عادل الباز: أما آن لهذا الثرثار أن يصمت؟
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
1 خلال أسبوع واحد قرأت عشرات التصريحات في صحف ومواقع مختلفة للسيد المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرلو، وتابعت ثلاثة حوارات (سعد الكابلي حواريين)، وحوار أخير معه التقى فيه بمجموعة من الصحفيين. في كل هذه الحوارات ليس هنالك جديد، إذ يردد السيد المبعوث ذات الترهات التي يطلقها على مسامعنا في كل مرة. حتى بدا لي أن هذا الرجل بُعث أساساً ليملأ فضاءات الأسافير بإطلاق دخان كثيف لحجب الرؤية عن الدور الأمريكي الحقيقي الذي يقوم به عبر ما تحالف جديد لنج ولد بجنيف اسموه ب(التحالف الدولي من أجل السلام وإنقاذ الأرواح في السودان)، ويضم كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
2
استوقفني في اللقاء الأخير للمبعوث سؤال تعجبت من إجابته عليه، السؤال طرحه موقع بلومبرج الاقتصادي المتخصص (كيف يسعى المجتمع الدولي إلى فتح ممرات داخل السودان بدون أن يسعى إلى تسليم المساعدات إلى ملايين اللاجئين السودانيين خارج السودان والذين يعيشون أيضاً في معاناة؟) وهو سؤال ذكي إذ تركزت كل مقولات أمريكا وحلفائها أن السودان يمنع الإغاثة عن المواطنين وانطلت تلك الأكذوبة على كثيرين بسبب تكرارها الممل في الميديا المعادية، سؤال صحفي بلومبرج الذكى السيد محمد الأمين بمعنى آخر… هناك 2100000 (اثنين مليون ومائة ألف لاجئ) بحسب آخر تقرير حديث للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دول الجوار يحتاجون للإغاثة فما الذي يمنعكم من إيصال الإغاثة لهم إن كنتم تدعون أن الحكومة تمنع وصول الإغاثة؟، هل تتحكم الحكومة السودانية أو الجيش في معسكرات اللاجئين داخل تلك الدول؟ بالطبع لا. إذن لماذا لم تصلهم إغاثة؟ .
3
أنظر ماذا كان رد السيد المبعوث على سؤال بلومبرج (لا شك في أنه ثمة أعداد كبيرة من اللاجئين في المخيمات والمناطق الحضرية في كل من إثيوبيا ومصر وتشاد وأوغندا وكينيا والعديد من الدول الأخرى، وقد عملنا على دعم هذه التجمعات مالياً وعملنا كشركاء لوجستية أيضاً. نحن سنواصل جهود دعم اللاجئين خارج السودان)!!.
هل هذه إجابة فعلاً للسؤال؟ عملنا على دعم!!.. على دعم شنو؟.. وبكم دعمت حتى الآن؟ الصحيح أنك لم تدعم أصلاً رغم أنه ليس هنالك عوائق تمنعك عن الدعم ورغم أن اللاجئين في كل المناطق التي ذكرت بالخارج، أكثر من 2,165,833 لاجئ بحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى تاريخ 26 أغسطس الحالي بحاجة لدعم.!! لم يصلهم أي دعم (قال المبعوث نعمل). لو صدقنا أن السيد المبعوث لايزال “يعمل على”… لماذا تُتهم الحكومة بمنع ماهو أصلاً لم يُعمل .. اى غير موجود.؟!!.
4
الأدهى أن 17 منظمة طوعية دولية تعمل في مجال إغاثة اللاجئين على الحدود داخل تشاد أصدرت بياناً قبل شهرين أكدت فيه أن الذي وصل فعلاً لها من التمويل الموعود 17% فقط.!! ولذا فإن الضجة التي يثيرها هذا المبعوث حول الإغاثة والمجاعة واللاجئين مشكوك في أهدافها فكيف تعجز عن إغاثة ملايين موجودين بالخارج وتصر على فتح معبر معين (أدري) لإغاثة النازحين بالداخل، إن في الأمر عجب!!.
5
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في آخر تقرير لها في أغسطس الجاري أن 24800000 (أربعة وعشرون مليون وثمانمائة ألف لاجئ) بحاجة للمساعدة، ولكن المستهدفين بالمساعدة 14700000 (أربعة عشر مليون وسبعمائة مائة ألف لاجئ) وتقول إن 7900000 (سبعة ملايين وتسعمائة ألف ) نازح بالداخل ولإغاثة كل هذا الشرائح اللاجئة والنازحة هي بحاجة إلى 2700000 (اثنين مليار وسبعمائة ألف دولار) حصلوا منها خلال كل عام 2024 على 1100000 (واحد مليار ومائة ألف دولار) وهي نسبة تساوي 40% فقط من جملة المبالغ المطلوبة لتغطية الاحتياجات العاجلة للإغاثة.!!.
5
يتضح من ذلك أن موضوع الإغاثة والمجاعة هما قميص عثمان، وإن كانت الحاجة للإغاثة غير منكورة ووجود مجاعة سببتها المليشيا في بعض المناطق معلوم ولا تتعلق القضية بفتح معبر وحيد متى ما تم فتحه انتهت المجاعة وحلت معضلة الإغاثة، ولأن اللاجئين الموجودين بالخارج لم تحل مشكلتهم لأنه لا يوجد تمويل كافي لعمليات الإغاثة، ودعم اللاجئين والنازحين بحسب تقرير المفوضية أعلاه. ولهذه الأسباب التي لا يستطيع المبعوث توم بيرلو الإفصاح عنها لأنها تكشف أجندته، وتكشف أن “طق الكواريك” حول المعابر والإغاثة ما هو إلا خداع إعلامي الهدف منه التعمية عن الهدف الحقيقي، وهو مد المليشيا بأسباب الحياة وليس الهدف اللاجئين أو النازحين الذين لم يحصلوا على شيء حتى الآن، وحتى الإغاثة التي دخلت الآن عبر معبر (أدري) بدأت المليشيا في نهبها منذ أمس الأول، حيث أصدرت منظمة أطباء بلا حدود بياناً أعلنت فيه أن شاحنتين متجهتين للفاشر تم اختطافهما من قبل الدعم
السريع.!! الغريب أن السيد المبعوث الثرثار لم يصدر تصريحاً حتى الآن، ولا المفوضية بإدانة المليشيا التي اختطفت إغاثة أطباء بلا حدود، منتهكة التزاماتها في جنيف التي لم يجف حبرها حتى الآن..!!. السيد بيرلو توقف عن الثرثرة والتصريحات الفارغة وتفرغ في آخر أيامك هذه لوداع أصدقائك وزملائك الذين حشدتهم في كل المؤتمرات ولم يغنوا عنك شيئاً فخرجت صفر اليدين بلا إنجاز، إصمت وغادر أرضنا وسمائنا بأعجل ما تيسر… لا شكر الله سعيكم !!.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: السید المبعوث اللاجئین فی حتى الآن
إقرأ أيضاً:
المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.
وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of listكان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.
لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.
منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.
إعلانلم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.
المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلالفي منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.
أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.
لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.
لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.
إعلانكانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.
المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطوريةفي وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.
وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.
من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.
انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.
إعلاندشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.
المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيمفي أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.
كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.
وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).
مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".
حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.
المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلينلم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.
لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.
المحطة العاشرة: سقوط سايجون
في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.
في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.
إعلان