لجريدة عمان:
2024-09-15@02:07:12 GMT

هل تقودنا ثورة الذكاء الاصطناعي إلى رخاء أعظم ؟

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

يخوض العالم الآن غِـمار ثورتين تكنولوجيتين: الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية، والصعود السريع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الرقمية. معا، توشك هاتان الثورتان أن تعيدا تشكيل اقتصاداتنا وتغيير الطريقة التي نعمل بها، والسلع والخدمات التي ننتجها ونستهلكها. لكن السؤال: هل تترجم هذه التغيرات الجارفة إلى نمو اقتصادي أسرع؟

مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، يأمل كثيرون أن يكون الإبداع التكنولوجي حلًا محتملًا.

على سبيل المثال، سَـلَّـط أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي. لكن التقرير يحذر أيضا من أن مثل هذه التوقعات يجب التعامل معها ببعض الحذر نظرا للمخاطر والشكوك التي تحيط بمدى التأثير الذي قد يخلفه الذكاء الاصطناعي. برغم أن الذكاء الاصطناعي قد يؤذن بعصر من الرخاء، فإن هذه النتيجة تعتمد على كيفية تطور هذه التكنولوجيات الناشئة.

ربما يكون بوسعنا أن نعزو الموجة الحالية من التفاؤل التكنولوجي، جنبًا إلى جنب مع حالة القلق بشأن العواقب المحتملة التي قد تخلفها التكنولوجيات الناشئة على أسواق العمل، إلى فكرة مفادها أن الذكاء الاصطناعي هو ما يسميه أهل الاقتصاد «تكنولوجيا الأغراض العامة». فمثل هذه الابتكارات تتخلل الاقتصاد بالكامل بدلًا من أن تكون محصورة في قطاع منفرد.

من الممكن تقسيم تكنولوجيات الأغراض العامة إلى فئتين عريضتين: تلك التي أحدثت ثورة في مجال الطاقة، مثل المحرك البخاري والكهرباء، وتلك التي غيرت الاتصالات، مثل المطبعة والهاتف. ورغم أن مثل هذه الابتكارات تستغرق غالبا سنوات، بل وحتى عقودا من الزمن، لكي يتسنى لها تحقيق كامل إمكاناتها، فإنها من الممكن أن تؤدي إلى زيادة حادة في الإنتاجية والنمو الاقتصادي السريع.

إن العالم يخوض الآن غِـمار ثورتين تكنولوجيتين: الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات الكربونية، والصعود السريع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الرقمية. معًا، توشك هاتان الثورتان أن تعيدا تشكيل اقتصاداتنا وتغيير الطريقة التي نعمل بها، والسلع والخدمات التي ننتجها ونستهلكها، وبنية وديناميكيات الأسواق المالية. لكن السؤال يظل مطروحًا: هل تترجم هذه التغيرات الجارفة إلى نمو اقتصادي أسرع؟

يقدم لنا التاريخ رؤى قيمة حول الكيفية التي قد تتكشف بها هذه التحولات. يتمثل درس رئيسي في أن التطورات التكنولوجية برغم أنها تبدو في كثير من الأحيان تدريجية وسطحية بينما نستكشف أبعادها، فإن تأثيراتها البعيدة الأمد قد تكون جارفةً وعميقةً.

الواقع أن مساهمة الطاقة البخارية والسكك الحديدية في نمو الناتج المحلي الإجمالي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من الصعب بدرجة مذهلة قياسها كميا، ومع ذلك هناك سبب يجعلنا نشير إلى تلك الفترة بمسمى الثورة الصناعية. لقد أثرت هذه التطورات، التي صورها روائيون مثل تشارلز ديكنز وإميل زولا بشكل لا يُنسى، على كل جانب من جوانب حياة الناس اليومية، سواء في العمل أو في المنزل.

علاوة على ذلك، لا تؤدي التطورات التكنولوجية دائمًا إلى تحسينات فورية في مستويات المعيشة وقد تنطوي على إرباك هائل. ويُـعَـد اختراع يوهانس جوتنبرج لآلة الطباعة المتحركة في منتصف القرن الخامس عشر مثالًا بارزًا على ذلك. فمن خلال تمكين ترجمة الكتاب المقدس إلى لغات محلية وجعل الـنُـسَـخ في متناول الناس العاديين، مهدت هذه الآلة الساحة لتحولات اجتماعية وثقافية بعيدة المدى.

