجيا الأغراض العامة». فمثل هذه الابتكارات تتخلل الاقتصاد بالكامل بدلًا من أن تكون محصورة في قطاع منفرد.
من الممكن تقسيم تكنولوجيات الأغراض العامة إلى فئتين عريضتين: تلك التي أحدثت ثورة في مجال الطاقة، مثل المحرك البخاري والكهرباء، وتلك التي غيرت الاتصالات، مثل المطبعة والهاتف. ورغم أن مثل هذه الابتكارات تستغرق غالبا سنوات، بل وحتى عقودا من الزمن، لكي يتسنى لها تحقيق كامل إمكاناتها، فإنها من الممكن أن تؤدي إلى زيادة حادة في الإنتاجية والنمو الاقتصادي السريع.
إن العالم يخوض الآن غِـمار ثورتين تكنولوجيتين: الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية، والصعود السريع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الرقمية. معًا، توشك هاتان الثورتان أن تعيدا تشكيل اقتصاداتنا وتغيير الطريقة التي نعمل بها، والسلع والخدمات التي ننتجها ونستهلكها، وبنية وديناميكيات الأسواق المالية. لكن السؤال يظل مطروحًا: هل تترجم هذه التغيرات الجارفة إلى نمو اقتصادي أسرع؟
يقدم لنا التاريخ رؤى قيمة حول الكيفية التي قد تتكشف بها هذه التحولات. يتمثل درس رئيسي في أن التطورات التكنولوجية برغم أنها تبدو في كثير من الأحيان تدريجية وسطحية بينما نستكشف أبعادها، فإن تأثيراتها البعيدة الأمد قد تكون جارفةً وعميقةً.
الواقع أن مساهمة الطاقة البخارية والسكك الحديدية في نمو الناتج المحلي الإجمالي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من الصعب بدرجة مذهلة قياسها كميا، ومع ذلك هناك سبب يجعلنا نشير إلى تلك الفترة بمسمى الثورة الصناعية. لقد أثرت هذه التطورات، التي صورها روائيون مثل تشارلز ديكنز وإميل زولا بشكل لا يُنسى، على كل جانب من جوانب حياة الناس اليومية، سواء في العمل أو في المنزل.
علاوة على ذلك، لا تؤدي التطورات التكنولوجية دائمًا إلى تحسينات فورية في مستويات المعيشة وقد تنطوي على إرباك هائل. ويُـعَـد اختراع يوهانس جوتنبرج لآلة الطباعة المتحركة في منتصف القرن الخامس عشر مثالًا بارزًا على ذلك. فمن خلال تمكين ترجمة الكتاب المقدس إلى لغات محلية وجعل الـنُـسَـخ في متناول الناس العاديين، مهدت هذه الآلة الساحة لتحولات اجتماعية وثقافية بعيدة المدى.
كان الارتباك الناتج عن ذلك والذي تمثل في السيطرة الرهبانية على النصوص الدينية سببًا في تغذية صعود البروتستانتية، الأمر الذي أدى بدوره إلى سلسلة من الحروب الدينية الوحشية. في مناسبة شهيرة، زعم ماكس فيبر أن أخلاقيات العمل البروتستانتية تكمن في قلب الرأسمالية. ورغم أن الباحثين تحدوا هذه النظرية، فقد ساهمت آلة الطباعة وانتشار الكتب بأسعار معقولة دون جدال في تعزيز معدلات معرفة القراءة والكتابة وإرساء الأساس لعصر التنوير.
كما لعبت آلة الطباعة دورًا محوريًا في تسهيل الثورة الصناعية، فاندلعت شرارة موجة غير مسبوقة من التجريب وتعزيز روح الاستقصاء العلمي. في حين قد يكون من الصعب على خبراء الاقتصاد الأكاديميين رسم رابط سببي مباشر بين المطبعة والنمو الاقتصادي، فمن الواضح تمامًا أنه لولا اختراعها ما كان العالم كما نعرفه ليوجد الآن. يشير هذا إلى أننا يجب أن نخفف من توقعاتنا بشأن التأثير الاقتصادي الذي قد يخلفه الذكاء الاصطناعي، على الأقل في المستقبل المنظور. فبرغم أن صناعة الذكاء الاصطناعي ذاتها تقترب من تحقيق نمو سريع، فلن نجد سببًا قويًا يجعلنا نتوقع منها أن تعمل على تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي بدرجة ملموسة في الأمد القريب أو المتوسط.
