نساء غزة.. صمود نادر في مواجهة قسوة الحياة
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
ليس مع الاضطرار اختيار، المرأة في غزة لم تمنحها الحرب أي خيارات، بما تتركه من تداعيات وما تخلفه من معاناة.
حالة النزوح المتواصل على مدار 11 شهرا من الحرب على غزة تركت الناجين من القصف في حالة من الإرهاق النفسي والبدني والمادي.
الظروف القاهرة التي أفرزتها الحرب دفعت النساء الفلسطينيات في غزة إلى العمل في مهن شاقة لإعالة أسرهن والتغلب على حالة الفقر المدقع التي طالت الجميع في القطاع البائس.
آلاف النساء في القطاع الحزين وجدن أنفسهن بلا عائل، بل على العكس من ذلك تحولن إلى عوائل لأسر كبيرة وهو ما فرض عليهن أدوارا اجتماعية جديدة في إعالة الأسرة والأبناء، وحمايتهم وتوفير الطعام والغذاء لهم الأمر الذي جعلهن يقمن بأعمال شاقة لا تناسب طبيعة المرأة.
أمام فرن مصنوع من الطين تجلس حسنية خالد من بيت حانون شمالي القطاع لتصنع الخبز لتوفير المال اللازم لشراء حاجيات أسرتها الكبيرة بعد أن أنهكها النزوح واستقر بها المقام في خان يونس جنوبي قطاع غزة.
تقول لـ«عُمان» خلال حديثها: «من أول نزوح وثاني نزوح عملت في هذا العمل الشاق، مع أولادي، لكسب الرزق الحلال، اشتغلت بهذا العمل لأنه عمل شريف، وزوجي بقي في منزلنا في الشمال، فإذا لم أعمل فمن من يصرف علينا؟ تعبنا».
وتضيف: «واحدة من بناتي استشهد زوجها، والآن أنا أعيلها، وعائلتي كبيرة تتكون من ٢١ شخصا، وتحتاج إلى مصاريف كثيرة».
كلمات حسنية ذات السبعة وأربعين عاما تكشف حجم المأساة التى سببتها الحرب من تمزيق للأسر واستشهاد آلاف الرجال والنساء والأطفال وعمليات تهجير قسري ومجازر جماعية وممارسات تستهدف كل مقومات الحياة.
النزوح المتكرر جعل الأسر لا تقوى إلا على حمل القليل من أمتعتها. كما أن العدوان الذي دمر أكثر من 75% من منازل غزة وأفقد السكان ممتلكاتهم وقبلها أحبتهم -هذا العدوان- غير من موقع المرأة في غزة، وفرض عليها أدوارا جديدة باتت مجبرة على التأقلم معها وهو ما غيّر الصورة النمطية عن عمل المرأة الفلسطينية.
كفاح من أجل البقاء ترويه حسنية يبدأ مع الصباح الباكر بتجهيز العجين وتقطيعه وخبزه تحت شمس حارقة ونيران احتلال لا يرحم فضلا عن نيران الفرن المستعرة.
طموحها في الحياة بات محدودا حيث لا ترغب سوى في خيمة تسترها وأفراد أسرتها بعد أن أتى النزوح على ما كانوا يملكون، وفروا من شمال القطاع إلى جنوبه لا يلوون على شيء؛ لتصنع الخبز ليأخذه أبناؤها ليبيعوه بما تحمله عملية تسويقه من مخاطرة كبيرة.
تقول حسينة: «أريد مالا لأشتري خيمة؛ لنستر حالنا، هذا حرام نحن جالسون في العراء، تخيلوا أرسلت ابني في الخطر يبيع الخبز، لكي نشتري قطعة نايلون وخشبتين لننصب خيمة».
شظف العيش وصعوبة الحصول على الحد الأدنى من الطعام دفع فاطمة عبدالرحمن التي نزحت من غزة إلى خان يونس إلى تحويل صناعة الخبز في فرنها الطيني إلى مهنة تتكسب منها لافتة إلى ما تتكبده من مشقة بدءا من الحصول على الحطب والخشب اللازم لإحماء الفرن.
وتضيف: «نشتري كيلو الحطب بـ 5 دولارات، لا يوجد بديل، الحياة غالية، كيلو البندورة بـ ٣ شيكل».
اضطرت كثير من نساء غزة إلى فراق عوائلهن أو عن بعض من أبنائهن الذين ظلوا في المناطق المحاصرة أو في مناطق الشمال، مع انقطاع سبل التواصل معهم، وإمعانا في حجم المعاناة النفسية التي تتكبدها النساء في غزة تتذكر فاطمة التي تبلغ من العمر 60 عاما كيف كانت نساء وفتيات غزة عزيزات مكرمات في بيوتهن قبل الحرب التي جاءت لتشتت الأسر وجعلها تعاني آلام الفقد والنزوح والجوع والعمل الشاق.
