حرب المعلومات واختراق الخصوصية
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
لن ينجو أحدنا من مأزق انتهاك الخصوصية مهما كبر معرفيًا وتقنيًا ليتحول من مجرد مستهلك للمعلومة إلى شريك بها، أو مؤسسًا لمخازنها أو وسيطًا لنقلها لكن اليقين حتمًا أن الخيار الثاني يمنحك قوة المعرفة وامتلاك المعلومة وفرض الرأي.
المعرفة قوة لا شك، كما أن المعلومة أداة جبّارة لتحريك القوة وتوجيهها أيًا كان مسارها، وهي في عصرنا الذي نعيشه أكثر أهمية وأشد إلحاحًا، حتى أن بعض الحروب المقنّعة بين الأفراد والحكومات قد تنطلق من صراع الحصول على المعلومة، ولا مناص من الاعتراف بأن العالم بأكمله واقع تحت وطأة حرب المعلومات في عالم مفتوح على مصادر مختلفة ومخازن معلوماتية متنوعة مختلفة الأهداف، منها ما هو تجاري هدفه المنفعة المادية عبر اختراق نظام الأفراد والجماعات والمؤسسات لأغراض تسويقية يجدها مسوغًا لامتلاكه المعلومة وانتهاكه الخصوصية، ومنها ما هو اجتماعي قد يتخذ مبررات أخرى تحليلية إحصائية، ومنها ما هو أمني يتجاوز خصوصية الفرد لضمان خصوصية المؤسسات ثم يتجاوز خصوصية المؤسسة لضمان خصوصية الدولة، وقد يتجاوز خصوصية الدولة لضمان خصوصية المحرّك السياسي الأقوى وفقا للنظام العالمي ومواقع القوى والنفوذ.
ومع كل تلك التقاطعات وتلك المصالح بإسقاطاتها المختلفة لم يعد مستغربا أن تصبح المسارات التعليمية والوظيفية المعاصرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمجال المعلومات، نشأتها وتخزينها وتحليلها وتوجيهها وأمنها، ولم يعد الثراء مستغربا على الأذكياء الذين أدركوا قيمة المعلومة فاستثمروا في مجالاتها بإنشاء شركات أو تطبيقات أو وسائط تقنية كلها تعمل على مبدأ امتلاك المعلومات ثم تطويعها بإتاحتها أو منعها حسب مكامن القوة والضعف، وكل مفاخر الواقع المعاصر من ذكاء اصطناعي وأمن معلوماتي وثورة صناعية تتكئ في تفاصيلها على المعرفة المعلوماتية وسبل توجيهها وتفعيلها.
صار من المألوف غير المستهجن قراءة أخبار مثل استيلاء مراهق -يستلقي بأريحية على أريكة منزلية- على ميزانية أكبر البنوك دون سلاح أو شريك أو حتى جهد، لكنه يمتلك القدرة على اختراق نظام المعلومات الخاص بالبنك وإعادة توجيه عملياته، تماما كألفة تجنيد مجموعات رقمية وتسليحها بالمعلومة(صحيحة كانت أو مغلوطة) بغية الوصول لأهداف مقصودة سواء كانت اقتصادية اجتماعية، أو عسكرية سياسية، أو حتى إيديولوجية مغرضة.
ونحن (البشر) لا نملك من أمرنا شيئا، والملكية هنا ليس المقصود منها ملكية الحق في الصمت أو التفاعل سلبيا أو إيجابيا مع أرتال المعلومات اليومية الهائلة، لكنه الحق في الاحتفاظ بالخصوصية وملكية المعلومة الشخصية على أقل تقدير، ومن أسفٍ أن أغلبنا مأخوذ بهذا العالم المعلوماتي الهائل وقدرته على الحركة المتسارعة التي تفضي للشهرة في وقت قياسي، وإمكانية تحقق الثراء مع الشهرة (مهما كان مضمونها) حتمية، دون العناية بجريمة انتهاك الخصوصية واستنزاف طاقة الإنسان الروحية في تحويله لآلة تسويق للسلع الاستهلاكية وجمع المال.
