سودانايل:
2025-01-31@00:25:10 GMT

الهوية الكوشية

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

بقلم د. عثمان عابدين عثمان

يشير مصطلح كوش إلى السكان الأصليين الذين يتحدثون، أو تحدثوا في الماضي، إحدى اللغات الكوشية، أو إلى أولئك الذين يسكنون، أو سكنت في الماضي، مناطق شمال وشرق أفريقيا، وادي نهر النيل، أعالي أو وديان الأخدود الأفريقي العظيم، أو في منطقة البحيرات الكبرى.

كلود رايلي، أستاذ اللسانيات الفرنسي الذي اعتبر أن اللغتين الأفرو- آسيويتان، المصرية القديمة والكوشية، هما اللغتان اللتان تحدث بهما سكان منطقة النوبة القديمة، أو بصورة أدق سكان أعالي وادي النيل.

بالنسبة ل-رايلي، اللغات النيلية، الصحراوية، النوبية، المعاصرة، أصلها اللغة البروتو- كوشية.

سُمِّيَت السُّلالات البشرية (المجموعات السكانية)، المتقاربة في جيناتها الوراثية، وفقا لتسلسل الحروف الأبجدية. السلالات الذكورية سُمِّيَت حسب أقدمية ظهورها التاريخي من الحرف ‘A’ إلى الحرف ‘T’ بحيث تكون سلالة ‘A’ هي الأقدم و T’’ الأحدث - الأصغر سناً. أم السلالات المنتمية للأم، فقد سُميِّت أيضا وفقا للحروف الأبجدية، لكن على حسب أولوية لحظة اكتشافها من الحرف ‘A’ إلى الحرف ‘Z’.

نشأت السلالتان الأبويتان ‘A’ و ‘B’ في القارة الأم - إفريقيا وبقي أفرادها فيها على مدى التاريخ ليَتركَّز أحفادها بشكل أكبر بين سكان شرق إفريقيا وسكان حوض النيل وبين الخوسيين في الجنوب الغربي الأفريقي. من بين هؤلاء، عاش جد- جدنا الأكبر في مكان ما في شرق إفريقيا، غالبا على شواطئ أو مصب أحد الأنهار التي تنبع من فوق هضبة الأخدود الأفريقي العظيم (أنهار أومو، أواش، والنيل الأزرق)، وذلك منذ حوالي مائتين وستة وثلاثين ألف عام.

أحفاد - أحفاد السلالتين الأبويتين ‘A’ و ‘B’ تناسلوا السلالة ‘E’ التي نشأت في منطقة شمال- شرق إفريقيا. بلغ عمر آخر أسلافنا المشتركين من السلالة ‘E’، جد- جدنا الأكبر، حوالي ثلاثة وخمسين ألف عام، وانحدر منه سكان وادي النيل القدماء، الصوماليون، وغالبية سكان الهضبة الإثيوبية والصحراء الكبرى من البربر (الأمازيغ).

بصورة مماثلة، نشأت السلالتان ‘R’ و ‘T’ في شمال - شرق إفريقيا. ففي الوقت الذي مَيَّزت فيه السلالة ‘T’ الناطقون باللغة الكوشية، هاجر أحفاد السلالة ‘R’ إلى أوروبا منذ حوالي أربعة ألف وستمائة عام لينتشروا بشكل رئيسي في السهول الأوراسية، ويتجهوا من بعدها جنوبا للقارة الآسيوية، وغربا لقارة أوروبا.

بالنسبة للسلالات المنحدرة من جانب الأم، فقد عاشت جدة- جدتنا الكبرى التي تنتمي إلى السلالة ‘L’ في شمال - شرق إفريقيا منذ حوالي مائة وستين ألف عام خلت. أما أخواتها المنتمون للسلالات ‘L6’ إلى L0’’ فلم يُهاجرنَّ خارج القارة الأم مطلقاً، لكن بداخلها حيث تناقص عددهن تدريجياً مع بعدهِنَّ الجغرافي من مسقط رأسهِنّ، وذلك في تناسق مع نمط التنوع والبعد الجيني وأقدميته. لذلك، أعلى نسبة لأفراد هذه السلالةَ، حوالي ستة وتسعين في المائة، موجود في أفريقيا جنوب الصحراء، تليها إفريقيا شمال الصحراء، ثم شبه الجزيرة العربية، ثم منطقة الشرق الأوسط، ليصل أدنى مستوى لها في ربوع القارة الأوروبية.


بناءً على هذه السلالات الجينية، والوصف الذاتي لمفهوم العرق، والخصائص اللغوية والثقافية المشتركة، قام ‘تيشكوف. آت آل. ’ (2009) بدراسة ‘للاحتشاد الجيني المُركَّب’ والتي على ضوئِها قُسَّم سكان العالم لأربع عشرة مجموعة سكانية كبيرة من الأسلاف، ستة منها توجد في القارة الأفريقية، وهي مجموعات: الأفرو- آسيويون؛ النيليون- الصحراويون - الكوشيين؛ النيليون- الصحراويون- الشاديين؛ النيجر- كردفانيين؛ مجموعة الأقزام؛ ومجموعة الهازدا. من بين كل هؤلاء واحد وسبعون في المائة (71%) من السكان الناطقين باللغة الأفرو -آسيوية تتمركز مع الكتلة الكوشية. في نفس منحى دراسة تيشكوف. آت آل. لاحظت دراسة أخرى "للاحتشاد التتابعي الجينومي- (2018)" أن انتشار السلالات الأفريقية يتناسق مع البعد الجغرافي، وكذلك مع أنماط الهجرة المغادرة لمسقط الرأس والمرتدة إليه بعد حين. فالسلالات الأفرو- آسيوية والجماعات الإثنية- اللغوية النيلية - الصحراوية توجَد بكثافة في في شمال، وشمال شرق إفريقيا، حيث مهد إنسانها الأول.

