جاءت عملية إطلاق النار صباح الأحد التي قتل فيها 3 من عناصر شرطة الاحتلال، لتُدخل الخليل على خط المواجهة المشتعل حاليا في شمال الضفة الغربية، وسط تواصل العملية العسكرية الإسرائيلية الموسعة لليوم الخامس على التوالي.

وقتل 3 من عناصر شرطة الاحتلال في عملية إطلاق نار على سيارة عند حاجز ترقوميا غربي الخليل بجنوب الضفة الغربية، بينما انسحب المنفذون وسط حالة استنفار أمنية إسرائيلية.



وتنضم الخليل، بهذه العلمية والعملية المزدوجة التي سبقتها في مجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني شمال المدينة، إلى مدن جنين ونابلس والعديد من البلدات الفلسطينية التي نشطت فيها حالة المقاومة مؤخرا بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، وذلك تزامنا مع استمرار حرب الإبادة للشهر 11 ضد قطاع غزة.

وحذرت القيادة الوسطى بجيش الاحتلال من أن اتساع المواجهة في الضفة الغربية سيضع عبئا على قوات الجيش، بحسب ما نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم".

حذاري من غضب #الخليل، فإنها إن قامت قامت الضفة ومقاومتها..#عاجل|| مقتل ثلاثة جنود صهاينة في عملية إطلاق نار ببلدة ترقوميا جنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية. pic.twitter.com/DIWqgBXbBF — أدهم أبو سلمية ???????? Adham Abu Selmiya (@adham922) September 1, 2024
تاريخ من المقاومة
للخليل تاريخ حافل بالفعل المقاوم للاحتلال الإسرائيلي منذ قبل أحداث النكبة عام 1948 ودوما ما اكتسبت خصوصية في انطلاق المقاومة والثورة الفلسطينية، لا سيما أنها تعرضت ربما أكثر من غيرها لمحاولات التهويد والسيطرة، باعتبار أنها من المدن "الأربعة المقدسة" بحسب المعتقد اليهودي، إلى جانب القدس وصفد وطبريا.


وساهمت الخليل بشكل أساسي في "ثورة البراق"، وهي أول انتفاضة فلسطينية على محاولة تهويد القدس في عهد الانتداب البريطاني، بعدما اندلعت اشتباكات واسعة النطاق عند حائط البراق (الحائط الغربي للمسجد الأقصى) يوم 15 آب/ أغسطس 1929 رفضا لمخططات التهويد.

وشهدت الثورة صدامات بين الفلسطينيين من جهة واليهود وقوات الانتداب من جهة أخرى في الخليل وصفد والقدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى، واستمرت أياما.

وبعدما قمعت بريطانيا الحراك الشعبي وتمكنت من السيطرة على الموقف بقسوة، قدمت للمحاكمة ما يزيد على ألف من العرب والفلسطينيين وحُكم على 27 منهم بالإعدام، بينهم يهودي واحد كان شرطيا دخل على أسرة عربية في يافا مكونة من 7 أشخاص فقتلهم جميعا.

وخففت سلطة الانتداب الأحكام إلى السجن المؤبد بحق 23 من الفلسطينيين، وأيّدت حكم الإعدام بحق 3 بعد اتهامهم بقتل يهود، هم: فؤاد حسن حجازي، ومحمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير، وهم جميعا من مدينة الخليل.

وتتضمن الأوساط الفلسطينية عبارة تاريخية مفادها أن "القدس توحدنا والخليل تجمعنا"، وهذا شعار الذي جمع بين القدس والخليل على مدار مئات السنين، يتعلق بالتشابه بطبيعة الهجمة الاستيطانية، فضلا عن الشبه الظاهري بين المدينتين.

الضفة، الجبهة الأهم والأخطر، تشتعل ????

هاجم مقاومون سيارة للشرطة الإسرائيلية بالقرب من الخليل في الضفة الغربية، وقتلوا شرطيين اثنين إسرائيليين على الفور، وأصابوا الثالث بجراح حرجة، وانسحبوا من المكان بسلام.

صباح مشـ. ـرق pic.twitter.com/X0x45gdExx — Tamer | تامر (@tamerqdh) September 1, 2024
ورغم قلة المراجع التي توثق "الهجرة الداخلية" من الخليل إلى القدس، إلا أن محادثات سرية تاريخية دارت بين رئيس بلدية الخليل حينها محمد الجعبري والمفتي العام للقدس أمين الحسيني على اعتبار أن القدس والخليل كانت لواء واحد، يطلب بها الحسيني من رئيس بلدية الخليل بأن يهبوا إلى إنقاذ القدس من الاستيطان خلال حقبة الانتداب البريطاني، وهذا ما حصل حتى أصبحوا جزءا لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي.