نتابع منصات التواصل الاجتماعي المحركة للكثير من القضايا الدولية سياسيا واجتماعيا وحتى فكريا، حين يتعلق الأمر بالإنسانية متمثلة في حقوق الإنسان وقدرة هذه التطبيقات على تعزيزها أو حتى انتهاكها، إضافة إلى قدرتها على تعطيل الفكر وتجميد ردود الفعل عبر لعبة الإلهاء المشهورة سياسيا بتخليق وتصنيع وترويج صراعات تافهة بغية إشغال المجاميع عن قضايا محورية اعتمادا على فكرة «العقل الأجوف سريع التأثر سهل التطويع» ومع صراعات القوى العظمى للتحكم بموارد العالم وبإنسانه صار أمر الاستعانة بملوك قطاع المعلومات وتقنياتها أمرا حتميا، ومع هذه الحتمية وصراعات مُلّاك تطبيقات التواصل الاجتماعي ومّلاك المعلومات وخصوصية الأفراد التي لم تعد موجودة نقرأ عن اعتقال ملياردير التكنولوجيا بافيل دوروف مبتكر تطبيق «تيليجرام» للمراسلة الشهير عالميًا، بتهم تتعلق باستخدام التطبيق في غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات والإباحية، ويتساءل العالم هل الاعتقال لهذه التهم فعلا أم لمنعه تسليم بيانات التطبيق لبعض الحكومات؟ نتابع مارك زوكربيرج مالك شركة (ميتا) الذي يكشف عن تعرض شركته لضغوط متزايدة من إدارة الرئيس الحالي بايدن لفرض رقابة على المحتوى، ومن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يهدده حتى قبل فوزه بمراقبته بعناية!، نقرأ أمر تعليق عمل منصة إكس (تويتر سابقا) من قبل قاضي المحكمة العليا البرازيلية، المنصة التي يملكها الملياردير إيلون ماسك بعد أن رفض تعيين ممثل قانوني في البلاد وعلّق على تعليقها قائلا: «النظام القمعي خائف».
ختاما: لم يعد خيار العزلة بمعناها الحقيقي متاحا وفقا للواقع ومعطياته، كما أن سقف المشترك العام ارتفع كثيرا، ومساحات الخصوصية تضاءلت، لن ينجو أحدنا من مأزق انتهاك الخصوصية مهما كبر معرفيا وتقنيا ليتحول من مجرد مستهلك للمعلومة إلى شريك بها، أو مؤسسا لمخازنها أو وسيطا لنقلها لكن اليقين حتما أن الخيار الثاني يمنحك قوة المعرفة وامتلاك المعلومة وفرض الرأي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مختصّون: التكاتف بين أفراد المجتمع يدحض الشائعات ويعزز الوعي
العُمانية: أكّد عددٌ من المعنيين والمختصين لوكالة الأنباء العُمانية على أهمية الوعي المجتمعي، ودوره الحاسم والأبرز في دحض الشائعات والتصدي لها، ومنع انتشارها وتداولها، مشيرِين إلى أنّ الوعي المجتمعي يجب أن يشمل جميع فئات المجتمع، إذ تؤدي الأسرة والمدارس والمؤسسات والإعلام دورًا مهمًّا في تعزيز هذا الوعي للوصول إلى مجتمع قادر على التمييز بين الأخبار الصحيحة والشائعات والمعلومات المضللة.
وأكّدت الدكتورة خالصة بنت حمد البحرية باحثة تربوية بوزارة التربية والتعليم على الدور الحيوي للمؤسسات التعليمية والمدارس بشكل خاص في تعزيز الوعي لدى الطلبة وأسرهم حول الشائعات ونتائجها عبر مجموعة من الاستراتيجيات والممارسات التي يمكن أن تتبناها من خلال إدماج موضوعات الشائعات ووسائل الإعلام في المناهج الدراسية، وتعليم مهارات التفكير الناقد.
وبيّنت أهمية تنظيم حلقات عمل للأسر وندوات مع خبراء في الإعلام لتعزيز مهارات التحقق من المعلومات وهي إحدى أهم مهارات المستقبل والثقافة الرقمية في التعامل مع المعلومات عبر توفير موارد تعليمية مثل إنشاء مكتبات رقمية تحتوي على مواد تعليمية حول كيفية التحقق من المعلومات.
