فاطمة عطفة (أبوظبي) 
لم يعد الحراك الثقافي والإبداعي مقتصراً على أمسيات الكتاب والفنانين في المراكز الثقافية أو المؤسسات المعنية بالأنشطة الأدبية والفكرية، ولكن ثمة منصات ومجالس ومنتديات انتشرت في البيوت والمجالس الخاصة، وذلك بفضل اتساع دائرة الاهتمام بمعارض الكتاب والقراءة وجهود الأدباء والفنانين الذين أقاموا في بيوتهم مجالس أسبوعية أو شهرية لمتابعة القراءة والمعارض الفنية ومناقشة كل جديد، وتضم هذه المنتديات أدباء من أجيال مختلفة.

وفي هذا التحقيق نلقي الضوء على أهمية المنتديات ودورها في إثراء المشهد الثقافي المحلي. 

بداية يتحدث د. عارف الشيخ، مستشار الأمور الأسرية بمحاكم دبي، حول تحويل بيته إلى فضاء ثقافي ومدى تأثير هذا النشاط على المجتمع وخاصة الشباب، قائلاً: تحويل البيت إلى فضاء ثقافي ليس نتيجة يوم وليلة، والمكان يستمد ظهوره من المكين. فأنا بحكم أنني من أسرة علمية، وعشت محباً للمجتمع بكل أطيافه، وأتقمص شخصية أكثر من كائن إنساني، أعتبر نفسي استثنائياً.
ويتابع د. الشيخ موضحاً أنه رجل شريعة، ورجل قانون، وشاعر وأديب، ورجل تربية، وإمام وخطيب جامع، ومأذون شرعي، وكاتب صحفي، وباحث في التاريخ المحلي. وصدر له حتى اليوم أكثر من 86 مؤلفاً في مختلف الفنون، إضافة إلى أن له مشاركات وإسهامات أدبية واجتماعية وإعلامية، وفي مجالسه يستقبل فئات التربويين والمفكرين والأدباء والشعراء، ورجال الأعمال والخير.
ويضيف قائلاً: تعلمت على أيدي المشايخ في الحلقات وفي المدارس والجامعات النظامية، ومن خلال أمهات الكتب وليس الأشرطة والمواقع الإلكترونية، وما زلت أشجع على قراءة الكتب لأن القراءة في الكتب لها متعة ما بعدها متعة، والقراءة في الكتب تعطيك اطمئناناً بأن تلك المعلومة تأخذها من مصدرها. لكن ليس كل كتاب بنافع، وليس كل نافع بصالح، وقديماً قالوا:
ما حوى العلم جميعاً أحد .. لا ولو دارسه ألف سنة
إنما العلم بعيد غوره .. فخذوا من كل شيء أحسنه
ويتوجه د. الشيخ إلى الشباب، مرشداً بقوله: ونصيحتي دائماً للشباب أن يحسنوا الاختيار، لأن ما يقرؤونه ينعكس على المجتمع سلباً أو إيجاباً، والأمانة مطلوبة. وإذا سلمنا بأن القراءة تثقف المجتمع، فإنه من المعلوم أيضاً أن الثقافة هي نافذة وبوابة التعارف والعلاقات بين جيل وجيل أو شعب وشعب، ولولا الثقافة لما تعرفت الشعوب إلى بعضها في عاداتهم ولغاتهم وتقاليدهم، ولولا القراءة لما وصل خبر الأولين إلى الآخرين.

أخبار ذات صلة وزير الثقافة الروسي: الإمارات أظهرت التزاماً قوياً بتعزيز ثقافتها على الساحة العالمية «أبشاق الغزال».. رواية عبر ثنائية الشعر والنثر

