فتوى عبد الحي يوسف بقتل «حواضن الدعم السريع».. هل تحوله لمجرم حرب؟!
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
تأتي خطورة فتوى عبد الحي يوسف الأخيرة في سياق الحرب الحالية بما يعرف بـ”التحريض” لقتل المدنيين.
التغيير- نيروبي: أمل محمد الحسن
راجت ردود فعل واسعة حول فتوى اعتبرها البعض “مثيرة للجدل” من الداعية السوداني عبد الحي يوسف أجاز فيها قتل المدنيين عبر قصف الطيران، لجهة أن الأسلحة الحديثة لا تفرق بين رجل أو امرأة أو طفل كما اعتبر البعض أن الفتوى مقصود بها إجازة قتل ما يعرف بـ”حواضن الدعم السريع”.
وقال يوسف في فتواه: إذا حصل القصف مقصوداً به أولئك البغاة الظالمين ومن لاذ بهم ممن يؤيدهم ويشجعهم على سوء فعالهم فقُتل في ذلك القصف من لم يقصدوا قتله فإنه لا حرج عليهم في ذلك؛ بناء على ما قرره أهل العلم أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالا؛ خاصة إذا علمنا أن الأسلحة المستخدمة في الحروب الحديثة لا تفرق بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة.
محامية جنائية دولية: يمكن مساءلة أي فرد عن التحريض على ارتكاب جرائم ضد القانون الإنساني الدولي
تحريض على الإبادة
لم تكن هذه الفتوى هي الأولى المثيرة للجدل لعبد الحي يوسف المحسوب على بطانة النظام السوداني البائد، فقد أفتى سابقاً بقتل بعض السياسيين من قوى الحرية والتغيير وإسقاط الجنسية من بعضهم في برنامج تلفزيوني، كما كان متهما بأنه هو مصدر الفتوى التي قال الرئيس المعزول عمر البشير إنها منحته الإذن بقتل ثلثي الشعب السوداني إبان ثورة ديسمبر إلا أنه نفى ذلك في حوار أجري معه على موقع قناة الجزيرة.
تأتي خطورة فتوى عبد الحي في سياق الحرب الحالية بما يعرف بـ”التحريض” لقتل المدنيين. ووفق المحامية الجنائية الدولية ليندا بور فإنه يمكن مساءلة أي فرد عن التحريض على ارتكاب جرائم ضد القانون الإنساني الدولي: “لقد رأينا هذا في رواندا حيث تم إدانة أفراد من خدمة البث RTLM بالتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية”.
وقطعت بور بضرورة تحليل كل حالة بناء على الوقائع وحالة الفرد والدور الذي لعبه وما إذا كانت أفعاله أدت بشكل مباشر إلى ارتكاب جريمة، قائلة إنه يجب أخذ كل ذلك في الاعتبار عند تحديد العواقب القانونية.
باحث في “العفو الدولية”: الهجمات العشوائية التي تقتل وتجرح المدنيين تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وهي محظورة
انتهاك القانون الدولي
من جانبه، أكد الباحث في شؤون السودان والصومال بمنظمة العفو الدولية عبد الله حسن، أن العسكريين مطالبين بالتمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية في “جميع الأوقات”، مشددا على أن الهجمات العشوائية التي تقتل وتجرح المدنيين تشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي وهي محظورة.
واتفقت بور مع ما ذهب إليه الباحث في منظمة العفو الدولية حول أن القانون الدولي يحظر بشكل “صارم” الهجمات العشوائية ضد المدنيين.
وقالت في مقابلة مع (التغيير)، إن قصف المناطق التي يلجأ إليها المدنيون يعتبر انتهاكاً لهذه القوانين، كما أكدت أن تواجد قوات الدعم السريع في المناطق التي يلجأ إليها المدنيون يعتبر أيضاً انتهاكاً للقوانين.
وأضافت المحامية الجنائية الدولية شارحة ما وصفته بمبدأ “التناسب” الذي يجبر أطراف النزاع على تقييم الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة مقارنة مع الضرر الذي سيلحق بالمدنيين عند شن الهجوم.
وأشارت إلى ضرورة احترام الجيش السوداني هذا المبدأ عند شن هجوم بالطائرات وحال لم يكن متناسباً فلا ينبغي عليه تنفيذ ذلك الهجوم.