كان الارتباك الناتج عن ذلك والذي تمثل في السيطرة الرهبانية على النصوص الدينية سببًا في تغذية صعود البروتستانتية، الأمر الذي أدى بدوره إلى سلسلة من الحروب الدينية الوحشية. في مناسبة شهيرة، زعم ماكس فيبر أن أخلاقيات العمل البروتستانتية تكمن في قلب الرأسمالية. ورغم أن الباحثين تحدوا هذه النظرية، فقد ساهمت آلة الطباعة وانتشار الكتب بأسعار معقولة دون جدال في تعزيز معدلات معرفة القراءة والكتابة وإرساء الأساس لعصر التنوير.

كما لعبت آلة الطباعة دورًا محوريًا في تسهيل الثورة الصناعية، فاندلعت شرارة موجة غير مسبوقة من التجريب وتعزيز روح الاستقصاء العلمي. في حين قد يكون من الصعب على خبراء الاقتصاد الأكاديميين رسم رابط سببي مباشر بين المطبعة والنمو الاقتصادي، فمن الواضح تمامًا أنه لولا اختراعها ما كان العالم كما نعرفه ليوجد الآن. يشير هذا إلى أننا يجب أن نخفف من توقعاتنا بشأن التأثير الاقتصادي الذي قد يخلفه الذكاء الاصطناعي، على الأقل في المستقبل المنظور. فبرغم أن صناعة الذكاء الاصطناعي ذاتها تقترب من تحقيق نمو سريع، فلن نجد سببًا قويًا يجعلنا نتوقع منها أن تعمل على تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي بدرجة ملموسة في الأمد القريب أو المتوسط.

علاوة على ذلك، قد تعمل الاضطرابات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن ثورة الذكاء الاصطناعي على حجب تأثيرها الاقتصادي المباشر. في حين استكشف خبراء الاقتصاد التأثيرات المحتملة التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وفحص علماء السياسة القوة المزعزِعة للاستقرار الكامنة في التضليل والتزييف العميق الذي تحركه نماذج اللغة الضخمة، فمن الممكن أن تؤثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أيضًا على المعايير والمؤسسات بطرق مستترة لكنها عظيمة الأثر.

لنتأمل هنا على سبيل المثال تطوير شبكة السكك الحديدية، التي سهلت نقل الأشخاص والبضائع، وبالتالي تسريع نمو مدن مكتظة بالسكان ومزدهرة اقتصاديًا. على نحو مماثل، أعاد قدوم التلفزيون تعريف تطلعات المستهلكين وتحدى المعايير الراسخة بشأن مشاركة المرأة في قوة العمل.

لا شك أن مثل هذه التغييرات، بطبيعتها، لا يمكن التنبؤ بها. لكن هذا سبب إضافي يحملنا على التفكير بعناية في نوع المجتمع الذي نريد خلقه وكيف يمكننا تسخير التكنولوجيا لتحقيقه. الواقع أن كل تكنولوجيات الغرض العام، بما في ذلك شبكات الكهرباء والصرف الصحي، تتشكل من خلال الحوار السياسي والاجتماعي.

ورغم أننا لا نستطيع عكس أو إبطاء تطور الذكاء الاصطناعي، فإن القادة وصناع السياسات يجب أن يضمنوا أن هذه التكنولوجيات القوية تخدم الصالح العام، سواء أفضت إلى نمو اقتصادي قابل للقياس أو لم تفعل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی اقتصادی ا مثل هذه

إقرأ أيضاً:

الخريف: تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحسّن كفاءة الإنتاج في عمليات التصنيع

