#الحياة_مدرسة
د. #هاشم_غرايبه
يعتقد أغلب الناس أن الحياة حظوظ، وان النجاح والوصول الى المراتب العليا مكتوبة على المرء ليس له يد فيها، لكن الحقيقة أن الأدوات الأساسية التي تصنع النجاح مودعة في كل البشر، إنما ما يعطيه الله بدرجات متفاوتة فهي المواهب، والتي لا سبيل لمعرفة الحكمة الإلهية البالغة في أسس توزيعها، فأغلب عناصرها متعلقة بما تخفيه سرائر البشر، وماغيبه الله عنا من علم بالمستقبل.
وأهم تلك المواهب الذكاء والحكمة.
المرء يعيش حياته في أربعة دوائر هو مركزها، فكل منها تحتوي الأصغر منها، يتمركز الإنسان في الدائرة الصغرى، وهي المريحة له كونها الأكثر أمانا له، وفيها يمكنه التحكم في ظروفه، لكنه ينحو طوال الوقت الى الخروج منها الى الثانية الأوسع، ثم الثالثة، وصولا الى الدائرة الرابعة، التي هي الكبرى المحيطة بجميع الدوائر.
الدائرة الأولى هي المريحة، لأنها متعلقة بمتطلباته الذاتية فقط، فيكون المرء واثقا من سيطرته على ما في هذه الدائرة الصغيرة.
عندما يدفعه الطموح للخروج الى الدائرة الثانية، التي تسمى دائرة التجريب، والمحفوفة بالخوف من المجهول، يكون ذلك بحذر، وإقدامه بمقدار الثقة بالنفس، على أن أكثر ما يميز المقيمين في هذه الدائرة أنهم يبقون عرضة للتأثر بآراء الآخرين.
اذا تمكن من تخطي دائرة الخوف، ينطلق الى الثالثة، وهي دائرة التعلم، ولأنه بوصوله هذه الدائرة يكون قد تجاوز عائق عدم الثقة بالنفس الذي ولد لديه الخوف، لذا فتصبح لدية القدرة على التعامل مع التحديات، فتتوسع مداركه ويكتسب مهارات جديدة، وتتعزز امكانياته في حل المشكلات، لكن أهم مكاسبه تكون في توسيع دائرة الإطمئنان المريحة لديه لتشمل حدودها الدائرة الثالثة.
بعدها ينتقل الى الدائرة الرابعة وهي دائرة الانجاز، وتمثل النجاح وتحقيق الذات، وتتميز بأربعة عناصر وهي: وضع أهداف محددة، وتحقيق الأحلام، وإيجاد أهداف أبعد متجددة، وقهر الصعوبات.
النفوس الكبيرة يكون كبرها بحجم الطموح الذي يعمرها، فتتجه دوما للدائرة الرابعة وتتحمل الصعاب في سبيل ذلك الإنتقال، أما متواضعو الطموح قليلو الهمة فيفضلون البقاء في الدائرة الأولى – دائرة الراحة – ، لذلك تجدها الأكثر اكتظاظا، ويقل ذلك كلما اتجهنا خارجاً الى الدوائر الأوسع، التي يعمرها الطموحون، وزاخرة بالقادة والعلماء والمفكرين.
الذكاء والحكمة هما زاد التغيير، يقودان ويوجهان الإنسان لكي يرتقي، وهاتان الموهبتان متباينتان عند الناس، وموزعتان بحكمة إلهية، لا يمكننا الاحاطة بها، لكي تعمر الأرض بكل ساكنيها، وليبقى بعضهم بحاجة لبعض، فيسود بينهم التعاون وتبادل المنافع، إذ لو أعطيت للجميع بدرجة واحدة لنشأوا بقدرات متماثلة، ولما خدم أحد أحدا: “وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا” [الزخرف:32].
يعتقد كثيرون أن الذكاء والحكمة متلازمان، لكنهما في الحقيقة مختلفان وأداؤهما متباين. فالذكاء يقود أما الحكمة فتوجّه. الذكاء يضبط التحرك فيما الحكمة تتيح الحركة. الذكاء وقود فهو يحرق أما الحكمة فهي دفء يريح. الذكاء يقدم الحجج أما الحكمة فتقدم البناء. في الذكاء تتجلى قوة الإرادة أما في الحكمة السيطرة على الإرادة. الذكاء سعي للمعرفة وهو متعب للساعي، وفي الحكمة السعي للحقيقة وهي ملهمة للساعي. الانسان الذكي يعتقد أنه يعرف كل شيء، لكن الحكيم يعرف أن هنالك شيئا عليه تعلمه. الذكي يحاول دوما اثبات وجهة نظره، الحكيم يعلم أنه لا توجد وجهة نظر تستحق الإثبات. الذكي يقدم مجانا النصيحة المرغوب فيها، الحكيم يحتفظ باستشارته الى حين استنفاد كافة الخيارات. الذكي يفهم تماما ما قيل، لكن الحكيم يفهم ما الذي ترك قوله. الذكي يتكلم عندما يكون عليه أن يتكلم، أما الحكيم فيتكلم عندما يكون لديه من يستمع. الذكاء يُري المرء أن كل الأمور نسبية، أماالحكمة فتريه مقدار التناسب. الرجل الذكي يعرف كيف يعظك، لكن الحكيم يعرف كيف يصل الى عقلك. السياسي الذكي يعرف كيف يسيطر على جمهور هائج، لكن الحكيم يعرف كيف يوجهه.