وحول حديث عبد الحي يوسف القائل بأن الأسلحة الحديثة لا تفرق بين رجل وامرأة وطفل أكدت المحامية الجنائية الدولية ليندا بور أن هذا التبرير ليس دفاعًا قانونيًا صالحًا، مشددةً على أن القانون الدولي الإنساني يحظر قصف المناطق المدنية.
بروفيسور في علم الاجتماع والانثروبولوجيا: مصطلح حواضن خاطئ وغير دقيق
مصطلح غير دقيق
منذ اندلاع الحرب تتم الإشارة إلى المواطنين من أقليمي دارفور وكردفان بصفة “حواضن” الدعم السريع، الأمر الذي وصفه أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا البروفيسور منزول عسل بالخاطئ وغير دقيق.
وقال لـ(التغيير) إن عبارة حواضن تعني جهات مفرخة وداعمة، مشيراً إلى سيطرة قوات الدعم السريع على بعض مناطق العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة “لا يمكن أن تسمى هذه حواضن الدعم السريع”.
ووصف أستاذ الانثروبولوجيا، الناس في مناطق سيطرة الدعم السريع بأنهم لا حول ولا قوة لهم، مستنكرا تحميلهم وزر أعمال الدعم السريع.
ووصف عسل، فتوى عبد الحي يوسف بـ”الخطيرة جداً”، معتبراً إياها تحريضاً على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
وأضاف: “يمكن للدعم السريع أن يستخدم نفس الفتوى لضرب المدنيين في مناطق سيطرة الجيش!”. وطالب منزول عسل باتخاذ إجراءات قانونية ضد عبد الحي يوسف حتى يتوقف عن استخدام الدين في التحريض على القتل.
مستور آدم: محاولات استغلال الخطاب الديني في الحرب الحالية لم تنجح لأنها تتطلب حجة مقنعة
خطاب الدعاية الحربيةبدوره، قال المختص في علم الاجتماع، القيادي بحزب المؤتمر السوداني مستور آدم، إن المقصود بالحواضن في خطاب الحرب الدائرة الآن، هي المجتمعات التي ينحدر منها قيادات وجنود من الدعم السريع خاصة في دارفور وكردفان، وبالتحديد المجموعات ذات (الأصول العربية).
وأضاف لـ(التغيير): “على الرغم من وجود مجموعات أخرى ذات أصول غير عربية (مهما صغر أو كبر حجمها) بالدعم السريع ولكن حتى يتجانس خطاب الدعاية الحربية القائم على فكرة الحواضن الاجتماعية وعرب الشتات مع تبرير استهداف هذه المجموعات والانتهاكات التي تمارس ضدها”.
وأشار مستور إلى تدرج الاستهداف من المضايقات والاعتقالات ومنع إصدار الوثائق الثبوتية والبلاغات والتصفيات على الأساس الإثني والجغرافي بحجة التعاون مع الدعم السريع، إلى استهداف هذه المجتمعات بصورة أكثر عنفاً بواسطة الطيران الحربي مصحوباً بحملة إعلامية منظمة تهدف إلى تغطية هذا الاستهداف بحجة تواجد الدعم السريع في المناطق والمرافق المستهدفة، وأكد أن الواقع يكذب هذا الإدعاء فالضحايا هم مدنيون عزل غالبتهم من النساء والأطفال.
ونوه مستور إلى أن الدافع الأساسي هو زعزعة استقرار هذه المجتمعات لكونها مناطق سيطرة الدعم السريع، كما كان يحدث سابقاً عندما تم استهداف مناطق ومجتمعات في دارفور وجنوب كردفان بشكل إثني بحجة أنها حواضن للتمرد.
استغلال الخطاب الدينيونبه مستور في حديثه لـ(التغيير)، إلى أن هنالك محاولات منذ بداية الحرب لاستغلال الخطاب الديني لإسباغ مشروعية اجتماعية ودينية على هذه الحرب وتبرير الانتهاكات كما حدث سابقاً في ظل نظام البشير، وقال: “لكن هذا المحاولات لم يكلل لها النجاح لجهة أنها تتطلب حجة مقنعة تساهم في التعبئة الدينية ضد الدعم السريع، وهذا غير متاح، ولهذا السبب تمت تسمية الحرب على أنها حرب كرامة، على الرغم من أن المجموعات والكتائب الإسلامية التي تحارب إلى جانب القوات المسلحة حاولت أن تستعيد إرثها السابق في حرب الجنوب، مع إصدار عدد من الفتاوى التي حاولوا من خلالها تحويل خطاب الحرب إلى خطاب ديني. فالدعم السريع ليس الحركة الشعبية ولا يتبنى مشروع فكري وسياسي كمشروع السودان الجديد، وعليه من الصعوبة بمكان أن يصمد أي خطاب ديني يوجه ضده، تماماً كما فشل الخطاب الديني ضد الحركات المسلحة التي اتخذت من دارفور منطلقاً لعملياتها ضد نظام الإنقاذ”.
