حول إنشاء «منتدى عمان الدولي لبحوث السلام»
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
تتسارع حالة الاستقطاب والاضطراب والتجاذب في المنطقة على نحو مقلق سواء في دول الإقليم أو على مستوى المصالح الغربية والأمريكية والصينية والإيرانية، وأخذت بعدا أخطر بعد الحرب المستعرة في غزة. في مقابل ذلك، يبدو الحديث عن السلام وكأنه حلم ساذج أو محض وهم، وسط قعقعة السلاح وفجور مجرمي الحرب وتجار الموت في تل أبيب وغيرها، وحالة التيه العالمي (إن صح التعبير) التي ضربت منظومات القيم والأخلاق والإنسانية في مشهد يعكس حالة فقد البوصلة الأخلاقية والدينية والإنسانية سواء فيما يحدث ضد الغزاويين أو في دول عربية وأجنبية أخرى لا تلقى الاهتمام الإعلامي الراهن أو حتى في الدول الكبرى نفسها التي انكشف زيف قيمها وازدواجية معاييرها وعودتها للاستبداد بكل وجوهه القبيحة واللاإنسانية، حينما يتعلق الأمر بالخضوع المذل لهيمنة اللوبي الصهيوني.
في ظل هذه الحالة من السعار الدموي في المنطقة ما الذي يمكن أن يقدمه إنشاء «منتدى عمان الدولي لبحوث السلام»؟. أعتقد أننا في عمان نحتاج أن نبحث بجدية إنشاء مثل هذا المنتدى لأسباب وجيهة من شأنها أن تشكل انعطافة تاريخية في جهود عمان الدؤوبة في السعي لإحلال السلام في المنطقة والدفع بثقافة الحوار وتجنب التصعيد العسكري لحل الأزمات التي يبدو أنها قدر هذا الجزء المنكوب من العالم بثرواته ونفطه وصراعات سردياته التاريخية بكل نسخها المتناحرة لامتلاك «الحقيقة» وطموحات اللاعبين الجدد في معاركهم الصغيرة والكبيرة.
إننا في عمان وبوجود مثل هذا المنتدى، نؤسس لثقافة جديدة تنقل الجهد الدبلوماسي والسياسي العماني لمستوى جديد يضيف أبعادا حضارية وعلمية للقوة الناعمة في عمان القرن الواحد والعشرين، وينطلق من الفلسفة السياسة العمانية الراسخة لتبني نهج السلام والحوار البناء ويدفع نحو تأسيس منبر لتداول قيم العقلانية والاتزان والحوار المتحضر والتخفيف من لهيب الحروب وويلاتها والتي تغرس راياتها في جبهات جديدة كل يوم، ويستمد مداد لغته من هذه المسيرة المباركة منذ عهد المغفور له السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ ووصولا إلى العهد المتجدد بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه.
ولا يمكننا في هذا التطواف المختصر إلا أن نعرج على منعطفات تاريخية كبرى وقفت عمان إبانها منارة للسلام والحكمة وصوت العقل في معظم الخلافات العربية /العربية أو الاشتباكات العنيفة في حروب المنطقة باردها وساخنها وتقلباتها الخطيرة في سلاسل الحروب التي لم تتوقف، وسعي الحكومة العمانية المتواصل للتخفيف من حدة التوتر والاحتقان في المنطقة والمشاركة الفعالة في جهود الوساطة على مختلف خرائط الإقليم المضمخة بالدم والعداء والتربص.
إن وجود مثل هذا المنتدى سيدشن بعدا مختلفا لتداول الأفكار واستضافة النخب وأهل الفكر والسياسة والاقتصاد والأمن في المنطقة وتحويله لمنبر حوار ناضج ومتزن ومستقل لتداول أسئلة السلام وتدارس السبل مع أصحاب القرار لبث إضاءات مشرقة من مسقط السلام إلى العالم حول المعتركات الجيوسياسية والملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية بصورة مستقلة وموضوعية وبحثية وغيرها مما يؤطر للسلام ودعاته، ومن الطبيعي جدا أن يعمل على نشر العديد من التقارير والتغطيات والبحوث والتحليلات في حقول السلام المختلفة إلى جانب المشاركة بهكذا منبر في جهود بناء الثقة في الإقليم واستحداث منصة حضارية عمانية بامتياز لا تتقاطر من أرديتها دماء الأبرياء وسعار سماسرة الحروب والموت.