تعزيز مكانة الشعر 
من جهته، يقول الشاعر سعيد بن سبيل الظنحاني، مؤسس منصة «الشاعر الإماراتي»: «هدف المنصة تعزيز مكانة الشعر الإماراتي والثقافة على المستوى العربي والعالمي، نحن نحتضن المواهب الشعرية ونحاول تطوير أصحاب هذه المواهب وتوجيههم التوجيه الصحيح ورعايتهم في الملتقيات والأمسيات والندوات، وكذلك فتح المجال للشعراء العرب الموجودين في دولة الإمارات والذين ينظمون القصيد الشعبي الإماراتي، مؤكداً أنهم يحاولون أن يحافظوا على الهوية الإماراتية للشعر الشعبي.
وعن تأثير هذا النشاط الثقافي على المجتمع من خلال حضور الفعاليات الثقافية التي تنظم في المنصة، يوضح الظنحاني أن المنصة تضيف قيمة ثقافية للمجتمع من خلال المحافظة على الفنون والأغراض المتعددة للشعر الإماراتي، من خلال القصيدة أو التغرودة والونة والشيلات والفنون الغنائية مثل الرزفة الحربية، حيث يقومون بتوجيه الشعراء لتناول هذه الأغراض، كما يرعون المواهب الشعرية التي بحاجة إلى توجيه وعناية في كتابة الشعر. أما من ناحية الحضور، فيقول الظنحاني إن الإقبال كبير من الشعراء ومن الجمهور، مشيراً إلى أنهم أقاموا أمسيات عديدة حضرها جمهور كبير. ولما فتحوا المجال للشعراء العرب الموجودين على أرض الإمارات، وجدوا تسابقاً كبيراً.

فضاء ثقافي
الشاعر والكاتب أحمد العسم صاحب منتدى «المستطيل»، يتحدث عن كيفية تحول بيت الشاعر إلى فضاء ثقافي، وماذا يضيف لمسيرة الكاتب وكيف تمت هذه الخطوة: «جاءت هذه الفكرة بعد تردد، ولم أكن أتصور أنها يمكن أن تضيف لي أو لغيري الكثير، بل كنت أفكر أن أنزوي لأني صدمت في بعض الأحيان بأشياء مريرة، كما واجهت أشياء جميلة أيضاً. وبعد أن تقاسمنا أنا وأخي بيت الوالد القديم، قمت بتحويل القسم الخاص بي إلى صالون أدبي، وأشعر بسعادة كبيرة فيه. من هنا تطورت الفكرة إلى أن أصبحت اللقاءات تضم كتاباً وفنانين ورياضيين، أجتمع معهم وأناقشهم وأستمع إلى آرائهم وتجاربهم، وعندما يقول لي الرياضي أركض على رمل البحر وأنا حافٍ، ولما يأتي الصياد من البحر ويقول لي إنه اصطاد ويعلمني التفاصيل اليومية التي يقوم بها، يفتح أمامي آفاقاً جديدة.
ويتابع الشاعر العسم مبيناً أن صالون «المستطيل» أصبح متنوع الثقافات، وتبادل الحديث فيه يتم عن بيئات مختلفة، وكثير من هذه البيئات كانت غائبة عني. وهذا أهم شيء في المنتديات الثقافية لأنها تفتح أمامنا أبواباً جديدة في المعرفة ونطلع على تجارب متعددة. وأرى أنني استفدت الآن كثيراً لما عشتها من خلال القصص التي تسرد في اجتماعاتنا التي أنتجت شعراً جديداً ومختلفاً، ومنه مجموعة شعرية بعنوان «أمينة»، لما سئلت: من هي أمينة؟ قلت: هي كثير من الأشياء، من الممكن أن تكون عروساً من البحر أو نخلة في بستان أو حجراً في وادٍ أو وردة، وهذا التأثير يكون من خلال الجلسات الثقافية التي تتم في «المستطيل»، حيث نتبادل الأفكار والمعلومات ويستفيد الجميع.
وحول اختيار اسم «المستطيل»، أوضح الشاعر أحمد العسم أن ابن اخته، وهو مخرج سينمائي، اختار الاسم، مبيناً أن «الجلسات الثقافية لها تأثير بتشجيع الشباب على الحضور، ولها تأثير ثقافي وجمالي على الجميع، وأنا نفسياً سعيد بما يدور من حوارات أدبية وقراءات شعرية بين مختلف المشاركين».

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الكتاب القراءة الشعر الشباب الإمارات من خلال

إقرأ أيضاً:

مسالك مضللة

عندما نستطلع الأفكار منذ القدم سنجد انتقالات مهمة مع الزمن، فلا شيء ثابت ولا يمكن الثبات، وإنما الكون بكل تفاصيله في حالة حراك وتغيير، حتى الفكر فهو يتوسع ليتغير الفهم عند الإنسان بعد أن ظن فيه الثبات بفهم خاطئ ودافع عنه وضحّى، فالساكن لا ينتج قطعا حتى وإن لم يك ميتا.