عبد المحمود أبو: لا يوجد أي مسوغ شرعي ولا قانوني ولا أخلاقي لقصف الحواضن الاجتماعية للدعم السريع لا قصداً ولا بالتبعية
الحرب فتنة
من جهته، نفى الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار عبد المحمود أبو، نفياً قاطعاً وجود أي مسوغ شرعي ولا قانوني ولا أخلاقي، لقصف الحواضن الاجتماعية لا قصداً ولا بالتبعية التزاماً بالمحافظة على حرمة النفس الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان.
وقال أبو معلقاً على فتوى يوسف، إن الحرب الدائرة في السودان الآن فتنة واجب العلماء العمل على إيقافها لا تشجيعها أو دعم أحد طرفيها.
وأضاف: حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاشتراك في الفتنة ومن استطاع أن يعتزلها فهو خير له؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي. من يستشرف لها تستشرفه، فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل)).
وأكد أبو أن المحافظة على الحياة من أوجب الواجبات الشرعية، ولا يجوز قتل الإنسان بالشبهة أو التبعية أو معاقبته بفعل غيره “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
ووصف الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الحرب بـ”المدمرة” وخلفت مآسٍ ومفاسد الواجب الشرعي إيقافها والضغط على المسؤولين عنها لإيقافها لا تشجيعها أو الانحياز لأحد طرفيها.
وقال أبو لـ(التغيير)، إن الواجب الشرعي يتمثل في مطالبة طرفي الحرب بحماية المدنيين ومنع تعرضهم للقصف ورفض نقل ساحات القتال للمدن والقرى ومناطق تجمعات المدنيين.
وشدد عبد المحمود أبو على أن الفتوى في القضايا التي يتعدى ضررها تحتاج إلى تكييف شرعي للواقع ومراعاة المآلات والمفاسد والمصالح والموازنة بينها، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
الوسومالجيش الحواضن الاجتماعية الخطاب الديني الدعم السريع السودان المحكمة الجنائية الدولية حزب المؤتمر السوداني دارفور عبد الحي يوسف عبد المحمود أبو مستور آدم نظام الإنقاذالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحواضن الاجتماعية الخطاب الديني الدعم السريع السودان المحكمة الجنائية الدولية حزب المؤتمر السوداني دارفور عبد الحي يوسف نظام الإنقاذ الجنائیة الدولیة الإنسانی الدولی الخطاب الدینی عبد الحی یوسف الدعم السریع التحریض على لـ التغییر على ارتکاب على أن
إقرأ أيضاً:
فشل خطة أوروبا لحماية الدعم السريع.. ما الذي حدث؟
قطع الفيتو الروسي على مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي الطريق على ما يبدو أمام إعادة تأهيل مليشيا الدعم السريع المتمردة على الدولة السودانية عسكريًا، وسياسيًا، وما يستتبع ذلك من تأهيل حاضنتها السياسية المعروفة باسم تنسيقية تقدّم برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.
فالحاضنة السياسية يريدها المشروع الغربي في السودان أن تنصب ممثلًا وحيدًا للمجتمع المدني، بينما يراد لمليشيا الدعم السريع أن تحل محل الجيش السوداني في إطار مشروع تفكيكه على غرار الجيش العراقي، فقد ظلّ الجيش السوداني عقبة كأداء في وجه مشروع إعادة صياغة الدولة السودانية بما يتوافق مع المصالح الغربية في السودان التي تستهدف موقعه الجيوستراتيجي وموارده الطبيعية غير المحدودة.
وقد غلف مشروع القرار البريطاني بأهداف تبدو ظاهريًا منطقية، مثل تعزيز الإجراءات الدولية الخاصة بتسهيل التدخل الإنساني، بيدَ أن روسيا بررت موقفها الرافض بأنه تدخل غربي غير متوازن يهدد سيادة السودان.
