لجريدة عمان:
2025-02-16@13:14:47 GMT

نساء غزة.. صمود نادر في مواجهة قسوة الحياة

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

ليس مع الاضطرار اختيار، المرأة في غزة لم تمنحها الحرب أي خيارات، بما تتركه من تداعيات وما تخلفه من معاناة.

حالة النزوح المتواصل على مدار 11 شهرا من الحرب على غزة تركت الناجين من القصف في حالة من الإرهاق النفسي والبدني والمادي.

الظروف القاهرة التي أفرزتها الحرب دفعت النساء الفلسطينيات في غزة إلى العمل في مهن شاقة لإعالة أسرهن والتغلب على حالة الفقر المدقع التي طالت الجميع في القطاع البائس.

آلاف النساء في القطاع الحزين وجدن أنفسهن بلا عائل، بل على العكس من ذلك تحولن إلى عوائل لأسر كبيرة وهو ما فرض عليهن أدوارا اجتماعية جديدة في إعالة الأسرة والأبناء، وحمايتهم وتوفير الطعام والغذاء لهم الأمر الذي جعلهن يقمن بأعمال شاقة لا تناسب طبيعة المرأة.

أمام فرن مصنوع من الطين تجلس حسنية خالد من بيت حانون شمالي القطاع لتصنع الخبز لتوفير المال اللازم لشراء حاجيات أسرتها الكبيرة بعد أن أنهكها النزوح واستقر بها المقام في خان يونس جنوبي قطاع غزة.

تقول لـ«عُمان» خلال حديثها: «من أول نزوح وثاني نزوح عملت في هذا العمل الشاق، مع أولادي، لكسب الرزق الحلال، اشتغلت بهذا العمل لأنه عمل شريف، وزوجي بقي في منزلنا في الشمال، فإذا لم أعمل فمن من يصرف علينا؟ تعبنا».

وتضيف: «واحدة من بناتي استشهد زوجها، والآن أنا أعيلها، وعائلتي كبيرة تتكون من ٢١ شخصا، وتحتاج إلى مصاريف كثيرة».

كلمات حسنية ذات السبعة وأربعين عاما تكشف حجم المأساة التى سببتها الحرب من تمزيق للأسر واستشهاد آلاف الرجال والنساء والأطفال وعمليات تهجير قسري ومجازر جماعية وممارسات تستهدف كل مقومات الحياة.

النزوح المتكرر جعل الأسر لا تقوى إلا على حمل القليل من أمتعتها. كما أن العدوان الذي دمر أكثر من 75% من منازل غزة وأفقد السكان ممتلكاتهم وقبلها أحبتهم -هذا العدوان- غير من موقع المرأة في غزة، وفرض عليها أدوارا جديدة باتت مجبرة على التأقلم معها وهو ما غيّر الصورة النمطية عن عمل المرأة الفلسطينية.

كفاح من أجل البقاء ترويه حسنية يبدأ مع الصباح الباكر بتجهيز العجين وتقطيعه وخبزه تحت شمس حارقة ونيران احتلال لا يرحم فضلا عن نيران الفرن المستعرة.

طموحها في الحياة بات محدودا حيث لا ترغب سوى في خيمة تسترها وأفراد أسرتها بعد أن أتى النزوح على ما كانوا يملكون، وفروا من شمال القطاع إلى جنوبه لا يلوون على شيء؛ لتصنع الخبز ليأخذه أبناؤها ليبيعوه بما تحمله عملية تسويقه من مخاطرة كبيرة.

تقول حسينة: «أريد مالا لأشتري خيمة؛ لنستر حالنا، هذا حرام نحن جالسون في العراء، تخيلوا أرسلت ابني في الخطر يبيع الخبز، لكي نشتري قطعة نايلون وخشبتين لننصب خيمة».

شظف العيش وصعوبة الحصول على الحد الأدنى من الطعام دفع فاطمة عبدالرحمن التي نزحت من غزة إلى خان يونس إلى تحويل صناعة الخبز في فرنها الطيني إلى مهنة تتكسب منها لافتة إلى ما تتكبده من مشقة بدءا من الحصول على الحطب والخشب اللازم لإحماء الفرن.

وتضيف: «نشتري كيلو الحطب بـ 5 دولارات، لا يوجد بديل، الحياة غالية، كيلو البندورة بـ ٣ شيكل».

