يبحث أبو العبد (59) عامًا منذ ثلاثة أيام عن إمكانية تعبئة خزان المياه ذي سعة الألفين لتر لكن دون جدوي، فازدياد أعداد النازحين في منطقة مواصي خانيونس بعد النداءات المتكررة لإخلاء السكان مؤخرًا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لعدة مناطق منها شرق خانيونس، وشرق دير البلح ومخيم المغازي والبريج والزوايدة أحال دون استطاعه النازحين قسرًا الحصول على الماء بسهولة، بل يحتاج الأمر إلى سعى وجهد لتوفير الماء اللازم للحياة اليومية بالتزامن مع ارتفاع درجة حرارة الصيف.

"لقد أصبح الأمر صعبًا للغاية، كنت أتواصل مع إحدى الشاحنات التي كانت تجلب الماء مقابل سعر معين لملئ الخزان، لكنني الآن أحصل على الأمر بصعوبة بالغة، هذا الخزان يغطي احتياج خمس عائلات نازحة، منذ نزوحنا من مدينة رفح قبل ثلاثة أشهر قمنا بشراء الخزان لاستخدامه من أجل الاستحمام وغسل الأواني، نقتسم تكلفة تعبئته بين بعضنا البعض، لا ماء مجاني في مخيمات النزوح، لكنني اليوم ومنذ ثلاثة أيام لا أستطيع شراء لتر واحد من الماء لعدم توفره، فأصبحت أستخدم مياه البحر عوضًا عن ذلك، املأ جالونات الماء وأجلبها إلى الخيمة لاستخدامها من البحر مباشر، بينما أواصل البحث عن إمكانية الحصول على الماء الحلو".

ثم تابع قائلًا: "بالنسبة لمياه الشرب فنحن عائلة مكونة من خمسة عشر فردًا نحتاج إلى شراء ماء صالح للشرب كل يومين أي ما يقارب الـ(30) عبوة بمبلغ 36 دولارًا تقريبًا، رغم أن هذا الأمر يشكل استنزافا ماديا إلا أن انتشار الأمراض المعدية والأوبئة أجبرنا على شراء مياه الشرب في ظل عدم توفر الأدوية في النقاط الطبية المنتشرة بين خيام النازحين".

أما السيد تيسير عبيد فقد دون عبر صفحته على الفيس بوك معبرًا عن معاناة النازحين قائلًا: "معظم الذين يسكنون الخيام. أصبحوا يشعرون بآلام غريبة تتسرب إليهم. بعضها نفسي، والآخر جسدي. أو هما معا من هذه الشكاوى غير الوحيدة. آلام متناوبة تصيبهم في الكلى. الشكوى التي تكاد أن تكون مشتركة بينهم جميعًا، بعضهم فسرها بأنها بسبب المياه الملوثة التي يشربونها يوميًا، ويحصلون عليها بالكاد وبالطوابير وبشق الأنفس، أحيانًا تأتي بطعم السولار أو الزيت، ولو عرضتها في ضوء الشمس سترى أجسامًا بيضاء أو سوداء تسبح فيها، أو لونها يميل إلى الصفرة، لكن لا يوجد غيرها، والجميع مضطر لشربها، وإلا فسيموت من العطش".

أما الصحفي أيمن العمريطي الموجود في شمال قطاع غزة فقال: "يضطر الأطفال لسحب جالونات المياه الثقيلة تحت أشعة الشمس الحارقة عدة كيلومترات في ظل شوارع أصبحت ترابية ومهدمة وقد يتساءل البعض أين آباؤهم لتولي هذه المهمة؟" أجاب عن سؤاله موضحًا "للأسف عشرات الآلاف من الأطفال أصبحوا أيتامًا إما فقدوا آباءهم أو أبعدوا عنهم قسرًا بالجنوب أو تم اعتقالهم، لذا يتولى هؤلاء الصغار مهمات أكبر من مسؤولياتهم مما يجعلهم عرضة للخطر والأمراض، يتعرض شمال غزة لأكبر عملية تدمير للحياة فلم يعد هناك منابع ومحطات لتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب فضلا عن المجاعة الممنهجة".

