جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-25@15:06:28 GMT

نزوى.. مدينة التاريخ والحاضر

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

نزوى.. مدينة التاريخ والحاضر

 

 

حمد الناصري

 

تُعد نزوى من أقدم المُدن في سلطنة عُمان ويرجع تأريخ تأسيسها إلى أكثر من خمسة آلاف عام حسب آخر البُحوث والدراسات الآثارية وهي أوَّل مدينة تمَّ اتخاذها كعاصمة سياسية لسلطنة عُمان، وسُمّيت أيضًا "بيضة الإسلام"؛ وذلك بسبب نشاطها الفكري، كما تخرّج منها أجيال كثيرة من الفُقهاء.

وأهل نزوى ورثوا الثّراء المعرفي كما اسْتورثوا الجدّية والإصْرار على العمل والإعمار.

. وكانت لهم أنشطة مُتعددة أعْطت لتلك المدينة العريقة مزاياها الخاصة والفريدة فقد برعوا إضافة لشدّتهم وبأسهم في القتال في التجارة والزراعة والعمل في اقتصاديات قليلة ولم يكونوا يترفّعون عن أيِّ عمل يسدّ لُقمة عيشهم، فأصبح يُعرف عنهم الصّبر والحِكمة والإيْمان فقدّموا للبشرية وللمنطقة حضارات ودولا مُتعاقبة خرج قادتها من تلك المدينة العريقة وأسّست لصروح لا تزال شاهدة على أصالة وحضارة تلك المدينة وأهلها، كقلعة نزوى الشّهباء وقلاع وحصون كثيرة شهدت حقبًا تاريخية مجيدة ومفاخر عديدة وخالدة سطّرت في التأريخ ملاحم بحروف من ذهب.

ومن هُنا تأتي المُبادرة التي أطلقتها مجموعة من الشباب الغيورين على وطنهم من أبناء نزوى لإعادة هندسة البشر، الهدف منها تمكين فئة من الشباب لإحياء تُراث وتأريخ نزوى والارتقاء بحاضر المدينة ليكون امتدادًا راقيًا ومُضيئًا لتأريخها التليد من خلال إعادة إعْمار وإحْياء الشواهد التأريخية والحارات ليس فقط لتكون مصدرًا للجذب السياحي ولكن أيضًا لِتُعطي هذه المدينة الأصِيلة بصمتها التأريخية ورونقها العريق.

إنّ ما قام ويقوم به فريق العمل النزواني يستحق الوقوف عِنده، فترميم حارة العقر بنزوى، مُلهمة جبّارة، تستفزّ رغبة الشباب وتُنشّط هِمّتهم، ومُبادراتهم في إعادة تأهيل مشاريع نُزل تُراثية، بلغ عددها 20 نُزلًا تُراثيًا، و200 مطعم ومقهى و3 متاحف و15 سيارة سياحية، إضافة إلى 21 نشاطا مُختلفًا بتكلفة تصل الى 8 ملايين ريال عُماني، يعمل فيها 300 موظف عُماني، وفي خطتهم زيادة رقعة المشاريع وافتتاح أكثر من 10 مشاريع جديدة قبل نهاية العام الجاري 2024.

إنّ هذه الهِمّة العالية والأنشطة الجادة لِتُعبّر عن هندسة بشرية عُمانية مُستدامة وجذوة ألق تأريخي لا تنطفئ ولا تذوي، تُلهم  الشباب للعمل والتطور وتهدف إلى دعم أفكارهم وطُموحاتهم لكي يُشمّروا عن سواعدهم ولا يركنوا إلى الدّعة والرّفاه .. وأيّما هدف أسمى في مُعادلة رفعة الوطن وإحْياء أمْجاده وصِناعة تأريخ جديد مُرتبط بأصالة وقِيم وتُراث عُمان وحضارتها ويحمل في طياته مسؤولية وطنية وتأريخية.

إنّ مِثْل هَاتِهِ المشاريع هي بحقّ نموذجًا يُحتذى بها في منظومة صِناعة السياحة التُراثية ناهيك عن قيمتها وأثرها التأريخي والمعنوي، وبرأيي الشخصي أعتقد أنها يجب أنْ تُعمم في جميع المُحافظات وأنْ يُتم نقل تجربتها إلى أسواق الولايات وخاصة الأسواق التراثية لكل ولاية ومُحافظة، مُستلهمة من تجربتها من عبق ماضي السلطنة ومن المزايا الخاصة بكل ولاية ومُحافظة.

