سودانايل:
2025-01-31@00:56:29 GMT

قراءة في عوالم مزارات

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

محمد عبد المنعم صالح

في تقديري ما أن يضع المؤلف مؤلفه ويقرر طباعته حتي يصبح السفر ليس ملكا له بل للقارئ بدون شك .. لكن تحت إلحاح الكثير من الأصدقاء بمطالبتي ان أقوم ببعض الإضاءات حول مؤلفي "مزارات" الذي طبع أخيرا بالقاهرة فيمكنني القول بأن هذا السفر هو عبارة لنتاج مجموعة تساؤلات كانت بداخلي حول الحركة الصوفية في السودان ('الصيرورة ) وما آلت اليه في سياقنا السوداني ومن ثم محاولة للمقاربة بينها وبين الحركة الصوفية في العالم .

. والتي في تقديري كان لابد ان تطرح المدرسة الصوفية في السودان في سياقنا كامرحلة بالضرورة وذلك لخصوصية مجتمعاتنا ، فكان لابد من محاولات للتبيئة، فكانت المساهمة الضخمة في تقديري من الحركة الصوفية في تبيئة الإسلام نفسه في سياقنا (الأفروشرق أوسطي) ..
إجتهدت في أن أطور هذه التساؤلات مستعينا بصديقي العزيز جدا برير محي الدين موسي (الصائغ الماهر) المتخصص في الأحجار الكريمة ، صاحب القراءات المدهشة في التصوف وحركة تاريخه ، المتفرغ تماما كذلك للتبشير بحركة صوفية أكثر حداثة ولاذال برغم رغبته أن يكون مغمورا ، يوفر وجوده الإجتماعي بوعي إجتماعي مدروس ومحكم معللا ذلك بأن مواعين ماحولنا لم تعد بعد تسع طاقة الفكر الذي يبشر به والذي أوافقه فيه الرأي تماما ..
كانت هنلك مجالسات متعمدة لساعات طوال نناقش فيها بحضور حاضر وعصف ذهني كبير هاته التساؤلات بشكل مسموع بيننا نحاول ما إستطعنا تفكيك الخطاب الصوفي في سياقنا السوداني مستعبنين بقراءات الأستاذ محمود محمد طه فيما يخص خطاب الديني كوني ظل يبشر به في كتاباته ، مستصطحبين في ذات الوقت كذلك كل من تجارب الحلاج وابن عربي وسهر وردي والرومي وغيره ..
ثم يأتي هذا المؤلف كثمرة لهذه السجالات التي دامت لذمن طويل بيني وبين صديقي برير محي الدين موسي لطرح تساؤلاتنا الثنائية فكانت "مزارات ".. إذا حري بي القول أن صديقي برير محي الدين موسي يناصفني الفكرة في كل مستوياتها والتي آامل أن تكون بداية لمشاريع آتية في ذات السياق ..
بإيجاز مزارات عبارة عن شخص يتعرض لتحولات ضخمة من المادية الي عالم الروحانيات .. يتخللها صراع داخلي قاسي ، مكابره، رفض مستبطن مابين قديم وجديد ..
القديم الذي في تقديره أصبح لايمنح معناً ولا يحمل في طياته كل الحقائق ، الجديد الذي يمنحه معناً كبير وكثير من الحقائق ..
تحت وطأة هذا الصراع الذي لم يحسم بشكل قطعي يحاول أن يسقط أدواته المادية علي التجربة الصوفية في سياقه ثم سياقات أخري كان قد إستلهما في فك شفرات كثير من التعاريف عن ماهية التصوف فتكون مفاجأته التي إستوقته لوقت ليس بقصير وهو أن الحركة الصوفية في السودان قد أصطكت صيرورتها باالمرحلة السنارية بل هي الي الان لازالت نتاج طموحات ما أْخطتة تلك المرحلة !!؟؟ .. والتي بدون شك قد خصم منها كثيرا مقارنة بالخطابات الصوفية حولنا وماظلت تنتجه من معرفة ذادت من طلاوتها ورغبت العالم في معرفتها لما تملكه من خطاب كوني إن جاز لي التعريف في ظل تراجع المادية التي أصبحت تحمل في طياتها كل أسباب إنهيارها بالكامل علي كل المستويات !؟ ..
فأدي ذلك قطع شك الي تحنيطها بكل اسف فظلت لردح من الذمن أسيرة جغرافيا محددة تتحرك في إطار حركة محدودة وضيقة مع المفارقة أنها ذات الجغرافية التي إستهدفتها الطريقة التجانية المجيدة والتي لها سبق الفعل في أن تعيد تبيئة الإسلام في الرواق الأفريقاني..
وهو مشروع لسفر يعمل عليه كاتب هذه السطور بذات العنوان (دور الطريقة التجانية في تبيئة الإسلام في الرواق الأفريقاني) شارف علي الإنتهاء برغم ظرف النزوح وكل الماثل ..
في محاولة لوضع النقاط فوق الحروف في مقدمة مزارات كان من الطبيعي التعريف عن ماهية التصوف من زاوية نظري وفق علمي ومعرفتي المحدودة لأن تعاريف مستويات التصوف في حقيقة الأمر متجاوزة كثيرا لحدود مقدراتي ومعرفتي بكل صدق . فالتصوف من وجهة نظري هي طرق وليست طريقة لكن الغاية بالضرورة واحدة . تبدأ من الذات " البشرية التي تقرر أن تحيا التجربة بالترسيخ للمحبة " بكامل خواص تفاعلها مع الأرض في مستوي بشريتها ثم تسافر إلى الله "الفناء"، ولذلك نسميه مجازا نحن المتصوفة ببداية الطريق "السير " من الكثيف الي اللطيف والعكس .. أي بين الفناء والبقاء، السماء والأرض، الروح والمادة، النفس والله .. من النفس إلى الله ، ومن الله إلى النفس .. في حركة ثنائية دائمة، ذهاب وعودة، غيبة وحضور، وفي ذات الوقت مع هذا السير من اللطيف الي الكثيف ومن اعلي الي العودة كما قال مولانا جلال الدين الرومي "المتصوف يعيش اللحظة بلحظتها ويعتبرها هي المكمن وهي كل ماكان وكفي ".. فتأمل هذا البهاء سير ثنائية مضبوط وحياة كاملة في اللحظة مع التسليم الكامل !!..