لم يكن الحال أفضل بالنسبة لخديجة التي كانت عائدة للتو من إحدى النقاط الطبية الموجودة في مخيم النزوح، علامات التعب الواضحة على وجهها الثلاثيني كانت ترسم خطوطها وتبين مدى الهم والأسى الذي اعتراها من النزوح المتكرر والفقر المدقع الذي تعاني منه بعد وفاة زوجها إثر جلطة قلبية مفاجئة بعد أن نزح من مسقط رأسه بمدينة غزة "منذ أسبوع تقريبًا وأنا أحاول أن أداوي أبنائي بشراء المياه المعدنية، لعلها تنظف أمعاءهم بعدما فقدت الأمل بجميع الخدمات الطبية وقلة الأدوية وخطأ التشخيص، وإصابتهم بالنزلات المعوية المتكررة، قيء وإسهال وانتشار للأمراض الجلدية وضعف ووهن أصاب أجسادهم الصغيرة". وعن سؤالي لها عن مدى توافر المياه في مخيمات النزوح قالت: "أجد صعوبة بالغة في الحصول على الماء النظيف، كما أجد الصعوبة ذاتها في شراء الجالونات غير المتوفرة في الأسواق، في بعض الأحيان لا أجد مياه لاستحمام أطفالي بالتزامن مع حر الصيف والتعرق الذي يصيبهم بسبب وجودهم داخل الخيام".

كانت تطبطب على طفلها الصغير وهي تتساءل "لماذا ما زال العالم صامتًا أمام ما يحدث من إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية في قطاع غزة، أيعقل أن تبقى الحرب مستمرة دون إيقافها بعد أن شارفت على العام من حدوثها!؟ ".

لم يكن حال أبوجاد أفضل وهو رجل أربعيني يعاني من آلام حادة في عموده الفقري حالت بينه وبين قدرته على نقل الماء بعد أن تهدم بيته في حي الأمل بخانيونس فلجأ للعيش في أحد مخيمات النزوح، لديه أربعة أطفال صغار ما اضطره إلى محاولة إيجاد حل لمشكلة شُح الماء في المخيم "لقد قمت بالاستعانة بأحد المزارعين لحفر بئر صغيرة، ما يميز منطقة مواصي خانيونس تواجد الماء على عمق امتار قليلة ما يعرف بين المزارعين بماء (النزاز) لونه أصفر به بعض الشوائب لذلك يُستخدم فقط للغسل والاستحمام وغسل الأواني ولا يستخدم للشرب، لقد أجبرني الوضع على ذلك، لكنني ما زلت أقوم بشراء مياه الشرب المعدنية من أحد الأماكن القريبة من مخيم النزوح".

وبسبب استمرار المعاناة وقصف الآبار المتعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عقد اتحاد بلديات شمال غزة (بلدية بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا) مؤتمرًا صحفيًا في مخيم جباليا.

تم الحديث فيه عن التدمير الذي أصاب قطاع المياه جاء فيه: "تم تدمير أكثر من مليون ونصف متر مربع من الطرق والشوارع، كما دُمر 35 بئر مياه و 5 مضخات صرف صحي رئيسية، إضافة إلى تدمير 77 آلية نفايات وآليات ثقيلة وتدمير محطة التحلية الرئيسية التي تخدم شمال ومدينة غزة ودمر 57 مولد كهرباء يستخدم لتشغيل الآبار والمضخات، هناك تراكم نحو 60 ألف طن من النفايات في الشوارع بالإضافة إلى تدمير كامل لقطاع النقل والمواصلات".

