إن أردت أن تُؤالِف.. فلا تُخالف
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
محفوظ بن راشد الشبلي
mahfood97739677@gmail.com
في زماننا ترى اختلافات كثيرة خارجة عن المألوف والمنطق والنهج والذوق العام وبعضها خارج عن الدِين والقِيم والمبادئ، فتستنكرها في نفسك وذاتك التي لا تقبل إلا الطيب في الأفعال والأقوال قدر المُستطاع، وهي تندرج في قول المصطفى صلوات اللّه وسلامه عليه: "من رأى منكم مُنكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، وهو نوع من صفاء قلب الإنسان في الفعل والقول والاستنكار والنية الصادقة، أو كما ورد في الحديث الشريف إلى آخره في المعنى والتوجيه من رسولنا الكريم، فترى وتسمع في بعض المجالس أو المجموعات كثيرا من تلك المخالفات غير المُبررة لفعلها وقولها إلّا إنها أصبحت دارجة عند البعض من البشر، فتستوقفك تلك المشاهد بنية الإصلاح والتغيير بالنصح والإرشاد وليس بها نية تعكير لصفو الجَمع والحضور.
غير أنَّ نيتك تلك تجدها قد أزعجت بعض الذين اعتادوا عليها وتأتي ردة فعلهم تجاهك بالسخط والزعل والتذمر وتجدهم ينفرون منك ويُغيرون سيرتهم السابقة تجاهك رغم الذي قلته على حق وليس به ما يستنكر ويخالف المنطق والذوق العام غير مخالفته لتوجههم الذي هم ماضون به والذي اعتادوا عليه.
في جَمع من البشر اعتاد البعض على استحواذ نصيب الأسد من الشيء الطيب لهم وينسون الباقين، بينما يوزعون الذي لا تستهويه أنفسهم ولا يرغبون فيه على العامة، وعندما استنكر البعض فِعلهم ذلك وناقشهم فيه زعلوا منه وخاصمه بعضهم وبعضهم صار ينظر إليه نظرات يملأها الاستحقار بمجرد أنه قال كلمة الحق، وآخر تحدث في مجموعة من الناس عن الفضائل التي كان السلف الذين سبقوهم فيها يفعلونها وينتقون أحسنها ويمضي عليها الجميع، بينما اختلف الوضع في عهدهم الحالي وأصبح الجميع يختلف في كثير من تلك الفضائل التي مضى عليها السلف السابق، وبنفس المعاملة عُومل بها هذا الذي تحدث في هذه المجموعة وأيضًا بالاستنكار لحديثه بمجرد أنه خالف بعض توجههم بالتذكير بما كان عليه سَلفهم.
إذن.. الأمر ليس في التوجيه ونوعيته؛ بل هو في عملية التغيير للوضع الأفضل والذي أزعج البعض كونه سيُغير الفكرة السائدة ولو كانت مُخالفة، فإن لم تزعجهم برأيك ذلك لبقيت على محبتهم وودهم لك وودوا لو بقيت مُغمض العينين وتسير خلفهم كالأعمى.
نستخلص من حديثنا في هذا الأمر، أنك إن أردت أن تعيش في مجموعة من البشر مُسالمًا ومُسايرًا لهم على الود والوئام ولو كانت تمضي تلك المجموعة على خطأ فلا تُحاول تغيير أمرها ولو كان بالنصح والإرشاد، وإلّا نعتوك بالمتزمّت الذي يسعى لزعزعة استقرار تلك المجموعة وليس لإصلاحها، وقد تفتح على نفسك بابًا من الكراهية والبغضاء بحديثك بعدما كنت بصمتك محبوبًا ومعشوقًا لديهم، وصدق القائل عندما قال: إن أردت أن تؤالِف فلا تُخالف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نبوءات إسحاق عظيموف… ماذا تحقق من توقعاته بعد 30 سنة؟
في عام 1983، جلس الكاتب الأميركي الروسي إسحاق عظيموف أمام آلة كاتبته ليكتب مقالًا لمجلة The Star، يتنبأ فيه بما سيكون عليه العالم بعد ثلاثين عامًا، أي في عام 2014.
لم يكن مجرد كاتب خيال علمي، بل كان أشبه بـ”نبي تكنولوجي”، يتأمل في الحاضر ويكتب عن المستقبل بلغة الحالم الواقعي.
تبدو بعض نبوءاته وكأنها ولدت أمس فماذا تحقق مما قاله؟ وماذا لا يزال بعيدًا؟
الإنترنت قبل الإنترنتمن أبرز ما توقعه عظيموف هو انتشار “محطات الكومبيوتر” في المنازل، تستخدم للعمل، والتعليم، والترفيه.
تنبأ بأن الناس سيحصلون على المعرفة عن بعد ، ويتواصلون رقميًا، دون الحاجة للخروج من منازلهم.
اليوم: هذه المحطات أصبحت هواتف ذكية، وأجهزة لوحية، وحواسيب محمولة. التعليم عن بعد أصبح واقعًا (خصوصًا بعد جائحة كورونا)، والعمل من المنزل جزءًا من النظام العالمي الجديد.
المدن الذكية والطاقة المتجددةتوقع عظيموف أن يتجه البشر أكثر نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، وأن تبني مدن أكثر ذكاء تدار بأنظمة إلكترونية.
اليوم: نشهد توسعًا عالميًا في مشاريع الطاقة المتجددة، وظهور مصطلحات مثل “المدن الذكية”، وأنظمة البيوت الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
الروبوتات… لم يحن وقتها بعدعظيموف، مؤلف “قوانين الروبوتات الثلاثة”، كان يتوقع أن يكون للروبوتات دور كبير في حياة البشر، خصوصًا في الأعمال المنزلية والخدمات اليومية.
لكن الواقع؟ ما زالت الروبوتات محدودة الاستخدام، رغم وجود نماذج متطورة مثل روبوتات “أوبن إيه آي” و”بوسطن ديناميكس”، إلا أنها لم تصبح جزءًا من كل بيت كما تنبأ. الذكاء الاصطناعي هو من سبق الروبوتات في الانتشار.
التعليم الفرديتحدث عظيموف عن فكرة “التعليم المفضل”، بحيث يصمم المحتوى حسب احتياجات كل طالب.
واليوم؟ ظهرت منصات تعليمية رقمية مثل “كورسيرا”، “يوديمي”، و”كخان أكاديمي”، تستخدم الخوارزميات لتحديد مستوى الطالب وتخصيص الدروس، مما يجعل تعليمه أقرب لما وصفه عظيموف.
العمل عن بعد والعلاقات الافتراضيةتوقع أن تصبح العلاقات بين البشر أكثر رقمية، وأقل اتصالًا مباشرًا، بسبب اعتمادهم على التكنولوجيا.
الواقع؟ منصات مثل “زوم” و”ميتا” و”واتساب” غيرت شكل العلاقات الإنسانية، مما جعل العالم أقرب… لكن أقل دفئًا.
ماذا أخطأ؟عظيموف لم يتوقع طفرة وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أثرها العميق على السياسة والمجتمع، ولم يتخيل أن تكون الخصوصية مشكلة العصر. كما لم يتحدث كثيرًا عن التطورات في الهندسة الوراثية أو الواقع الافتراضي