في سياق مختلف كاإستهلال لتراكم المعارف التي أنتجته الحركة الصوفية في العالم بالضرورة بلغات مختلفة" مع العلم أن اللغة هي ليست كل المعرفة بل هي فقط قوالب للتفريغ تتفاوت مع قدرة كل قالب لغة للإستيعاب بشكل متفاوت "اخذ الكثير يعتبر أنها أصبحت تمتلك خاصية الفلسفة وهنلك الكثير عند تناوله الصوفية خاصة في مستوي التجريد يعرفها بأعتبارها فلسفة صوفية .. في هذا السياق كمدخل يمكننا أيضا أن نقول بأن التصوف يعرف الروح بأنها كانت من نور قبل أن تهبط إلى الجسد، وهي تظل تنير بقدر تخليها من متعلقات هذا الجسد (البشرية) وتعلقه بها ، والاكتفاء بالضروي منه. لأن ظلامات النفس "البشرية " هي علي الدوام حجاب بين العبد وبين الله ..
غدا نواصل ..
محمد عبد المنعم صالح

 

mohamed79salih@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شعبان يكتب: قراءة في عقل ترامب

عرف الرأي العام الأمريكي دونالد ترامب قبل قرابة 35 عاما بالضبط، بعد كتابه الشهير "فن الصفقة"، باعتباره ملك العقارات في نيويورك القادر على إنهاء صفقات ضخمة في وقت قياسي، حتى بدون دراسات وأبحاث مكلفة تستهلك وقتا كبيرا. 

فهو يتحرك نحو الصفقة وفق ما نقله الصحفي الأمريكي الأشهر بوب وودورد عنه بدافع الغريزة، وكما قال له نصا في كتابه الجديد "حرب" الذي صدرت له نسخة مترجمة في القاهرة:"أنا أذهب مع اللكمات مثل أي ملاكم في حلبة القتال" مضيفا:"إذا علم الناس أنك شخصا ضعيفا.. سيلاحقونك"!