إن هذا التطور عكس تعقيدات العلاقات الدولية، وتوازنات القوى داخل المجلس، ويطرح تساؤلات حول تداعياته على الأوضاع السودانية، خاصة في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية والسياسية.
ولا شك أن الرفض جاء في صالح الحكومة السودانية، إذ تعترض على عدة نقاط حواها مشروع القرار، مثل: الإشارة إلى الجيش، ومليشيا الدعم السريع بصيغة مشتركة (أطراف الصراع) الأمر الذي يضع المليشيا في مستوى واحد مع الجيش، بل اشتراك كليهما في جرائم الحرب، بينما تقدم الحكومة السودانية سردية مختلفة تصف المليشيا بأنها فصيل متمرد على الدولة حاول الاستيلاء على السلطة بالقوة بالتخابر مع أطراف خارجية.
كذلك تحدث القرار عن مفاوضات سياسية، الأمر الذي يعني لدى السودان إعطاء مشروعية سياسية للمليشيا، وتجاوزًا مقصودًا عن سقوطها الأخلاقي. إن السودان اليوم يبدو أنه يقف عند مفترق طرق، حيث سيكون لخياراته المستقبلية في تعزيز تحالفاته مع روسيا أو البحث عن حلول متوازنة دورٌ محوري في تحديد مساره على الساحة الدولية.
تحفظات السودان على القرارظل السودان يتابع بقلق التدخلات البريطانية غير الحميدة في شؤونه الداخلية التي ازدادت وتيرتها بعد سقوط النظام السابق في أبريل/ نيسان 2019، ولعب السفير البريطاني آنذاك دورًا رئيسًا في صياغة المشروع الذي تقدم به عبدالله حمدوك دون علم مجلس السيادة ورئيسه عبدالفتاح البرهان، وأدى ذلك إلى قدوم بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) برئاسة فولكر بيرتس بقرار من مجلس الأمن بالرقم 2524 في 3 يونيو/ حزيران 2020، بمزاعم مساعدة السودان على الانتقال إلى الحكم الديمقراطي من خلال بناء مؤسسات مدنية قوية، وتسهيل العملية الدستورية، والانتخابات الديمقراطية.
وأبدى الجيش السوداني تحفظات شديدة على دور فولكر، متهمًا البعثة بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، خاصةً خلال الأزمات بين المكوّنين العسكري، والمدني حيث اتهم رئيس البعثة بالانحياز لقوى الحرية والتغيير، ومحاولة تمكينها وانفرادها بالسلطة عبر مشروع سياسي رعاه فولكر سمي بـ "الاتفاق الإطاري"، وهي ذاتها التي عدلت مسماها إلى تنسيقية تقدم، وتتولى اليوم الترويج للمشروع البريطاني في السودان.
ولذلك فشلت البعثة في تحقيق اختراقات ملموسة في العملية السياسية، مثل: حل الأزمات بين المدنيين والعسكريين، أو تحقيق تقدم في الانتخابات والانتقال الديمقراطي. ونتيجة لنشاط دبلوماسي سوداني في أروقة الأمم المتحدة لم تُجدد ولاية البعثة في يونيو/ حزيران 2023، وأنهيت مهمتها رسميًا في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع رحيل فولكر بيرتس عن منصبه، بعد تقديمه استقالته.
لقد تعمد مشروع القرار المرفوض ألا يدين إدانة صريحة لا مواربة فيها جرائم مليشيا الدعم السريع وهي جرائم أشارت إليها تقارير أممية، ومنظمات دولية، وهـذا ما أثار حفيظة الحكومة السودانية التي تنظر بريبة لكل أمر تحركه بريطانيا.
إن جوهر مشروع القرار يساوي بين الحكومة، والمليشيا بالطلب المتساوي من الأطراف بالكف عن الخروقات، وظلت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة تردد: "الجانبان – الجيش، والمليشيا – يرتكبان انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اغتصاب النساء، والفتيات على نطاق واسع".
بينما تتجاهل بريطانيا أن المدنيين السودانيين يهربون من مناطق سيطرة المليشيا إلى مناطق سيطرة الجيش. لقد تحدث مشروع القرار عن ضرورة فتح معبر إدراي، متجاهلًا الشروط السيادية للحكومة على المعبر ومحاذيرها بخصوص استغلال المعبر لتهربب السلاح والإمداد للمليشيا عبر تشاد.
