لجريدة عمان:
2025-03-10@21:59:14 GMT

البلدان الغنية لا تَعدِل في تقديم العون

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

في «جنوب العالم» ما يثير الغضب أن الحروب الدموية في أثيوبيا والسودان بالكاد يرد ذكرها في الخطاب الغربي. والدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا يوضح على نحو صارخ ما هو مفقود فيما يتعلق ببلدان جنوب العالم

على الرغم من انقضاء عقود من العولمة والتقارب الجزئي إلا أننا نعيش في عالم من التفاوتات الصارخة بين الأغنياء والفقراء.

ورغم عدم دقة مصطلَحَي جنوب العالم وشمال العالم إلا أنهما يسلطان الضوء على اختلافات حقيقية.

فالبُلدان التي تجاور الولايات المتحدة إلى الجنوب هي بلدان الأزمات في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي. وعلى الحافة الجنوبية لأوروبا توجد سوريا التي تمزقها الحرب وآسيا الغربية واضطرابات منطقة الساحل والفقر المزمن لمئات الملايين في إفريقيا جنوب الصحراء.

لا يوجد حل بسيط لمشكلة التنمية. لكننا نخدع أنفسنا إذا لم نتحدث عن المال. فالبلدان الفقيرة تحتاج إلى المزيد من رؤوس الأموال. هنالك حاجة إلى استثمار إضافي بقيمة 3.8 تريليون دولار سنويًا لتأمين التنمية المستدامة حول العالم وجزء كبير منه لإفريقيا.

جائزة التنمية لن تكون فقط عالما أكثر استقرارًا وعدلًا ولكن أكثر ثراء وأمنًا أيضًا. فتفشي جدري القرود أحدثُ تحذيرٍ من مخاطر أزمة صحةٍ عامة منفلتة، تنشأ في دولة فاشلة.

على الرغم من الفرص التي يمكن أن تكون متاحة إلا أن رأس المال الخاص لن يُجسِّر الفجوة. ورغم كثرة الجهات المانحة التي تقدم العون الوطني ومتعدد الأطراف والتمويل الميسر لحل هذه المشكلة إلا أن ذلك غير كاف تماما.

حسب البيانات الرسمية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في اقتصادٍ عالمي يقدر (ناتجه المحلي الإجمالي) بأكثر من 105 تريليونات دولار تدبِّر البلدان الغنية عونا يبلغ بالكاد 224 بليون دولار موزعا على المئات من مانحيه ومُتَلَقِّيه. تقدم الولايات المتحدة وهي أكبر المانحين 66 بليون دولار. لكن هذا المبلغ يساوي 0.24% فقط من إجمالي دخلها القومي. ويصعب القول إنه كافٍ من بلد يقود العالم.

نسبيًا، هذا أحد المجالات التي لا يتنصل الأوروبيون عن مسؤولياتهم فيها. ففرنسا التي يشكل عونها 0.5% من إجمالي دخلها القومي تبلغ حصتها من المساعدات الخارجية ضعف حصة الولايات المتحدة. وتزعم ألمانيا أن مساهمتها تساوي 0.79 % من إجمالي دخلها القومي.

لا نزاع في أن هذا المال ينجز أشياء طيبة. فعشرات الملايين من الناس يمكن أن يتعرضوا إلى مخاطر مريعة بدونه. لكن هنالك احتياجات كثيرة بحاجة إلى تلبيتها. ومن الصعب الإشارة إلى تحقيق نجاحات كبيرة. لقد كان تعافي إفريقيا من صدمة كوفيد مخيبا للآمال. وتدفق العون والتمويل الميسر تَقزَّم أمام تراجع التمويل الخاص. ومع تكاثر أزمات الديون تحولت العديد من قصص النجاحات الإفريقية الأخيرة في كينيا وغانا إلى فشل. فأكثر من 900 مليون نسمة يعيشون في بلدان تتجاوز مدفوعاتُ فوائد ديونها الإنفاقَ على الصحة والتعليم.

في محادثات مطوّلة تناقش الحكومات والجهات الدائنة والمنظمات غير الحكومية كيفية تخفيف أعباء الدين والتمويل التجسيري. في الأثناء هنالك نظام عون مختلف في أوروبا نفسها. إنه أكبر حجما وينفذ في عجالة. فنظرًا إلى القواعد المتضاربة لمحاسبة (تسجيل وتصنيف) العون تُدرِج بياناتُ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أوكرانيا جنبًا إلى جنب بلدان تتلقى مساعدات كإثيوبيا ومالي.