اضطرت كثير من نساء غزة إلى فراق عوائلهن أو عن بعض من أبنائهن الذين ظلوا في المناطق المحاصرة أو في مناطق الشمال، مع انقطاع سبل التواصل معهم، وإمعانا في حجم المعاناة النفسية التي تتكبدها النساء في غزة تتذكر فاطمة التي تبلغ من العمر 60 عاما كيف كانت نساء وفتيات غزة عزيزات مكرمات في بيوتهن قبل الحرب التي جاءت لتشتت الأسر وجعلها تعاني آلام الفقد والنزوح والجوع والعمل الشاق.

توضح المرأة الفلسطينية: «نحن كنا كالملوك في بيوتنا، في راحة وأمان، الآن نحن في تعب، والله تعب كثير، لا أجد لأولادي أي خضراوات لطهيها لهم».

وتوثيقا لمعاناة نساء القطاع تروي زينب الغريب معاناة النزوح من شمال القطاع إلى وسطه ثم إلى جنوبه في رفح وأخيرا إلى مدينة خان يونس في قطاع غزة.

تروي لـ«عُمان» كيف أن أخاها كان شهيدًا للقمة العيش وكيف فقدت أباها لتجد نفسها مسؤولة عن أفراد أسرتها فلجأت لصناعة الخبز في الفرن الطيني وبيعه من أجل أولادها.

ولفتت المرأة إلى أنها مجبرة على ذلك بعد أن فقدت الأسرة كل مدخراتها خلال مرات النزوح المتكررة.

تشير بقولها: «النقود نفدت نتيجة النزوح المتكرر، النقل والمواصلات غالية الثمن ومكلفة، هذه الظروف أجبرتنا نعمل أمام أفران الطين لكي أصرف على أولادي. أسرتي تتكون من ١٨ شخصًا».

أقسى ما في الحرب أن تنسى المرأة أنها امرأة، وأن تتعذب الأم بأمومتها حين لا تقوى على إطعام طفلها أو حمايته، ولكن المعاناة في غزة أكبر، فالمرأة تموت في كل لحظة حين تفقد ابنها أو أباها أو أخاها أو جيرانها، وهو وضع مأساوي طال أمده ويزداد تفاقمًا كما تشير زينب الغريب: «الوضع في غزة للاسوأ، لا يوجد مكان آمن، نعاني كثيرا، الأمل في وجه الله أن تنتهي الحرب، أملنا في الله كبير».

في كل لحظة تمر في غزة مخاطرة ومع كل ثانية معاناة، ولا أفق لنهاية الحرب، رغم الحديث الكثير عن وقف إطلاق النار فليس لها من دون الله كاشفة.

الموت بات هو القاعدة في غزة الأبية استشهادا أو جوعا أو مرضا، وأمام الموت يتضاءل كل شيء، بعد أن أدرك أهل غزة عجز العالم عن وقف آلة العدوان وكبح زبانية الدماء في تل أبيب.

معاناة مضاعفة لنساء غزة، إرهاق نفسي وبدني، وحزن دفين على من رحل، وأسى على من أصيب وصبر على أعمال شاقة لإعالة من كتبت له الحياة.

وأمام كل ذلك أثبتت نساء غزة قدرتهن على التكيف مع ظروف الحرب، واكتساب خبرة النزوح، ولسان حالهن: «يردد حسبنا الله ونعم الوكيل».

واقع المرأة في غزة يفصح عن صمود خارق، نساء غزة أثبتن أنهن لسن كنساء الأرض، خلقن للكفاح والنضال وتربية الأبناء على العزة والكرامة والحرية. لا يفت في عضدهن احتلال غاشم، وقصف غادر، ودماء تسيل، فالأرض أغلى، والوطن أعز وأبقى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نساء غزة فی غزة بعد أن

إقرأ أيضاً:

الجاليات العربية في بريطانيا تحيي يومها السنوي.. دعمت غزة في مواجهة الإبادة

أحيت الجاليات العربية في بريطانيا يوم أمس السبت يومها السنوي، الذي خصصته هذا العام للإشادة بصمود المرأة الفلسطينية وللتضامن مع قطاع غزة وفلسطين التي واجهت حرب إبادة على مدى ما يقارب والعام والنصف.