هكذا نستطيع أن نتبين الفوارق الدقيقة بين الذكاء والحكمة، صحيح أن الذكاء هبة ثمينة نافعة للمرء، لكن الإنجاز لا يتحقق إلا إن رافقته الحكمة.
لذلك: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا” [البقرة:269] مقالات ذات صلة وراء الأكمة 2024/08/31
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه یعرف کیف الذکاء ی
إقرأ أيضاً:
«الجنائية الدولية» تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف
المحكمة الجنائية الدولية وجدت أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما مسؤولين مدنيين عن جريمة الحرب.
التغيير: وكالات
أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، مذكرات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة الإسرائيلية) ويوآف غالانت (وزير الدفاع السابق) والقائد في حركة حماس محمد دياب إبراهيم المصري (المعروف باسم الضيف) بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وقالت دائرة المحكمة في بيانين أصدرتهما اليوم الخميس، إن مذكرات الاعتقال تُصنف على أنها “سرية”، لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات، ومع ذلك، قررت إصدار المعلومات الواردة في بيانها “لأن السلوك المماثل للسلوك الذي تناولته مذكرة الاعتقال يبدو أنه مستمر”.
وأضافت- بحسب مركز أخبار الأمم المتحدة- أنها ترى أنه من مصلحة الضحايا وأسرهم أن يتم إعلامهم بوجود مذكرات الاعتقال.
واعتبرت المحكمة أن السلوك المزعوم لنتنياهو وغالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة. وأشارت إلى أنها قررت بالفعل أن اختصاص المحكمة في هذا الوضع يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
وعلاوة على ذلك، رفضت الدائرة استخدام سلطاتها التقديرية من تلقاء نفسها لتحديد مدى مقبولية القضيتين في هذه المرحلة. وهذا لا يخلو بأي قرار بشأن اختصاص وقبول القضيتين في مرحلة لاحقة.
وكان المدعي العام في المحكمة قد تقدم في البداية بطلبات لإصدار أوامر اعتقال بحق اثنين آخرين من كبار قادة حماس هما إسماعيل هنية ويحيى السنوار. وبعد تأكيد مصرعهما، وافقت دائرة المحكمة على سحب الطلبات في 9 أغسطس 2024 و25 أكتوبر 2024.
الاتهامات ضد نتنياهو وغالانتوفيما يتعلق بالجرائم، وجدت الدائرة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وقت السلوك المعني، وغالانت وزير دفاع إسرائيل وقت السلوك المزعوم، يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية باعتبارهما مشاركين في ارتكاب الأفعال بالاشتراك مع آخرين:
جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛
والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.
ووجدت الدائرة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما مسؤولين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين.
مذكرة اعتقال بحق الضيفوأصدرت الدائرة التمهيدية للمحكمة كذلك مذكرة اعتقال بحق محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مزعومة على أراضي دولة إسرائيل ودولة فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023 على الأقل.
ووجدت المحكمة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن ضيف، وهو القائد الأعلى للجناح العسكري لحماس (كتائب عز الدين القسام) في وقت ارتكاب السلوك المزعوم، مسؤول عن الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والإبادة والتعذيب والاغتصاب وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي؛ فضلا عن جرائم الحرب المتمثلة في القتل والمعاملة القاسية والتعذيب واحتجاز الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصية والاغتصاب وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي.
ووجدت المحكمة أيضا أسبابا معقولة للاعتقاد بأن الضيف يتحمل المسؤولية الجنائية عن تلك الجرائم لارتكاب الأفعال بشكل مشترك ومن خلال آخرين، والأمر بارتكاب الجرائم أو التحريض.
رفض طلبين من إسرائيلوأصدرت دائرة المحكمة بالإجماع قرارين برفض طلبين قدمتهما إسرائيل في 26 سبتمبر 2024.
في الطلب الأول، طعنت إسرائيل في اختصاص المحكمة بشأن الوضع في دولة فلسطين بشكل عام، وعلى المواطنين الإسرائيليين بشكل أكثر تحديدا، على أساس المادة 19(2) من النظام الأساسي.
وفي الطلب الثاني، طلبت إسرائيل من الدائرة أن تأمر الادعاء بتقديم إخطار جديد بشأن بدء التحقيق إلى سلطاتها. كما طلبت إسرائيل من الدائرة وقف أي إجراءات أمام المحكمة في الحالة ذات الصلة، بما في ذلك النظر في طلبات إصدار أوامر اعتقال لنتنياهو وغالانت.
وفيما يتعلق بالطعن الأول، لاحظت الدائرة أن قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس مطلوبا، حيث يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الاختصاص الإقليمي لفلسطين. وعلاوة على ذلك، اعتبرت الدائرة أنه لا يحق للدول الطعن في اختصاص المحكمة قبل إصدار أمر الاعتقال. وبالتالي “فإن تحدي إسرائيل سابق لأوانه”.
يُذكر أن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونا عن الأمم المتحدة، على الرغم من تأييد الجمعية العامة لها. على الرغم من أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ليست جميعها أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يمكن للمحكمة إجراء تحقيقات وفتح قضايا تتعلق بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضي دولة طرف أو من قبل مواطن دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية أو دولة قبلت اختصاصها.
الوسومإسرائيل إسماعيل هنية الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو فلسطين محمد الضيف يواف غالانت