وقد أكد اتحاد بلديات شمال غزة ونحن على مشارف قدوم فصل الشتاء ومعظم شبكات مياه الأمطار وشبكات الصرف الصحي مدمرة وهذا سيسبب غرق كثير من المناطق السكنية وخصوصا مخيم جباليا الذي يغرق كل عام بسبب اهتراء الشبكات وعدم قدرتها على استيعاب الكميات الواردة لمضخة أبو راشد المركزية وكذلك منطقة بيت لاهيا الشارع العام بعد تدمير المضخة الرئيسية للمدينة في مشروع بيت لاهيا.

بدورها صرحت المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، نبال فرسخ قائلة: "رصدنا أكثر من مليون إصابة بالأمراض المعدية في قطاع غزة خاصة التهاب الكبد الوبائي ولدينا مخاوف من انتشار مرض الكوليرا بسبب المياه الملوثة".

أما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا فقد كان لها تصريح يوضح حجم الكارثة التي أصابت منظومة المياه في قطاع غزة من جراء الحرب جاء فيه "بسبب العمليات العسكرية المستمرة في دير البلح، وسط قطاع، لا تزال ثلاث آبار مياه فقط من أصل 18 بئرًا في المنطقة تعمل، مما أدى إلى نقص في المياه بنسبة 85٪".

ومع استمرار الحرب في قطاع غزة أصبح المدنيون يعيشون في حالة خوف دائم على حياتهم، بل إنهم أيضًا يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية.

كما صرحت الكثير من المؤسسات المحلية والدولية بأن الوضع على الأرض كارثي يومًا بعد يوم، مما أجبر العائلات على التنقل من مكان إلى آخر تحت سماء مليئة بالقنابل والضربات الجوية المتكررة.

فيما كان تصريح وزارة الصحة الفلسطينية بغزة يفيد أنه مع بدء دخول مستلزمات حملة التطعيم ضد مرض شلل الأطفال إلى قطاع غزة، فإن وزارة الصحة تؤكد على ما يلي:

"ضرورة وقف إطلاق النار لإنجاح الحملة، إن حملة التطعيم لن تكون مجدية لوحدها في ظل عدم توفر المياه الصحية، ومستلزمات النظافة الشخصية وانتشار مياه الصرف الصحي بين خيام النازحين، وفي ظل عدم توفر بيئة صحية سليمة".

فيما صدر تصريح عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جاء فيه "إن التعطيش وتدمير وتقليص مصادر المياه من أسلحة إسرائيل في جريمة الإبادة وفرض المجاعة في قطاع غزة". فيما أشار المرصد إلى أن "التقديرات تشير إلى أن حصة الفرد في قطاع غزة من المياه قد تراجعت بنسبة 97% منذ أكتوبر فيما انخفضت حصة الفرد الواحد من المياه في غزة إلى ما بين 3-15 لترا يوميا في ظل الحرب".

إن المعاناة العميقة التي يتحمّلها المدنيون الأبرياء في غزة نتيجة حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة تؤكد ضرورة التدخل الدولي الفوري للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لوقف جرائم حربها الإبادية بما في ذلك منعها لتدفق المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها بوجود 2.3 مليون مواطن فلسطيني محاصر في غزة بالتزامن مع شح المياه ونقص الإمكانيات التي من شأنها أن تعمل على إصلاح ما تضرر من آبار المياه.

*كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی قطاع غزة فی مخیم فی غزة

إقرأ أيضاً:

مركزية فتح : أمراء الحرب في غزة شركاء الاحتلال وهذه رسالتنا للتجار

استنكرت اللجنة المركزية لحركة "فتح" اليوم الخميس 21 نوفمبر 2024 ، استمرار الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة المعلنة على الشعب الفلسطيني وتصاعد وتيرتها إثر استخدام إدارة الرئيس الأميركي المنصرف جو بايدن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أمس، وهو ما سيفسح المجال لإسرائيل لتصعيد هجماتها واستلام شحنات إضافية من السلاح الثقيل لاستكمال مخططاتها.

