البلدان الغنية لا تَعدِل في تقديم العون
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
في «جنوب العالم» ما يثير الغضب أن الحروب الدموية في أثيوبيا والسودان بالكاد يرد ذكرها في الخطاب الغربي. والدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا يوضح على نحو صارخ ما هو مفقود فيما يتعلق ببلدان جنوب العالم
على الرغم من انقضاء عقود من العولمة والتقارب الجزئي إلا أننا نعيش في عالم من التفاوتات الصارخة بين الأغنياء والفقراء.
فالبُلدان التي تجاور الولايات المتحدة إلى الجنوب هي بلدان الأزمات في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي. وعلى الحافة الجنوبية لأوروبا توجد سوريا التي تمزقها الحرب وآسيا الغربية واضطرابات منطقة الساحل والفقر المزمن لمئات الملايين في إفريقيا جنوب الصحراء.
لا يوجد حل بسيط لمشكلة التنمية. لكننا نخدع أنفسنا إذا لم نتحدث عن المال. فالبلدان الفقيرة تحتاج إلى المزيد من رؤوس الأموال. هنالك حاجة إلى استثمار إضافي بقيمة 3.8 تريليون دولار سنويًا لتأمين التنمية المستدامة حول العالم وجزء كبير منه لإفريقيا.
جائزة التنمية لن تكون فقط عالما أكثر استقرارًا وعدلًا ولكن أكثر ثراء وأمنًا أيضًا. فتفشي جدري القرود أحدثُ تحذيرٍ من مخاطر أزمة صحةٍ عامة منفلتة، تنشأ في دولة فاشلة.
على الرغم من الفرص التي يمكن أن تكون متاحة إلا أن رأس المال الخاص لن يُجسِّر الفجوة. ورغم كثرة الجهات المانحة التي تقدم العون الوطني ومتعدد الأطراف والتمويل الميسر لحل هذه المشكلة إلا أن ذلك غير كاف تماما.
حسب البيانات الرسمية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في اقتصادٍ عالمي يقدر (ناتجه المحلي الإجمالي) بأكثر من 105 تريليونات دولار تدبِّر البلدان الغنية عونا يبلغ بالكاد 224 بليون دولار موزعا على المئات من مانحيه ومُتَلَقِّيه. تقدم الولايات المتحدة وهي أكبر المانحين 66 بليون دولار. لكن هذا المبلغ يساوي 0.24% فقط من إجمالي دخلها القومي. ويصعب القول إنه كافٍ من بلد يقود العالم.
نسبيًا، هذا أحد المجالات التي لا يتنصل الأوروبيون عن مسؤولياتهم فيها. ففرنسا التي يشكل عونها 0.5% من إجمالي دخلها القومي تبلغ حصتها من المساعدات الخارجية ضعف حصة الولايات المتحدة. وتزعم ألمانيا أن مساهمتها تساوي 0.79 % من إجمالي دخلها القومي.
لا نزاع في أن هذا المال ينجز أشياء طيبة. فعشرات الملايين من الناس يمكن أن يتعرضوا إلى مخاطر مريعة بدونه. لكن هنالك احتياجات كثيرة بحاجة إلى تلبيتها. ومن الصعب الإشارة إلى تحقيق نجاحات كبيرة. لقد كان تعافي إفريقيا من صدمة كوفيد مخيبا للآمال. وتدفق العون والتمويل الميسر تَقزَّم أمام تراجع التمويل الخاص. ومع تكاثر أزمات الديون تحولت العديد من قصص النجاحات الإفريقية الأخيرة في كينيا وغانا إلى فشل. فأكثر من 900 مليون نسمة يعيشون في بلدان تتجاوز مدفوعاتُ فوائد ديونها الإنفاقَ على الصحة والتعليم.
في محادثات مطوّلة تناقش الحكومات والجهات الدائنة والمنظمات غير الحكومية كيفية تخفيف أعباء الدين والتمويل التجسيري. في الأثناء هنالك نظام عون مختلف في أوروبا نفسها. إنه أكبر حجما وينفذ في عجالة. فنظرًا إلى القواعد المتضاربة لمحاسبة (تسجيل وتصنيف) العون تُدرِج بياناتُ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أوكرانيا جنبًا إلى جنب بلدان تتلقى مساعدات كإثيوبيا ومالي.