فلو نظرنا إلى أفلاطون وعالم المثل عنده وأسلوبه في الاستقراء ما بين العقلانية التي تبتعد عن الرومانسية، وإقرار أرسطو طاليس عن طبيعة الأرض محور الكون، والذي تبنته الكنيسة وكأنه منزّل لتحكم بالهرطقة والموت على من يخالف هذا كغاليليو، وما تبناه الفقهاء والفرق الإسلامية من أفكار تسقط كلما ازدادت المعرفة بالماهية.

فالفلسفة العقلية بُنيت بوضوح مع هيكل في النظر إلى الأفكار والمادة، ثم الواجب والمحسوس عند كانط، وانقلاب هذا كله مع ماركس الذي حصر الأمور كلها بجدلية واقعية أو كما افترض هو للمادة ووسائل الإنتاج وفسّر الماضي وحاضره من خلال فكرة الصراع هذه، لكن ما تبين لاحقا أن التفكير بهذا الاتجاه ليس إلا نوعا من المصفوفات الإحصائية التي لا ترتكز إلى الحقائق وإنما إلى التجربة والتي تحتاج دوما إلى ترشيد، فالمفكر كالقائد الذي يتصور أرض المعركة، لكن حقيقة الموقف التعبوي عند العريف أو الجندي.

قام أحد الباحثين المعروفين هذه الفترة بإجراء إحصائية حول طبيعة التصلب في المجتمع العراقي ويفترض أن الغاية هي البحث عن علاج، لكن هل يمكن اعتماد هذا المنهج في بيئة مجتمعنا التي تعطي انطلاقة سلبية حزينة برد الفعل أو ما يسمى لغةً "الخُلق"؟ فمجتمع تعرض لصدمات عبر التاريخ بلا توقف بحكم كون المنطقة هي إحدى منطقتين عالميتين تعتبر مكان الاصطدام (Crash zone)، والانطباع المتشكل من الرد الأولي لأي مجموعة أو شريحة في بيئتها تجاه ما يعرض عليها من أسئلة سيكون متجها للسلبية والشك والظن.

أزعم أننا نحتاج تدقيق الخلاصات، هذا الإحصاء يسمى الإحصاء التجريبي والأساس أن تكون هنالك فرضية يتأكد من صحتها من خلال هذه العملية الإحصائية، لكن باستخدام الأساليب المتبعة في الإحصاء الظاهراتي ستجد نتيجة متباينة وأحيانا مختلفة كليا، فعندما تتعامل مع منظومة متعرضة للانتقاد دوما واللوم من الجمهور وجئت أنت باستفسارك، فهي لن تأخذ استفسارك أوليا بحسن نية.

وأنا أكتب المقال جربت هذا الأسلوب عبر فيسبوك مع جمعية خدمات مولدات الكهرباء فكان الفهم عكس مقصدي والرد جاف وفيه عدوانية، فأجبته بلطف أني مستغرب لجفاف أسلوبه مع مواطن لم يقصد إلا السؤال، وأنه قد فهم سؤالي عكس المطروح، فانقلب كلامه تماما بل كرر اعتذاره وضخّم من لطف أسلوبه وتجاوبه، وانتقل بجوارحه ليقدم لي أية خدمة كتعبير عن إحساسه أنه كان سلبيا ويريد أن يقول إني لست كذلك. أثق بأنه شخص طيب وإيجابي لكن الظرف والضغط جعل أسلوبه بالتعامل بما يراه ناجعا مع البعض. إذن الظاهراتي إيجابي، لكن الخُلق أو رد الفعل الأولي أعطى سلبية، فمجتمعاتنا لا يُحكم عليها بأسلوب علمي رقمي جاف وإنما يُتجه إليها إنسانيا والأمثلة لا تحصى.

بلادنا طاردة لطاقاتها لظرف إبداعهم المفقود ومكانتهم المختزلة، لكن مجتمعهم له ارتباط وتأسيس في نفوسهم. فهذه الطاقات تريد أن تعود وتتغنى بحياتها ضمن مجتمع ظاهره متعصب صلد، وعند فرحه فهو في منتهى الرقة والكرم والإيثار، وقد يكون نفس الشخص يحمل السلوكين. إذن المشكلة في تكييف هذا المجتمع بتعريفه بنفسه وإشعاره بأهميته وفاعليته ونجاحه عندما يكون لطيفا، وأن يفهم قواعد الخلق والسلوك وألا يأخذ الأمور بقسوة الأحكام على فعل قبل أن يرى رأيه إن كان هو من مرتكب الفعل أو هل يمكن أن يفعل هذا، وأن لا يطلب المثالية والتطابق في غيره، بينما هو ومن خلال أسلوب حكمه ومحاسبته هو غير مكلف بالحكم والحساب لم يطابق ما تعصب له.