وأكدت "مركزية فتح" أن تجويع الأهل في غزة إنما يشكل فصلا فاضحا من فصول تلك الإبادة، بالتعاون مع من ارتضى لنفسه التقاطع مع رغبات الاحتلال من تجار الحرب في قطاع غزة، الذين يعملون وبالتنسيق مع قوات الاحتلال على الاستيلاء على شاحنات المساعدات تحت تهديد السلاح وإعادة بيعها وبأسعار خيالية تفوق قدرة الأهل على تحملها، وهو ما يجعل هؤلاء التجار بمثابة اليد الثانية التي تحارب قطاعنا المكلوم.

ودعت كل التجار المزودين للقطاع بالاحتياجات اللازمة، والمنظمات المحلية والدولية وأولئك الذين يقتطعون بعض المال بنسب متفاوتة لقاء العديد من المعاملات المالية، إلى الحذر الشديد من الدفع بهم نحو الوقوع في مغبة هكذا أفعال تضعهم في مواجهة مباشرة مع الشعب الفلسطيني، وهو ما سيقود إلى تعالي الأصوات باتجاه تعليق تراخيص العمل لتلك الشريحة من الأفراد والمؤسسات المسجلة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية والعاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ودعت "مركزية فتح" كوادر الحركة في قطاع غزة ومن خلال تكاتفهم المجتمعي، إلى فضح تلك الممارسات، وتعرية فاعليها، ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه أن يكون شريكا مع المحتل في الضغط على الأهل في غزة من خلال قوتهم وأبسط احتياجاتهم اليومية، بغرض تحقيق الهدف المنشود الذي تسعى إليه حكومة نتنياهو المتطرفة وأعوانها من تجار الحرب لإعادة احتلال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين وشطب هويتهم وإجهاض الحق الفلسطيني في دولته المستقلة.

وأكدت اللجنة المركزية في ذات السياق، التزام حركة "فتح" بحوارات المصالحة، داعية الفصائل الفلسطينية قاطبة إلى القيام بدورها وتكثيف جهودها للعمل على إنجاز الوحدة الوطنية التي طال انتظارها، وذلك لتفويت الفرصة على الاحتلال ومشاريعه وتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من إنقاذ المشروع الوطني وحماية الأهل في كل أماكن تواجدهم والبدء في إعادة إعمار قطاع غزة.

وأدانت المركزية الاقتحامات اليومية لقوات الاحتلال لكافة مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية والتهويد الممنهج للقدس واعتداءات المستوطنين المتواصلة، معتبرة ذلك بمثابة محاولات يائسة تسعى من خلالها حكومة التطرف الإسرائيلي إلى استكمال مسلسلها الإجرامي الهادف إلى تركيع الشعب الفلسطيني وتهجيره.

المصدر : وكالة سوا

مقالات مشابهة

  • اليمن: لا سلام مع استمرار هجمات الحوثي ضد المدنيين والملاحة الدولية
  • مركزية فتح : أمراء الحرب في غزة شركاء الاحتلال وهذه رسالتنا للتجار
  • استمرار الإبادة والمجازر وحرب التجويع منذ 48 يومًا شمالي قطاع غزة
  • خليل الحية: نبحث في كافة الأبواب والطرق التي يمكن من خلالها وقف العدوان
  • مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار لإنهاء الحرب في غزة
  • الدفاع المدني بغزة: مراكز النزوح والإيواء في القطاع لا تصلح للحياة
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف بعبوة ناسفة دبابة ميركافا للاحتلال الإسرائيلي في حي القصاصيب وسط مخيم جباليا شمال قطاع غزة
  • شركة مياه الإسكندرية تشن حملة لإزالة التعديات على شبكات المياه في أبو قير
  • حكومة الانقلاب: ترحيب حار بفشل حماية المدنيين ووقف الحرب
  • الإمارات: إنهاء الحرب السبيل الأمثل لحماية المدنيين السودانيين