تاريخاً، تَجذَّر مفهوم السلالة في التراث البيولوجي لعلاقة القرابة والنسب، لكنه تداخل مع مفهوم العرق من حيث التقليد في الاشتراك في السمات الثقافية والاجتماعية مثل اللغة والعادات والشعائر والعبادات. أما العرق كمصطلح منفصل عن بِنيته الاجتماعية، فهو يقوم على أسس التشابه في الصفات الجسدية للإنسان، والتي تمثل معايير للحكم على هويته، لكن من غير الأخذ في الاعتبار قيم وعادات ومفاهيم المجتمع الذي ينتمي إليه. لكل ذلك، أكترث الإنسان بطبيعة نوعه، فحاول تحسينها بالتزاوج مع من كان في تقديره أحسن عرقاً وأنبل نسباً.

للأسف، التصنيفات للشعوب والمجموعات البشرية على أساس وهم تَميُّزها وتَفرُّدها البيولوجي قاد إلى مفاهيم التنميط الثقافي الضيقة، والتمييز العنصري البغيض، والذي ما زال العالم يعاني عواقبه المأساوية إلى يومنا هذا. لذلك، الإلمام بالخطوط العريضة لعلم الإنسان المرتبط بالسلالات الجينية وحفريات اللغة والآثار أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط للمتخصصين في دراسة أصول الشعوب وتصنيف سلالاتها وتتبع هجرتها عبر العصور، لكن أيضاً، لمتطلبات المعرفة العامة الضرورية لمراجعة وتغيير الكثير من المفاهيم والمسلمات الخاطئة، وبالتالي تغيير الإرث الثقافي والكتابي الخاص بالتاريخ.

قد يتكلم أحفاد الكوشيين لغات مختلفة، وهذا متوقع، ولكنهم بلا جدال يجتمعون وراثيا في آخر جد مشترك لأبيهم وحبوبة لأمهم. والعلاقة الاشتراك هنا لغوية- جينية تجمع، ليس فقط، بين سكان أعالي وأسافل وادي النيل من نوبة وأقباط ومصريين، ولكن أيضاً العنصر الكوشي والسامي من سكان هضاب وسهول إثيوبيا والقرن الإفريقي، و كوشيون البحيرات الأزانيان، وجزر السيشيل، وكذلك أمازيغ المغرب العربي، والسكان الأصليين لجزر الكناري، في عرق كوشي واحد تحدث قدماه اللغة الكوشية القديمة، البرتو-كوشية.

حاشية:
تقسيم العرق البشري لكوشي/سامي منشأه القصة التوراتية التي فيها سَخَط نوح ابنه كوش عندما شاح عن ستر عورة وهو نائما سكران، فصار هو وذريته عبدا اسودا لأخيه كنعان ونسله.

مراجع:
(Cruciani et al., 2007); (Cruciani et al., 2004); (Trombetta et al., 2015); (Sanchez et al., 2005); (González et al., 2007) ;(Krings et al., 1999); (Tishkoff et al., 2009); (Fadhlaoui-Zid et al., 2013); (Michael, 2007).
؛ (Camoroff, 2009) ;(Herodotus)

عثمان عابدين عثمان
osmanabdin@gmail.com
https://www.facebook.com/photo/?fbid=10161278177273141&set=a.10151553278383141  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: شرق إفریقیا

إقرأ أيضاً:

الكهرباء تعلن قطع التيار عن 5 مدن بولاية نهر النيل

متابعات – تاق برس- ابلغت الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء المحدودة، إدارة توزيع كهرباء نهر النيل، المواطنين بان يوم غد الخميس الموافق 30-1- 2025 سيتم  قطع الكهرباء عن 5 مدن بولاية نهر النيل تشكل “محليات “عطبرة،  الدامر ، بربر، شندي، أبو حمد”.

وقالت في منشور تلقاه “تاق برس” إن القطع بغرض الصيانة الوقائية للمحولات، ودعت إلى عمل التحوطات اللازمة.

الكهرباءنهر_النيل

مقالات مشابهة

  • مبعوث ترامب للشرق الأوسط: سكان شمال غزة يعودون لمناطقهم كما تم الاتفاق
  • فتح ممر نتساريم.. عودة سكان غزة إلى الشمال بين الزيارة المؤقتة ونهاية الحرب
  • المغرب يتصدر شمال إفريقيا ويتقدم بـ14 درجة في مؤشر مرونة العمل 2025
  • حوالي 2 مليون متر مكعب.. سيول غزيرة تغذي سدود عسير
  • الكهرباء تعلن قطع التيار عن 5 مدن بولاية نهر النيل
  • عرض نتائج حوالي 100 مشروع بحثي من مختلف مناطق الوطن
  • 55 ألف مخالفة سير الأسبوع الماضي ضخت حوالي مليار في صندوق الدولة
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
  • صحف عالمية: سكان شمال غزة يعودون رغم الدمار وصورهم مؤلمة للإسرائيليين
  • شاهد.. تعليقات سكان سديروت الإسرائيليين على عودة الفلسطينيين لمنازلهم