خلال فترة العامين ونصف العام منذ غزو روسيا حصلت أوكرانيا على مساعدات وإعفاءات من الديون أكثر من أي بلد إفريقي في العقود القليلة الماضية. وخلافًا لمعظم تدفقات العون الأخرى شكلت هذه الأموال سابقة تاريخية. لقد مكَّنت أوكرانيا من الصمود أمام روسيا وفي ذات الوقت أعانتها على بسط الاستقرار في اقتصادها الذي حطمته الحرب.
في «جنوب العالم» ما يثير الغضب أن الحروب الدموية في أثيوبيا والسودان بالكاد يرد ذكرها في الخطاب الغربي. والدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا يوضح على نحو صارخ ما هو مفقود فيما يتعلق ببلدان جنوب العالم. إنه الإحساس بالمصير المشترك والهدف العام والضروري لإطلاق العون بحجم يمكن أن يُغيِّر العالم.
العدو (المشترك) أحد مبررات (العون الذي تحظى به كييف) فهجوم روسيا على أوكرانيا يُنظر إليه كمهدد لأوروبا على نحو مباشر.
لكن بالطبع روسيا والصين موجودتان أيضا في الشرق الأوسط وإفريقيا. ردت الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي على هذا الوجود بتدشين برامج ائتمان جديدة لتمويل البنية الأساسية. إنها عبارة عن هندسة مالية معقدة هي مزيج من المبادرات الخاصة والحكومية ولكن دون دعم كاف من أموال دافعي الضرائب.
ليس المعتدي فقط هو المختلف بل الضحية أيضًا. فأوكرانيا التي كانت في يوم من الأيام مثالا للعجز والفساد حرَّكتها الصدمة الأولى للغزو الروسي في عام 2014. لكنها منذ الغزو الشامل وعلى الرغم من استمرار مشاكل الفساد استفادت من العون الغربي بطريقة فعالة وعلى نحو لافت.
ثم هنالك الناس. أنفقت البلدان الأوروبية وهذا مقبول تمامًا البلايين على دعم اللاجئين الأوكرانيين. بالمقارنة العديد من المهاجرين القادمين من الجنوب بدلًا من مدهم بالأموال والخدمات يجري إبعادهم ودفعهم إلى التسلل والإقامة غير المشروعة.
تماهِي الغرب مع أوكرانيا يذهب عميقا. فطموح كييف هو الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي التي دفعت بجزء كبير من أوروبا الوسطى والشرقية نحو ازدهار أوروبا الغربية. وبروكسل من جانبها لم ترفض إقبال أوكرانيا بل رحبت بها.
في نهاية المطاف الشيء المهم والذي لم يخجل الأوروبيون من ذكره هو أن الأوكرانيين «ببساطة مثلنا».
فرغم كل ما يقوله واضعو السياسات عن هجرة القوى العاملة إلا أن الإحصاءات الاقتصادية، كما جادل مؤخرًا هانز كوندناني، يكمن تحتها الخطُّ الفاصل الذي يحدد فكرة أوروبا وهو البياض. (بمعنى رغم التأكيد ظاهريا على المقاييس الاقتصادية في تحديد هوية أوروبا إلا أن المقياس المسكوت عنه عِرقي وهو بياض البشرة. كوندناني زميل باحث أول بمعهد شاتام هاوس ومؤلف كتاب بعنوان البياض الأوروبي: الثقافة والإمبراطورية والعِرق في المشروع الأوروبي - المترجم).
الحقيقة المحزنة هي أن أعزَّ أمل لجزء كبير من سكان أوروبا، إذا كان عوننا كافيًا لمساعدة أفريقيا على الانطلاق الاقتصادي، سيكون توقف الهجرة (منها إلى أوروبا). ففي تباين صارخ مع أوكرانيا، ليست هنالك صورة إيجابية (في أوروبا) لمستقبلٍ مشترَك مع أفريقيا المزدهرة والواثقة من نفسها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة جنوب العالم على نحو إلا أن
إقرأ أيضاً:
أسعار الأغذية تواصل ارتفاعها في الأردن
#سواليف
سجلت أسعار الأغذية في الأردن ارتفاعاً للشهر الثالث على التوالي منذ بداية العام الحالي، وفقاً لأحدث بيانات صادرة عن البنك الدولي، وذلك بالتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم بحسب ما أظهرته أرقام دائرة الإحصاءات العامة للفترة ذاتها.
