متى بدأ هوس الإنسان بالنحافة والحميات الغذائية؟
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
تروي الكاتبة الأميركية نعومي وولف في كتابها "أسطورة الجمال" (The Beauty Myth)، كيف ارتفعت معدلات اضطرابات الأكل وتضاعف الإنفاق الاستهلاكي وأصبحت الجراحات التجميلية أسرع التخصصات نموا في العقود الأخيرة، لدرجة أن قرابة 33 ألف امرأة أميركية قلن إنهن يفضلن فقد 10 إلى 15رطلا (6.8 كيلوغرامات) من وزنهن عن تحقيق أي هدف آخر.
كما تؤكد الكاتبة أن المزيد من النساء أصبحن يملكن المال والقوة والنفوذ والاعتراف القانوني أكثر من أي وقت مضى، "إلا أنه من ناحية شعورنا حيال أنفسنا جسديا فقد نكون أسوأ حالا من جداتنا (غير المحرّرات)".
الحديث عن الرشاقة يبدو حديثا لا ينقطع لفرط ما تنشغل به النساء تحديدا؛ عشرات الأنظمة الغذائية وربما مئات التوصيات للحصول على "الوزن المثالي"، والذي يكون غالبا تحقيق حلم النحافة، كمعيار للجمال في عصرنا الحديث.
لكن متى بدأت النحافة في احتلال ذلك المكان كهدف لأغلب الحميات الغذائية؟ وهل كانت معيارا للصحة أم مقياسا للجمال؟
النظام الغذائي والصحةظهرت كلمة "دايت" (النظام الغذائي) منذ آلاف السنين، وتعود أصولها إلى اللغة اليونانية، حين كانت تشير إلى العادات ونمط الحياة بشكل عام، وليس فقط النظام الغذائي كما تحولت الآن.
وكان الطبيب اليوناني أبقراط يشير في نصائحه إلى أن "طعامك يكون دواءك" ولا تزال بعض نصائحه تقدم إرشادات مختلفة لعلاج السمنة، ومن بينها أداء بعض التمارين الشديدة قبل تناول الطعام.
بدأ مفهوم "السعرات الحرارية" يحظى بشعبية كبيرة في نهاية القرن الـ19 فاستبعدت بعض الأطعمة من الأنظمة الغذائية (غيتي)وفق موقع "إل إسبانيول"، اعتقد قدماء اليونانيين أن تناول الكثير من الطعام يمكن أن يتسبب في الإصابة بالأمراض، وقدم الطبيب جالينوس نصائح بطعام أقل وممارسة رياضة الجري لتخفيف الوزن، وشهدت فترة ما قبل الميلاد توصيات مماثلة ونصائح تتعلق بالغذاء، كتلك التي كُتبت على بردية مصرية تشير إلى أن الخضراوات تقوّي القلب وتفيد الجسم أكثر من طبق شهي آخر، وتؤكد أن قطعة صغيرة تكفي.
وكان التركيز حتى ذلك الحين على التأثير الضار للدهون، كما أشار أبقراط مثلا، أما في الفن فظهرت تماثيل النساء في العصور القديمة ممتلئة، في إشارة إلى نموذج الجمال الأنثوي آنذاك.
أما في العصور الوسطى، فارتبطت السمنة برقة وجمال المرأة، كما يشير موقع "لابنغوارديا"، والذي أشار إلى أن أبناء الطبقة المتوسطة كانوا حينها يحصلون بالكاد على ما يقيم أودهم ويسمح لهم بأداء الأعمال اليدوية.
كما يشير موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى أن الفلاحين اتبعوا نظاما غذائيا متوازنا اعتمد على الحبوب، دون أن تتوفر لهم "رفاهية" تناول الدهون. كما لم يكن السكر قد ظهر بعد، في حين توفرت الأغذية المتنوعة على موائد الأثرياء وحدهم.
السكر في المتناولوفي القرن الـ18 الميلادي، زاد التنوع الغذائي في المجتمع، وأصبح للفقراء القدرة على اتخاذ بعض القرارات حول طعامهم، ولم يعد ذلك "الترف" قاصرا على الأثرياء. كما تضاعف استهلاك السكر، وانخفضت جودة الأنظمة الغذائية من الناحية الصحية، وكثرت توصيات الأطباء بتناول كميات أقل من الطعام، وممارسة الرياضة.