علاوة على ذلك، قد تعمل الاضطرابات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن ثورة الذكاء الاصطناعي على حجب تأثيرها الاقتصادي المباشر. في حين استكشف خبراء الاقتصاد التأثيرات المحتملة التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وفحص علماء السياسة القوة المزعزِعة للاستقرار الكامنة في التضليل والتزييف العميق الذي تحركه نماذج اللغة الضخمة، فمن الممكن أن تؤثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أيضًا على المعايير والمؤسسات بطرق مستترة لكنها عظيمة الأثر.
لنتأمل هنا على سبيل المثال تطوير شبكة السكك الحديدية، التي سهلت نقل الأشخاص والبضائع، وبالتالي تسريع نمو مدن مكتظة بالسكان ومزدهرة اقتصاديًا. على نحو مماثل، أعاد قدوم التلفزيون تعريف تطلعات المستهلكين وتحدى المعايير الراسخة بشأن مشاركة المرأة في قوة العمل.
لا شك أن مثل هذه التغييرات، بطبيعتها، لا يمكن التنبؤ بها. لكن هذا سبب إضافي يحملنا على التفكير بعناية في نوع المجتمع الذي نريد خلقه وكيف يمكننا تسخير التكنولوجيا لتحقيقه. الواقع أن كل تكنولوجيات الغرض العام، بما في ذلك شبكات الكهرباء والصرف الصحي، تتشكل من خلال الحوار السياسي والاجتماعي.
ورغم أننا لا نستطيع عكس أو إبطاء تطور الذكاء الاصطناعي، فإن القادة وصناع السياسات يجب أن يضمنوا أن هذه التكنولوجيات القوية تخدم الصالح العام، سواء أفضت إلى نمو اقتصادي قابل للقياس أو لم تفعل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی اقتصادی ا مثل هذه
إقرأ أيضاً:
جامعة دبي تستضيف مؤتمر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء
دبي (وام)
أخبار ذات صلة سفير الإمارات يلتقي عمدة كوتونو بجمهورية بنين مبعوث وزير الخارجية يبحث تعزيز العلاقات مع فيجي وجزر مارشالاستضافت جامعة دبي فعاليات الدورة الثامنة من المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء خلال الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر الجاري، والتي نظمتها الجمعية العلمية لمهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية، بالتعاون مع فرعها في الإمارات تحت شعار «الذكاء من الجيل التالي: استكشاف الابتكارات في الذكاء المعزز وإنترنت الأشياء»، وبشراكة استراتيجية مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر (NTRA) وجامعة العلمين الدولية كشريك أكاديمي.
وركز المؤتمر على أهمية التكامل بين تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء كعنصر أساسي لدفع عجلة الابتكار وتحقيق التقدم في قطاعات متنوعة مثل الرعاية الصحية، المالية، التصنيع، والتعليم.
كما سلط الضوء على أهمية الدمج بين الذكاء البشري والآلي لتعزيز القدرات البشرية وعمليات اتخاذ القرار.
وأكد الدكتور عيسى البستكي، رئيس جامعة دبي، أن المؤتمر يمثل فرصة استثنائية لاستكشاف أحدث التطورات في مجالات الذكاء المعزز وإنترنت الأشياء، مشيراً إلى أن هذه التقنيات تمثل العمود الفقري للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم حالياً، مضيفاً أن جامعة دبي ملتزمة بدعم المبادرات التي تركز على دمج الذكاء البشري والتكنولوجي لتشجيع الابتكار وتعزيز التعاون بين مختلف القطاعات.
ومن جانبه، أشار المهندس محمد عبود، نائب رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية لشؤون العضوية والتسويق، إلى أن شعار المؤتمر يعكس التحولات الكبيرة التي تشهدها التكنولوجيا الحديثة، لافتاً إلى أن المؤتمر يهدف إلى استكشاف الإمكانات غير المحدودة للذكاء المعزز وإنترنت الأشياء في بناء مستقبل أكثر ذكاءً واستدامة، مشدداً على أهمية تعزيز فهم هذه التقنيات وتمكين المشاركين من تطبيقها بطرق تحقق تأثيراً إيجابياً على المجتمعات والاقتصادات.
وتضمنت فعاليات المؤتمر جلسات نقاشية شارك فيها خبراء عالميون من القطاعات الأكاديمية، الحكومية، والصناعية، إضافة إلى عروض تقنية استعرضت أحدث الأبحاث والتطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مما يسهم في تعزيز الابتكار وتقديم حلول عملية للتحديات المستقبلية.