لقد خرج شباب ولاية نزوى لنا وللعالم بعريقة التُراث وإلْهام المُستقبل ولْنأخذ بيدهم ونكون لهم عونًا في سبيل إنْجاز هذا المشروع الفذّ وتعميمه على سائر الولايات في سلطنتنا الحبيبة.

خلاصة القول.. إنّ أيّ مشروع ومنها صِناعة السياحة الداخلية تحتاج إلى "إعادة هندسة البشر" كما أطلقها رائد الأعمال إسحاق الشرياني الحريص والمُتمسك بتُراث مدينته التاريخية العريقة ومن معه من الشباب المُخلصين خِدمة لرؤية وطنهم المُتجددة.. وأطالب مُجتمع التُجّار بدعمهم ومدّهم ماديًا ومعنويًا وبالخِبْرة والمشورة، فتنشيط التجارة الداخلية والأسواق التراثية من مُلْهمات الإنسان، ومن مُبادرات شبابية يخدمون أنفسهم بأنفسهم.. فجهود أولئك الشباب تستحق منّا الاحترام والتقدير، وهذا العمل الجبّار والمُتميز يستحق الإشادة والتقدير، إنهم فخرٌ للشباب العُماني وذُخرٌ للوطن.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الدكتور سلطان القاسمي يكتب: ميدان الرولة... شاهد على التاريخ

في عام 1803م، تولى الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي حكم رأس الخيمة، ولم يكن متصوفاً مثل جده، الشيخ راشد بن مطر القاسمي، ولم يكن كذلك سلفياً مثل أبناء عمه رحمة بن محمد بن رحمة بن مطر القاسمي، والذين جمعوا حولهم جميع سكان مدن القواسم على منهج السلفية، وقاموا بتصرفات دون علمه من الاعتداءات على السفن في الخليج.
ما كان من الشيخ سلطان بن صقر القاسمي إلّا أن وقّع اتفاقية مع مندوب شركة الهند الشرقية «ديفيد سيتون» «David Seton»، في شهر فبراير عام 1806م، الأمر الذي أغاظ جماعة الدعوة السلفية، والأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود في الدرعية، فقام أبناء عمه، رحمة بن محمد القاسمي، بتدبير مكيدة، باتهامه بمقتل عمه الشيخ عبد الله بن راشد القاسمي، حاكم رأس الخيمة، لدى الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود، حيث طلب منه الوصول إلى الدرعية للتفاهم حول بعض الأمور، فما كان منه إلّا أن توجه براً إلى الدرعية في شهر مارس عام 1809م.
في الدرعية، تم احتجاز الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي، وتمّ تنصيب حسن بن رحمة بن محمد القاسمي، حاكماً على رأس الخيمة وما تبعها من بلدان القواسم.
كانت بلدة الشارقة إحدى البلدات التابعة للقواسم، وكانت تمتد على طول خور الشارقة، بعرض لا يزيد عن ثلاثمائة متر فقط، وبرّها صحراء مستوية إلّا من تلة رملية مرتفعة، تشرف على الطرق البرية المتجهة إلى الشارقة.
في عام 1810م، وصل القائد السعودي مطلق المطيري إلى الشارقة، ونصبت خيام جيشه على تلك البقعة المستوية قبالة بلدة الشارقة، وقد نصبت خيمة قائد تلك الحشود، مطلق المطيري، على التلة الرملية المرتفعة المشرفة على الطرق المؤدية إلى بلدة الشارقة، وسميت تلك التلة بند المطيري.
في تلك البقعة، قبالة بلدة الشارقة تجمّع آلاف الناس، منهم من أتى لتسليم الزكاة من الشارقة والبلدات المجاورة، ومنهم من جاء لتقديم الولاء والطاعة، والناس بين تكبير وتهليل.
أما أهل نجد، في تلك القوات، فقد قاموا بأداء العرضة النجدية، رافعين الأعلام الخضراء التي كتب عليها: «لا إله إلّا الله، محمد رسول الله»، لقد أخذت تلك الاحتفالات أياماً وليالي.
في بداية عام 1813م، وصل الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي إلى مسقط هارباً من سجنه في الدرعية عاصمة الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود، حيث اتخذ طريقه من خلال وادي الدواسر حتى وصل إلى ذمار في اليمن، ومنها إلى ميناء المخا في اليمن كذلك، وأبحر منها إلى صور في عُمان.