وبحلول القرن الـ19، اتجه المجتمع للاهتمام بالمظهر على حساب القيمة الصحية؛ فأصبحت زيادة الوزن مصدرا للقلق، وظهرت الإعلانات حول علاجات تساعد في نقص الوزن أو تقليل الشهية، وكان لبعضها آثار جانبية خطيرة، كما يشير موقع "بي بي سي".
ظهرت في ستينيات القرن الماضي شركات تدعم ذوي الوزن الزائد وتساعدهم في إنقاص الوزن من خلال الأنظمة الغذائية (غيتي)بدأ الأمر إذن حين تعددت خيارات الطعام المتاح، فتعرف الإنسان على أثر الغذاء على الجسم والشكل. ومع ظهور آثارها الصحية، لم تعد السمنة تصنف فقط على أنها "مرض" وفق منظمة الصحة العالمية، بل حملت السمنة -وفي المقابل النحافة- مجموعة معقدة من الأفكار والاعتقادات إلى ثقافاتنا.
هوس النحافةفي نهاية القرن الـ19، بدأ مفهوم "السعرات الحرارية" (محتوى الطاقة في الغذاء) يحظى بشعبية كبيرة، واستبعدت بعض الأطعمة من الأنظمة الغذائية لهذا السبب. وفي القرن الـ20، تزايد عدد الأدوية التي تعالج السمنة وتعنى بخفض الشهية، وبدأ تأثير المشاهير من هوليود على الشباب يأخذ شكله في تحويل النحافة إلى هوس.
وفي الستينيات، ظهرت شركات تدعم ذوي الوزن الزائد وتساعدهم في نقص الوزن من خلال الأنظمة الغذائية والمجموعات الداعمة. وبحلول السبعينيات، أصبحت صناعة الأنظمة الغذائية راسخة بالفعل وقدمت باستمرار طرقا جديدة ومتنوعة لتخفيف الوزن، وراجت الكتابات التي تقدم أنظمة غذائية بعضها يسهم في نقص الوزن سريعا دون الاهتمام بالتغذية المتوازنة.
أما في القرن الـ21، فأصبحت النحافة هدفا واضحا. ورغم تزايد معدلات السمنة العالمية -بحيث تضاعفت وفق بيانات منظمة الصحة العالمية 3 أضعاف منذ عام 1975-، فإن الهوس بنقص الوزن يمثل سوقا تقدر بملايين الدولارات، كما يشير موقع "لابنغوارديا".
ونجحت صناعة الأنظمة الغذائية على مدار العقود الماضية في تحقيق الاستقرار والتكيف وتقديم التنوع في المنتجات والأدوية لتحقيق الهدف: حل سريع لتخفيف الوزن!
"قيد الأنوثة"وبالعودة إلى كتاب "أسطورة الجمال"، تشير نعومي وولف إلى "سر خفي" يسمم حريات النساء العاملات، يتعلق بمفاهيم الجمال، ويتمثل في هواجس جسدية ورعب من الشيخوخة
ظهرت تماثيل النساء في عصور ما قبل التاريخ ممتلئة في إشارة إلى نموذج الجمال الأنثوي آنذاك (غيتي)وتؤكد الكاتبة الأميركية ميل صور الجمال الأنثوي لـ"القسوة والوحشية" بالتزامن مع تزايد معدل تجاوز النساء لـ"العراقيل المادية والاجتماعية" وانخراطهن في التعليم العالي، ثم في العمل في العقود الماضية.
وتفسر نعومي ما يحدث بأن المجتمع لم يعد يقيس القيمة الاجتماعية للمرأة بناءً على تحقيقها للحياة الأسرية السعيدة، فقامت بالتالي "أسطورة الجمال" بقياس قيمة المرأة من خلال تحقيقها لـ"الجمال الفاضل"، إلى جانب بُعد اقتصادي يزيد من استهلاكيتها.
