بوابة الوفد:
2024-09-15@01:55:16 GMT

كيف ننخدع بالزن على الآذان؟

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

ما الفارق بين نابليون وهتلر؟ توسع كلاهما على حساب الجيران، وافتعلا نزاعات كاذبة لاحتلال أراضى الغير واستعباد الشعوب، وصناعة أمجاد كاذبة على جثث ضحايا أبرياء، سُحقت عظامهم، ونُكل بهم تحت مبررات عديدة، تارة باسم الضرورة، وتارة باسم تهوين كل شيء فى سبيل غايات عُظمى.

عاش نابليون واحدًا وخمسين عاما، بينما عاش هتلر ستًا وخمسين عاما، وتركا كلاهما تاريخا وأحداثا جسامًا، مازالت محل بحث ودراسة.

صحيح أن نابليون تميز بكفاءة عسكرية عظيمة جعلته يحصل على رتبة جنرال وهو فى الرابعة والعشرين من عمره، وربما كان ذكيا وماكرا ولماحا، لكنه مثل هتلر فى قسوته وبشاعته واستحلال دماء البشر، واستعبادهم.

كان كلاهما طاغية، مستبدًا، يعشق الدماء، ويتلاعب بالأخلاق والقيم فى سبيل مجده الشخصي، الذى يتصور أنه هو ذاته مجد وطنه.

لا ينسى المؤرخون الجدد فى أوروبا أن نابليون مع كل الاحتفاء الفرنسي، والأوروبى به خلال العقود الماضية، هو الذى أصر على إعادة العبودية إلى فرنسا بعد عقدين من إلغائها.

ولا ننسى نحن – أهل الشرق – أن نابليون الذى غزا مالطة ومصر والشام ارتكب فى يافا سنة 1799 مذبحة بشعة تمثل عارا إنسانيا لا يُمكن محوه أبدا. لقد ذكر لنا المؤرخون أن القائد الفرنسى مضرب الأمثال فى الفروسية والشجاعة حاصر بقواته مدينة يافا لعدة أيام، ثُم دعا أهلها وجنودها إلى التسليم، وأرسل إليهم رسلا بذلك، وبعد مشاورات ومفاوضات قبلت حامية المدينة التسليم مع حصولهم على الأمان. ووافق نابليون ظاهريا، لكن الجميع بمن فيهم الفرنسيون أنفسهم فوجئوا به يأمر باعدام الأسرى الذى يقارب عددهم ثلاثة آلاف شخص.

يصف كريستوفر هارولد، فى كتابه «نابليون فى مصر» ترجمة فؤاد اندراوس، بعض جوانب المذبحة، نقلا عن أحد الجنود الفرنسيين فى خطاب أرسله لأهله، إذ يقول إن الأسرى استسلموا بسلامة نية، وتم اقتيادهم نحو البحر، ورصوا صفا خلف آخر، ثم أطلق الفرنسيون عليهم النار، وقفز من حاول الفرار فى الماء، لكن الرصاص لاحقهم ليصطبغ البحر باللون الأحمر.

وبالنسبة للأطفال والمدنيين، فقد تركوا يومين دون طعام، ثُم صدرت الأوامر باعدامهم مع التأكيد على عدم الاسراف فى الذخيرة المستخدمة، لذا اضطر الجنود الفرنسيون إلى اعدام معظمهم بحراب بنادقهم، وهو ما جعل الشاهد الفرنسى يقول لأهله «إن هذا العار سيطاردنا آجلا أم عاجلا».

كانت هذه بعض ممارسات السفاح نابليون، الذى حاولت آلة الدعاية الفرنسية الترويج له باعتباره مقاتلا شجاعا وفارسا نبيلا وقائدا عظيما. وللأسف تلقفت الذهنية العربية الصورة كما هى واعتبرته نموذجا فذا للعبقرية العسكرية.

لكن ما ينبغى الإشارة إليه الآن بروية ونظرة ثاقبة هو أن مذبحة يافا تمثل نموذجا واضحا للانحطاط الإنسانى والتجرد من أى أخلاق وقيم، وهو ذاته ما شهدناه وعرفناه مع أدولف هتلر ومع غيره من المستبدين المهووسين بالدم فى ربوع الأرض.

