يقول خبراء إن القادة الأمنيين والعسكريين في إسرائيل لا يختلفون مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن قتل الفلسطينيين في شمالي الضفة الغربية ولكنهم يخشون انهيار حالة الاستكانة التي فرضها الاحتلال على هذا الجزء من فلسطين عبر سنوات طويلة من الممارسات الاجتماعية والاقتصادية.

فقد نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن القيادة الوسطى أن توسيع العملية العسكرية في الضفة ستفرض مزيدا من الأعباء على الجيش، فضلا عن التحذير من احتمال انفجار الضفة بشكل كامل.

كما نقلت هيئة البث الرسمية عن مسؤولين أمنيين أن البقاء في قطاع غزة يمثل مزيدا من الأعباء العسكرية والاقتصادية على إسرائيل، وهو ما يعتبر انتقادا ضمنيا لخطط نتنياهو.

حفاظ على الوضع القائم

ورغم أن هذه الانتقادات لا تخلو من المناكفة التي لا تتوقف من جانب الجيش الذي لطالما حاول رئيس الوزراء جعلها تابعة له، فإنها في الوقت نفسه تعكس خوف قادة الأمن من انهيار حالة الاستكانة التي تم فرضها على سكان الضفة من خلال أنماط عيش معينه، كما يقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي.

وحسب ما قاله الشوبكي خلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، فإن الوضع في الضفة الغربية كان في أفضل حالاته الممكنه حيث لم تكن هناك قوة مناوئة لممارسات الاحتلال قبل العملية التي أطلقها نتنياهو مؤخرا.

وفي حين تحمل الانتقادات الأمنية والعسكرية لسلوك نتنياهو في الضفة من طموحات عسكرية لأصحابها إلا إن الواقع العملي يدعم إمكانية دخول الفلسطينيين في مواجهة شاملة مع الاحتلال في حال امتدت العملية إلى مزيد من مناطق شمال الضفة، برأي الشوبكي.

لذلك -يضيف المتحدث- فإن من يطلقون هذه التحذيرات ربما يحاولون النأي بأنفسهم مقدما عن تحمل أي مسؤوليات مستقبلا بعدما علمتهم عملية طوفان الأقصى أن كل الاحتمالات قابلة للتحقق.

ويرى الشوبكي أن الخلاف بين الإسرائيليين على ما يجري في الضفة هو نفسه الخلاف على ما يحدث في غزة لأنه لا يدور بشأن طبيعة ما يقوم به الجيش ضد الفلسطينيين من قتل وتدمير وإنما بشأن طريقة تنفيذه وما يمكن أن تدفعه إسرائيل من أثمان لهذه الطريقة.

ومن هذا المنطلق، فإن التحذيرات الأمنية والعسكرية من توسيع عملية الضفة يحمل الكثير من الأهداف الشخصية والسياسية فضلا عما يحمله من قلق بشأن تحول الأمر إلى انتفاضة في وسط وجنوب الضفة أيضا، كما يقول الشوبكي الذي يرى أن "على الفلسطينيين ألا يعولوا على هذا الخلاف لأن إسرائيل مكونة في النهاية من يمين حاكم وآخر معارض".

نتنياهو يريد توسيع المواجهة

أما الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين مع حديث الشوبكي فيعتقد أن نتنياهو مدرك جدا لما يقوله القادة الأمنيون ويعرف جيدا أن وجود الاحتلال يحتم وجود مقاومة وبالتالي هو يدفع باتجاه تصعيد الموقف في الضفة.

ويرى جبارين أن مخاوف القادة الأمنيين والعسكريين في إسرائيل تنطلق من شعورهم بأن نتنياهو لم يعد كما كان قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مضيفا "قبل طوفان الأقصى كان نتنياهو يستمع لقادة الأمن ويأخذ بتحذيراتهم ويخرس إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بينما لم يعد كذلك الآن".

وبناء على هذه المخاوف، فإن المؤسسة العسكرية تحاول تحريك الشارع ضد رئيس الحكومة من خلال رسائل غير مباشرة ترسلها عبر تصريحات إعلامية مبهمة أو من خلال جنرالات سابقين يكتبون مقالات تدفع في نفس الاتجاه.