وأظهر تقرير البنك الدولي أن مؤشر أسعار الأغذية في الأردن ارتفع بنسبة 0.3% خلال شهر آذار/مارس الماضي، بعدما سجّل ارتفاعاً بنسبة 2% في شباط/فبراير، و3.1% في كانون الثاني/يناير، ليبلغ متوسط الزيادة في أسعار الأغذية خلال الربع الأول من عام 2025 نحو 1.8%.
وخلال العام الماضي، سجّل التقرير ارتفاعا في مؤشر أسعار الأغذية بنسبة 1,2% و2,6% خلال شهري كانون الأول وتشرين الثاني من العام الماضي، فيما سجل تراجعا طفيفا بنسبة 0,7% في تشرين الأول، بعد ارتفاعه بشكل “طفيف جدا” بنسبة 0,1% في أيلول، وارتفعت هذه الأسعار بنسبة 2.8% في آب الماضي، وبنسبة 2.6% في تموز الماضي، و2% خلال شهر حزيران الماضي، و2.1% في أيار الماضي، قبل أن يتراجع في نيسان بنسبة 0,1%.
مقالات ذات صلةوسجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) لشهر آذار الماضي، ارتفاعا بنسبة 1,64% مقارنة مع الشهر المقابل من عام 2024، وارتفاعا طفيفا نسبته 0,06% (أقل من نقطة مئوية واحدة) مقارنة مع شهر شباط الذي سبقه من العام نفسه، وفق تقرير دائرة الإحصاءات العامة، فيما ارتفع على المستوى التراكمي؛ الرقم القياسي للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بنسبة 2,02% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
عالميا، أشار التقرير إلى أن النزاعات لا تزال تُفاقم انعدام الأمن الغذائي في شرق ووسط إفريقيا، حيث يُعاني أكثر من 25 مليون شخص في السودان من انعدام حاد في الأمن الغذائي وظروف مجاعة في مناطق متعددة، ويواجه 27.7 مليون شخص في جمهورية الكونغو الديمقراطية مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما في ذلك ما يقرب من 4 ملايين شخص في حالات طوارئ. كما يُفاقم النزاعات والصراعات انعدام الأمن الغذائي في غزة وهايتي ولبنان واليمن.
ولا يزال تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية مرتفعا بشكل معتدل؛ إذ تُظهر المعلومات المُستقاة من أحدث شهر بين كانون الأول 2024 وآذار 2025، والتي تتوفر عنها بيانات تضخم أسعار المواد الغذائية، ارتفاعا في معدلات التضخم في العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث تجاوز معدل التضخم 5% في 78.9% من البلدان منخفضة الدخل (مستقر مقارنة بآخر تحديث منذ آذار الماضي)، و47.8% من البلدان متوسطة الدخل المنخفضة (أقل بمقدار 2.2 نقطة مئوية)، و47% من البلدان متوسطة الدخل المرتفعة (أعلى بمقدار 13.0 نقطة مئوية)، و17.9% من البلدان مرتفعة الدخل (أعلى بمقدار 7.0 نقاط مئوية). وبالقيمة الحقيقية، تجاوز معدل تضخم أسعار المواد الغذائية معدل التضخم الإجمالي في 60% من البلدان الـ 162 التي تتوفر عنها بيانات.
كما أغلقت مؤشرات أسعار المنتجات الزراعية والصادرات على ارتفاع بنسبة 1% و2% على التوالي، وأغلق مؤشر أسعار الحبوب عند المستوى نفسه. وعلى أساس سنوي، ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 9%، وانخفضت أسعار القمح والأرز بنسبة 4% و29% على التوالي. وارتفعت أسعار الذرة بنسبة 26%، والقمح بنسبة 3%، والأرز بنسبة 5% مقارنة بشهر كانون الثاني 2020.