وترى المؤلفة أن الصورة النموذجية السائدة للجمال، تدمر النساء جسديا وتستفزهن نفسيا، "وإذا ما أرادت النساء التحرر من هذا الثقل فلن يكون الطريق صناديق الاقتراع أو جماعات الضغط، كما حدث في الماضي حين تعلق الأمر بالتعليم أو بالعمل، بل سيكون ببساطة طريقة جديدة للنظر إلى الأمور".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأنظمة الغذائیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
كاسبرسكي تستكشف سيناريوهات محتملة لانقطاعات قطاع التكنولوجيا في عام 2025
كجزء من نشرة كاسبرسكي الأمنية السنوية، قام خبراء الشركة بتحليل الهجمات الكبيرة على سلاسل الإمداد وانقطاعات تقنية المعلومات التي حدثت خلال العام الماضي، كما استكشفوا سيناريوهات المخاطر المستقبلية المحتملة بهدف تقديم رؤى تساعد الشركات بمختلف أحجامها على تعزيز الأمن السيبراني، وتعزيز المرونة، والاستعداد للتهديدات الناشئة المحتملة في عام 2025.
في عام 2024، برزت هجمات سلاسل الإمداد وانقطاعات تقنية المعلومات كبعض من أبرز مصادر القلق في مجال الأمن السيبراني، مما يدل على عدم وجود بنية تحتية منيعة ضد المخاطر. أثّر تحديث خاطئ من شركة CrowdStrike على ملايين الأنظمة، كما سلطت حوادث متطورة، مثل الباب الخلفي XZ وهجوم سلسلة الإمداد على Polyfill.io، الضوء على المخاطر الكامنة للأدوات المستخدمة على نطاق واسع. تُبرز هذه الحالات وغيرها من القضايا الكبرى الحاجة لاتخاذ تدابير أمنية صارمة، وإدارة قوية للتحديثات والإصلاحات، وتجهيز دفاعات استباقية لحماية سلاسل الإمداد والبنية التحتية العالمية.
في قسم «قصة العام» ضمن نشرة كاسبرسكي الأمنية، تستعرض الشركة الحوادث الماضية خلال عام 2024، وتتمعن في سيناريوهات مستقبلية افتراضية وتناقش العواقب المحتملة لها، وذلك على النحو التالي:
ماذا لو واجه أحد مزودي الذكاء الاصطناعي الرئيسيين انقطاعاً للخدمة أو اختراقاً للبيانات؟
تعتمد الشركات على نماذج الذكاء الاصطناعي المتنوعة بشكل متزايد، بما يشمل تلك التي تقدمها شركات OpenAI، وMeta، وAnthropic وغيرها. لكن وبالرغم من تجربة المستخدم الممتازة التي توفرها هذه التكاملات، فهي تحتوي على مخاطر سيبرانية كبيرة. يخلق الاعتماد على مزود واحد أو عدد محدود من مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي نقاط فشل مركزة. فإذا تعرضت شركة ذكاء اصطناعي كبيرة لتوقف حرج للأعمال، فقد يؤثر ذلك بشكل كبير على العشرات أو حتى الآلاف من الخدمات التي تعتمد عليها.
وعلاوة على ذلك، قد يؤدي تعرض أي مزود رئيسي للذكاء الاصطناعي لحادث إلى تسريبات خطيرة للبيانات، إذ يمكن أن تخزن هذه الأنظمة كميات ضخمة من المعلومات الحساسة.
ماذا لو تعرضت أدوات الذكاء الاصطناعي على الأجهزة للاستغلال؟
مع تزايد تكامل الذكاء الاصطناعي في الأجهزة الحالية، يزداد خطر تحوله لوسيلة للهجوم بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، كشفت حملة Operation Triangulation التي كشفت عنها كاسبرسكي العام الماضي طريقة تمكن المهاجمين من المساس بسلامة الأجهزة من خلال استغلال ثغرات اليوم الصفري في برمجيات وعتاد الأنظمة لنشر برمجيات تجسس متقدمة. وفي حال اكتشافها، فقد يأتي الخطر الأكبر من الثغرات المحتملة المشابهة والتي تعتمد على البرمجيات أو العتاد في وحدات المعالجة العصبية التي تدعم الذكاء الاصطناعي، سواء بشكل عام أو في منصات معينة مثل Apple Intelligence. ويمكن أن تستفيد الهجمات بشدة من استغلال هذا النوع من الثغرات من قدرات الذكاء الاصطناعي لتوسيع نطاقها وتأثيرها.