وقال جبارين إن نتنياهو حاول بشكل دائم كسر حالة الثقة بين المجتمع الإسرائيلي والجيش وإنه تمكن من تحقيق هذا الهدف بشكل كبير بعد الإخفاق الكبير في تحقيق أهداف الحرب على غزة.

هروب للأمام

ومن ناحية عملياتية، يقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن ما تعيشه إسرائيل حاليا يتناقض تماما مع قواعد أمنها الرئيسية التي كانت تتمثل في الردع والإنذار المبكر والحسم السريع، مؤكدا أن جيشها يعيش حالة استنزاف غير مسبوقة في الجنود والآليات والذخيرة في الوقت الراهن.

وعزا حنا كسر هذه القواعد الأمنية التي وضعها ديفيد بن غوريون (أحد مؤسسي إسرائيل) إلى إصرار نتنياهو على تحقيق شيء لا يمكن تحقيقه. وقال إن عملية الضفة في بدايتها وإن رئيس الوزراء سيمارس الابتزاز السياسي من خلال توسيع العملية بزعم القضاء على تهديد محتمل.

كما أشار الخبير العسكري إلى وجود خلاف دائم بين نتنياهو وقادته العسكريين لأنه وضع أهدافا كبيرة لا يمكن تحقيقها وهو يرفض تغيير خططه بما يتماشى من قدرات الجيش لأنه "يتبنى مبدأ تحقيق الربح من خلال عدم الخسارة وهو ما دفعه لفتح 7 جبهات في وقت واحد".

وأشار حنا إلى أن قوات الاحتلال تحاول حاليا عزل جنين تماما كونها قلب المقاومة في الضفة، لافتا إلى أن "هذا الهروب للأمام الذي يمارسه نتنياهو يفرض مزيدا من الأعباء العسكرية على الجيش".

وخلص حنا إلى أن حاجات إسرائيل الأمنية كانت دائما أكبر من إمكانياتها وقال إنها قد تواجه معضلة حقيقية في حال انفتحت جبهة الشمال أو ردت إيران بشكل يدفع لحرب أوسع بينما هي تقاتل في غزة والضفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إيتمار بن غفير فی الضفة من خلال

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تسلب ما تبقى للفلسطينيين من أوسلو باستهداف مناطق ب

بيت لحم– تلقت قرية المالحة في برية زعترة قرب مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية منذ أيام إخطارات إسرائيلية تقضي بهدم 10 منازل فيها، في خطوة وصفت بأنها الأخطر، ليس لأنها تأتي في مرحلة يعيش فيها الفلسطينيون كل أشكال التهجير والتدمير على يد الاحتلال فحسب، بل لأنها تنسف الوجود الفلسطيني وخاصة بمناطق "ب"، وتقضي على حلم الفلسطينيين وآمالهم في العيش بأمان.

إلى 18 يوليو/تموز الماضي يعود قرار الهدم بمناطق "ب"، ووقع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال اللواء آفي بلوت -وفق ما ذكرته القناة السابعة الإسرائيلية آنذاك- على أوامر تنفيذية لهدم المباني الفلسطينية في المالحة وتقييد بناء منازل جديدة.

ظهرت التقسيمات المناطقية والإدارية للضفة الغربية بمسميات "أ" و"ب" و"ج" أو "سي" كأحد أبرز مخرجات اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993، وظلت الأكثر حضورا بينهم بحكم معايشتهم اليومية لها.

وأعطى الاتفاق السلطة الفلسطينية التي انبثقت عنه أيضا صلاحيات للعمل في مناطق "أ" إداريا وأمنيا، و"ب" إداريا للفلسطينيين وأمنيا تخضع لإسرائيل، مع سيطرة إسرائيلية كاملة على مناطق "ج".