سيتيح هذا المركز إن لقي استجابة من أهل القول والفعل أن يتحول إلى منبر إقليمي ودولي مهم وفاعل، يصطف بثبات وفخر وثقل مع توجهات الحكومة العمانية الرصينة نحو السلام واستقرار المنطقة وسيتكامل مع تلك المساحات العمانية المشرقة معرفيا وحضاريا وعلميا بكراسي السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، في العديد من جامعات العالم المرموقة مثل كرسي سلطان عُمان في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأمريكية (1999) وكرسي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد للدراسات العربية المعاصرة بجامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة (2005) وكرسي السلطان قابوس للدراسات الشرق أوسطية بجامعـــة طوكيـــو باليابان (2010) وأستاذية السلطان قابوس للديانات الإبراهيمية والقيم المشتركة بجامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة (2011م) وأستاذية السلطان قابوس لدراسات الشرق الأوسط بكلية وليام وماري بالولايات المتحدة الأمريكية (2011).
وبالنظر إلى تجربة مثل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) فسنجد الكثير من الجوانب التي يمكن الاستفادة منها تنظيميا ومعرفيا، ولكن من الأهمية البالغة أن يخرج هذا المركز بفلسفة عمانية مستمدة من هذا الإرث العاطر في السلام ومن السلام ومن الحالة العمانية المتحضرة في تعاطيها مع قضايا العالم وصراعاته وتطوراته.
على ذات الصعيد فإن وجود مؤسسة مثل «منتدى عمان الدولي لبحوث السلام» من شأنه أن يساهم بوضع عمان في مساحة دولية متحضرة على مستوى المجتمع الدولي ويضيف إلى دولة المؤسسات منارة جديدة تليق بعمان القرن الواحد والعشرين ويهيئ الكوادر العمانية من الباحثين والمختصين والكفاءات والنخب في الحقل الدبلوماسي والأكاديمي والأمني والاقتصادي والعسكري من المساهمة بأفكارهم وتصوراتهم لتأصيل وتعميق مشروع السلام وفلسفة السلام العمانية التي أصبحت مدرسة بحد ذاتها في الإقليم ونهجا يحترم، ومن الدول القلائل التي تلقى جهودها لتعزيز السلام والاستقرار قبولا لدى الأطراف المتنازعة وتقديرا واسعا على المستوى الإقليمي والعالمي وما أحوج المنطقة في راهنها المشتعل بالحروب والعنف إلى كل صوت يدعو إلى السلام والحكمة ولغة العقل والحوار يعيد للمنطقة بعض الاستقرار والهدوء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطان قابوس فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
الإمارات تدعو إلى المساواة بتطبيق القانون الدولي والالتزام به
أبوظبي (الاتحاد)
طالبت دولة الإمارات العربية المتحدة، بالمساواة في تطبيق القانون الدولي والالتزام به، داعيةً مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وإصلاح الأمم المتحدة، بهدف الوصول إلى نظام أكثر مرونة وأكثر مساءلة وأكثر تمثيلاً، مشددةً على أن التخلي عن التعددية في السعي لتحقيق مصالح ضيقة لن يؤدي إلا إلى تفاقم التحديات العالمية.
وقالت الإمارات، في بيان ألقاه السفير محمد أبو شهاب، المندوب الدائم للدولة لدى الأمم المتحدة، خلال المناقشة المفتوحة رفيعة المستوى لمجلس الأمن حول «ممارسة التعددية وإصلاح وتحسين الحوكمة العالمية»: «منذ تأسيسها قبل 80 عاماً، كانت الأمم المتحدة حجر الزاوية في التعددية، وتعزيز التعاون الدولي والتنمية والسلام والأمن. ومع ذلك، فقد تغير عالمنا بشكل كبير خلال تلك العقود الثمانية ويواجه الآن مجموعة من التحديات، من التوترات الجيوسياسية المتزايدة وأزمة المناخ إلى اتساع فجوة التفاوت والتهديدات السيبرانية، ويكافح نظامنا متعدد الأطراف الحالي، المصمم في عصر مختلف، لمواكبة الوتيرة».
وأكد البيان ضرورة أن يتحمل مجلس الأمن مسؤوليته في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وأن تمتثل الدول لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، الذي يشكل أساس نظامنا الدولي.
وقال: «لا يوجد مكان أكثر أهمية من جهود المجلس للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وخاصة من خلال التطبيق الشامل للقواعد التي تحكم الصراعات المسلحة».
وأضاف: «تتطلب مسؤولية الحفاظ على السلام والأمن الدوليين الحد من إساءة استخدام حق النقض، الذي يقوض التزامات المجلس بموجب ميثاق الأمم المتحدة ويشل عملية صنع القرار، وخاصة في أوقات الفظائع الجماعية».
وأكد البيان ضرورة تحقيق تقدم جدي في إصلاح الأمم المتحدة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى نظام أكثر مرونة وأكثر مساءلة وأكثر تمثيلاً.
كما شدد على أهمية تمثيل وتعزيز أصوات الجنوب العالمي والمجموعات غير الممثلة في المؤسسات العالمية، بما في ذلك في مجلس الأمن.
وشدد البيان على أهمية أن تتجاوز الحلول الحدود الوطنية وذلك مع تجاوز التهديدات للحدود الوطنية.
وقال: «نحن بحاجة إلى نظام متعدد الأطراف قوي وفعال مع الأمم المتحدة في جوهره، لمعالجة هذه التحديات بشكل جماعي، نظام يستفيد من جميع الأدوات المتاحة مثل التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، كفرص للسلام والأمن والتنمية المستدامة، نظام قادر على تحقيق إنجازات بارزة مثل إجماع الإمارات في مؤتمر الأطراف الـ28، والذي يذكرنا بما يمكننا تحقيقه بالمزيج الصحيح من المثابرة والإرادة السياسية».
وأكد أن التخلي عن التعددية في السعي لتحقيق مصالح ضيقة لن يؤدي إلا إلى تفاقم التحديات العالمية.
وفي سياق متصل، دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمته أمام مجلس الأمن، أعضاء المجلس إلى التغلب على الانقسامات فيما بينهم والتي من شأنها إعاقة العمل الفعال واللازم من أجل تحقيق السلام.
وحث غوتيريش أعضاء المجلس خاصة الدائمين منهم على البناء على عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والزخم الذي يوفره «ميثاق المستقبل» لدفع المفاوضات الحكومية الدولية إلى الأمام.
وأوضح أن العالم يتطلع إلى أن يعمل مجلس الأمن بطرق ذات مغزى تسهم في إنهاء الصراعات، وتخفيف المعاناة التي تسببها هذه الحروب للأبرياء.
كما حث أعضاء المجلس على انتهاج روح ونهج العمل نفسه الذي اتبعوه سابقاً للتغلب على الخلافات والتركيز على بناء الإجماع المطلوب، لتمكين المجلس من أداء مهامه في تحقيق السلام الذي يحتاجه ويستحقه جميع الناس، مؤكداً أن المنظمة الأممية وبعد 8 عقود من تأسيسها، تظل أرضية اللقاء الأساسية الفريدة من نوعها لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان.
وشدد غوتيريش، على أن الإيمان بمقاصد الأمم المتحدة يجب أن يدفع بالعمل إلى تحسين المؤسسة الأممية وطريقة عملها، وعلى أن التضامن والحلول على المستوى العالمي، مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، حيث يواجه العالم تحديات متعددة، تستدعي حلولاً متعددة الأطراف.