ونقل عنه بوب وودورد فلسفة حياته عندما التقاه للمرة الأولى بقوله: "عليك أن تعرف جمهورك.. بالنسبة لبعض الناس كن قاتلا، وبالنسبة لبعض الناس كن كالحلوى.. وبالنسبة لآخرين كن كليهما".. واختصر وودورد قائلا:" قاتل أو لطيف أو كليهما .. هذا هو دونالد ترامب".

وانطلاقا من كتابه فن الصفقة، الذي أصدره في بدايات حياته، وانتهاء لصفقة الفوز بالرئاسة الأمريكية للمرة الثانية، فإن ترامب يتحرك بغرائزه وجمع معه في كلتا ولايتيه رجال يعرفهم جيدا عليهم في ميدان العقارات وهو ميدان عمله طوال حياته، وليس مهما أن يكونوا قد اشتغلوا بالسياسة من قبل، ومنهم مبعوثه للشرق الأوسط ويتسكوف، وهو أحد أبرز رجالات إدارته الجديدة والذي أنهى صفقة غزة.

وخلال الأيام الأولى الماضية منذ بدء فترته الرئاسية، هز ترامب العالم انطلاقا من طريقة تفكيره في كل القضايا السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها انطلاقا من فن الصفقة، فهو يقيس كل قضاياه بمنطق المكسب والخسارة، هل تكسب الولايات المتحدة من وجودها في منظمة الصحة العالمية؟ .. لا؟ إذن ننسحب منها، هل تكسب الولايات المتحدة من اتفاقية تغير المناخ؟ .. لا اذن ننسحب منها، وحتى حلف الناتو.. فالولايات المتحدة تدفع أضعاف ما يدفعه الآخرون لذلك هدد سابقا بالانسحاب من الناتو وترك أوروبا عارية أمام بوتين والجميع ينتظرون.

ترامب الذي أصدر عددا من الأوامر التنفيذية المهولة خلال الأيام القليلة التي قضاها في البيت الأبيض، اصطدم بالجميع تقريبا، لكنه يعلم يقينا ما يفعله انطلاقا كما قلنا من غريزته نحو الأشياء.

وطوال الفترة الماضية، فإن تصريحاته لا تمت للسياسة والدبلوماسية بصلة، ولكن صفقة يبحث من وراءها عن المكسب، وهو يرفع شعار عودة الولايات المتحدة الأمريكية عظمي مرة أخرى، ويتخذ قرارات صادمة.. فمن سيزورهم عليهم أن يستثمروا في الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات، ومن لا يستجيب سيعاقب على الفور بعقوبات اقتصادية يعلن يقينا أنها مؤلمة انطلاقا من قوة الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأعظم في العالم،  والتي تسيطر وحدها على ربع اقتصاد العالم، ويهدد بفرض رسوم جمركية عنيفة سيظهر الكثير منها بداية فبراير المقبل.

وعندنا في منطقة الشرق الأوسط، جاءت تصريحات ترامب حول رغبته في نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن، لتثير اعتراضات حادة داخل الأوساط المصرية والأردنية والعربية، ليس فقط لأنها قرارات تطهير عنصري لنحو 2 مليون فلسطيني داخل القطاع، ولا أحد يعلم كيف يمكنه أن ينفذ ذلك، دون أن يصطدم بدول ذات سيادة في مقدمتها مصر، التي أعلنت مرارا وتكرارا أنها ضد تهجير الفلسطينيين طوال 15 شهرا من الحرب على غزة، رغم إلحاج نتنياهو وتصرفات حكومته المتطرفة والدفع لتهجيرهم خارج القطاع بعد جعله غير قابلا للحياة. 

إن ما يقوله ترامب خط أحمر ومرفوض جملة وتفصيلا من القيادة السياسية المصرية ومن الشعب المصري، وقنبلة حارقة تكاد تقلتع شعبا من أرضه.