واجتمعت عشرات العائلات العربية في قاعة بايرون هول شمال لندن بدعوة من المنتدى الفلسطيني في بريطانيا في أجواء ثقافية وتراثية لإحياء الهوية الفلسطينية وتعزيز التضامن مع الفلسطينيين.

وحول الهدف من يوم الجاليات العربية في بريطانيا قال رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا زاهر البيراوي: "اليوم السنوي للجاليات العربية الذي ينظمة المنتدى، يهدف إلى إظهار الهوية والتراث الوطني للأقطار المشاركة، كما يهدف إلى تعزيز معاني الوحدة والمحبة والترابط بين أوساط الجاليات العربية فيما بينها، وكذلك تقوية وتعزيز حالة التضامن العربي مع أهلنا في فلسطين ودعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومع قضية الأمة المركزية".

وأضاف: "يكتسب هذا اليوم أهمية خاصة في هذا العام وخاصة بعد حرب دامية على أهلنا في غزة العزة ارتقى فيها ما يزيد عن 60 ألفا من الشهداء وجرح وأصيب ما يزيد عن مائة ألف من أهل غزة وتشرد معظم أهلنا في القطاع. كما يكتسب أهمية خاصة لأنه يأتي في ظل حملة مسعورة من صهاينة العالم وصهاينة دولة الاحتلال (صنيعة الاستعمار) لتفريغ غزة من سكانها الأصلين وترحيلهم إلى دول عديدة"..



وأشار بيراوي إلى أن هذا النشاط يأتي بعد الانفراجة بوقف هذه الحرب المجنونة (ولو مؤقتا) في غزة. وبعد أن انسحبت قوات الاحتلال واندحرت من مواقع تقدمها في القطاع.  

كما يأتي يوم الجاليات لهذا العام أيضا بعد تحول تاريخي في سوريا وانتهاء حقبة سوداء من الظلم والديكتاتورية والفساد، وانتصار المظلومين الذين عانوا من النظام المخلوع على مدار العقود الماضية".

ولفت بيراوي الانتباه كذلك  إلى ما يجري من إرهاصات وصفها بـ "الإيجابية" في السودان.. وقال: "نحن اليوم نطمح أن نرى حالة من التغيير الإيجابي في كل عالمنا العربي، تغييرا يحقق للإنسان العربي حريته ويحقق له كرامته ويقدم له مقومات الحياة الكريمة، ويجعل الأمة كلها على قلب رجل واحد ويحدد اتجاه بوصلتها نحو تحرير أرضها ومقدساتها وعلى رأسها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي ومعراجه للسماء"، وفق تعبيره.

من جهتها أشادت الناشطة الفلسطينية هبة شنار في كلمة لها ضمن فعاليات يوم الجاليات العربية، بصمود المرأة الفلسطينية في غزة، وقالت: "سلام على نساء غزة، صانعات الأمل، وعلى عجائزها اللواتي تغزل أرض فلسطين تضاريسها على وجوههن.. سلام على صباياها اليافعات اللواتي تلتصق أرجلهن بتراب غزة وتحلق وجوههن نحو سمائها التي لا تغيب شمسها. سلام على فتيات غزة، اللواتي يتزنرن بالمجد بدلا من مراييل المدارس التي هدمها القصف".



وأكدت أن "هذه الحرب لم يكن فيها شيء جميل، ولكن شدة المعاناة تحت إبادة جماعية مستمرة لأكثر من خمسة عشر شهرا أخرجت أجمل ما في نساء غزة. كانت المرأة الغزاوية في هذه الحرب شريكة بقسوة الحرب، وخساراتها.. شريكة بالموت، ولكنها أيضا كانت شريكة بالحياة، وبالصمود".

وأضافت: "لقد كشفت هذه الحرب عن العديد من البطلات الغزاويات. كان من حظنا أن التقطت الكاميرات والإعلاميون بعض قصصهن، ولكن من لم يعرفن أكثر بكثير".

وأكدت شنار أن "الحرب في غزة كشفت عن بطلة اسمها الطبيبة الفلسطينية، أو الممرضة الغزاوية، التي عملت في ظروف قاسية وخطيرة، في مستشفيات تحت القصف، تفتقد أبسط مقومات الحياة. عالجت هؤلاء البطلات المرضى في هذه الأوضاع القاتلة، وضمدن جراحا دون أدوية و"شاش" وقطن كاف، وطبخن وخبزن في المستشفيات، وخرجن بدون شيء -إلا الكرامة- عند اقتحام جيش الاحتلال للمستشفيات، وركضن تحت القصف، كالطبيبة أميرة عسولي، لإنقاذ جريح لا يعرفن اسمه، واستقبلن شهيدا يتبين لاحقا أنه من أفراد عائلاتهن. فكم من "أميرة العسولي" لم تصلها كاميرات الإعلام؟".

وأضافت: "في هذا اليوم، تحتفي نساء بريطانيا من كل الجاليات بالمرأة الغزاوية، بوجهها الذي صار وشما على قرص الشمس فزاده نورا، بجمالها الذي لا تسرق من خضرته السنوات، بصمودها الذي يعلم الكون معنى الصمود، بعلمها وعملها ورعايتها للعائلة في أحلك الظروف، بجراحاتها التي لا تندمل، بصبرها الذي يشبه صبر أيوب، بكرامتها التي لا تنقص منها الطائرات والدبابات والسفن الحربية، بعبقريتها في صناعة الأمل وسط الألم، والبناء وسط الدمار، والحياة رغم علو رائحة الموت الكثيف".

ثم عقدت ندوة نسائية تناولت صمود نساء غزة في مواجهة الإبادة، تحدثت فيها جيهان سيد عيسى وهي أديبة وكاتبة سورية، وحلا حنينة ناشطة حقوقية وابنة غزة، وخديجة أبو نجم ناشطة من فلسطينيي الشتات، والصحفية الفلسطينية نسرين خوالد.



وتضمن برنامج اليوم السنوي لمهرجان الجاليات العربية في بريطانيا مأكولات تراثية تعكس غنى المطبخ الفلسطيني والعربي ومعروضات شعبية تسلط الضوء على الحرف والفنون التقليدية ومبادرات لدعم غزة عبر مشاريع إنسانية وخيرية، كما تضمن جناحا خاصا للأطفال بأنشطة ترفيهية وتعليمية.

وضمن الفقرة الفنية غنى الفنان خيري حاتم للهوية الفلسطينية وفي مقدمتها المرأة التي صمدت في مواجهة حرب إبادة غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.



ودأب المنتدى الفلسطيني في بريطانيا على تنظيم يوم سنوي للجاليات العربية، في سياق دعمه لأواصر الوحدة والترابط بين المكونات العربية في المملكة المتحدة وتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية بين مختلف الجاليات العربية.

وتزامن مهرجان الجاليات العربية في بريطانيا مع المظاهرة الوطنية الكبرى التي نظمها أنصار فلسطين في العاصمة لندن شارك فيها مئات الآلاف رفضا لخطة ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة ورفضا للحرب.

وفي 4 فبراير/ شباط الجاري، كشف ترامب في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض، عن عزم بلاده الاستيلاء على غزة بعد تهجير الفلسطينيين منها.

ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة، مثل الأردن ومصر، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.

وفي 19 يناير الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى يشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، على أن يتم التفاوض في الأولى لبدء الثانية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • مطاعم غزة تنفض غبار الحرب وتعيد الحياة للمدينة الجريحة (شاهد)
  • الجاليات العربية في بريطانيا تحيي يومها السنوي.. دعمت غزة في مواجهة الإبادة
  • صمود قوى الثورة لاسترداد عافية السودان
  • سكان غزة.. الحياة على الأطلال دون مياه
  • معاناة الفلسطينيين في غزة بعد توقف الحرب.. فيديو
  • مهندس خطة الجنرالات: إسرائيل فشلت فشلا ذريعا في غزة
  • أهم الاستعدادات التي يجب القيام بها قبل الولادة
  • وزير فلسطيني: الاحتلال دمر 90% من مقومات الحياة في غزة
  • «القاهرة الإخبارية»: استمرار تدفّق شريان الحياة الممتد من مصر إلى غزة «فيديو»
  • السعدي: منتوجات الصناعة التقليدية ستكون في موعد التظاهرات الكروية العالمية التي ستحتضنها بلادنا