مذكرات مغترب في دول الخليج العربي ( ٣ )
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
خُلاصةُ الأمْرِ أنَّ إجْرَاءاتِ تعَاقُدِنا قد اكتملتْ واسْتَلَمنا تذاكِرَ السَّفرِ وقدْ تحَدَّدَ بِها تارِيخُه ومطارُ الوصُولِ الأقْربُ لِكلِّ مُتعاقدٍ مِن خِرِّيجي كُليَّة التَربِية ۱۹۸۲ ومَنطِقَتُه التعليمية المُوَجَّه إليها . ولمْ يَبْقَ مِمّنْ لمْ يتعاقَدْ إلا قِلَّةٌ تُعَدُّ على أصَابِعِ اليَدَيْن .
بدأ اغْترِابي - بَلْ قُلْ هِجْرَتي التي امْتدَّتْ سِنينَ عَدَدا - في تاريخ ٣ / ٩ / ۱۹۸۲ . ألا ترى - يا رعاكَ اللهُ - أنَّ سَفَرنا قدْ تَمَّ سَرِيعاً ولمْ تَبلُغ المُدَّةُ بَينَ تَخرُّجِنا وسَفرِنا أكثرَ مِن ثَلاثةِ أشْهُرٍ وثلاثَة عَشَر يَوماً ؟ وهَكذا كانَ حِرصُ السُّلطاتِ السّعُودِية على الالْتِزامِ ورَاحَة المُعَلِّم وبِدايةِ العامِ الدِّرَاسي كبيراً وعظيماً في ذلك الزَّمَانِ .
غادَرنا مَطارَ الخُرْطوم في ٣ / ٩ / ۱۹۸۲ على مَتْنِ طائِرةِ الخُطوطِ الجَوِّيَة السَّعودية إلى مطارِ المَلك عبد العزيز الدولي بمدينة جَدَّة .كان معي نفرٌ من الزُمَلاءِ تَفَرَّقُوا جَمِيعاً عِندَ وصُولِنا المَطار حيثُ كانتْ وجْهاتُهُم مُخْتلِفةً وكانَ لِكُلِّ واحدٍ منهم رِحلةٌ أخْرَى إلى مَطارِ المَنطِقة التي سيعملُ فيها .
دخلتُ مدينةَ جَدَّة وكانَ بِرفقَتي مُعلِّمٌ خِرِّيج كُلِّيةِ الآدابِ جامعةِ الخُرْطُوم قِسم الجُغرَافيا مِن أبْناءِ رُفَاعَة . نَزَلنا في أحَدِ الفَنادِق الرَّخِيصةِ في وسطِ البَلدةِ لِمُدةِ يَومَين . تعَرَّفْنَا في هذين اليومينِ عَلَى أسْواقِ جَدة العامِرة ومَطاعِمِها المُتَعدِّدة . غَادَرْنَا إلى مَطارِ بِيشَة على رِحْلتِنا المُحَدَّدة بعد يومين . عندَ هُبُوطِنا وَجَدْنا مَندُوباً مِن إدارَة التَّعليمِ في اسْتِقبالِنا . وبعدَ التَّحِيَّة والتَّرحَاب الحَار قادَنا إلى أحَدِ الفَنادِق التي لا تبْعُد كثيراً عن إدارةِ التَّعلِيم . عَرَفتُ فيما بعد أنَّ الرَّجُلَ كانَ المُحاسِبَ الأوَّل في إدارةِ تَعليم بِيشة وانَّ الفُندقَ كانَ مِلكاً له . الطَّريفُ في الأمرِ أنَّ أُجْرةَ الفُندق لِثلاثَةِ أيَّام مع الوَجبَاتِ لمْ نُحاسِبْ عليها إدارةَ الفُندُق بَلْ تفَضَّل المالِك بإرجَائنا حتى نَصرِفَ بَدَل السَّكَن، والأطْرَف مِن ذَلك أنَّنا اسْتَلمْنا بَدلَ السَّكن وبَدلَ تأثِيث وبَدلَ نَقلٍ عند مُراجَعَتِنا الإدَارة العامَّة للتعليم في بيشة في اليومِ الثالثِ مِن أجْلِ استلامِ خِطابِ التَّوجيه - اسْتلَمنا عَشرةَ آلافِ ريالٍ كاملةً عدَّا نقداً مِن فِئة المِئة رِيال وكانتْ في ذلك الوقتِ ورقةً زرقاءَ كبيرةً أطْلقَنا عليها " أضَان دَحََش " . وهَلَّتْ علينا الفَرحةُ ولمُ نَكُنْ قد بَدأنا العَمَلَ بعد !!! افْتَرَقنا - زميلي وأنا - بعد أنْ تمَّ تَوزِيعُه إلى بلدةٍ قريبةٍ مِن مَدٍينةٍ بيشة . وكانَ حَظَّي :
" كَدَقيقٍ فوقَ شَوكٍ نَثَرُوهُ
ثُم قالُوا لِحُفاةٍ يومَ رِيحٍ اجْمَعُوهُ
صَعُبَ الأمْرُ عَليهِم قُلتُ يا قُومُ اتْرُكُوهُ
إنَّ مَنْ اشَقاهُ رَبِّي كيْفَ أنْتُم تُسعِدُوه " .