خلال فترة العامين ونصف العام منذ غزو روسيا حصلت أوكرانيا على مساعدات وإعفاءات من الديون أكثر من أي بلد إفريقي في العقود القليلة الماضية. وخلافًا لمعظم تدفقات العون الأخرى شكلت هذه الأموال سابقة تاريخية. لقد مكَّنت أوكرانيا من الصمود أمام روسيا وفي ذات الوقت أعانتها على بسط الاستقرار في اقتصادها الذي حطمته الحرب.

في «جنوب العالم» ما يثير الغضب أن الحروب الدموية في أثيوبيا والسودان بالكاد يرد ذكرها في الخطاب الغربي. والدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا يوضح على نحو صارخ ما هو مفقود فيما يتعلق ببلدان جنوب العالم. إنه الإحساس بالمصير المشترك والهدف العام والضروري لإطلاق العون بحجم يمكن أن يُغيِّر العالم.

العدو (المشترك) أحد مبررات (العون الذي تحظى به كييف) فهجوم روسيا على أوكرانيا يُنظر إليه كمهدد لأوروبا على نحو مباشر.

لكن بالطبع روسيا والصين موجودتان أيضا في الشرق الأوسط وإفريقيا. ردت الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي على هذا الوجود بتدشين برامج ائتمان جديدة لتمويل البنية الأساسية. إنها عبارة عن هندسة مالية معقدة هي مزيج من المبادرات الخاصة والحكومية ولكن دون دعم كاف من أموال دافعي الضرائب.

ليس المعتدي فقط هو المختلف بل الضحية أيضًا. فأوكرانيا التي كانت في يوم من الأيام مثالا للعجز والفساد حرَّكتها الصدمة الأولى للغزو الروسي في عام 2014. لكنها منذ الغزو الشامل وعلى الرغم من استمرار مشاكل الفساد استفادت من العون الغربي بطريقة فعالة وعلى نحو لافت.

ثم هنالك الناس. أنفقت البلدان الأوروبية وهذا مقبول تمامًا البلايين على دعم اللاجئين الأوكرانيين. بالمقارنة العديد من المهاجرين القادمين من الجنوب بدلًا من مدهم بالأموال والخدمات يجري إبعادهم ودفعهم إلى التسلل والإقامة غير المشروعة.

تماهِي الغرب مع أوكرانيا يذهب عميقا. فطموح كييف هو الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي التي دفعت بجزء كبير من أوروبا الوسطى والشرقية نحو ازدهار أوروبا الغربية. وبروكسل من جانبها لم ترفض إقبال أوكرانيا بل رحبت بها.

في نهاية المطاف الشيء المهم والذي لم يخجل الأوروبيون من ذكره هو أن الأوكرانيين «ببساطة مثلنا».

فرغم كل ما يقوله واضعو السياسات عن هجرة القوى العاملة إلا أن الإحصاءات الاقتصادية، كما جادل مؤخرًا هانز كوندناني، يكمن تحتها الخطُّ الفاصل الذي يحدد فكرة أوروبا وهو البياض. (بمعنى رغم التأكيد ظاهريا على المقاييس الاقتصادية في تحديد هوية أوروبا إلا أن المقياس المسكوت عنه عِرقي وهو بياض البشرة. كوندناني زميل باحث أول بمعهد شاتام هاوس ومؤلف كتاب بعنوان البياض الأوروبي: الثقافة والإمبراطورية والعِرق في المشروع الأوروبي - المترجم).

الحقيقة المحزنة هي أن أعزَّ أمل لجزء كبير من سكان أوروبا، إذا كان عوننا كافيًا لمساعدة أفريقيا على الانطلاق الاقتصادي، سيكون توقف الهجرة (منها إلى أوروبا). ففي تباين صارخ مع أوكرانيا، ليست هنالك صورة إيجابية (في أوروبا) لمستقبلٍ مشترَك مع أفريقيا المزدهرة والواثقة من نفسها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة جنوب العالم على نحو إلا أن

إقرأ أيضاً:

أوكرانيا تواجه مخاطر الانهيار بدون الأسلحة الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مع استمرار الحرب في أوكرانيا، يبحث المحللون والخبراء العسكريون عن سؤال ملح، وهو إلى متى يمكن لقوات أوكرانيا الصمود بدون الدعم الحيوي من الولايات المتحدة؟ بعدما أثار تعليق المساعدات العسكرية، الذي أعلنته إدارة الرئيس دونالد ترامب، مخاوف من أن قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد روسيا قد تتعثر قريبًا، مع كون المساهمات الأمريكية والأوروبية في جهود الدفاع الأوكرانية نقطة محورية، ويقول الخبراء إن أوكرانيا قد لا يكون لديها سوى بضعة أشهر قبل أن تكافح جيشها للتعامل مع الضغوط المتزايدة من القوات الروسية.
ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير ٢٠٢٢، كانت الولايات المتحدة من أكبر مقدمي المساعدات العسكرية لأوكرانيا، حيث ساهمت بأكثر من ٦٧ مليار دولار في المساعدات العسكرية، ولكن قرار إدارة ترامب الأخير بوقف تسليم أسلحة تصل قيمتها إلى ١١ مليار دولار أميركي لهذا العام أثار ناقوس الخطر، وكانت هذه الأسلحة، التي تشمل المدفعية والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي وغيرها من المعدات العسكرية الأساسية، حاسمة في دعم جهود الدفاع في أوكرانيا.
وعلى الرغم من جهود أوروبا لتكثيف الدعم وتقديمه، يزعم الخبراء أن أوروبا لا تستطيع سد الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة بسرعة، فقد كافحت الصناعات الدفاعية الأوروبية لتلبية متطلبات زمن الحرب، وتحتاج البلدان داخل الاتحاد الأوروبي إلى موازنة احتياجات الدفاع المحلية مع متطلبات أوكرانيا.