وتقدر مناطق "أ" بنحو 21% من مساحة الضفة الغربية (والتي تبلغ حوالي 5800 كيلومتر مربع) ومناطق "ب" بـ18.4% ويعيش فيها أكثر من 90% من الفلسطينيين وعليها يعلقون آمالهم في الثبات بما تبقى من أرضهم، في حين تزيد مناطق "ج" عن 61% من إجمالي مساحة الضفة ويعيش بها 10% من الفلسطينيين تقريبا.

مناطق شرق بيت لحم التي يستهدفها الاحتلال بإجراءاته العسكرية (الجزيرة) التهجير من أوسع أبوابه

وباستهدافها مناطق "ب" في قرية المالحة تكون إسرائيل قد دقت أول مسمار في نعش التهجير الفعلي للفلسطينيين خارج وطنهم، أو تكديسهم في ظروف قاهرة وضاغطة ليصلوا بنهاية المطاف للخيار المر نفسه، بعد أن أحكمت قبضتها على مناطق "ج" وطردت سكانها وقيَّدت وجود من تبقى بشروط وإجراءات عسكرية أرهقتهم.

وبفزع كبير تلقى أهالي المالحة إخطارات هدم منازلهم والتي ظنوا أنهم سيكونون بمأمن منها في ظل اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، وباشروا باعتراضهم وإجراءاتهم القانونية ضد القرار الإسرائيلي، وتظاهروا رفضا له.

رئيس مجلس قرية المالحة مراد جدَّال قال إنهم يواجهون "خطة الضم والتوسع" الإسرائيلية على أرض الواقع، ويتحدّون خطة سياسية متطرفة تقوم على سحب الصلاحية الفلسطينية بكل المناطق وهدم كل الاتفاقات الموقعة "وهدم أوسلو بأكمله".

ويقول جدال للجزيرة نت "ما لم يتم التصدي له، سيوسع الاحتلال قراراته في مناطق (ب)، وليس الهدف 10 منازل من أصل 450 بيتا في قرية المالحة، بل يستهدف المحمية بأكملها، ثم ينتقل بالنهج ذاته ليصل إلى مناطق (أ)".

المحميات والآثار

وعام 1997 أفرز اتفاق واي ريفر برية بيت لحم كمحمية طبيعية للفلسطينيين، تقدر بـ3% (167 كيلومترا مربعا) من الضفة الغربية، وتمتد من جنوب القدس وحتى شمال الخليل مرورا بشرق بيت لحم.

وعبر أمرين اثنين استهدف الاحتلال مناطق "ب"، ومحمياتها الطبيعية كبرية بيت لحم، بسحب صلاحيات السلطة التخطيطية ومنعها من منح تراخيص بناء جديدة وهدم المبني بها، إضافة للمباني القريبة من المواقع الأثرية بمناطق "ب" والمقدرة بحوالي 600 موقع.

ويدق الاحتلال بهذا الإجراء، وفق مسؤول التوثيق بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان (جهة رسمية) أمير داود، ناقوس "الخطر والدمار معا" على مستويين: الأول جيوسياسي، إذ يمنع قيام دولة فلسطينية على جغرافيا ممزقة ومسيطر عليها. الثاني، يعدم الأمل بشأن فكرة الدولة في الذهن الجمعي الفلسطيني، ليزج بالوجود الفلسطيني في مربعات على شكل جزر وتكتلات سكنية مكتظة داخل المدن وبلا تواصل جغرافي.

ويقول داود "هم قتلوا الفلسطيني، فهل يعجزهم أن يأخذوا أرضه؟! نحن أمام مخطط وضعه سموتريتش عام 2017 وأطلق عليه مخطط الحسم، وفيه إما أن يبقى الفلسطيني خاضعا وإما يهاجر وإما يُقتل إذا رفض".

وبإجراءاته تلك، مسح الاحتلال، وفق داود، كل أساس بني عليه اتفاق أوسلو ولم يبق شيئا منه، فهو يقتحم المدن والقرى ويدمر البنية التحتية ويعدم المواطنين، ويضيف "أجهزت إسرائيل على أوسلو ومخرجاته، وأجهزت على الأرض التي هي جوهر الصراع وأصل فكرة الدولة".