ترى إنسانا يتعصب لفكره وهو يعيب على الآخرين العصبية، الحقيقة هذا لفاعلية الغريزة وسيطرتها على المنظومة العقلية، يصدر أحكاما عاطفية انطباعية في مفاصل أساسية لا يمكن أن يُنظر إليها ناهيك عن تطبيقها، ثم يتهم بفجور وفحش من يفكر لتكييف ما، ينكل هو بالناس وسمعتهم لأجله غير منتبه لأسلوبه الفج في طرح فكره الخارج عن الواقع والتاريخ بالأسلوب الذي يعرضه فيه. وهذه ظاهره في المجتمع وليست فردية نتيجة أن هذا المجتمع مأزوم نفسيا وفكريا ويحتاج إلى صبر في معالجته وقبوله لتصويب مسار أفكاره، وهذا ليس مناقضا للفكرة السابقة فهذه نتائج تختلف في مكانتها في التقييم عن الأساسيات كالفكر والغرائز والحاجات.

نستخلص:

الأفكار تتوسع في منظومة العقل، وما كان يعتبر من الثوابت ومتبنى كنسيا في مثل أرسطوطاليس هو إنتاج بشري له منطقه لكنه يصوب بالتفكير والنظر إلى الماهية. ثم نأتي إلى فكر الإسلام، الذي فهمه كبار الصحابة ومقاصده، ومن ينظر إلى سيرة الخلفاء الراشدين وسلوك الحسن والحسين، ربما يرى سلوك الحسن نقيض سلوك الحسين رضي الله عنهما، لكن واقعا في المقاصد واحد، كذلك تصلب أبوبكر رضي الله عنه في الأحكام والمرتدين، وتساهل عمر في الحدود عام الرمادة، ورفض توزيع الأرض على الفاتحين حماية لمصالح أهل المناطق المفتوحة وما زال الحكم قائما، ووقف العطاء للمؤلفة قلوبهم وهو فهم لمعاني التمكين في المقاصد واحد، وإلا في زمننا لحُكم البعض على أبي بكر بالتعصب ولحكم على عمر بالتبديد والابتداع. وتصور أن يأتي شخص أو حاكم في زمننا يجتهد اجتهاد كاجتهاده فهو حتما سيحكم عليه بالردة والكفر.

مع كل هذا النموذج الطيب فهم اجتهدوا لعصرهم. ولا بد أن نعلم أن القرآن لا يمر عليه الزمن لكن الاجتهاد يمر عليه الزمن ويغادره، لذا لا بد أن نجتهد لعصرنا ونفكر بشكل يمكننا من إدارة الحياة والحفاظ على أهلية الإنسان الضرورية ليكون الإنسان مكلفا. وهذا هو واجبنا فالشريعة من أجل الإنسان وليس العكس، ذلك منظور يمكن أن يحل مشكلة الإنسانية والبشرية التائهة رغم تطورها التقني فقد وصلت مرحلة التصادم الخطر الذي لا يعلم نتيجته إلا الله.

مقالات مشابهة

  • "تثمين الدور الثقافي للسينما".. شعار الدورة 29 للمهرجان الدولي لسينما المؤلفة بالرباط
  • «المركزي» الإماراتي: 8% نموا للاحتياطيات الدولية.. والتحويلات بين البنوك تتجاوز 9.3 تريليون درهم
  • تساقط الشعر بعد الولادة: أسبابه وطرق التعامل معه
  • المديح النبوي.. أشهر القصائد التي تغنت بمدح الرسول
  • مسالك مضللة
  • سعر الدرهم الإماراتي الآن خلال التعاملات المسائية اليوم الخميس 12 سبتمبر 2024
  • فضاءات الأسيرة المقدسية لمى أبو غوش الأكثر اتساعا
  • استدامة العمل الثقافي بـ"المجلس الأدبي" في أبوظبي
  • IMI تطلق أكاديمية جديدة للتدريب الإعلامي بقيادة الإعلامي الإماراتي البارز والمدرب الخبير فيصل بن حريز
  • «بيورهيلث» تكرِّم 121 مواطناً ومواطنة ضمن الدفعة الثانية من خريجي «مركز التطوير الإماراتي»