دارفور وأمة السودان: أن تأتي متأخراً (1-2)
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
اكتنف التداول حول كلمة الفريق ركن عبدالفتاح البرهان للصحافيين الأحد الماضي نذراً عن قرب انقسام السودان. وليس في حديثه ولا تعليق قوات "الدعم السريع" عليه مع ذلك بما يأذن بمثل هذه النذر. فجدد البرهان في كلمته عهد القوات المسلحة أن تنهي الحرب في دارفور قبل أي ولاية في الشمال أو في الوسط، وأن السودان موحد.
ومع ذلك، فلربما جاءت هذه المخاوف من الانفصال من كلمة لم يحسن البرهان عرضها. فقال إن الناس يتحدثون عن خيارات طُرحت بأن تكون الخرطوم للجيش في حين تكون الفاشر، عاصمة ولاية دارفور، لـ"الدعم السريع". وزاد لاحقاً أن العرض قضى بأن تكون الخرطوم والجزيرة للجيش، والفاشر للقوات المشتركة، أي حلفاء الجيش من قوات الحركات المسلحة، ولـ"الدعم السريع" البقية الباقية.
ولا نستبعد أن الناس فهموا منه أن هناك من جاءهم بمثل هذا العرض حتى مع قوله إنه لم يطرح عليهم، وأنه مما يعشعش من قدم في رأس من سماهم "المستعمرين الجدد"، بل زاد أنه لن يسمح حتى لأحد أن يأتيه بمثل هذا العرض. ولا يدري المرء لم احتاج البرهان إلى أن يطلع الناس المؤرقة بهاجس تقسيم البلد، ضمن هواجس أخرى عنها، بما يعشعش في رؤوس مبتلية بهذه المشاريع بينما لم يعرض أحد منهم هذا التقسيم عليه. فصعب أن يصدق الناس، وهم في هذه الشفقة على وحدة البلاد، أن هذا العرض بتقسيم البلاد "مجرد كلام أحلام" كما قال، وسيقولون إن العرض لا بد من أنه وقع والبرهان إنما يتجمل.
وأثار البرهان بحديثه مخاوف الانفصال من دون أن يقصد ربما. فأدلت النخبة بدلوها عن الانفصال كل بطريقته. فقال القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية "تقدم" خالد عمر يوسف إن الانقسام حق. فالمجتمع الدولي شرع يتعامل مع السودان كمناطق نفوذ توزعت بين الجيش و’الدعم السريع‘، بل والحركة الشعبية لتحرير السودان التي انتبذت السودان منذ أكثر من عقد وأنشأت دولتها المستقلة في جبال النوبة بجنوب كردفان. وجاء خالد في معرض خشيته من تشظي السودان بزعم "الدعم السريع" إقامة حكومة في الخرطوم للحد من شرعية البرهان، مما يعني، في رأيه، خطر التقسيم وتكرار تجربة ليبيا. ومع أن فكرة "الدعم" في إنشاء حكومتها في الخرطوم أقرب للوحدة منها إلى التقسيم ما دام أنها ستكون في مركز البلاد التاريخي، بل قالت "الدعم" إنها لن تسمح بتفكيك السودان في مثل ما حدث بانفصال جنوب السودان عام 2011.
ورأى القيادي في الحزب الشيوعي تاج السر عثمان أن رفض البرهان التفاوض كما حدث في إضرابه عن حضور مؤتمر جنيف (14 أغسطس الجاري) سيسعر الحرب، "مما يهدد وحدة البلاد بعد تصريح الدعم السريع أنها قد تلجأ إلى تكوين حكومة في الخرطوم للحد من شرعية سلطة البرهان، مما يعني خطر التقسيم وتكرار تجربة ليبيا."