ويعتقد المؤرخ الفلسطيني محمد ذياب أبو صالح أن الخليل ترفد القدس في جميع حقب التاريخ، وهي بوابة القدس، ولا تُفتح القدس إلا من جهة الخليل، لافتا إلى أنّ أهالي الخليل أدركوا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي أنّ مدينة القدس مستهدفة من الصّهيونية العالمية، فانتقلت إليها مئات العائلات الخليلية وسكنت فيها، وأصبحت النّسبة الأعلى من المدينة المقدّسة من الخليل، بحسب تقرير نشرته صحيفة بلدية الخليل.

وفي الثورة الفلسطينية عام (1936) ضد الانتداب البريطاني قاد كثيرون من أبناء الخليل هذه الثورة ضدّ الاحتلال، وذهب منهم كثيرون شهداء، من بينهم عطّا الزير، وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم، فيما يبين بأنّ الخليل كانت تتصدّر دوما احتفالات التعبئة في عهد الحج أمين الحسيني، وكان المشاركون يعزفون الأهازيج الوطنية لحشد قواهم ضد الحملة الشرسة.

محرك المقاومة 
وخلال الانتفاضة الأولى والثانية، كانت الخليل في صدارة المدن التي قاومت وتصدت للاحتلال، بينما كانت في انتفاضة 2015 المعروفة شعبيا باسم "انتفاضة السكاكين" أكثر من قدم الشهداء والمصابين، سواء من خلال تنفيذ العمليات، أو حتى التعرض للقتل والتنكيل الإسرائيلي.

وأوضحت دراسة إحصائية، أعدّها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، أن عدد شهداء "هبة السكاكين"، التي انطلقت في الأول من شهر تشرين أول/أكتوبر 2015، بلغ 251 شهيدا.
وأشارت الدراسة إلى أن محافظة الخليل تصدرت قائمة المحافظات التي قدمت شهداء خلال الانتفاضة، حيث ارتقى على أرضها 77 شهيدا، تليها القدس بـ 53 شهيدا.

وبسبب ذلك، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في 22 تشرين الثاني نوفمبر من العام ذاته أنه وجه أوامره للأجهزة الأمنية بتكثيف عملياتها في الخليل بحجة أنها مصدر أغلب "العمليات التخريبية" أو جميعها.

محاولات العزل
عمل الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز العشائرية في الخليل واستغلال وضعها الخاص بهدف إغراقها في الخلافات الداخلية، وذلك في إدراك منها أن استغلال عامل العشائرية هو المدخل الأول والأهم لتخريب النسيج الاجتماعي الذي يشكل حاضنة للثورة، بحسب ما جاء في مقال نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

وللخيل خصوصية ثانية ساعدت "إسرائيل" في محاولة اختراق العشائر، فهي المدينة الوحيدة التي يوجد بها مستوطنين ضمن شبكة من خمس بؤر استيطانية تتوزع في قلب المدينة، ويتصل بعضها ببعض بطرق أمنية تمزق جغرافيا المدينة وتشقّ وحدتها الاجتماعية. 


وفي ضوء ذلك تم تقسيم المدينة جيوسياسيا إلى جزئين: "إتش1" و"إتش2" ضمن اتفاقية الخليل الموقّعة في سنة 1997، والتي بموجبها تخضع المنطقة الثانية للسيادة الإسرائيلية، علما بأنه "يعيش فيها أكثر من 40 ألف فلسطيني مقابل 700 مستوطن إسرائيلي، ما أسس لتحولات عميقة في البُنى الاجتماعية أُطلق عليها مسميات شعبية من قبيل "الخليل التحتا" أو "الحارة التحتا"، وهذه التسمية لها دلالات اجتماعية تحيل إلى الخطر والخوف والقلق، إذ تحولت هذه المنطقة خلال ربع القرن الماضي إلى حَرْبَة في الخاصرة الخليلية، فصارت "قاعا مدينيا موبوءاً" يسيطر عليه اللصوص والهاربون من العدالة والخارجون على القانون وتجار المخدرات والسلاح، كما أن إمدادات السلاح كلها لعشائر الخليل مصدرها تجار السلاح في تلك المنطقة بحسب ما جاء في المقال.