ولفتت إلى أهمية تشجيع الطلبة على المشاركة في مشروعات بحثية ومناقشات حول الشائعات، مما يُعزز قدرتهم على التحليل النقدي. ومن أهم الممارسات، إيجاد بيئة يشعر فيها الطلبة بالراحة لمناقشة الشائعات وتقديم الدعم النفسي عند الحاجة.
وأشارت إلى أنّ الشائعات التي تنتشر في المدارس تتنوع بين الأكاديمية التي تتعلق بمعلومات خاطئة عن الاختبارات أو النتائج، مما يمكن أن يؤثر على أداء الطلاب، وشائعات صحية تتعلق بانتشار الأمراض أو معلومات مضللة حول اللقاحات، مما قد يؤثر على قرارات الأسر، وشائعات حول المعلمين وأدائهم تتعلق بمعلومات غير صحيحة عن سلوك المعلمين أو مواقفهم، مما يمكن أن يؤثر على علاقة الطلاب بهم.
ويشير الدكتور معمّر بن علي التوبي، الأكاديمي والباحث العُماني إلى أن الذّكاء الاصطناعي من أهم الأدوات الحديثة التي فاقمت أزمة انتشار الشائعات، ولكنه في المقابل يمثّل أقوى الأدوات الدفاعية في مواجهة تحدّيات بروز الشائعات والمعلومات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية بعمومها.
وقال: إنّ الخوارزميات الذكية تعتمد على تقنيات متطورة لتحليل البيانات الضخمة واكتشاف الأنماط الشاذة المرتبطة بنشر الأخبار الكاذبة؛ فيُتيح الكشف المبكر عن الشائعات وتحديد المصادر الموثوقة التي تكشف المعلومات المغلوطة؛ حيث يعمل على تصنيف المحتوى وتقييم مدى صحته عن طريق خوارزميات التعلم الآلي والتعلم العميق.
وأضاف أنّ التعاون بين الذّكاء الاصطناعي والجهود البشرية يتفاعل في تعزيز التكامل بين التقنيات الحديثة والحكم البشري؛ فيعمل المحللون والباحثون على مراجعة نتائج الأنظمة الذكية للتحقق من دقتها؛ فيقللون من احتمالية وقوع أخطاء في التصنيف، وكثيرٌ من الدراسات تكشف أنّ الجمع بين الخبرة البشرية والتقنيات المتقدمة يمكن أن يرفع تحسين جودة المعلومات المنتشرة على الإنترنت.
ولفت إلى أنّ نماذج الذّكاء الاصطناعي وخوارزمياتها المستعملة في رصد الشائعات مثل خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية NLP التي تمكّن الأنظمة من فهم النصوص والسياقات بدقة وسرعة عالية، ونماذج الشبكات العصبية التي تُعالج الصور والمقاطع المرئية للكشف عن المحتوى المزيف، وتأتي خوارزميات التعلم العميق باعتبارها أدوات عالية الدقة لتحليل البيانات المسجلة والمجموعة والتعرف على أنماط النشر غير الطبيعية التي تتداخل مع نشاطات مصطنعة غير بشرية تُجيد محاكاة السلوك البشري.
وأفاد بأنّه يمكن للمستخدمين الاستفادة من هذه الأدوات عبر الاعتماد على منصات تحقق من صحة الأخبار وتطبيقات تنبه المستخدمين عند التعرض لمحتوى مشكوك فيه، إذ تساعد هذه النماذج على تمكين المستخدم من التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة؛ لترفع من قدرته على اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية دقيقة.
وأكّد على أهمية أن تعمل المؤسسات المعنية على الاستثمار في تطوير مثل هذه الأنظمة الذكية الدفاعية والمضادة التي تحتاج إلى أن تُصاحب بنشاطات توعية مجتمعية شاملة لأجل مواجهة التحديات المعلوماتية في العصر الرقمي.
ويرى الدكتور معمّر بن علي التوبي أنّ استعمال الذّكاء الاصطناعي في مكافحة الشائعات وتقليص تأثيرها السلبي ضرورة ملحة في ظل دخول المجتمعات الحديثة عصرها الرقمي، مؤكّدًا على ضرورة التفاعل بين التقنيات الحديثة والمراقبة البشرية؛ لتحقيق تقويم سليم وعادل للمعلومات ومحتوياتها المنتشرة؛ والإسهام في بناء ثقة أكبر بين المستخدمين ومصادر الأخبار الموثوقة، والتشجيع على زيادة الاستثمارات في هذه التقنيات الدفاعية الذكية لتطوير أساليب أكثر تطورًا لمواجهة الأخبار الزائفة وتَعْزيز الاستدامة الإعلامية.