تقسيم السودان هاجس وطني كبير، فبلد فقد ثلث أرضه وشعبه بخروج جنوبه منه لا بد من أن يتحسس عقله حين تتناتشه مثل هذه النذر والإنذارات التي أتينا عليها أعلاه. ويقال "مَن ذاق عضّ الدبيب خاف من جر الحبل". ولكن لم ينهض بعد أحد بحيثيات مقنعة بأن السودان إلى زوال بالتقسيم. فلم يصدر من أي طرف في هذه الحرب أي نأمة بالانفصال بأي جزء من السودان. وهذا بخلاف جنوب السودان الذي دعت صفوته إلى الانفصال وضرجت المطلب بـ "تمرد" الفرقة الجنوبية عام 1955 حتى قبل الاستقلال. ووقع الانفصال مع ذلك بالتفاوض بعد حرب طويلة باتفاق سلام كفل للجنوب حق تقرير مصيره. وقرر الجنوب الانفصال باستفتاء في 2011.
وجاءت أكثر المخاوف من تقسيم السودان من مصادر ثلاثة:
أولاً: من النموذج الليبي المنقسم بين بنغازي وطرابلس. ورأينا كيف لوّح به كل من خالد عمر يوسف وتاج السر عثمان من غير اتفاق. ومن يجلب هذا النموذج إلى الحالة السودانية يغض الطرف عن أمرين: أولهما أن بنغازي وطرابلس ظلتا دولتين منفصلتين حتى وحّدهما الاستعمار الإيطالي في 1924، أما الثاني فهو أن ليبيا، خلافاً للسودان، خاضت حربها الأهلية بالميليشيات من الطرفين وخلت من جيش قومي مهني كما عندنا. ومهما كانت قيمة هذين العاملين فهما مما لا بد من أن يُستصحبا متى قاربنا بين الوضعين في السودان وليبيا.
ثانياً: وبالنظر إلى دارفور والسودان، ذاع خلال الحرب الأهلية في إقليم دارفور أنه ظل معتزلاً السودان في سلطنته التاريخية حتى أخضعه النظام التركي – المصري (1821-1885) في 1874 قبل عقد من سقوطه هو نفسه على يد الثورة المهدية. كما اعتزلت دارفور السودان بعد استعماره بواسطة الإنجليز حتى ضموه إليه بعد نحو عقدين من احتلالهم له في 1898. ونواصل
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع فی الخرطوم
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: مخيم زمزم للنازحين في غرب السودان “شبه خال” بعدما سيطرت عليه قوات الدعم السريع
القاهرة: حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الخميس من أن مخيم زمزم للنازحين في غرب السودان أصبح “شبه خال”، بعد أقلّ من أسبوعين على سيطرة قوات الدعم السريع عليه في خضم الحرب الدائرة بينها وبين الجيش، وأفاد المكتب بفرار مئات آلاف الأشخاص هربا من المجاعة التي تضرب المخيم إلى مناطق مجاورة، ولا سيما مدينة الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أشهر والتي تُعدّ آخر مدينة كبرى في إقليم دارفور (غرب) ما زال الجيش يسيطر عليها.
وجاء في بيان لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن “مخيم زمزم للنازحين والذي كان يؤوي 400 ألف شخص على الأقلّ قبل النزوح، أصبح شبه خال”، وأضاف أن صورا التقطتها أقمار اصطناعية تظهر اندلاع حرائق هناك، مع ورود تقارير تفيد بأن قوات الدعم السريع تمنع البعض من المغادرة.
ووفق البيان فإن “النزوح من زمزم بصدد التمدّد إلى وجهات عدة… ووصل نحو 150 ألف نازح إلى مدينة الفاشر، كما انتقل 181 ألف شخص آخرين إلى طويلة”.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان 2023، وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وخلّفت الحرب عشرات آلاف القتلى، وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص، وتسبّبت، وفق الأمم المتحدة، بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
ومخيم زمزم كان أول مكان تعلن فيه المجاعة في السودان في أغسطس/ آب الماضي.
وبحلول ديسمبر/ كانون الأول امتدت المجاعة إلى مخيمين آخرين في دارفور وفق تقييم مدعوم من الأمم المتحدة.
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غرب السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
(أ ف ب)