وتمكن الاحتلال من استنهاض العشيرة في الخليل أكثر من غيرها من المدن الفلسطينية، مستغلا غياب أو ضعف الأطر الجامعة الأُخرى مثل الأحزاب والمؤسسات المدنية التي تستبدل روابط الدم بروابط سياسية واجتماعية وثقافية. 

وساهم في ذلك بحسب مؤسسة الدراسات الفلسطينية التنافس بين الأحزاب العلمانية والدينية على استمالة العشائر، الأمر الذي عزز من مكانة العشيرة السياسية بشكل غير مسبوق بحيث صارت العشيرة قوة سياسية يُحسب لها في الخليل ألف حساب.

"وصول متأخر لكن مؤثر"
عندما كانت جنين ونابلس والقدس ومدن أُخرى تقدم نماذج للعمل المقاوم الفردي والجماعي، كانت الخليل تكتوي بنار ثاراتها الدموية، علاوة على أنها تعرضت لاعتداءات وإجراءات قاسية من طرف جيش الاحتلال والمستوطنين، مثل: قتل فلسطينيين من زوار الحرم الإبراهيمي؛ إحداث تغييرات في عمارة الحرم وبناء مصعد كهربائي فيه؛ وتسريب عقارات فلسطينية في قلب المدينة للمستوطنين. 

مشاهد من عـمــليـة الخليل التي نفذها محمد كامل الجعبري، وأدت لمقتل مستوطن وإصابة آخرين. pic.twitter.com/mFitdOzpYZ — حسن اصليح | Hassan (@hassaneslayeh) October 30, 2022
وبينما ودعت في عام 2020 عاما كئيبا من الصراعات الداخلية والاعتداءات الإسرائيلية من دون ردّ، خرج على نحو مفاجىء وغير متوقع محمد كامل الجعبري، وهو معلم ورب أسرة في الثلاثينيات من عمره، والذي حمل سلاحه الشخصي تحت "عباءة سوداء" ونفّذ عمليته الفدائية في مستوطنة "كريات أربع" المتاخمة لمدينة الخليل حيث قتل مستوطنا معروفا بعدائه الشديد للخليل وجرح خمسة آخرين، بحسب 
ووصفت مؤسسة الدراسات الفلسطينية عملية الجعبري بـ "الصفعة في وجه عشائرية غارقة في ثاراتها، فالفدائي أخفى سلاحه تحت العباءة في إشارة ذكية إلى مخاتير لا يجيدون قراءة ما وراء المشهد.. أراد محمد أن يقول: إن العباءات التي تغطي السلاح العشائري يمكن أن تخبىء السلاح الثوري أيضا".

"إنها ميتة واحدة، فلتكن في سبيل الله"
مبدأ كان قد خطه الشهيد عبدالله عزام، رحمه الله.
وترجمه اليوم بطل القسام في الخليل محمد الجعبري،
"في سبيل الله" .. لا يؤديها حقها إلا من ارتبطت روحه بالسماء فهانت في عينيه المستحيلات pic.twitter.com/Z1FwN5Mx2h — Lama Khater لمى خاطر (@lama_khater) October 29, 2022
وأضافت أن "محمد الجعبري ليس مثلا فريدا في الخليل، فكثيرا ما كانت الخليل في ذاكرة الاستعمار بمثابة الأسد النائم الذي إن نهض أبدع في أساليب المقاومة، هكذا يقول التاريخ؛ ولعل واحدة من أهم مرتكزات السياسات الأمنية الإسرائيلية إزاء الخليل هو إبقائها نائمة. لكن في المقابل فإن ما يميز المقاومة في فلسطين هو صعوبة التنبؤ بانفجاراتها ومآلاتها، فمدينة الخليل التي يبدو أنها تغفو على جروحها القديمة، من الممكن أن تنهض من كبوتها وتلقي عن كاهلها عبء ثاراتها وتلتحق بركاب الثورة".

دلالات العمليات الحالية
أكد المختص في الشؤون الإسرائيلية عمر نصر الدين، أن عمليتي الخليل تأتيان ردا من الفصائل الفلسطينية على الاحتلال بأن سياسة التفرّد في بعض المناطق، والقيام بعمليات عسكرية فيها، لا يعني أن الفصائل تنتظر أن يفرغ الاحتلال من هذه المناطق لينتقل إلى أماكن أخرى، وهذا تكريس لفكرة أن الحالة الوطنية النضالية متكاملة، وإن اختلفت الأدوات والمقدرات وفق الظروف الأمنية.