وحول تعزيز الوعي الرقمي داخل الأسرة ومواجهة التحدّيات التقنية، تؤكّد الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية متخصصة في الإرشاد النفسي والتربوي على أنّ دور تعزيز الوعي الرقمي لا يقتصر على الأبناء فقط، بل يبدأ أولًا من وعي الوالدين أنفسهم. فكثير من الآباء قد يجدون أنفسهم أقل إلمامًا بآليات التحقق الرقمي مقارنة بأبنائهم الذين نشأوا في عصر التكنولوجيا.
وأكّدت على أنّه يجب على الوالدين العمل على تثقيف أنفسهم في هذا المجال من خلال متابعة الأخبار من مصادر موثوقة، والتعرف على أساليب كشف المعلومات المضللة، والتدريب على تحليل الأخبار قبل تصديقها أو مشاركتها، إذ بإمكانهم أن يكونوا قادرين على تقديم صورة واضحة لأبنائهم، مما يعزز لديهم الثقة بمعلومات الأسرة، بدلا من البحث عن إجابات غير موثوقة عبر الإنترنت.
وقالت: إنّه في ظل سرعة انتشار المعلومات، أصبح الأبناء اليوم أكثر وعيًا ومتابعةً للأحداث، بل قد يمتلكون في بعض الأحيان معرفة تقنية تفوق معرفة والديهم. وهذا يفرض على الأسرة أن تتعامل مع هذا الأمر بمرونة، بحيث لا تقتصر العلاقة على التوجيه فقط، بل تصبح عملية تبادل معرفي يتعلم فيها الآباء والأبناء معًا. فحين يرى الأبناء أن والديهم مهتمون بفهم الواقع الرقمي، سيكونون أكثر استعدادًا للاستماع إليهم والتفاعل معهم، بدلاً من الشعور بأن هناك فجوة معرفية تجعل النقاش غير مثمر.
وأكّدت على أنّ توثيق الصلة بين الوالدين والأبناء يؤدي دورًا أساسيًّا في تعزيز انفتاحهم وثقتهم في الرجوع إلى الأسرة عند مواجهة أي محتوى مشبوه أو معلومات غير واضحة. وكلما شعر الأبناء بأن هناك مساحة للنقاش دون خوف من التوبيخ أو الرفض، فإنّ بناء بيئة حوارية داعمة داخل الأسرة لا يقل أهمية عن التوعية المباشرة، إذ إنّ الثقة المتبادلة تجعل الأبناء أكثر استعدادًا لتقبل التوجيه والاستفادة منه.
وبيّنت أنّه بالرغم من أهمية التوجيه الأسري، تواجه الأسر تحديات عديدة في تعزيز الوعي الرقمي أبرزها الفجوة الرقمية بين الأجيال، حيث يجد بعض الآباء صعوبة في مواكبة التطورات التقنية التي يتعامل معها أبناؤهم يوميًّا.
ولفت إلى أنّ سرعة انتشار الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجعل من الصعب التصدي لها في الوقت المناسب، مما يتطلب من الأفراد امتلاك مهارات التحقق بشكل استباقي، ومن الأساليب الفاعلة لمواجهة هذه التحدّيات تبني استراتيجيات تربوية تُعزز مهارات التحقق من صحة المعلومات لدى الأبناء، وتدريبهم على التفكير النقدي من خلال طرح الأسئلة الصحيحة عند مواجهة أي خبر جديد.
وأفادت بأنّ النقاش العائلي من أهم الأدوات التربوية في هذا السياق، حيث يمكن للوالدين استغلال المواقف اليومية لفتح حوارات حول الأخبار المتداولة، وتحليلها مع الأبناء، مما يساعدهم على تطوير حس نقدي تجاه المحتوى الرقمي. ومن المهم أيضا تعليم الأبناء أهمية البحث عن الحقائق بدلاً من الاعتماد على العناوين المثيرة أو المعلومات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي دون تدقيق.
ووضّحت أنّ التقنيات الحديثة تؤدي دورًا مهمًّا في الحدّ من انتشار الأخبار الزائفة، حيث يتمُّ استخدام الذّكاء الاصطناعي لرصد الشائعات عبر تحليل المحتوى المتداول، وتحديد الأخبار المشبوهة. كما أنّ الخوارزميات الذكية باتت تصنف الأخبار بناءً على موثوقية مصدرها، بينما تُتيح أدوات التحقق الرقمي للمستخدمين التأكد من صحة الأخبار بسهولة.
وذكرت أنّ تقنيات البحث العكسي عن الصور والفيديوهات، التي تساعد الأفراد في كشف التلاعب البصري، وهو أحد الأساليب الشائعة لنشر الشائعات، كما أنّ بعض المنصات الرقمية بدأت في إضافة تنبيهات وتحذيرات على الأخبار المشكوك في صحتها، مما يحدُّ من انتشارها.
وأشارت إلى أنّه بالرغم من وجود هذه الأدوات، لا تزال هناك عوامل تؤثر في تصديق الأفراد للشائعات، مثل التأثير العاطفي، حيث تعتمد الشائعات على إثارة المشاعر لجذب الانتباه، مما يجعل من الضروري تدريب الأبناء على التحكم في ردود أفعالهم العاطفية قبل تصديق أي معلومة. كما أنّ هناك استهدافًا متعمدًا لفئات معينة عبر الإعلانات المضللة والألعاب الإلكترونية التي تتضمن رسائل خفية، إضافة إلى الخوارزميات الرقمية التي تدفع بالمحتوى غير الموثوق للمستخدمين بناءً على اهتماماتهم.
وأكّدت على أهمية الجهود الوطنية في مكافحة الشائعات، إذ لا يمكن للأسرة وحدها مواجهة هذه الظاهرة، بل يجب أن يكون التصدي لها أولوية وطنية من خلال تكامل الجهود بين الجهات المختلفة.
وتقوم الجهات الحكومية، مثل مركز التواصل الحكومي، بمتابعة ما يتمُّ تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل القضايا التي تشغل الرأي العام، مما يمكّن الجهات المختصة من الرد وإصدار البيانات الرسمية لتوضيح الحقائق.
وأفادت بأنه في هذا السياق، جاءت التوجيهات السامية بعقد الحلقة التطويرية "نحو إطار وطني للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي"، التي نظمتها وزارة الإعلام مع عدد من الجهات وتهدف إلى مواجهة التحديات الرقمية في تربية الأبناء، وتعزيز الوعي المجتمعي حول الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وضع سياسات واستراتيجيات تعكس احتياجات المجتمع، بما يتماشى مع أهداف "رؤية عُمان 2040" في بناء مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على التعامل مع المعلومات بذكاء.
ورأت أنّ التصدي للشائعات لا يجب أن يكون رد فعل فقط، بل يحتاج إلى جهود وقائية من خلال إدراج التربية الإعلامية ضمن المناهج الدراسية، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في نشر ثقافة التحقق من الأخبار. كما أن إطلاق أنشطة شبابية وبرامج توعوية يسهم في إشغال الأفراد بفعاليات هادفة تقلل من تعرضهم للمحتوى المضلل.
وأكّدت الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية على أنّ مواجهة الشائعات تتطلب تكاملًا بين الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والجهات الحكومية، والإعلام، إذ إنّ تعزيز الوعي الرقمي، وتطوير الأدوات التقنية، وتنفيذ استراتيجيات وطنية سيضمن بناء مجتمع قادر على التعامل مع المعلومات بذكاء وتحليل، مما يحصنه ضد التضليل الإعلامي، ويمكّن الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة في عالم رقمي سريع التغيُّر.