( كما قال شاعِرُنا المرموق إدريس جَمَّاع ) . تَمَّ تَوجِيهي إلى قَرية " تَثْلِيث " ومدرسةِ تثليث المتوسطة والثانوية . وهي من القُرى التي قُلتُ لكُم آنِفاً عَنْها " حَدِّثْ ولا حَرَج " ! وسوف - الآن بلا حرج - أحَدِّثُكُم عنها . وللتَّثليثِ في اللُّغةِ العَرَبية عِدةُ مَعَانٍ مِنها : الاعْتِقادُ - لدَى المسيحيين - بأنَّ طَبيعةَ اللهِ في ثلاثةِ أقانيم مُتساوِية : اللهُ الأبُ ، اللهُ الابْنُ ، اللهُ الرُّوحُ القُدُس ( أقانيم جمعُ أُقْنُوم بِضَمِّ الهمزة وتَسكِينِ القَاف وضَّمِّ النُّون وهو الجَوهَر والشَّخصُ والأصْلُ )
قبْلَ هذا وذاك ، وقبلَ خُرُوجي مًن الفُندق زارَني الأخُ العَزيز الأسْتاذ جَمال يَعقوب - له الرَّحْمةُ والمَغفِرة - وهو خِرِّيج تربية لُغة إنجليزية 81 ويُقيم في بيشة - أنذاك - وقد سَبَقنا إليها بِعامٍ دِراسيٍ كامٍل . وكانَ قد عَلمَ بِوصُولِنا ومَكانِ إقامَتنا. وقد أخذني معه إلى حيثُ يُقيم في شُقَّة هو وشَيخٌ معه مُعَلِّم للتَّربيةِ الإسلامية. وقد اقمتُ معه بِضعةَ أيَّام قبل أنْ أُغادِر إلى المَدْعُوَّةٍ تثليث .
لمْ تَكُن هُنالِك مُواصَلات بين بيشة وتثليث ، فأسْلَمَني الأستاذ جمال إلى سَائق سَيَّارة البَرِيد الحُكُومِيِّة الصَّفراء التي سوف تُقِلُّني إلى تثليث ، وقد أوصَى ساعي البرِيد أنْ يُسَلِّمَني إلى مَنْ يَعرِفْ مِن السُّودًانيين هناك . وقد كانْ .
محمد الشريف
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مذكرات المنصوري تكشف تفاصيل طلب بزيز و باز “كريمة” من الحسن الثاني
زنقة 20 | الرباط
أصدر المكلف بمهمة بالديوان الملكي بنعلي المنصوري، مؤخرا، مذكراته التي عنونها بـ “خطواتي على درب الزمن”.
بنعلي المنصوري هو مكلف بمهمة بالديوان الملكي برتبة وزير ، وهو شقيق ميمون المنصوري القائد السابق للحرس الملكي ، ومصطفى المنصوري سفير المملكة الحالي بالسعودية.
المنصوري بنعلي، شغل عددا من المناصب الحكومية خلال عهد الحسن الثاني منها وزير السياحة في حكومة أحمد عصمان، ووزيرا للشؤون الإدارية والوظيفة العمومية، ثم وزيرا للنقل، قبل إلحاقه بالديوان الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وهي المهمة التي ما زال يتقلدها حتى الآن.
بنعلي المنصوري، يكشف في مذكراته التي ينشرها موقع Rue20 على فترات، قصة حصول الكوميديين الحسين بنياز “باز” أحمد السنوسي “بزيز”، على رخصة نقل من الملك الراحل الحسن الثاني.
و يقول المنصوري في مذكراته : ” ذات مرة، أتيحت لهذين الممثلين تقديم بعض عروضهم الساخرة أمام الملك الحسن الثاني. ولما كان الجو مناسبا وطابع الانشراح يسود هذا الحفل، تقدم الفكاهيان “بزیز» و «باز» بطلب إلى جلالة الملك، للحصول على رخصة نقل بين المدن بواسطة الحافلة. أعطيت التعليمات الملكية للوزير المعني لتمكين المعنيين . من تلك الرخصة. غير أن هذا الطلب لم يتحقق على أرض الواقع، وطال انتظار «بزیز» و «باز»، دون أن يحصلا على المطلوب. حاولا الاتصال بالوزارة، وفي كل مرة يكون الجواب بالانتظار. كما حاولا الحصول على موعد مع الوزير ولم يفلحا في الأمر. وبعد حوالي سنة من الانتظار، أخبر الفكاهيان مولاي عبد الله المكلف، وطلبا منه رفع الأمر إلى جلالة الملك بعدم توصلهما بالرخصة التي وعدوا بها.”