عملية الخليل و ابطال الخليل بامتياز ????????

اللواء واصف عريقات : 11 طلقه قتلت 3 في هدف متحرك في موقع عسكري بامتياز ومنطقة مأهولة بالمستوطنين واجهزة المراقبه والتكنلوجيا هذا عمل نوعي بامتياز. pic.twitter.com/MQpdXpoRTW — mariam safwat hegazy (@Mariam_S_Hegazy) September 1, 2024
وأضاف نصر الدين أن العملية تحمل رسالة مفادها أن مناطق الضفة لم تستسلم للواقع الأمني المفروض، بقدر ما كانت حالة الهدوء تشير إلى محاولات ترميم هادئة للتنظيمات المقاومة، والشاهد على ذلك قدرة الفصائل على الانتقال تدريجيا وبصورة منظمة إلى حالة فاعلة في مختلف مناطق الضفة، بحسب ما قال لموقع "قدس برس" المحلي.


بدوره، أشار الكاتب أحمد الطناني إلى عملية الخليل الأخيرة "مهمة جدا من حيث التوقيت والمكان، وهي تنقل كل الحسابات الأمنية الإسرائيلية في الضفة إلى طور جديد، كما تؤكد أن المزيد من الضغط العسكري والأمني لن يفضي إلا إلى المزيد من المقاومة"، بحسب ما أفاد لذات الموقع.

عن عملية الخليل

المنفذين اطلقو 11 رصاصة فقط على سيارة الشرطة تسببت بمقتل 3 عناصر شرطة إسرائيلية داخل السيارة.

وجميع الرصاصات اصابات اجساد العناصر. pic.twitter.com/anBFNbnlhu — Hanzala (@Hanzpal2) September 1, 2024
وأوضح الطناني أن "الأشهر الأخيرة تكشف وجود تغيير نوعي في طريقة عمل المقاومة وتشكيلاتها في الضفة الغربية، خصوصا من حيث قوة التنظيم والصلابة الأمنية والتطور التكتيكي، حيث نجح عدد من العمليات بدون وجود إشارات ساخنة لدى الاحتلال حول نوايا تنفيذ عمليات في هذه المناطق".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية عملية الاحتلال الخليل الفلسطينية المقاومة فلسطين الاحتلال الخليل المقاومة عملية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة فی الخلیل pic twitter com فی الضفة أکثر من بحسب ما ما کانت September 1

إقرأ أيضاً:

عبد الرحيم علي: الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الحل.. ولا مجال للحرب بالنيابة عن الشعب الفلسطيني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي رئيس مجلسي إدارة وتحرير "البوابة نيوز"، ورئيس  مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس: “ أسمع في مصر اليوم من يقول: إننا لسنا مطالبين بدفع ثمن أخطاء حماس، فلتتحمل وحدها نتائج تصرفاتها، ولسنا معنيين بالمقاومة، وكأن هذا يعني أن المقاومة أصبحت عملًا شيطانيًا أو أمرًا مرفوضًا، وهذا طرح غير مقبول على الإطلاق”.
وأضاف: "في المقابل، هناك من يقول: بل على العكس، حماس أحيت القضية الفلسطينية بعد أن كادت تموت، والمفارقة أن كلا الرأيين، المتناقضين، يصدران عن أشخاص محسوبين على الدولة المصرية!".
وتابع:"أود أن أؤكد هنا أن السؤال ليس عن مشروعية المقاومة، فهي حق، بل واجب على كل من يتعرض للاحتلال، لكن النقاش الحقيقي ينبغي أن يدور حول طبيعة المقاومة وماهيتها، لا عن مشروعيتها".
وأردف: “هل المقاومة تعني فقط العمل المسلح؟ بالتأكيد لا، المقاومة الحقيقية تشمل السلاح، وتشمل السياسة، والدبلوماسية، وبناء العلاقات الدولية، وحشد الدعم الخارجي.”، مضيفا هنا أطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن لفصيل واحد أن يحتكر المقاومة؟ أقولها بوضوح: إذا حدث ذلك، فإن القضية تضيع بلا شك".
وأشار إلى أن تجارب الشعوب الأخرى واضحة، لم تكن هناك مقاومة ناجحة إلا من خلال جبهة وطنية موحَّدة، في فيتنام كانت هناك جبهة مقاومة؛ في الجزائر، كذلك؛ وفي جنوب إفريقيا، تكرّر النموذج نفسه".
ولفت إلى أن مصر على سبيل المثال دعمت الجزائر في كفاحها ضد الاستعمار، كما دعمت الصينُ فيتنام، لكن أيًا من هذه الدول لم تتدخل عسكريًا، ولم ترسل جيوشها إلى أرض المعركة، بل قدمت الدعم اللوجستي والسياسي والمعنوي الكامل، وهو تمامًا ما تفعله مصر اليوم تجاه القضية الفلسطينية.
وأوضح أن ما قامت به حركة حماس في السابع من أكتوبر، لا يمكن اعتباره عملًا بطوليًا يُحسب لها بالكامل لماذا؟ لأنه كان قرارًا منفردًا، لم يُتخذ بالتشاور مع باقي مكونات الشعب الفلسطيني، ولم ينبع من إجماع وطني، معقبا: "هذا القرار الأُحادي ستدفع ثمنه كل الفئات الفلسطينية، وليس حماس وحدها".
واستطرد: "كان من المفترض أن يصدر قرار بهذا الحجم والخطورة من خلال الإطار التمثيلي الشرعي، وهو منظمة التحرير الفلسطينية، أو على الأقل من خلال تشكيل جبهة وطنية موحدة تضم حماس وفتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وسائر الفصائل الفلسطينية الفاعلة على الأرض".
وأكد أن هذا ما سعت مصر إلى تحقيقه منذ عام 1948، واستمرت في محاولاتها، منذ عام ١٩٩٨ إبان رئاسة اللواء عمر سليمان لجهاز المخابرات وحتى اليوم، وبخاصة مجهودات مصر منذ عام ٢٠٠٧ حتى ٢٠٠٩.
وأوضح أن المرحلة الأولى من الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية بدأت فعليًا عام 2006، حين نشب خلاف جوهري بين مصر وحركة حماس، وبلغ ذروته في عام 2009، مشيرا إلى أن جوهر الخلاف آنذاك كان رفض حماس التوقيع على بيان المصالحة، ورفضها مد يدها إلى الرئيس محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية.
وتابع: "خلال الجلسات المتعددة التي قادتها مصر، اقترحنا حلًا وسطًا يقضي بأن يوقّع محمود عباس على الاتفاق بشكل مستقل، وأن توقّع حماس أيضًا بشكل مستقل، لكن حماس رفضت هذا الطرح".
وأضاف: “بدلًا من التوقيع، توجهت حماس إلى سوريا، ثم إلى إيران، وأصدرت بيانًا من دمشق أعلنت فيه رسميًا رفضها التوقيع على الاتفاق، رغم أن الحوار حوله استمر لأكثر من عشر سنوات، من بينها نحو عامين مكثفين بين 2007 و2009”.
ولفت إلى أن تلك الفترة شهدت ما عُرف بـ'الانقلاب' الذي نفذته حماس في قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف المحاولات المصرية لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي، مؤكدًا أنه يمكننا أن نرصد كل الجهود المصرية، سواء تلك التي بدأت منذ عام 1948، أو تلك التي تجددت بين عامي 2006 و2007، كلها كانت تهدف إلى توحيد الصف الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية.
ونوه بأن رغم كل ما جرى بعد ذلك من اقتحام السجون، وإطلاق سراح بعض العناصر، وتجاوزات أخرى فإن مصر تجاوزت كل الجراح، وابتلعت الغُصَص، لأن القضية الفلسطينية ليست مجرد موقف سياسي بالنسبة لنا، بل هي في صميم النضال المصري، في قلب عقيدتنا الوطنية.
