قلق إثيوبي من الوجود المصري في الصومال
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
لم تهدأ الآلة الإعلامية في إثيوبيا عن توجيه انتقادات للقاهرة منذ الإعلان عن هبوط طائرتين مصريتين محملتين بأسلحة وذخائر في مطار مقديشو الثلاثاء الماضي، وتصاعد الأمر مع دخول وزارة الخارجية الإثيوبية على الخط وإصدار بيانات تنتقد التحرك المصري، تلميحاً أو تصريحاً، وتعاملت معه كتصرف هجومي وموجه ضد أديس أبابا وليس لتطوير العلاقات بين بلدين آخرين وتعزيزها.
حاولت الحكومة الإثيوبية إخفاء قلقها من مقدمات التواجد المصري في الصومال من خلال تحدّيه وإعلان تعيين سفير لها في "جمهورية أرض الصومال"، غير المعترف بها دولياً، والتي كانت سبباً في توتر جديد بين مصر وإثيوبيا عندما وقّعت اتفاقاً مبدئياً للحصول على قاعدة عسكرية، وتسهيلات لوجستية وتجارية تقودها إلى البحر الأحمر من الجنوب لمدة خمسين عاماً، وهو ما تعاطت معه القاهرة مبكراً باعتباره تهديداً لمصالحها الإستراتيجية، ووقفت بجوار حكومة الصومال في رفض الخطوة، ثم وقّعت القاهرة مع مقديشو بروتوكولاً للتعاون العسكري وملحقاته.
دعّمت مصر البروتوكول بعزمها المشاركة بنحو خمسة آلاف جندي في مهمة حفظ السلام الأفريقية التي سوف تبدأ في الصومال يناير المقبل، وخمسة آلاف جندي آخرين لدعم الأمن في بعض المفاصل الرئيسية بالدولة، بعد أن أعلن الصومال إنهاء مهمة عشرة آلاف جندي إثيوبي في أراضيه. ولذلك فهمت خطوات دخول قوات مصرية وتقديم أنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر وتوقيع اتفاق عسكري مع الصومال على أنها موجهة ضد إثيوبيا، والتي أعلنت قبل أيام الانتهاء من بناء وتشغيل سد النهضة مع نهاية العام الجاري بلا اتفاق مع مصر.
يبدو سد النهضة الإثيوبي المفتاح أو اللغز الذي يساعد على فهم التصرفات المصرية تجاه الصومال، وهو الذي جعل القاهرة تتخلى عن تصوراتها الناعمة في علاقتها مع أديس أبابا، حيث أمضت نحو 12 عاماً من المفاوضات عبر جولات عدة لحل أزمته بالتفاهم والتوقيع على اتفاق ملزم، لكن بلا جدوى.
ربطت إثيوبيا التوجهات المصرية الجديدة إزاء الصومال بهذا الملف، وبالغت في غضبها من القاهرة التي باتت على مقربة من حدودها لأول مرة، في وقت تعاني فيه إثيوبيا من أزمات داخلية هيكلية، ومن دون أن تعبأ بوجود قوات وقواعد عسكرية لقوى إقليمية ودولية في دول مجاورة لها، بينها الصومال، حيث تملك تركيا على أراضيه أكبر قاعدة عسكرية خارج حدودها منذ عام 2017، ولم تبد أديس أبابا قلقا منها، بينما انزعجت من بروتوكول للتعاون العسكري بين مصر والصومال، لأنها فهمت رسالته وأنه موجه إليها بصورة رئيسية، والتي تعني في المجمل أن القاهرة صكت نمطاً يميل إلى ممارسة ضغوط قوية ومباشرة في علاقتها مع أديس أبابا.
ظهرت ملامح هذا الاتجاه منذ سنوت قليلة، بما يشير إلى أنه ليس محصوراً في الصومال، إذ وقّعت القاهرة اتفاقيات وتفاهمات عسكرية مع بوروندي، وأوغندا، وكينيا، وجنوب السودان، ولم تبد إثيوبيا خوفاً منها، كما هو الحال مع الصومال، والتي كانت تعد رجل القرن الأفريقي المريض، والفناء الخلفي المريح لأديس أبابا لأنه منشغل بهمومه الداخلية، والذي ربما يؤدي استقراره واسترداد عافيته إلى تفجير أزمات تاريخية مع إثيوبيا سيكون اتفاقها مع أرض الصومال هامشياً بالنسبة إليها.
أكد توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الاستخباراتي والعسكري بين مصر ونيجيريا بعد أيام قليلة من الاتفاق مع الصومال أن الهدف أكبر من سد النهضة، لأن نيجيريا ليست دولة مجاورة لإثيوبيا ستقوم القاهرة بممارسة ضغوط من خلالها.
علاوة على المخاوف المترتبة على امتداد النزاعات والصراعات والتهديدات بطول قارة أفريقيا وعرضها، ما يؤثر على مصالح مصر، التي انتبهت للمخاطر التي تنطوي عليها التوترات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن بعد هجمات جماعة الحوثي في اليمن، وتعد الصومال بوابة رئيسية فيهما، ناهيك عن تصاعد دور الجماعات الإرهابية الحالي والمحتمل في كل الدول التي تم توقيع اتفاقيات عسكرية معها.
وجدت مصر في سياسة التوسع في عقد مذكرات تفاهم عسكري أداة جيدة لتفعيل علاقاتها الخارجية، فكل الدول تواجه تهديدات خارجية أو تعاني من نزاعات داخلية، وعليها أن تبحث عن الجهة أو الجهات التي تساعدها لحفظ الأمن، ولدى القاهرة خبرة طويلة في محاربة الإرهاب يمكن الاستفادة منها.
