كيف ننخدع بالزن على الآذان؟
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
ما الفارق بين نابليون وهتلر؟ توسع كلاهما على حساب الجيران، وافتعلا نزاعات كاذبة لاحتلال أراضى الغير واستعباد الشعوب، وصناعة أمجاد كاذبة على جثث ضحايا أبرياء، سُحقت عظامهم، ونُكل بهم تحت مبررات عديدة، تارة باسم الضرورة، وتارة باسم تهوين كل شيء فى سبيل غايات عُظمى.
عاش نابليون واحدًا وخمسين عاما، بينما عاش هتلر ستًا وخمسين عاما، وتركا كلاهما تاريخا وأحداثا جسامًا، مازالت محل بحث ودراسة.
صحيح أن نابليون تميز بكفاءة عسكرية عظيمة جعلته يحصل على رتبة جنرال وهو فى الرابعة والعشرين من عمره، وربما كان ذكيا وماكرا ولماحا، لكنه مثل هتلر فى قسوته وبشاعته واستحلال دماء البشر، واستعبادهم.
كان كلاهما طاغية، مستبدًا، يعشق الدماء، ويتلاعب بالأخلاق والقيم فى سبيل مجده الشخصي، الذى يتصور أنه هو ذاته مجد وطنه.
لا ينسى المؤرخون الجدد فى أوروبا أن نابليون مع كل الاحتفاء الفرنسي، والأوروبى به خلال العقود الماضية، هو الذى أصر على إعادة العبودية إلى فرنسا بعد عقدين من إلغائها.
ولا ننسى نحن – أهل الشرق – أن نابليون الذى غزا مالطة ومصر والشام ارتكب فى يافا سنة 1799 مذبحة بشعة تمثل عارا إنسانيا لا يُمكن محوه أبدا. لقد ذكر لنا المؤرخون أن القائد الفرنسى مضرب الأمثال فى الفروسية والشجاعة حاصر بقواته مدينة يافا لعدة أيام، ثُم دعا أهلها وجنودها إلى التسليم، وأرسل إليهم رسلا بذلك، وبعد مشاورات ومفاوضات قبلت حامية المدينة التسليم مع حصولهم على الأمان. ووافق نابليون ظاهريا، لكن الجميع بمن فيهم الفرنسيون أنفسهم فوجئوا به يأمر باعدام الأسرى الذى يقارب عددهم ثلاثة آلاف شخص.
يصف كريستوفر هارولد، فى كتابه «نابليون فى مصر» ترجمة فؤاد اندراوس، بعض جوانب المذبحة، نقلا عن أحد الجنود الفرنسيين فى خطاب أرسله لأهله، إذ يقول إن الأسرى استسلموا بسلامة نية، وتم اقتيادهم نحو البحر، ورصوا صفا خلف آخر، ثم أطلق الفرنسيون عليهم النار، وقفز من حاول الفرار فى الماء، لكن الرصاص لاحقهم ليصطبغ البحر باللون الأحمر.
وبالنسبة للأطفال والمدنيين، فقد تركوا يومين دون طعام، ثُم صدرت الأوامر باعدامهم مع التأكيد على عدم الاسراف فى الذخيرة المستخدمة، لذا اضطر الجنود الفرنسيون إلى اعدام معظمهم بحراب بنادقهم، وهو ما جعل الشاهد الفرنسى يقول لأهله «إن هذا العار سيطاردنا آجلا أم عاجلا».
كانت هذه بعض ممارسات السفاح نابليون، الذى حاولت آلة الدعاية الفرنسية الترويج له باعتباره مقاتلا شجاعا وفارسا نبيلا وقائدا عظيما. وللأسف تلقفت الذهنية العربية الصورة كما هى واعتبرته نموذجا فذا للعبقرية العسكرية.
لكن ما ينبغى الإشارة إليه الآن بروية ونظرة ثاقبة هو أن مذبحة يافا تمثل نموذجا واضحا للانحطاط الإنسانى والتجرد من أى أخلاق وقيم، وهو ذاته ما شهدناه وعرفناه مع أدولف هتلر ومع غيره من المستبدين المهووسين بالدم فى ربوع الأرض.