وأكد رئيس مجلس إدارة “البوابة نيوز” أن مصر التي قدّمت شهداء في حروب 1948 و1967 و1973، والتي وقفت دائمًا في صف القضية الفلسطينية، لا يمكن لها أبدًا أن تتخلى عنها، موضحا أن موقف مصر ثابت وراسخ بقوله: “نحن نؤمن بأن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، ونطالب بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الخامس من يونيو عام 1967، استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها القرار 242”.
وأضاف: “لكن وكما أكدت سابقًا، الخلاف الحقيقي ليس حول مبدأ المقاومة ذاته، بل حول من يقود هذه المقاومة، وكيف تُدار، مؤكدا أن المقاومة، أو الكفاح المسلح، إذا فُقد فيها العقل السياسي، وغابت عنها القيادة الموحدة، وتغيب البرنامج النضالي والاستراتيجي المتكامل، فإنها تتحول إلى سلاح أعمى، وسلاح بلا عقل سياسي لا يصيب قلب العدو، بل يصيب قلب صاحبه، ويؤلمنا نحن في عمق وجداننا".
وتابع: " أنا لا أرغب في إعادة ما ذكرته تفصيلًا، لكن لا بد من الإشارة إلى المؤشرات الكثيرة التي تؤكد أن ما جرى في السابع من أكتوبر كان بتخطيط مسبق من الجانب الإيراني، هذا التحرك جاء دعمًا لأجندة إيران النووية، ولتوفير نوع من الإشغال المؤقت لإسرائيل، وقد تم -على الأرجح- بتمرير أو قبول ضمني من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو." 
وأردف: "جميع الأدلة المتوفرة اليوم، والتي أشرنا إليها منذ عام 2023، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان على علم مسبق بما سيحدث في السابع من أكتوبر، بل لقد وُجّه إليه سؤال صريح داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي: لماذا تتعامل بحالة من اللين مع حركة حماس؟ ولماذا تسمح بتمرير أموال قطرية إلى القطاع وتزيد من أعداد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل؟ وكان رده نصًا: أتمنى أن يقعوا في خطأ كبير... وسوف يقعون!".
“ما يُقال اليوم عن أن مصر تحارب أو تتقاعس عن دعم القضية الفلسطينية هو قول لا أساس له من التاريخ ولا من المنطق”.
وأشار إلى أنه لم تُطلب مثل هذه المشاركة المباشرة من أي دولة في تجارب المقاومة عبر العالم؛ لم تُطلب من الصين -رغم أنها دولة شيوعية- أن ترسل جيشها لتقاتل إلى جانب فيتنام ضد فرنسا أو أمريكا، رغم أن جبهة فيتنام كانت شيوعية أيضًا، ولا طُلب من الاتحاد السوفيتي أن يرسل جنوده لنصرة فيتنام، ولا من الدول العربية أن ترسل جيوشها لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، ولا من دول أفريقيا أن تحارب النظام العنصري في جنوب أفريقيا".
وأردف أنه ومع ذلك، انتصرت هذه الحركات التحررية، لأنها كانت تتحرك ضمن جبهة وطنية موحدة تضم جميع القوى السياسية الفاعلة، وتنطلق من برنامج نضالي وسياسي موحّد، وتملك قيادة واحدة معترف بها دوليًا.
ونوه بأن هذه القيادة كانت تدير العمل العسكري على الأرض، وتخوض في الوقت نفسه المسار التفاوضي داخليًا وخارجيًا، حتى تحقق النصر، مضيفًا: "هذا هو النموذج الذي رأيناه ينجح في الجزائر، وينجح في جنوب أفريقيا، وينجح في فيتنام. إنه النموذج الذي يجمع بين السلاح والعقل، بين الكفاح والتنظيم، بين النضال والشرعية الدولية".
واختتم: "يتلخص الطريق إلى حل القضية الفلسطينية في ايجاد قيادة سياسية موحدة وعنوان واضح للفلسطينيين ووحدة وطنية وبرنامج سياسي موحد وبرنامج نصالي موخد بدون ذلك سنطل ندور في الفراغ وندفع أثمانا باهظة لاختطاف القرار الفلسطيني وارتهانه لفصيل واحد دون بقية الفصائل وهو ما تريده إسرائيل".

مقالات مشابهة

  • إضراب شامل يعم القدس المحتلة والضفة الغربية تنديدا بالعدوان على غزة (شاهد)
  • إضراب شامل في الضفة والقدس إسنادا ودعما لغزة / شاهد
  • عبد الرحيم علي: لا يمكن أن تُعتبر المقاومة الفلسطينية عملًا شيطانيًا أو مرفوضًا
  • عبد الرحيم علي: الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الحل.. ولا مجال للحرب بالنيابة عن الشعب الفلسطيني
  • استنكرت وأدانت استهداف الاحتلال للمدنيين العزل.. السعودية تطالب العالم بوضع حدٍ لمأساة الشعب الفلسطيني
  • الإمارات تنقل التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة
  • «الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي
  • ماذا نعرف عن مشروع نسيج الحياة ضمن خطة إسرائيل لضم الضفة؟
  • كاتب مسرحي يهودي: المقاومة الفلسطينية مشروعة
  • شاهد.. سرايا القدس تسقط مسيّرتين إسرائيليتين إحداهما مطورة