عنف اليمين المتطرف الأوروبي النموذج البريطاني
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
لا تنبني أفكار اليمين المتطرف عموما وفي أوروبا خصوصا على أية أرضيات منطقية أو عقلية؛ الأمر محض انفعالات عاطفية بناء على معلومات مغلوطة وكاذبة ينبني عليها استغلال بعض السياسيين لهذه المشاعر لأغراض نفعية بحتة وغير وطنية، وهو ما انطبق حرفيا على موجة العنف التي ضربت بريطانيا قبل أسابيع بناء على خبر كاذب، وانطلقت من مدينة لأخرى في مشهد مرعب ومثير لا يتناسب مع ديمقراطية أوروبية يُضرب بها المثل في التعايش واندماج المسلمين.
الوضع الحالي في بريطانيا لا يبشر بأي خير بالنسبة للتعايش بين مكونات المجتمع وخاصة المسلمين؛ لعدة أسباب:
أولا، على خلاف ما يظنه البعض، فإن أحوال الدول العربية والإسلامية تنعكس سلبا وإيجابا على الجاليات المسلمة وأوضاعها في الغرب وخاصة بريطانيا. الثورة السورية مثلا تسببت في موجات لجوء كبيرة لبريطانيا، ورغم الفوائد العظمى المطمورة وغير المروج لها لموجات الهجرة تلك، ورغم أنها موجات في معظمها منظمة وقانونية تتم عبر الحكومة، إلا أنها في المناخ العام تُصور على أنها غزو للاجئين الذين جاءوا ليأكلوا خيرات البلاد والعباد. الاستثمار الذي غامرت به حكومات حزب المحافظين المتعاقبة في أصوات اليمين المتطرف؛ نقل الأصوات المتطرفة من الهامش إلى المركز ومن الشوارع الخلفية إلى الميادين الرئيسيةوعلى العكس من ذلك، في 2011 عندما كانت الصورة الوردية هي التي تغلف الثورات العربية، كان الترحيب الرسمي والشعبي بكل ما هو عربي من دول الثورات ملحوظا، ولأن كثيرا من الدول العربية حاليا تئن تحت نير مظالم ومشاكل عدة، فالمناخ العام يرى في رعايا هذه الدول عبئا على المجتمع والدولة حتى ولو كانوا يتبوؤون أعلى المناصب وأفضلها.
وثانيا، فإن الاستثمار الذي غامرت به حكومات حزب المحافظين المتعاقبة في أصوات اليمين المتطرف؛ نقل الأصوات المتطرفة من الهامش إلى المركز ومن الشوارع الخلفية إلى الميادين الرئيسية. كل هذا كان بسبب شهية المحافظين لبعض الأصوات الإضافية من دون أية مسئولية وطنية، ولأن حكومات المحافظين استمرت لأكثر من عقد من الزمان فإن الأثر السيئ الذي تركته لا يمكن محوه بسهولة. وكانت النتيجة تركة ثقيلة لحزب العمال القادم بأجندة تقليدية غير كافية لمواجهة هذا الطوفان الهائل من المشاعر السلبية تجاه المهاجرين واللاجئين وكافة الأقليات.
وثالثا، فإن الوضع الاقتصادي المتدهور دائما تتمخض عنه عادة الرغبة في البحث عن كبش فداء لتحميله المسئولية عما يجري، وبدلا من تركيز الخطاب العام على مراجعة بنود الإنفاق العام وترشيدها، تبحث التيارات المحافظة واليمينية عن شماعة لتعليق فشلها عليها، وليس هناك أكثر ضعفا من كاهل اللاجئين والمهاجرين.
مشكلة مسلمي بريطانيا هي تعبير عن أزمة تاريخية موجودة في بريطانيا مع الأقليات عموما، ولا ينبغي أن تكون مشكلة جالية أو فئة بقدر ما هو مشكلة مجتمع ودولة بأكملها
ولست مع الذين يرمون الكرة في ملعب المهاجرين واللاجئين لتحميلهم مسئولية تفاقم الأمور الذي وصل إلى ما حدث منذ عدة أسابيع، فقد أثبت مسلمو بريطانيا قدرا عال من المسئولية تجاه البلاد والعباد. فعلى الصعيد السياسي استطاعوا في غضون عقود قليلة المشاركة في معظم الأحزاب الرئيسية ودخلوا مجلسي العموم واللوردات والبرلمانات المحلية الأخرى مثل البرلمان الأسكتلندي، ووصل عدد كبير منهم لمناصب وزارية مهمة، فضلا عن مشاركة مهنية ومجتمعية متميزة.
إن مشكلة مسلمي بريطانيا هي تعبير عن أزمة تاريخية موجودة في بريطانيا مع الأقليات عموما، ولا ينبغي أن تكون مشكلة جالية أو فئة بقدر ما هو مشكلة مجتمع ودولة بأكملها. لقد مرت موجة العنف الماضية غير المسبوقة بسلام، ويرجع الفضل أساسا إلى التيارات الشعبية المناهضة للفاشية التي ضاعفت أعداد المتظاهرين المناهضين لليمين المتطرف لتغطي على أصواته. وهو رد فعل اجتماعي محمود لكن ضمان استمراره وبقائه ليس مضمونا، فلا أحد يستثمر في هذه الأصوات، والسياسة والعمل العام في الغرب وفي بريطانيا يعتمد على المصالح والضغوط أكثر من المبادئ والأخلاقيات. وأتمنى أن يكون ناقوس الخطر هذا كافيا لإيقاظ مختلف الجهات لكبح جماح وتجريم الأصوات اليمينية المتطرفة.
x.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمين المتطرف بريطانيا المسلمين المهاجرين بريطانيا مهاجرين المسلمين اليمين المتطرف مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیمین المتطرف فی بریطانیا
إقرأ أيضاً:
حرب الجغرافيا
اليمين المتطرف الذى يحكم فى إسرائيل لا يتوقف عن الإعلان عن نيته التوسّع جغرافيًا فى المنطقة العربية وفقًا لمزاعم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهو ما ينسب لمرجعيات يهودية وسياسية فى أكثر من مناسبة يكفى على سبيل المثال التوقف عند تصريحات الوزيرين المتطرفين فى حكومة الحرب الإسرائيلية إيتمار بن جفير وزير الأمن القومى وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية فى أكثر مناسبة.