منازل الفلسطينيين في مناطق "ب" الواقعة قرب المواقع الأثرية مستهدفةٌ أيضا بإجراءات الاحتلال (الجزيرة) التنسيق الأمني

ويتفق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي مع كل ما ذهب إليه داود، وقال إن ما يجري هو إسقاط لما أعلنه الوزير سموتريتش بالحرف بأنه سيجرد السلطة الفلسطينة من أية صلاحيات مدنية بمنطقة "ب"، كما جرَّد جيش الاحتلال السلطة من أي وجود في مناطق "أ".

ويقول البرغوثي للجزيرة نت "لم يبق شيء من اتفاق أوسلو، وكلهم دفنوه وإسرائيل قتلته بالكامل، والسلطة الفلسطينية هي التي تتمسك به، ولا أعرف لماذا؟ والشيء الوحيد المتبقي من أوسلو هو التنسيق الأمني الذي يعارض مصالح الشعب الفلسطيني".

ولهذا، توقع البرغوثي أن الهدم سيتوسع في مناطق "ب" ويطال "أ" أيضا، وأن ما يجري من اقتحام وهدم بهذه المناطق وتحت حجج أمنية هو مقدمة لذلك، فإسرائيل باستهدافها مناطق "ب" باتت تضع يدها على 82% من الضفة الغربية.

وما تقره حكومة الاحتلال المتطرفة ويقوم به جيشها يدل -حسب البرغوثي- على عجز السلطة الفلسطينية عن القيام بأي أمر آخر، "ورغم ذلك لا يدركون في السلطة أنه آن أوان التخلص من كل أوسلو وأعبائه".

ومن ناحيته، يرى السياسي الفلسطيني ونائب رئيس المجلس التشريعي السابق حسن خريشة أن الاحتلال وعبر توغلاته واقتحاماته لكل المواقع الخاضعة للسيادة الفلسطينية ينفذ ما تبنته حكومة الاحتلال، وأسقط كل الفواصل ما بين "أ" و"ب" و"ج"، وبالتالي أضحت كل الأرض مستهدفة، وأنه "لم يبق من أوسلو غير الاسم والتوقيع".

وأخطر من ذلك، يقول خريشة للجزيرة نت، أن "الاحتلال، سواء الحكومة أو المعارضة، بات يرفض حل الدولة والدولتين، وبالتالي فالرهان على تسويات وقيام دولة فلسطينية وهْم باعوه لنا طوال الوقت".

وأكد أن هدف إجراءات الاحتلال في مناطق "ب" و"أ" هو استعادته السيطرة على الضفة الغربية سيطرة كاملة لتصبح تحت الحكم العسكري الإسرائيلي بقيادة سموتريتش.

مقالات مشابهة

  • عاجل | الجيش الأميركي: مقتل قادة في تنظيم الدولة الإسلامية في غارة مشتركة مع قوات الأمن العراقية غربي العراق
  • ماذا يخطط نتنياهو للضفة الغربية؟ محللان يجيبان
  • نتنياهو والأردن.. عداء متجذر يهدف للوطن البديل بالرغم من وادي عربة
  • خبير: مصر تتعامل مع الأزمات التي تحدث على حدودها بشكل من العقلانية والدبلوماسية
  • إسرائيل تسلب ما تبقى للفلسطينيين من أوسلو باستهداف مناطق ب
  • إعلام عبري يكشف عن «الانتفاضة الصامتة» بالضفة الغربية في فلسطين.. ما القصة؟
  • الاحتلال يعتقل 40 بالضفة والخارجية الفلسطينية تندد باقتحام نتنياهو الأغوار
  • الخارجية الفلسطينية: ندين اقتحام نتنياهو الاستفزازي للأغوار ونعتبره تعميقا لضم الضفة
  • صحيفة عبرية .. الانتفاضة بدأت بالفعل في الضفة
  • ‏الخارجية الفلسطينية: اقتحام نتنياهو الاستفزازي للأغوار تعميق ممنهج لضم الضفة وتفجير أوضاعها