ويرى السودان كذلك أن مشروع القرار تجاهل شكوى تقدّم بها تتهم دولًا بتقديم السلاح والدعم للمليشيا. يشار إلى أن مجلس الأمن كان قد طلب من المليشيا فك حصارها على مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، وسط تقارير تؤكد استهدافها المستشفيات وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، ومع ذلك لم يشر مشروع القرار لمثل هذه النقاط المهمة المتعلقة بحماية المدنيين. ونسيت بريطانيا أو تناست أن ذات مجلس الأمن كان قد أصدر في 2004 القرار رقم 1556، كان قد طالب الحكومة السودانية حينها بنزع سلاح الجنجويد، ووقف العنف، لكن اليوم تريد بريطانيا مساواة الجنجويد بالجيش السوداني.
انعكاسات الفيتو الروسي على السودانمن الواضح أن روسيا تبنت لحد كبير في ردها على مشروع القرار البريطاني سردية الحكومة السودانية، وتوصيفها للأزمة. وبدا ذلك من خلال مرافعة المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي الذي قال: إنه "لا ينبغي أن يفرض المجلس هذا الاتفاق بطريقة متبّلة بنكهة استعمارية". مضيفًا: إن "المشكلة الرئيسية في المسودة هي أنها تتضمن فهمًا خاطئًا لمن يتحمل مسؤولية حماية المدنيين، ومن يجب أن يتخذ قرارًا في شأن دعوة القوات الأجنبية إلى السودان".
شهد السودان قرارات أممية عديدة، أبرزها المتعلقة بالنزاع في دارفور، أو الأزمات المتلاحقة منذ سقوط نظام عمر البشير، ولكن الموقف الروسي ظل ثابتًا في رفض أي ضغوط غربية، قد تُضعف نفوذ موسكو الإقليمي.
ولذلك يخشى كثير من المراقبين أن يتحول السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، وساحة لصراع النفوذ بينها، حيث تسعى كل من روسيا والولايات المتحدة، والغرب إلى تعزيز مواقعها في بلد غني بالموارد. وهناك من يعول على الدبلوماسية السودانية في حسن إدارة علاقاتها مع هذه الأقطاب، بما يكفل للسودان تحقيق مصالحه، وتجنب استخدام المؤسسات الدولية في التدخل في شؤونه.
لقد ظلت روسيا تعزز منذ سنوات علاقاتها مع السودان، سواء عبر التعاون الاقتصادي أو الدعم السياسي، لا سيما منذ توقيع اتفاقيات عسكرية مع الخرطوم تشمل إنشاء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر. وينظر إلى الفيتو الروسي بأنه يرسل رسالة دعم ضمنية من موسكو للسودان، في انتظار تعزيز السودان تعاونه مع روسيا سياسيًا وعسكريًا.
كما أن استمرار الدعم الروسي قد يشجع السودان على الانضمام إلى تكتلات دولية مثل "بريكس"، الأمر الذي يدعم سياسة روسيا في مواجهة الهيمنة الغربية. لكن من جهة أخرى قد يؤدي رد فعل الغرب على الفيتو الروسي إلى تصعيد الأزمات الداخلية، والخارجية التي تواجه السودان.
التحديات المحتملة – وفق المشفقين – تتراوح بين العقوبات الاقتصادية، والعزلة الدبلوماسية، وتعزيز دعم المعارضة، غير أن الضغط الغربي على السودان ليس بالأمر الجديد، وقد استطاع النظام السابق في ذروة هذا الضغط أن يستخرج البترول، وينجز مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية، بل تمكن من إنشاء صناعة حربية مكنته من الاكتفاء الذاتي في جانب كبير من احتياجاته، كما تمكن من تصدير الفائض لدول الجوار.
أما الضغط عبر دعم الحركات المدنية المعارضة، سواء من خلال التمويل أو التدريب السياسي، فهو قائم الآن، وما مشروع القرار الأخير، ومن قبل بعثة فولكر إلا جزء من هذا السياق.
لقد بدت بريطانيا غاضبة بسبب إحباط مشروعها في مجلس الأمن، وظهر الغضب البريطاني من خلال تصريحات وزير الخارجية ديفيد لامي الذي قال: "دولة واحدة وقفت في طريق تحدُّث المجلس بصوت واحد. دولة واحدة هي المعرقلة وهي عدوة السلام. إن الفيتو الروسي (عار)".
ونسي الوزير البريطاني أن بلاده تقف وحدها كثيرًا ضد قرارات أممية لأجل إنقاذ أطفال غزة من الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية