لجريدة عمان:
2025-04-17@07:27:14 GMT

هل تمثل أوروبا قدوة أو عبرة لأمريكا؟

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

خففت أوروبا من حدة الرأسمالية القاسية، فوفرت شبكات أمان، وتفوقت على الولايات المتحدة في جوانب مهمة من حيث الرفاهية. وبات الأطفال الأوروبيون أقل عرضة للوفاة من نظرائهم في أمريكا، والولادة أقل خطورة في أوروبا منها في الولايات المتحدة، والأوروبيون أطول أعمارا.

يعمل أبناء شمال أوروبا أقل مما يعمل الأمريكيون ــ لقرابة ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة ساعة فقط في السنة مقارنة بألف وثمانمائة ساعة للأمريكيين ــ وينعمون في الغالب برعاية صحية شاملة، ورعاية مجانية أو مدعومة للأطفال، ومدارس عامة راسخة.

والتعليم الجامعي في الغالب مجاني أو غير مكلف. وتقدير الشعوب لحقوق الإجهاض أكثر من تقديرهم لحقوق امتلاك الأسلحة، مع اجتنابهم ما يعرف بحروب الحمامات الشرسة -ويقصد بها الاحتجاجات التي تنشأ على خلفية نقاشات وطنية محتدمة حول تشريعات مثلا-. ولو أنك تعمل في تقليب البرجر في ماكدونالدز بالدنمارك، فإنك تحصل على أكثر من عشرين دولارا في الساعة، إضافة إلى تمتعك بإجازة مدفوعة الأجر لمدة ستة أسابيع، وإجازة أمومة لمدة عام، وخطة تقاعد. ولكن من الإنصاف أن نشير إلى أن أوروبا تعاني اليوم. فقد نما الاقتصاد الأمريكي العام الماضي بمعدل يتجاوز ستة أمثال معدل نموه في الاتحاد الأوروبي، بنسبتي 2.5% للاقتصاد الأمريكي و0.4% للاقتصاد الأوروبي.

وتزخر الولايات المتحدة بنجاحات تكنولوجية من قبيل أبل وجوجل وميتا، في حين أنه لا توجد شركة أوروبية واحدة في القائمة الحديثة لأكبر عشر شركات تكنولوجية في العالم من حيث القيمة السوقية. ويتبين من قائمة واحدة لشركات «وحيد القرن» ـ أي «الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار أمريكي» ـ أن أصغر دولة في أفريقيا، وهي سيشيل، لديها من هذه الشركات مثل ما لدى اليونان(أي شركتين) ، وما يقرب من إيطاليا أو بلجيكا (ثلاث شركات).

وفرنسا تقدم الكرواسون باللوز والعلامات التجارية الفاخرة وأسلوب الحياة المثير للحسد. ولكن لو أنها كانت ولاية أمريكية، لكانت من أفقر الولايات من حيث نصيب الفرد، متساوية مع ولاية أركانسو.

في الوقت نفسه، يبدو أن عدد سكان أوروبا بلغ ذروته في العقد الحالي ومن المتوقع أن ينخفض بشكل كبير للمرة الأولى منذ الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر. ومن المرجح أن يستمر الانحدار في عدد السكان وأن تستمر شيخوخة المجتمعات، حتى يفضي ذلك إلى التقليل من نفوذ القارة.

عسكريا، تعتمد أوروبا الغربية على الولايات المتحدة وتعجز عن الوقوف بمفردها في وجه روسيا. تبذل بولندا ودول البلطيق كل ما في وسعها، ولكن من المؤسف أن أوروبا اليوم بلا زعيم حقيقي: فالمستشار الألماني أولاف شولتز ـ وهو أوضح مرشح للقيام بهذا الدور ـ لكنه ليس أكثر من ظل لأنجيلا ميركل.

كانت ألمانيا في يوم من الأيام هي محرك المنطقة، ولكنها الآن توصف في بعض الأحيان برجل أوروبا المريض، وذلك جزئيا من أسباب تزايد القلق من قيام الحكومة الألمانية المتعثرة بقطع الدعم عن أوكرانيا.

في الوقت نفسه، يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تولي القيادة، لكن لا أحد يريده في ذلك. ولقد حذر ماكرون من جامعة السوربون في أبريل من أن «أوروبا قد تموت»، وهو منتبه لهذا الخطر ولكن حلفاءه قليلون في الداخل وفي الخارج.

لقد أوضح كتاب صدر في عام 2005 لأستاذ العلوم السياسية مارك ليونارد «لماذا سوف تدير أوروبا القرن الحادي والعشرين». ولكن وفقا لحساب أوروبي واحد، في حال استمرار الاقتصادات في النمو بالوتيرة الحالية، فسوف يصبح متوسط الفارق بين الأمريكيين والأوروبيين بحلول عام 2035 من الناحية الاقتصادية مساويا للفارق بين الاقتصادين الأوروبي والهندي اليوم (وللإنصاف، فإن تقييم الفجوات يعتمد أيضا على سعر الصرف المستخدم).

من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى اتساع الفجوات هو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن تستثمر في رقائق الكمبيوتر والبطاريات والإنترنت عالي السرعة، في الوقت الذي يخصص فيه الاتحاد الأوروبي ما يقرب من ربع ميزانيته للزراعة والمناطق الريفية، ويدعم في بعض الأحيان الإفراط في الإنتاج (حتى أنه يتعين على أوروبا بعد ذلك أن تدفع ثمنا لتحويل ما يسمى ببحيرات النبيذ إلى مطهر للأيدي).

والنتيجة هي القلق المتزايد بشأن «أزمة القدرة التنافسية» في أوروبا. في اجتماع اللجنة الثلاثية -وهي منظمة غير حكومية لدعم التعاون بين اليابان وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية- هذا الصيف، في بروكسل، سمعت مرارا وتكرارا تنويعات مختلفة لفكرة أن «أمريكا تبدع» بينما «أوروبا تفرض القواعد».

وثمة دواع وجيهة لمناصرة وضع القواعد: ففي العقود الأخيرة، أعتقد أن أوروبا كانت أفضل في حماية المستهلكين من الاحتكارات والمواد الكيميائية السامة. لكن الليبراليين من أمثالي يجب أن يفيقوا بسبب الأدلة التي تشير إلى أن الإفراط في وضع القواعد وضعف الحكم في أوروبا قد يقوض مستقبل القارة.

ومن الإنصاف أن نذكر أن المنتقدين يصورون أوروبا في بعض الأحيان تصويرا كاريكاتيرا، متجاهلين نقاط قوتها الهائلة. فهي بدلا من تثبيط عزيمة الناس، تعمل بالاستثمارات في رأس المال البشري على تمكينهم من العمل: فمعدلات مشاركة قوة العمل في شمال أوروبا أعلى منها في الولايات المتحدة. ويرجع هذا جزئيا إلى أن أوروبا أفضل كثيرا في مجال رعاية الأطفال، مما يسهل على الآباء الاحتفاظ بوظائفهم.

ومن الصحيح أيضا أن الأزمات تؤدي أحيانا إلى نوبات جديدة من الحيوية. فقبل قرابة خمسة عشر عاما، بدت اليونان حالة ميؤوسا منها تماما. وهي الآن واحدة من أسرع الدول نموا في أوروبا. وبعد أزمة اقتصادية في تسعينيات القرن العشرين، أعادت السويد اختراع نفسها وأصبحت رائدة في مجال الابتكار وريادة الأعمال العالمية، فالسويديون هم الذين جلبوا لكم سبوتيفاي.

وإستونيا! من كان ليراهن في تسعينيات القرن العشرين على أن إستونيا الصغيرة، التي لا تزال تعيش بجوار الدب الذي فرض عليها الرعب ذات يوم، سوف تصبح في عام 2024 واحدة من أكثر دول العالم تقدما من الناحية التكنولوجية؟ إستونيا الآن واحدة من أكثر الدول ذكاء في العالم، وهي دليل على أن محركات أوروبا الاقتصادية قد تنتقل إلى أماكن كانت في السابق تقع على الهامش.

أنا عاشق لأوروبا. عشت لأوقات مختلفة في بريطانيا وفرنسا وسافرت إلى كل مكان تقريبا في القارة. (ملاحظة شخصية: يجب أن أذهب إلى سان مارينو وبيلاروسيا!) وفيما أكتب هذه السطور، أبتسم إذ أتذكر أن مسكني الجامعي في أكسفورد كان يسمى المبنى الجديد ـ برغم بنائه في ثلاثينيات القرن الثامن عشر.

غير أن أوروبا تحتاج إلى مستقبل في مثل حيوية ماضيها. وأخشى أنها إذا لم تتخلص من القواعد التنظيمية غير المجدية والمكلفة، وإذا لم تتبن الإبداع وتدعم أمنها القومي، فقد تصبح عبرة لليبراليين في العالم أكثر من كونها قدوة لهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی أوروبا أن أوروبا أکثر من

إقرأ أيضاً:

شهدت فيضانات تاريخية.. 2024 أكثر سنوات أوروبا حرا

باريس"أ.ف.ب": سجلت أوروبا سنة 2024 معدلات حرارة قياسية، لكنها حرارة شهدت أيضا أسوأ فيضانات منذ أكثر من عقد، ما يكشف الوجه المزدوج المتطرف لتغير المناخ.

وذكر مرصد كوبرنيكوس الأوروبي المتخصص في مراقبة المناخ في تقرير نشره الثلاثاء بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن ما يقرب من ثلث شبكة الأنهار في أوروبا غمرتها المياه العام الماضي الذي صُنف من أكثر عشر سنوات رطوبة في القارة منذ عام 1950.

وقالت سامانثا بورجيس من المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (ECMWF)، الذي يشرف على خدمة كوبرنيكوس للمناخ، خلال مؤتمر صحافي إن هذه "الفيضانات الأكثر اتساعا" التي شهدتها أوروبا "منذ عام 2013".

وأثرت الفيضانات على نحو 413 ألف شخص، وأسفرت عن مقتل 335 منهم على الأقل، كما تسببت بأضرار قُدّرت بنحو 18 مليار يورو.

وقد وقعت هذه الكوارث خلال العام الأكثر حرارة على الإطلاق في العالم، وهي تظهر بوضوح أن ارتفاع معدلات الحرارة مع ما يرافقه من امتصاص كميات أكبر من المياه من الغلاف الجوي، يسمح بهطول أمطار غزيرة وفيضانات أكثر عنفا، وهو تهديد يثقل كاهل أوروبا بشكل خاص.

في سبتمبر، تسببت العاصفة بوريس في خمسة أيام فقط بهطول كميات من الأمطار توازي في العادة معدل المتساقطات في ثلاثة أشهر، ما أدى إلى فيضانات وأضرار هائلة في ثماني دول في وسط أوروبا وشرقها.

وبعد شهر، تسببت عواصف قوية أججتها رياح دافئة ورطبة من البحر الأبيض المتوسط، في هطول أمطار غزيرة على إسبانيا، ما أدى إلى فيضانات دمرت مقاطعة فالنسيا في شرق البلاد وأسفرت عن مقتل 232 شخصا.

في أوائل عام 2024، حدثت فيضانات كبرى في كل شهر في مختلف أنحاء القارة، وفق التقرير الذي لفت إلى ما شهدته المملكة المتحدة في يناير، وشمال إسبانيا في فبراير، وشمال فرنسا في مارس و مايو، وألمانيا وسويسرا في يونيو.

وكانت تدفقات الأنهار مرتفعة بشكل خاص، إذ سجل بعضها، مثل التيمز في المملكة المتحدة واللوار في فرنسا، أعلى مستوياتها منذ 33 عاما في الربيع والخريف.

ويعود ذلك إلى هطول أمطار غزيرة بشكل خاص في الجزء الغربي من أوروبا، في حين كانت المناطق الشرقية في المتوسط أكثر جفافا ودفئا.

وبحسب بورجيس، فإن هذا "التناقض المذهل" لا يرتبط بشكل مباشر بتغير المناخ، بل بأنظمة الضغط المتعارضة التي تؤثر على الغطاء السحابي ونقل الرطوبة.

لكنها أوضحت أن العواصف التي حدثت في 2024 "ربما كانت أكثر عنفا بسبب ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة"، مضيفة "مع احترار المناخ، نشهد تزايدا مطردا في الأحداث المتطرفة".

ويؤكد ذلك توقعات خبراء المناخ في اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، والتي تفيد بأن أوروبا ستكون واحدة من المناطق التي من المتوقع أن يرتفع فيها خطر الفيضانات أكثر من غيرها بسبب الاحترار المناخي.

منذ ثمانينات القرن العشرين، تشهد أوروبا ارتفاعا في درجات الحرارة بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي. وقد باتت "القارة الأكثر دفئا"، وأصبحت من "البؤر الساخنة" لتغير المناخ، على ما تؤكد فلورنس رابييه، مديرة المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى.

وشهد عام 2024 أعلى معدلات حرارة على سطح القارة على الإطلاق. وقد ساهم ذلك في ارتفاع درجة حرارة البحار والمحيطات المحيطة، والتي وصلت أيضا إلى مستويات قياسية في العام الماضي، وفي ذوبان الأنهار الجليدية الأوروبية بمعدل غير مسبوق.

وقال منسق العلوم بالاتحاد الأوروبي في مكتب الأمم المتحدة لتغير المناخ أندرو فيروني إن "التحرك العاجل ضروري، إذ من المتوقع أن تصل شدة المخاطر إلى مستويات حرجة أو كارثية بحلول منتصف هذا القرن أو نهايته"، مؤكدا أن كل عُشر درجة مئوية تتجنب أمورا خطيرة.

نصف المدن الأوروبية فقط لديها خطط للتكيف مع الأحداث المناخية المتطرفة، مثل الفيضانات والحرارة الشديدة. ويشير التقرير إلى أن "هذا يمثل تقدما مشجعا مقارنة بـ 26% في عام 2018".

لكن بعض الدول في جنوب شرق أوروبا وجنوب القوقاز تتخلف عن الركب. لذا، يتعين التحرك بشكل أسرع وأبعد، وبتكاتف الجميع، وفق ما أكدت سيليست ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

مقالات مشابهة

  • مجلة أمريكية تحذر: “تصعيد كبير” مُقبل بين الولايات المتحدة والصين
  • هوندا ستنتج سيارة سيفيك الهجينة في الولايات المتحدة
  • ترامب: انخفاض معدل التضخم في الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة قد تخسر مليارات الدولارات بسبب تراجع السياحة والرسوم الجمركية
  • شهدت فيضانات تاريخية.. 2024 أكثر سنوات أوروبا حرا
  • 2024.. أكثر سنوات أوروبا حرا على الإطلاق
  • الهند تسعى إلى تحرير التجارة مع الولايات المتحدة
  • خامنئي: لا يجب ربط شؤون إيران الوطنية بمحادثاتها مع الولايات المتحدة
  • المرشد الأعلى:المحادثات مع الولايات المتحدة “سارت بشكل جيد”
  • الولايات المتحدة تؤكد دعم الاستقرار والتقدم في إقليم كوردستان