أكد معالي وزير الصناعة والثروة المعدنية الأستاذ بندر بن إبراهيم الخريّف، أن قطاع الصناعة يشهد تحولًا رقميًا سريعًا، مدفوعًا بالتقدم في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات، وهي قفزة هائلة ستؤدي إلى تحسين كفاءة الإنتاج وخفض تكاليف التصنيع، كما تسرّع تلك التطبيقات الذكية استكشاف موارد المملكة التعدينية، وتساعد على تحقيق معايير المسؤولية البيئية في عمليات التعدين لاستدامة القطاع.
وأوضح خلال مشاركته في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثالثة المنعقدة بالرياض، أن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التصنيع، يحقّق العديد من المكتسبات في مقدمتها تحسين تصميم وهندسة المنتجات، عبر مساعدة الشركات المصنعة على تطوير منتجات أفضل وأكثر ابتكارًا، وذلك بتحليل كميات كبيرة من البيانات لتحسين تصميم المنتجات، وأتمتة سلاسل التوريد وتحسين إدارتها عبر التنبؤ بالطلب، وضبط مستويات التخزين وتبسيط الخدمات اللوجستية، إضافة إلى أتمتة خطوط الإنتاج وتحسين مراقبة الجودة، حيث تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي على اكتشاف العيوب في المنتجات بدقة أكبر من البشر؛ مما يقلل من الهدر ويحسّن رضا العملاء.


وأشار الخريّف إلى أن الذكاء الاصطناعي رغم الفرص الكبيرة التي يقدمها لتحسين كفاءة الإنتاج في عمليات التصنيع؛ فإنه يطرح أيضًا تحديات، منها أن دمج الذكاء الاصطناعي في التصنيع يتطلّب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتكنولوجيا، إضافة إلى إعادة تأهيل القوى العاملة، مضيفًا أنه رغم تلك التحديات فإن المنشآت الصناعية التي تتبنّى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تحصل على ميزة تنافسية كبيرة في السوق.
وتحدث عن جهود الوزارة لتبني التقنيات الحديثة المبتكرة في قطاعي الصناعة والتعدين، ومن ذلك إطلاق برنامج مصانع المستقبل الذي يستهدف أتمتة 4 آلاف مصنع، إلى جانب اهتمام مؤتمر التعدين الدولي دائمًا باستعراض أحدث ما توصلت إليه الحلول المبتكرة في قطاع التعدين.
وفيما يتعلق بدمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عمليات التعدين، قال وزير الصناعة والثروة المعدنية: إن تلك التقنيات الذكية ستسهم في تعزيز الكفاءة والإنتاجية والاستدامة عبر مختلف مراحل العملية التعدينية، حيث تساعد خلال مرحلة الاستكشاف بشكل كبير في تحليل البيانات الجيولوجية والجيوفيزيائية الضخمة للتنبؤ بمواقع تواجد المعادن بدقة عالية؛ مما يوفر الوقت والجهد والموارد، كما تستخدم الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية في جمع بيانات عالية الدقة عن التضاريس والسمات الجيولوجية، مما يساعد في تحديد المناطق الواعدة للاستكشاف.
وأضاف: “في مرحلة التعدين يتم التحكم الآلي في معدات التعدين، مما يحسن الكفاءة ويقلل التكاليف ويزيد الإنتاجية، ويتم الاستفادة من أنظمة الذكاء الاصطناعي في رصد ظروف العمل واكتشاف المخاطر المحتملة، كما أن تلك التطبيقات تساعد في مرحلة ما بعد التعدين على تقليل التأثير البيئي من خلال تحسين عمليات التعدين”.

مقالات مشابهة

  • كيف أدى مشروع قانون الذكاء الاصطناعي بكاليفورنيا إلى الانقسام في وادي السيليكون؟
  • للمرة الأولى في مصر.. الأهلي يستخدم الذكاء الاصطناعي أثناء عمليات الاستشفاء
  • هل ينجح الذكاء الاصطناعي في توقّع الزلازل؟
  • في عصر الذكاء الاصطناعي .. أهمية الحلول المحلية لحماية البيانات
  • استخدام الذكاء الاصطناعي من جوجل لمعالجة البطالة
  • كومبيوترات محمولة للطلاب تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي وهذه أسعارها ومواصفاتها بالسعودية
  • الخريف: تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحسّن كفاءة الإنتاج في عمليات التصنيع
  • 19.2 مليار درهم حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات
  • “ماغناتي”: 19.2 مليار درهم حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات
  • إطلاق سياسة دبي لتأمين الذكاء الاصطناعي