وإذا كانت الدعاية الفرنسية قد احتفت بانتصارات قائدها التاريخي، ورسمت صورة أسطورية له تقدمه كقدوة للأجيال الجديدة، فهو معشوق النساء، ومحب الفنون، والرجل الذكى الوسيم. فإن ألمانيا المنهزمة فى الحرب العالمية الثانية، تبرأت من مذابح وحشها المهووس هتلر، وتنكرت لانتصاراته، وغضت الطرف تماما عن كل مبالغات الدعاية المعاكسة التى نفذها المنتصرون تجاه المُنهزم.
وهذا درس مهم يجب تعلمه عند قراءة الماضى.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد نابليون وهتلر
إقرأ أيضاً:
ترامب.. الوقاحة أعيت من يداويها
لكل داءٍ دواء يستطاب به، إلا الوقاحة أعيت من يداويها... قالها أبوالطيب المتنبى منذ عقود وأتذكرها كلما فتحت شاشة التليفزيون وأشاهد رئيس أمريكا الجديد، الثور الهائج ترامب وما يقوم به من قرارات وتصريحات.. تتذكرون مقالى السابق الذى حمل عنوان «اللى فات حمادة واللى جاى حمادة تانى خالص» وشرحت فيه ما يمكن أن يهل به الرئيس الأمريكى الجديد، كنت أستشعر ما سيقوم به هذا الثور الهائج.
وها هو يطل علينا بسحنته الغريبة، ويتحرش بالمكسيك وكندا وكولومبيا ويفرض رسوما جمركية على أوروبا، ويهدد مجموعة البريكس، وانسحب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، وأخيرًا تصريحاته الأخيرة بشأن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، هذا الرجل الذى أصابه الخرف خطر على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، الدولة القوية التى من المفترض أن تقود العالم، وتتغنى بحقوق الإنسان واحترام الآخر، وهو ما ينص عليه إعلان الاستقلال الأمريكى، هذا الرجل يبدد جميع الأعراف والمواثيق الدولية، وآخرها دعوته لتهجير وطرد الفلسطينيين ويهدد السلم العالمى.
«العب غيرها»
مصر دولة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، قهرت الهكسوس والتتار والصليبيين ومازالت منذ سبعة آلاف عام صامدة بحضارتها وقيمها التاريخية، لا تتخيل أن تأتى أنت من وراء المحيطات لترضخها، أو تملى عليها، ودعنى أقل لك «العب غيرها»، وفى مشهد عظيم استيقظ العالم صبيحة الجمعة الماضي على مشهد وصورة عظيمة للمصريين أمام معبر رفح الحدودى، جاءوا من كل حدب وصوب من جميع المحافظات، رافضين مخططات التهجير القسرى للفلسطينيين على قلب رجل واحد، خلف القيادة السياسية.
قدموا تفويضا على بياض للرئيس عبدالفتاح السيسى لاتخاذ ما يراه مناسبًا من إجراءات كفيلة بالحفاظ على الأمن القومى المصرى.
«للمصريين»
أقول وبكل صدق وبالبلدى «ياما دقت على الرأس طبول»، مصر العظيمة تعرضت لمواقف أكبر، وأعظم مما يحدث الآن، ولن تستطيع قوة أن تكسرها أو تثنيها.. ويقودها قائد عظيم شجاع هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، أرسله الله عز وجل ليكون المنقذ والمخلص لها فى 30 يونيو، والآن هذا الرجل على موعد مع التاريخ، الذى سجل اسمه بحروف من نور فى سجلاته، بالحفاظ على القضية الفلسطينية، ومنع تفريغها، علينا أن ندرك أننا فى محنة والحل الوحيد هو الالتفاف والتوحد خلف القيادة السياسية، وأقسم لكم، لن تكسرنا أى قوة فى العالم لأن مصر هزمت الهكسوس والتتار والصليبيين والإسرائيليين، القائمة تطول، ولن تكسرها أى قوة ايا كانت.
«وللرئيس السيسى أقول»
جملة قولتها وهفضل أقولها سيادة الرئيس السيسى، عشنا معا انتصاراتنا وأزماتنا، وحققنا الإنجازات والأهداف، جنينا ثمار التنمية، وسنحقق المزيد والمزيد.
كلمتى لسيادتكم قولتها تحت قبة البرلمان فى مجلس الشيوخ، ومازلت أقولها فى كل مكان وزمان سيادة الرئيس «لن نقول لك كما قال اليهود لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن ها هنا قاعدون».. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن معكم مقاتلون أمامك وخلفك.
وللحديث بقية مادام فى العمر بقية
المحامى بالنقض
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