كما تمهد هذه التصرفات لتعويض غياب مصر عن القارة سنوات طويلة، ما أظهرها وكأنها عازفة أو "متكبرة" أو غير معنية بأفريقيا، ما أفضى إلى تكبد خسائر جمة، تحاول تعويضها عبر إصلاح علاقاتها مع دول عدة، وبدا مدخل التعاون العسكري مناسبا للكثير من الدول التي تمر بتحديات صعبة على صعيد تماسكها الداخلي.
تكمن مشكلة اللجوء إلى هذا الطريق في ما ينطوي عليه من إيحاء بأن مصر قررت التخلي عن السلام في حل خلافاتها مع أيّ دولة، وأن الخشونة سلاحها الفترة المقبلة، ما يدخلها في أزمات جديدة عليها الاستعداد لها جيداً، كما هو حاصل مع إثيوبيا، وما يحمله من دلالات بشأن تخلي مصر عن حذرها في التعاطي مع الأزمات وعزوفها عن التدخل فيها، حيث تشير مذكرات التفاهم والاتفاقيات ذات المكونات العسكرية إلى توجه نحو استخدام الخشونة والحد من منهجي المفاوضات والتسويات الرضائية.
تولدت القناعة الأخيرة من كثافة الصراعات والتوترات التي لا تنتهي وتحيط بمصر من جميع الاتجاهات الإستراتيجية دون أدوات لوقفها أو تحركات من قبل المجتمع الدولي لإيجاد حلول ناجعة لها، في غزة، وليبيا، والسودان، وتخشى القاهرة أن يتحوّل جنوب البحر الأحمر إلى أزمة تستمر وقتاً، ويُفرض على الجميع التعايش معها.
اللافت أن إثيوبيا تعترض على قيام مصر بتوقيع اتفاق في العلن مع الصومال، وهو دولة مستقلة، ولا تقبل انتقادات لخطوتها بشأن توقيعها لاتفاق مع أرض الصومال، وهو دولة غير معترف بها رسمياً، ما يعني أنها تريد دمغ التواجد المصري "بأنه محرّم" ويستهدفها، وبالتالي تسعى لتفريغه من مضامينه العسكرية والسياسية، وتجييره في استمرار "الفزاعة" التي تقول إن مصر رفضت مشروع سد النهضة بزعم أنها لا تريد تنمية في إثيوبيا، والآن تريد خوض معركة مباشرة، وهو تصوير مخل، لأنه لم يتم رفض المشروع، بدليل التوقيع على اتفاق مبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان بالخرطوم في مارس 2015، لكن تم تجاهل ضوابطه الفنية والقانونية والعصف به.
تصميم إثيوبيا ورئيس وزرائها آبي أحمد على تحويل مصر إلى منافس وخصم أو "عدوّ" سوف يضر أكثر بمصالح البلدين والمنطقة، لأن كل طرف يسعى إلى توظيف ما يمتلكه من أوراق لمضايقة الآخر، بشكل مباشر أو بالوكالة، ما يعني الدخول في حلقات عديدة من الخلافات والتوترات، قد تعتقد الحكومة في إثيوبيا أن الأمر وسيلة لتوحيد شعوبها المتقاتلة، لكنها يمكن أن تنقلب إلى خطر يفجر أزمات إقليمية بسبب التشابكات الاجتماعية في دول القرن الأفريقي، في خضم تهديدات وعرة تمثلها تنظيمات إرهابية في المنطقة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مصر أدیس أبابا فی الصومال مع الصومال سد النهضة بین مصر
إقرأ أيضاً:
مطالبة مشروعة..ماكرون: من حق إثيوبيا الوصول إلى البحر
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم السبت، إن مطالبة إثيوبيا، بالوصول إلى البحر "مطلب مشروع"، مرحباً بالاتفاق الأخير مع الصومال حول هذه القضية الإقليمية الحساسة.
وقال ماكرون في ختام اجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أديس أبابا: "ما قاله رئيس الوزراء عن الوصول إلى البحر، وحاجة إثيوبيا إلى تنويع منافذها، والتحكم في مصيرها في بيئة إقليمية صعبة جداً، هو مطلب مشروع".وشجع الرئيس الفرنسي على "مواصلة الحوار لإحلال السلام بشكل دائم في القرن الإفريقي، مع احترام سيادة جميع الأطراف".
ومن جهته قال أبيي أحمد، إن ماكرون الذي عُرضت صوره على لوحات عملاقة في العاصمة الإثيوبية، "صديق" و"أخ"، داعياً فرنسا إلى "الاستثمار في إثيوبيا".
وتعهد الرئيس الفرنسي "بدعم أجندة الإصلاح الطموحة" التي أطلقتها أديس أبابا لتحرير اقتصادها، من خلال "دعم من الوكالة الفرنسية للتنمية بـ 100 مليون يورو".
Un ami dans le besoin est un ami véritable ! Merci pour tout. @EmmanuelMacron
በተፈለገ ጊዜ የተራዳ እርሱ እውነተኛ ጓደኛ ነው። ለሁሉም እናመሰግናለን።
A friend in need is a friend indeed! Thank you for all. pic.twitter.com/4bTNdv9H7Z
وأضاف، أن باريس ستمنح أيضاً "قرضاً استثنائياً" من الوكالة الفرنسية للتنمية بـ80 مليون يورو لتحديث شبكة الكهرباء في إثيوبيا، بمشاركة شركات فرنسية.
وفي وقت سابق، زار ماكرون جيبوتي حيث شارك عشاء عيد الميلاد مع القوات الفرنسية الجمعة في آخر قاعدة عسكرية فرنسية كبيرة في إفريقيا.