شجرة الرولة


أرسل الإمام سعيد بن سلطان سفينة إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، بعد أن وضع عليها قوات، وأرسلها إلى لنجة، حيث وصلت بسلام، وحملت على ظهرها كتيبة من ثلاثمائة رجل من جماعة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وأبحرت إلى ميناء الشارقة، واحتلت مدينة الشارقة، حيث قام الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، ببناء قلعة تكون مقرّاً له ولقواته.
جرت عملية وحشية في الشارقة، حيث وصلت إلى الشارقة، قوة عسكرية قادمة من رأس الخيمة، فقتل ما لا يقل عن سبعمائة رجل من كلا الطرفين، ونجحت جماعة رأس الخيمة في الاستيلاء على سفينة الإمام سعيد بن سلطان، وأخذوها معهم إلى رأس الخيمة، لكن الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي، نجح في استقلال الشارقة عن رأس الخيمة وتخليصها من السلفية.
في تلك البقعة التي أقام مطلق المطيري القائد السعودي معسكره، حوّلها الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، إلى مزرعة زرعها بالنخيل، وكان الفحل للنخيل قد أطلق عليه «غالب» تشبهاً بالشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وحفر بركة ماؤها من الماء الأرضي، ومطوية بالصخور، وبجانبها شجرة رول جلبها من بلدة لنجة على ساحل فارس.
أما ند المطيري، فقد حوّله الشيخ سلطان بن صقر القاسمي إلى مسكن صيفي له مبني من سعف النخيل.
يمر الزمن على الشارقة، حتى جاء زماننا، فقد كنت ابن ست سنوات أدرس القرآن الكريم عند الشيخ فارس بن عبد الرحمن، حتى إذا ما جاء الصيف، انتقل هو وأهل بيته إلى ند المطيري بالقرب من فحل النخيل «غالب»، وقد استطال إلى عنان السماء، وبالقرب منه بني عريش؛ ليكون فصلاً للدراسة عند الشيخ فارس بن عبد الرحمن.
وإذا قرب الظهر نرجع إلى بلدة الشارقة بعد أن نمر ببركة الماء لنشرب منها، حيث كانت لها درجات تصل إلى مستوى الماء، وقد وضع هنالك علبة صفيح يغرف بها الماء للشرب.
بقيت شجرة الرولة، مكاناً يلتقي به أهالي الشارقة والمدن المجاورة، مساء كل عيد يتوافد إلى شجرة الرولة، الوارفة الظل، الرجال والفتية والفتيات والأطفال. وتُعلّق الحبال على الأغصان الكبيرة من شجرة الرولة، وتجلس الفتيات في صفين على الحبال، وتشبك كل فتاة أصابع رجليها بالحبال التي تجلس عليها الفتاة التي تقابلها، فتتكون المرجيحة من ثماني فتيات. أما الفتيان فيقومون بشط المرجيحة، أي إبعادها إلى أعلى بكل عفة. تُباع تحت شجرة الرولة الحلويات والمكسرات.
في فترة الستينيات، بنيت مدرسة العروبة في بقعة الرولة، وكانت بها البعثة الكويتية حيث كانت المدارس تحت إدارتها، وبها البعثة المصرية والبعثة القطرية والبعثة البحرينية.
في عام 1978م، جفت أغصان شجرة الرولة، حيث بلغ عمرها مائة وخمساً وستين سنة، وحيث إنني قد استوعبت التاريخ، فقمت في الخامس والعشرين من شهر يناير عام 1979م، بافتتاح ميدان الرولة، حيث وضعت في وسطه نصباً رسمته بيدي حيث كان توقيعي، وفي قلبه الرولة التي كانت شاهدة على كل تلك الأحداث.

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي صورة ميدان الرولة

مقالات مشابهة

  • 14.5 مليون ريال لمشاريع خدمية وتنموية بالداخلية
  • جامعة نزوى تسلط الضوء على "تقنيات أشباه الموصلات" بمشاركة خبراء من تايوان
  • الموصل تودع أحد أعمدة التاريخ العراقي الحديث
  • طليس: أبلغت من المالية ان عائدات الصندوق البلدي المستقل من الخلوي ستدفع قبل هذا التاريخ
  • تفسير حلم المطر والرعد والبرق وعلاقتة بالماضي والحاضر
  • رئيس مدينة بورفؤاد يتفقد مقابر المدينة ويوجه بتنفيذ حملة مكثفة لرفع كفاءتها
  • كتابٌ جديدٌ حول المدينة العُمانية في فضاءات التاريخ
  • الإعلام بين الماضي والحاضر
  • زلزال دامغان .. حكاية أشد الزلازل دموية في التاريخ
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: ميدان الرولة... شاهد على التاريخ