فى السياق ذاته يمكننا قراءة حديث الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب عندما قال إنه كلما نظر إلى خارطة العالم ووجد إسرائيل صغيرة يحزن!! وكذلك حديث نتنياهو عما أسماه حرب الاستقلال الثانية، كل هذا يقول إن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ربما عازمتان على إعادة رسم الجغرافيا السياسية فى الشرق الأوسط.
بالتدقيق فى المواقف والتصريحات واتجاه الصراع فى المنطقة وشروط إسرائيل لإنهاء الحربين فى غزة ولبنان, يتضح أن هدف نتنياهو ومعه اليمين المتطرف هو تأمين عمق جغرافى لإسرائيل, وهذا لن يحدث إلا بضم الضفة الغربية والقدس وغزة ولا أستبعد أن يصل شطط نتنياهو إلى التفكير فى احتلال أجزاء من لبنان وسوريا والأردن، بذريعة تأمين حدود إسرائيل، وكل هذا بالطبع مع ضوء أخضر من دوناد ترامب.
تأتى كل المواقف السياسية الإسرائيلية لتؤكد صحة هذه القراءة لأهداف نتنياهو, فهل علينا مثلا أن نمرر تصريحات وزيرة الاستيطان أوريت ستروك بأنها تعمل على قدم وساق لإعلان السيادة الإسرائيلية على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، وبأنه لا ينبغى وضع إستراتيجية للخروج من قطاع غزة وكذلك مطالبات سموتريتش من قسم إدارة المستوطنات فى وزارة الدفاع، وكذلك الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية قبل أيام، بالبدء فى إعداد البنية التحتية اللازمة للسيطرة على الضفة الغربيّة, من دون أن نفهم أن محطتهم التالية هى الضفة والقدس فسموتريتش نفسه قالها علنا: «آن الأوان لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية فى عام 2025، فى ظل وجود ترامب فى البيت الأبيض».
الفكرة الصهيونية التى تنتصر للدولة اليهودية الخالصة تسعى عمليًا إلى احتلال كل فلسطين التاريخية، ولخدمة هذه الفكرة يرى اليمين المتطرف أن الخروج من غزة كان خطأ وأنه لابد من إعادة السيطرة عليها وأن الطريقة الوحيدة لإزالة التهديد المتمثّل فى قيام دولة فلسطينية هو السيطرة على الضفة الغربية عبر التوسّع الاستيطانى.
القضية الفلسطينية من وجهة النظر العادلة لا يمكن أن تحل من دون الرجوع إلى الشرعية الدولية وتطبيق قرار حل الدولتين وفقا لحدود الرابع من يونيو 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وهذا ما يطالب به المجتمع الدولى والزعماء العرب فى كل محفل وفى مقدمتهم الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي, ولكن إسرائيل تعمل كل ما فى وسعها لمنع إقامة دولة فلسطينية فالكنيست سنّ قانونًا فى يوليو الماضى، برفض الدولة الفلسطينية بأغلبية ساحقة، حيث صوّت 99 نائبًا لصالح القانون من أصل 120 عضوَ وأيضًا شرّع الكنيست فى عام 2018، قانون القومية اليهودية، لدعم الاستيطان، ولحصر حق تقرير المصير باليهود على أرض فلسطين التاريخية، أى عدم الاعتراف بالفلسطينيين كشعب أو قومية يحق لهم الاستقلال فى دولة فلسطينية.
كل ما حدث ويحدث الآن فى قطاع غزة من محو لكل مظاهر الحياة فى القطاع ليجبر الفلسطينيون على التهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم طلبا للحياة، هدفه فى المقام الأول تحويل قطاع غزة إلى واحة من المستوطنات ومن جانب آخر يقنن الاحتلال سياساته فى الداخل الإسرائيلى منذ سنوات عبر قوانين استعمارية لاحتلال الضفة الغربية والقدس.
فى تصورى أن الأيام القادمة ستدفع الاحتلال الإسرائيلى إلى تنفيذ مخططاته بغطاء أمريكي, لاسيما مع التفاءل الإسرائيلى بقدوم دونالد ترامب والذى أغدق بالوعود على اليمين المتطرف خاصة مع أعلانه أثناء حملته الانتخابية دعمه لفكرة توسيع الحدود الجغرافية لإسرائيل، على حساب الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة, وقد ظهرت مؤشرات تدعم هذا التفاؤل ممثلة فى الشخصيات المرشّحة لتشكيل إدارة ترامب، مثل المرشحين لحقائب الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومى ومدير المخابرات والسفير الأمريكى فى إسرائيل، كلها شخصيات صهيونية رافضة لفكرة الدولة الفللسطينية.
مع الأسف الحرب القادمة هى حرب جغرافيا بامتياز.