وإذا كانت الدعاية الفرنسية قد احتفت بانتصارات قائدها التاريخي، ورسمت صورة أسطورية له تقدمه كقدوة للأجيال الجديدة، فهو معشوق النساء، ومحب الفنون، والرجل الذكى الوسيم. فإن ألمانيا المنهزمة فى الحرب العالمية الثانية، تبرأت من مذابح وحشها المهووس هتلر، وتنكرت لانتصاراته، وغضت الطرف تماما عن كل مبالغات الدعاية المعاكسة التى نفذها المنتصرون تجاه المُنهزم.

وهذا درس مهم يجب تعلمه عند قراءة الماضى.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد نابليون وهتلر

إقرأ أيضاً:

مفهوم الفكر الواقعى المعاصر

يمكننا إن جاز لنا أن نقدم تعريفا للفكر الواقعى المعاصر بأنه المعايشة للواقع بكل متغيراته ومستجداته معايشة حقيقية عن طريق فهمه فهما صحيحا وتعمقه تعمقا دقيقا واحتوائه بكل ما فيه على ما فيه، لا فهما سحطيا هامشيا، لماذا ؟!.
بغية الانطلاق إلى الأمام، أصحابه استشعروا الخطر الذى يداهمهم، أدركوا أن ثم ثورة علمية تعتمد على المنهجية التجريبة التى قوامها خطوات البحث العلمى المنظم، الذى يحدد الظاهرة محل الدراسة ثم تصنيف هذه الظواهر، وجمع المعلومات عنها، وفرض الفروض والتحقق من صحة الفروض إلى أن نصل إلى القانون العام الذى تبنى عليه دعائم النظرية العلمية التى تثرى واقعنا المعيش.
فالمفكر المعاصر هو الذى يسعى سعيا حثيثا إلى إثبات شخصيته البحثية على كافة المستويات.
المفكر الواقعى نصير الواقعية الحقة هو الذى يكون مهموما بقضايا مجتمعه يمد يده إلى تراث أجداده، ويغوص فى بطون هذا التراث ليوظفه لخدمة واقعه الذى يحياه.
المفكر الواقعى هو الذى لا يتقوقع حول النص ويقول قال فلان، وقال فلان، لا، يقول ها أنا ذا، هذا هو رأيى أقوله فى هذه القضية، قد أخطأ مرات عديدة، وأصحح خطأى مسترشدا مستنيرا بما تعلمته من أساتذتى دونما تقمص وتقليد أعمى لهذا الأستاذ.
المفكر الواقعى هو الذى ينبغى عليه أن يكون متسلحا بأدواته المعرفية التى تقيه من الوقوع فى الزلل والخطأ.
المفكر الواقعى هو الذى يبحث وينقب عن كل ما يفيد حياته ومجتمعه.
إن نهضة الأمة أى أمة لا تكون عن طريق التقليد الأعمى والتبعية، إن نهضة الأمم تبنى وتقوم على عقول مفكريها.
إن النهضة الشاملة والتنمية المستدامة التى هى حديث العصر، لا تتحقق إلا من خلال النظرة المستقبلية واستشراف المستقبل.
وهذا ما يتم الآن فى بلدنا الحبيب مصر ووطننا العربى، الانفتاح على ثقافات الغرب، ليس الغرب وحسب بل كل الثقافات من أجل ماذا؟!، من أجل إتاحة الفرص لبناء دولة مدنية عصرية تواكب التقدم التقنى والعلمى والذكاء الاصطناعى، دونما إفراط بمعنى انغماس كلى فى مادية مسرفة وأنانية مفرطة، ولا تفريط فى قيمنا ومقدراتنا.
وإنما عن طريق وسط عدل محمود لا يحيد ولا يميد عن بغيته وهدفه وهو فك رموز هذه الشفيرة، كيف نحقق المعاصرة دون إهدار لأصالتنا.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
 

مقالات مشابهة

  • على هامش المناظرة
  • بابا الفاتيكان عن مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية: «كلاهما ضد الحياة»
  • "يافا نصير".. أم دلها على رفات نجلها "" فتشبثت به لتحمله مرتين
  • "يافا نصير".. أم دلها على رفات نجلها "رؤيا" فتشبثت به لتحمله مرتين
  • "يافا نصير".. أم دلها على رفات نجلها "حُلم" فتشبثت به لتحمله مرتين
  • علوم‭ ‬مصر‭ ‬المنهوبة
  • مفهوم الفكر الواقعى المعاصر
  • هيئة الانتخابات الرئاسية التونسية تحدد إجراءات متابعة وسائل الدعاية الإلكترونية والوسائط الإشهارية
  • الفلاح المصرى عصب مصر
  • فقه المصالح!