وفيما يتصل بدور الإعلام في توعية الجمهور حول الشائعات، يُشير الأستاذ الدكتور حسني نصر أستاذ الصحافة والنشر الإلكتروني بجامعة السُّلطان قابوس إلى أنّ وسائل الإعلام تؤدي دورًا مزدوجًا في نشر الشائعات وفي دحضها ونفيها، ومع ذلك يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بدور محوري في توعية الجمهور حول الشائعات من خلال نشر التوعية الإعلامية، وتقديم برامج وحملات تثقيفية توضح كيف يمكن للجمهور تمييز الشائعات من المعلومات الصحيحة، واستخدام أدوات التحقق من المعلومات (Fact-Checking) ونشر نتائجها للجمهور.
وقال: إنّ وسائل الإعلام تُسهم أيضًا في تعزيز الشفافية عبر الإفصاح عن مصادر المعلومات وطريقة الحصول عليها وإسناد كل معلومة إلى مصدرها، بالإضافة إلى الاستعانة بمتخصّصين وخبراء في مجالات مختلفة لتحليل المعلومات وتوضيح مدى صحتها، وتقديم نصائح للجمهور حول كيفية تحليل المعلومات والبحث عن المصادر الموثوق بها، وفي هذا الجانب توجد مبادرات عربية رائدة في هذا المجال لدحض وتفنيد الشائعات على شبكات التواصل الاجتماعي.
وحول مسؤوليات الصحافة في تقديم معلومات دقيقة وموثوق بها، يؤكّد على أنّ الصحافة تتحمل مسؤوليات كبيرة في تقديم معلومات دقيقة وموثوق بها، إذ يأتي على رأسها التحقق من المعلومات والتأكد من صحة الأخبار قبل نشرها من خلال مقارنتها بما تقدمه مصادر أخرى.
وبيّن أنّ المسؤولية الكبيرة للصحافة في تقديم الأخبار بموضوعية ودون تحيز أو تضليل، ومراعاة عرض جميع جوانب القصة الصحفية وإتاحة الفرصة لجميع أطرافها للمشاركة في رواية القصة. مؤكّدًا على ضرورة الابتعاد عن استخدام المصادر المجهولة ونسبة المعلومات لصادرها مع الحفاظ على سرية المصادر التي توفر معلومات حساسة، بعد التأكد من مصداقيتها.
ووضّح أنّ الصحافة تقع عليها مسؤولية التصحيح الفوري للمعلومات الخاطئة، إذا اكتشفت أنها نشرت معلومات غير صحيحة، وعليها إظهار التزامها بالأخلاقيات الراسخة لنصوص مواثيق الشرف المتعارف عليها لمهنة الصحافة، واحترام المبادئ الأخلاقية للصحافة، مثل الصدق والنزاهة والموضوعية والتوازن والمسؤولية الاجتماعية.
وحول التحدّيات التي تواجه الصحفيين في التحقق من المعلومات في عصر المعلومات السريعة، قال: إنّ هناك عدّة تحدّيات في عصر المعلومات السريعة التي تواجه الصحفيين أهمها سرعة نشر الأخبار والمعلومات على مختلف المنصات الإعلامية، وصعوبة التحقق من صحتها في وقت قصير بسبب رغبة الصحف في تحقيق السبق الصحفي والتنافسية العالية التي تواجهها من المنصات الإعلامية الأخرى.
ولفت إلى أنّ من بين التحدّيات كثرة عدد المصادر ووجود عدد هائل من المصادر غير الموثوق بها على شبكة الويب، مما يجعل عملية التحقق من صحة المعلومات أكثر تعقيدًا ويرتبط بذلك الانتشار الكبير للأخبار الكاذبة والمضللة التي يتمُّ تداولها بسرعة عبر وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، وعدم توفر الوقت الكافي أو الأدوات اللازمة للتحقق من كل معلومة بشكل دقيق.
وبيّن الأستاذ الدكتور حسني نصر أنّ تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الجمهور من خلال التوعية الإعلامية للجمهور عبر تقديم برامج تُعلمه كيفية تحليل المعلومات والتحقق من صحتها، وتدرّبه على قراءة الأخبار بعين ناقدة، والبحث عن المعلومات من مصادر متعددة، وتقديم حلقات عمل أو دورات تدريبية حول كيفية استخدام أدوات التحقق من المعلومات، والتوعية بآليات عمل وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تسهم في انتشار الشائعات كما يمكن من خلال التعاون مع المؤسسات التعليمية إدراج مناهج تعليمية في المدارس والجامعات تُعنى بالتربية الإعلامية.