المثير أن، تهجير الفلسطينيين وتداول هذه السيناريوهات الجهنمية بخصوصهم، لم يقف عند تصوراته بنقلهم لمصر والأردن، لقد قال ترامب أنه يفكر في نقل 100 ألف منهم إلى دولة ألبانيا في أوروبا، وجزء منهم إلى أندونيسيا!

أفكار ترامب التصادمية، ظهرت منذ لحظة دخوله البيت الأبيض، لم تترك أحد سواء ما يتعلق بحرب أوكرانيا عندما توجه إلى بوتين بالأمر أن ينهي الحرب، وإلا فإنه سيجد نفسه مضطرا لفرض عقوبات اقتصادية قاسية تضر اقتصاده المنهك، وفي الوقت نفسه لم يلتفت لأوكرانيا بأي مساعدات أو يعد بشىء منها على عكس إدارة بايدن تماما.

ترامب، اصطدم بدول الجوار المكسيك وكولومبيا بخصوص إعادة المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، إلى دولهم الأصلية وتغيير اسم خليج المكسيك ليصبح خليج أمريكا، واصطدم بكندا جارته في أمريكا الشمالية.

الخلاصة.. ترامب الذي يتحرك بسرعة كبيرة ويصدر عشرات من القرارات التنفيذية في مجالات عدة، يبدوا واعيا تماما بما يفعله، حتى لو داس بقدميه على ثوابت دولية وإقليمية، وأمام هذه الإدارة، لابد تماما من اليقظة والتحرك معها ونحوها بخطوات تنفيذية، فالرجل مؤمن تماما بفن الصفقات حتى في مجال السياسية والعلاقات الدولية، ومن سيتعامل مع ادارته وعناصرها بهذا المنطق سيفوز كثيرا، صفقة أمام صفقة.. هو مؤمن تماما بذلك.

وكلمة أخيرة.. بخصوص الوضع في غزة، فإن ما يطرحة ترامب خطير للغاية على الأمن القومي المصري أولا وعلى القضية الفلسطينية، ولا يمكن لاحد أن يقبله، وعلى الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم حتى يساعدوا من يريد مساعدتهم، فالفرقة الفلسطينية الموجودة حتى اللحظة، والخلاف العلني بين ما جرى في 7 أكتوبر وتبعاته الكارثية على الشعب الفلسطيني وعلى المنطقة برمتها كبيرا للغاية.

كما أن تحركات ترامب وإدارته منذ اللحظة الأولى، لا توحي بأنه سيتحرك في إطار حل الدولتين وما طرح سابقا وعلى مدى عقود.

عقل ترامب يحمل الكثير، والمؤكد أنه مختلف ومخيف للكثير من دول العالم، وصدق رئيس الوزراء الفرنسي فرانسو بايرو، الذي قال:"إن أوروبا قد تسحق اذا لم تفعل شىء أمام ترامب والسياسة المعلنة لإدارته".

مقالات مشابهة

  • أستاذ بجامعة الأزهر يكشف سبب تعدد الطرق الصوفية «فيديو»
  • «فيديو».. أستاذ بجامعة الأزهر يكشف سبب تعدد الطرق الصوفية
  • «الطرق الصوفية»: نؤكد ثقتنا في الرئيس السيسي بعدم قبول مقترحات تهجير الفلسطينيين
  • الطرق الصوفية: نؤكد ثقتنا في القيادة السياسية والرئيس السيسي
  • قراءة في مخاطبات ترمب تجاه الشرق الأوسط والسودان
  • كسلا.. الادوار المنتظرة للمقاومة الشعبية في فترة مابعد الحرب والتي سترتكز على البناء والاعمار
  • إبراهيم شعبان يكتب: قراءة في عقل ترامب
  • قراءة فكرية في التغيرات الكبرى التي صنعها السيدُ حسين بدرالدين الحوثي
  • «الأعلى للطرق الصوفية»: نرفض تصفية القضية الفلسطينية بدعوات التهجير
  • الأعلى للطرق الصوفية: نرفض تصفية القضية الفلسطينية بدعوات التهجير ونقف خلف القيادة السياسية الحكيمة