كما قادت أبحاث كاسبرسكي حول Operation Triangulation إلى الإبلاغ عن أول حالة من نوعها ترصدها الشركة، وهي إساءة استخدام قدرات تعلم الآلة على الأجهزة لاستخراج البيانات، مما يبرز استغلال الميزات المصممة لتعزيز تجربة المستخدم من قِبل مصادر التهديد المتقدمة.
ماذا لو قامت مصادر التهديد بتعطيل الاتصال بالأقمار الصناعية؟
في حين واجه قطاع الفضاء مختلف الهجمات السيبرانية منذ مدة، فقد يصبح مزودو الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الهدف الجديد لمصادر التهديد باعتبارها عناصر مهمة في سلسلة الاتصال العالمية. إذ يمكن أن توفر الأقمار الصناعية روابط اتصال مؤقتة عندما تكون الأنظمة الأخرى معطلة، كما يمكن أن تعتمد الطائرات، والسفن، وسواها على الأقمار الصناعية لتوفير الاتصال على متنها، وأخيراً، يمكن استخدامها كوسيلة لتمكين خدمات الاتصال الآمن.
يَنتج ممّا سبق مخاطراً سيبرانيةً، فقد تؤدي هجمة سيبرانية موجهة أو تحديث خاطئ من مزود رئيسي للأقمار الصناعية لتوقف الإنترنت وحدوث انقطاعات في الاتصال، ممّا يؤثر على الأفراد والمنظمات.
ماذا لو أصابت تهديدات مادية كبيرة الإنترنت؟
بالإضافة للأقمار الصناعية، يُعد الإنترنت عرضةً للتهديدات المادية. حيث تُنقل 95% من البيانات العالمية عبر كابلات بحرية، وهناك قرابة 1,500 نقطة تبادل إنترنت (IXPs)، وهي مواقع مادية توجد أحياناً داخل مراكز البيانات في مواقع تبادل حركة البيانات بين الشبكات المختلفة.
قد يؤدي تعطل بضع مكونات حاسمة في هذه السلسلة، مثل الكابلات الرئيسية أو نقاط تبادل الإنترنت، لتحميل البنية التحتية المتبقية فوق طاقتها، مما قد يؤدي لانقطاعات واسعة النطاق ويؤثر بشكل كبير على الاتصال العالمي.
ماذا لو تم استغلال ثغرات خطيرة في نظامي التشغيل Windows وLinux؟
تدعم هذه الأنظمة العديد من الأصول الحيوية للعالم، بما يشمل الخوادم، ومعدات التصنيع، والأنظمة اللوجستية، وأجهزة إنترنت الأشياء، وغيرها. وقد يؤدي وجود ثغرة نواة قابلة للاستغلال عن بُعد في هذه الأنظمة لتعرض عدد لا حصر له من الأجهزة والشبكات حول العالم للهجمات المحتملة، مما يخلق وضعاً عالي المخاطر، حيث تتعرض سلاسل الإمداد العالمية لاضطراب كبير.
قال إيغور كوزنتسوف، مدير فريق البحث والتحليل العالمي (GReAT) لدى كاسبرسكي: «قد تبدو مخاطر سلاسل الإمداد مربكةً، لكن يبقى الوعي هو الخطوة الأولى نحو الوقاية. ومن خلال اختبار التحديثات بشكل دقيق، والاستفادة من كشف الحالات الشاذة بالذكاء الاصطناعي، وتنويع المزودين لتقليل نقاط الفشل الفردية، يمكننا تقليل العناصر الضعيفة وتعزيز المقاومة. كما يعد انتشار ثقافة المسؤولية بين الأفراد أمراً بالغ الأهمية، حيث تظل اليقظة البشرية حجر الأساس للأمن. ويمكن لهذه التدابير في حال اتخاذها معاً أن تحمي سلاسل الإمداد وتضمن مستقبلاً أكثر أماناً.»