توضح المرأة الفلسطينية: «نحن كنا كالملوك في بيوتنا، في راحة وأمان، الآن نحن في تعب، والله تعب كثير، لا أجد لأولادي أي خضراوات لطهيها لهم».
وتوثيقا لمعاناة نساء القطاع تروي زينب الغريب معاناة النزوح من شمال القطاع إلى وسطه ثم إلى جنوبه في رفح وأخيرا إلى مدينة خان يونس في قطاع غزة.
تروي لـ«عُمان» كيف أن أخاها كان شهيدًا للقمة العيش وكيف فقدت أباها لتجد نفسها مسؤولة عن أفراد أسرتها فلجأت لصناعة الخبز في الفرن الطيني وبيعه من أجل أولادها.
ولفتت المرأة إلى أنها مجبرة على ذلك بعد أن فقدت الأسرة كل مدخراتها خلال مرات النزوح المتكررة.
تشير بقولها: «النقود نفدت نتيجة النزوح المتكرر، النقل والمواصلات غالية الثمن ومكلفة، هذه الظروف أجبرتنا نعمل أمام أفران الطين لكي أصرف على أولادي. أسرتي تتكون من ١٨ شخصًا».
أقسى ما في الحرب أن تنسى المرأة أنها امرأة، وأن تتعذب الأم بأمومتها حين لا تقوى على إطعام طفلها أو حمايته، ولكن المعاناة في غزة أكبر، فالمرأة تموت في كل لحظة حين تفقد ابنها أو أباها أو أخاها أو جيرانها، وهو وضع مأساوي طال أمده ويزداد تفاقمًا كما تشير زينب الغريب: «الوضع في غزة للاسوأ، لا يوجد مكان آمن، نعاني كثيرا، الأمل في وجه الله أن تنتهي الحرب، أملنا في الله كبير».
في كل لحظة تمر في غزة مخاطرة ومع كل ثانية معاناة، ولا أفق لنهاية الحرب، رغم الحديث الكثير عن وقف إطلاق النار فليس لها من دون الله كاشفة.
الموت بات هو القاعدة في غزة الأبية استشهادا أو جوعا أو مرضا، وأمام الموت يتضاءل كل شيء، بعد أن أدرك أهل غزة عجز العالم عن وقف آلة العدوان وكبح زبانية الدماء في تل أبيب.
معاناة مضاعفة لنساء غزة، إرهاق نفسي وبدني، وحزن دفين على من رحل، وأسى على من أصيب وصبر على أعمال شاقة لإعالة من كتبت له الحياة.
وأمام كل ذلك أثبتت نساء غزة قدرتهن على التكيف مع ظروف الحرب، واكتساب خبرة النزوح، ولسان حالهن: «يردد حسبنا الله ونعم الوكيل».
واقع المرأة في غزة يفصح عن صمود خارق، نساء غزة أثبتن أنهن لسن كنساء الأرض، خلقن للكفاح والنضال وتربية الأبناء على العزة والكرامة والحرية. لا يفت في عضدهن احتلال غاشم، وقصف غادر، ودماء تسيل، فالأرض أغلى، والوطن أعز وأبقى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نساء غزة فی غزة بعد أن
إقرأ أيضاً:
باحث: تصريحات ترامب حول غزة تضعه في مواجهة مع المجتمع الدولي| فيديو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال محمد العالم، الكاتب الصحفي والباحث السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي، إنّ تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائه مع رئيس وزراء الاحتلال عن قطاع غزة كانت مفاجأة نوعا ما، وذلك باعتراف رئيس مجلس النواب الجمهوري نفسه، لافتًا إلى أنها تضعه في مواجهة غير مسبوقة مع المجتمع الدولي.
وأضاف "العالم"، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمد رضا، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أنّ ترامب طالب الفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة، وفوجئ الأمريكيون من حجم النزاعات التي انخرط فيها ترامب في أول فترة من حكمه.
وتابع، «الأمريكيون كانوا يعتقدون أن ترامب كان سيستمر في الحرب الاقتصادية مع الصين، لكنهم فوجئوا بتصريحاته عن قطاع غزة، بعدما قال إن الحرب ستنتهي في اليوم الأول لحكمه».
وأكد أن ترامب لا ينهي الحرب بقدر ما يعطي بعض السيناريوهات المجنونة غير القابلة للتحقيق وتنافي سياسة أمريكا في السنوات الأخيرة، إذ تعلن الإدارة الأمريكية أنها لا تتدخل بشكل مباشر من خلال الجيش الأمريكي على أراضي أخرى.