و يضيف المنصوري : “في أول شهر بعد تعييني وزيراً للنقل، ستكون أول مكالمة هاتفية من ملك البلاد، تتعلق برخصة النقل الخاصة بالفكاهين بزيز و «باز» ! حدثني جلالة الملك في هذا الموضوع، وأخبرني بأنه تحدث مع الوزير السابق بخصوص هذه الرخصة. ووعدتُ جلالة الملك باتخاذ اللازم في أقرب وقت، وطلبت منه أن يرسل لي المعنيان بالأمر بعد يومين. قمت بالتحريات اللازمة، فوجدت أن ملف رخصة بزيز و باز محمد داخل دواليب الوزارة! تابعت الأمر بالسرعة التي تسمح بتمكين المعنيين من رخصتهما في الوقت الذي حددته الجلالته ! كانت لجنة النقل لتسليم الرخص تتكون من ممثلي عدة وزارات، ولا تجتمع إلا بعد التوصل بعدد معين من الملفات ! أي أن الأمر قد يطول مرة أخرى، وهذا الملف عرف تأخراً، ووراءه تعليمات ملكية! لذلك طلبت من الكاتب العام لوزارة النقل، الذي كان يترأس لجنة النقل لتسليم الرخص، نيابة عنّي، أن يوقع رخصة النقل المسجلة في اسم بزيز» و «باز»، في انتظار تقديم الملف للجنة النقل للموافقة عليه خلال اجتماعها المقبل”.
و يشير المنصوري إلى أن ” رخصة النقل أصبحت جاهزة في أربعة وعشرين ساعة (24 ساعة)، وهي رخصة الحافلة نقل عمومي بين مدينتي طنجة ومراكش. فاتصلت بالسيد مولاي عبد الله المكلف وهو من العائلة الملكية ومن المقربين من الملك الحسن الثاني، وكان هو المُشرف على دعوة الفنانين إلى القصر الملكي في بعض الفنانين لحل مشاكلهم الخاصة. وهو من يلجأ إليه . وطلبت منه أن يبعث لي الفكاهيين إلى الوزارة، في يوم الغد، على الساعة الحادية عشرة صباحاً. وخلال استقبالي لهما، سألتهما بطريقة ودية عن سبب زيارتهما، وهل لديهما مشكل ما له علاقة بهذه الوزارة ؟ كنتُ أُلقي هذه الأسئلة، متظاهراً بعدم علمي بملف رخصتهما ! فأخبراني بأنه لأول مرة، يحظيان باستقبال من طرف وزير، في مدة لم تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة، وأن هذا الاستقبال، طال انتظاره مدة قاربت سنة وازداد اندهاشهما حينما فاجأتهما بتسليمهما الرخصة المنتظرة.”
و يضيف المنصوري في مذكراته : “لم يُصدِّقا ما حصل ! وفي غمرة حديثنا، انهالت علي أسئلتهما: متى سنعود لأخذ الرخصة الأصلية ؟! اعتقاداً منهما أن ما تسلماء ليس سوى نسخة أولى أو ما يشبه وصلاً ! وأضاف أحدهما: هل سيطول الانتظار مرة أخرى قبل الحصول على الأصل ؟ وبطريقتهما الفكاهية الساخرة أخبراني بأنهما لم يتوقعا الحصول على رخصتهما بهذه السرعة، وأن المدة قد تطول، مع تسويف يُدخل ملفهما في متاهة جديدة، كما حصل في السابق ! فجاء جوابي ،واضحاً بأن ما بين أيديهما الآن، هي رخصة أصلية، يمكن استغلالها حالاً، فور خروجهما من مكتبي”.
و يقول المنصوري ، أنه على أساس هذا الحدث، ” ألف الفكاهيان «بزيز» و «باز» مونولوجاً اسكيتش بعنوان المكتب (13) يحكي عن واقعة في الإدارة المغربية، يوم ذهب أحد المواطنين إلى مكتب في إحدى الإدارات وصادف أن الموظف المسؤول كان حديث التعيين، فمكن المواطن من الحصول على الوثيقة المطلوبة بسرعة. لكن ذلك المواطن لم يصدق، وساوره الشك في صدقية الوثيقة، بل أبدى استعداده للرجوع بعد أيام حتى يتسنى للإدارة تهييء المطلوب، فهو لم يتعود هذا السلوك من الإدارة المغربية، وبطابع ساخر وفكاهي في نفس الوقت، قام المواطن بتقديم النصائح للموظف، وأخبره كيف يتعامل مع طلبات المواطنين بالتماطل والتسويف (وسير واجي)، وكل ذلك في مواقف تكشف عن مفارقات، وطيها نقد للإدارة المغربية، وسيرها البيروقراطي البطيء”.