 وصرح الفريق أول إيجور رومانينكو، نائب رئيس الأركان العامة العسكرية الأوكرانية السابق، بأن "أوروبا لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تحل محل المساعدات الأميركية"، مشددا على الدور الحاسم الذي تلعبه الأسلحة الأميركية في قدرة أوكرانيا على مواصلة القتال.
إمكانيات الصمود الأوكرانى
وقد تباينت آراء المحللين حول المدة التي تستطيع فيها القوات الأوكرانية الصمود في غياب الأسلحة الأمريكية. في حين يشير بعض المسئولين الأوكرانيين، مثل المشرع فيدير فينيسلافسكي، إلى أن أوكرانيا قد تتمكن من تدبير أمورها لمدة تصل إلى ستة أشهر دون دعم أمريكي مستمر، يعتقد آخرون أن هذا الجدول الزمني متفائل بشكل مفرط، وفقًا لمارك إف. كانسيان، استراتيجي الأسلحة السابق في البيت الأبيض، من المرجح أن تبدأ قوات أوكرانيا في الانهيار في غضون أربعة أشهر دون إمدادات موثوقة من الذخائر والمعدات.
الوضع خطير لأن أوكرانيا، على الرغم من براعتها في تطوير طائراتها بدون طيار ومدفعيتها، لا يمكنها ببساطة استبدال التكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي توفرها الولايات المتحدة بدعم من حلف شمال الأطلسي والدول الأوروبية، بنت أوكرانيا قدراتها المحلية، لكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الأسلحة المتقدمة والقاتلة من الولايات المتحدة.. هذه الأسلحة، وخاصة أنظمة الدفاع الجوي والمدفعية بعيدة المدى، حيوية لاستراتيجية الدفاع الأوكرانية.
صراع أوروبا لملء الفراغ
كان دعم أوروبا لأوكرانيا كبيرًا، مع تعهدها بتقديم ٦٥ مليار دولار من المساعدات العسكرية، ومع ذلك، تواجه صناعات الدفاع الأوروبية قيودًا كبيرة في زيادة الإنتاج لتلبية الاحتياجات الفورية لأوكرانيا. أشارت كاميل جراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي للاستثمار الدفاعي، إلى أنه في حين أحرزت أوروبا تقدماً كبيراً في إنتاج المدفعية، فإن الأسلحة الأكثر تقدماً مثل أنظمة الدفاع الجوي لا تزال في نقص.
على الرغم من الجهود التي تبذلها المفوضية الأوروبية لتعزيز ميزانيات الدفاع وتشجيع المشتريات المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي، فقد كافحت أوروبا للعمل بالسرعة والحسم المطلوبين لمواجهة العدوان الروسي. اعترفت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بالتحدي، واعترفت بأن أوروبا بحاجة إلى إرادة سياسية أكبر ونهج أكثر تنسيقاً لمعالجة إلحاح الموقف.
جهود محلية للتسليح
بينما تستمر أوكرانيا في تلقي الدعم الخارجي، فإنها تزيد أيضاً من إنتاجها من الأسلحة. وأكد رئيس الوزراء دينيس شميهال أن الجيش الأوكراني قادر على الحفاظ على الوضع على الخطوط الأمامية، مع خطط لزيادة إنتاج المدفعية والطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل أوكرانيا على تطوير أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها، على أمل تكرار قدرات نظام باتريوت الأمريكي الصنع. ولكن الخبراء يحذرون من أن حجم وتعقيد هذه الأنظمة، وخاصة نظام باتريوت الدفاعي، لا يمكن تكرارها بسهولة في الأمد القريب.
ورغم هذه الجهود، فإن موارد أوكرانيا محدودة، ويشكل القصف الروسي المستمر تهديدا مستمرا لقدرة أوكرانيا على الدفاع ضد الضربات القادمة. وكما أشار خبير الفضاء العسكري دوجلاس باري، "ستضطر دائما إلى الاختيار ــ فلن تتمكن من الدفاع ضد كل شيء".
تحول فى ديناميكيات الحرب
قد يخلف تعليق المساعدات الأميركية عواقب بعيدة المدى على قدرة أوكرانيا على تأمين حل ملائم للحرب. فبدون المساعدات العسكرية الأميركية، قد يضعف موقف أوكرانيا التفاوضي، وقد تضطر إلى قبول اتفاق وقف إطلاق نار غير موات. وقد يعني هذا خسائر إقليمية كبيرة والتخلي عن تطلعاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
ويؤكد ديفيد شيمر، المسئول السابق في مجلس الأمن القومي، أن وقف المساعدات الأمنية الأمريكية من شأنه أن يقلل من نفوذ أوكرانيا، مما يجعل من الصعب عليها تحقيق نهاية عادلة ودائمة للحرب. وكما أشار شيمر، "فإن هذا من شأنه أن يقلل من نفوذ أوكرانيا، ويضعف الجيش الأوكراني، وبالتالي يقوض موقف أوكرانيا التفاوضي مع روسيا".
الحاجة إلى الدعم المستمر
لا يمكن المبالغة في الأهمية الاستراتيجية للمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا. في حين أظهرت أوكرانيا مرونة ملحوظة في مواجهة الصعاب الساحقة، فإن تعليق الأسلحة الأمريكية الحاسمة قد يقلب مجرى الحرب. فبدون دعم الأسلحة الأمريكية المتقدمة، قد تكافح القوات الأوكرانية للحفاظ على دفاعها ضد الهجوم الروسي. مع استمرار تطور الوضع، من الواضح أن مستقبل الجهود العسكرية الأوكرانية يتوقف على استعادة الدعم الأمريكي في الوقت المناسب واستمرار التعاون الدولي. يجب على إدارة بايدن أن تدرس بعناية العواقب طويلة الأجل المترتبة على سحب هذه المساعدة الحيوية، حيث إن أي خفض في المساعدات قد يضعف بشكل لا يمكن إصلاحه الجيش الأوكراني ويقوض قوته التفاوضية في محادثات السلام المستقبلية مع روسيا.
 

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يلتزم الاستغناء تدريجياً عن الغاز الروسي
  • حصري: وزراء الصحة في الاتحاد الأوروبي يطالبون بتمويل الأدوية الحيوية من ميزانية الدفاع
  • فون دير لايين: الولايات المتحدة حليفة الاتحاد الأوروبي
  • ألمانيا تطلب إدراج تركيا ضمن الموازنة الدفاعية للاتحاد الأوروبي
  • سموتريتش: نعمل مع أمريكا لتحديد البلدان التي سيهاجر إليها سكان غزة
  • أوكرانيا تواجه مخاطر الانهيار بدون الأسلحة الأمريكية
  • الاتحاد الأوروبي: بوتين لا يبدي أي اهتمام بتحقيق السلام في أوكرانيا
  • سعر الغاز يهبط بسرعة في أوروبا مع ضغط أميركا لإنهاء حرب أوكرانيا
  • فيديو.. تقديم كأس العالم للأندية لترامب "غير المكترث"
  • سفير الولايات المتحدة لدى الناتو يقترح نشر وحدة عسكرية من الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا