لجريدة عمان:
2024-12-18@06:09:33 GMT

هل تقلصت دهشة العالَم بالذكاء الاصطناعي؟

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

لعلّ ذهاب دهشتنا بالذكاء الاصطناعي أشبه بدهشتنا في عام 2023م بالذكاء الاصطناعي الذي لم يكن ليعمل لولا وجود الكهرباء والحاسوب اللذين أدهشا البشرية في زمن غابر، وهنا تتردد مقولة مارك توين: "قد لا يعيد التاريخ نفسه، ولكنه يتشابه كثيرًا"

من واقع التجربة والمعايشة، شهد عام 2023م ثورة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي خصوصا عبر تطبيقاته التوليدية التي أخذت انتباه العالَم وأثارت دهشته الأولى، ولا مبالغة في وصف معنى الدهشة الأولى التي تأتي مع كل فريد وجديد؛ فكل حدوث في وهلته الأولى مساق للدهشة التي تأسر العقل البشري المشدوه بعجائب الأشياء والأحداث وغرائبها، وكان للذكاء الاصطناعي نصيبه في العام المنصرم الذي شهد انبثاق خوارزمياته التي كانت أسيرة الاستعمال المحدود والخاص، ولكن خطوة شركات التقنية في إظهار ما يمكن أن نطلق عليه المارد العلمي والرقمي أثار الصخب الإعلامي والعالم أجمع بما صاحبه من قدرات تخيلها كثير من الناس بمثابة «الخلق الجديد» و «الوعي الرقمي» الذي ينافس الإنسان ووجوده.

ولا يمكن أن أنسى الرغبات الدفينة والملحّة من قبل شرائح المجتمعات أفرادًا ومؤسسات التي جاءت في صورها الكثيرة مثل دعوات الاستضافة التلفازية -كما حدث معي في قناة الجزيرة- والإذاعية -التي كاد لا يمضي أسبوع إلا وتأتيني دعوة للمشاركة والحوار- والكتابة للصحف والمجلات، ودعوات المشاركة في الندوات وتقديم المحاضرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي؛ فكان عاما مزدحما بمثل هذه الطلبات التي حاولت أن ألبّي أكثرها -قدر المستطاع- رغبة في المساهمة المجتمعية في نشر الوعي الرقمي وسردِ شكلٍ من ملامحه التي تمتزج بين المفيد والمخيف.

رغم مضي سنوات طويلة على اتصالي بالذكاء الاصطناعي وأبحاثه إلا أن السؤال الفلسفي الذي طرق باب عقلي لم يراودني إلا في عام 2019م، وكان السؤال متعلقا بمعنى الوعي والعقل وإمكانية سريانه لخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وعبر الاستدعاء العلمي لمكنونات الذكاء الاصطناعي وتكوينه الرياضي تبين لي بشكل لا يقبل النقاش أن الذكاء الاصطناعي دماغ رقمي يتحرك وفق مسارات البشر التي تتمثل في بياناتهم المُرسَلة إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وبعدها يبدأ الدماغ في تمحيص هذه البيانات ومعالجتها بسرعة عالية تفوّقت في بعض أوجه وظائفها على الدماغ البشري وفقَ مبدأ نسبي تحكمه الظروف والفرضيات، وهنا تنعكس قوة الرياضيات ولغتها الساحرة التي أعادت تموضعها لتكون دماغا رقميا مفكرا، وهذا ما أشعل فتيل الدهشة الأولى وأقام قيامة العقل بعد ثورة الآلة البخارية وقبلها بآلاف السنين دهشة النار وجذوتها المضيئة.

أيقنت أن العقل لا يمكن أن يكون حكرا على مظاهره البيولوجية بما فيها دماغ الإنسان، ولا يمكن حينها أن نصف الذكاء الاصطناعي عقلا -كما أكدت سابقا في مقال نشرته في الربع الثاني من عام 2023م-، ويومها خالفني البعض معللا حدوث التفوق غير المعهود للذكاء الاصطناعي على الإنسان مثل الذي أحدثته أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي استطاعت أن تظهر قدرات حوارية وجدلية لم نعتد أن نراها في الأنظمة التقنية السابقة مثل محركات البحث وتطبيقات الدردشة الفورية، وهنا يكون تأثير الدهشة الأولى حاضرا في عقل الإنسان الذي استدعى خيالاته الطامحة المندفعة من مخزونات ذاكرته الجينية التي تبحث عن الدهشة والجديد، وكان مربط الخلاف بين كثير من المهتمين في نقطة أن يمتلك الذكاء الاصطناعي وعيا يقود العالَم إلى دهشة جديدة تتمثل فيها قدرات خارقة للذكاء الاصطناعي بما فيها قدرته على الشعور الحقيقي وبلوغا إلى تهديده للبشرية وإحلالها بالإنسان الآلي.

لم أنكر يومها أننا نقترب من هذه المرحلة التي نحتاج فيها إلى جرعات مسبقة من الوعي الرقمي تمهّدنا لانتزاع عنصر الدهشة السلبي الذي يعكس مخاوفنا من الطفرات الرقمية ونزعاتها النرجسية -كما يرى البعض-؛ فنحن بحاجة إلى إدراك كل المخاطر المحتملة التي لا ننكر كثيرًا منها مثل اقتراب الذكاء الاصطناعي من النوع العام -الخارق- الذي يملك قدرة تحاكي قدرات الإنسان في جميع قطاعات الحياة بما فيها الشعور والتفكير المنطقي، ولعلّ بعضَ هذه المظاهر -رغم بساطتها- متحققٌ في وقتنا، ولكن نحتاج إلى مزيد من اليقين والوعي العلمي لفهم هذه الجدلية العلمية؛ فنحن بكل تأكيد نقترب من اكتمال مشروعات الرقمنة الإنسانية والأنسنة الرقمية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ونقترب من تحقق الذكاء الاصطناعي العام، وبدا للبعض أننا نقترب من نهاية مؤسفة للبشرية، ولكن نكرر القول إن الذكاء الاصطناعي طفرة رقمية تُحدِثُ تأثيرها في المجتمع الإنساني وفق ضوابط البيانات وماهيتها، وكل ما أمكن أن تحدثه أنها نقلته من مجتمع صناعي إلى مجتمع رقمي، ولعل الدهشة الأولى في العام المنصرم باتت حديث الذاكرة التي ستتلاشى مع الزمن حتى تفقدَ بريقها، وهذا ما نلمحه عبر آراء الناس والمتخصصين الذين بتقلص دهشتهم لم تعدْ للمخاوف الرقمية تأثيرها السابق، وفي فترة قصيرة من الزمن، وجدت تضاعفا في الوعي المجتمعي بواقع الذكاء الاصطناعي وفهم أبجدياته الرياضية التي تعتمد على بيانات كبيرة، وعلى خوارزميات رياضية معقدة تجعله محاكيا للدماغ البشري ووظائفه دون أيّ قدرة لبلوغ مستويات العقل والوعي.

بغياب هذه الدهشة أو على الأقل تقلّص مفعولها، يدبُّ السؤالُ عن دهشتنا القادمة التي لا أرى للذكاء الاصطناعي بصبغته الرقمية الحالية بما فيه النوع العام -الذي لم يتحقق حتى اللحظة بمفهومه العلمي المطلق- نصيبا فيها، ولكن يمكن أن تكون دهشتنا القادمة أقرب إلى ثورة رقمنة أنظمتنا البيولوجية التي من المحتمل أن تحدثَ ثورتَها العلمية في نظامنا الجيني الذي سيتصل اتصالا وثيقا بالنظام الرقمي الذكي، وحينها لا نربط دهشتنا بالذكاء الاصطناعي بل بنظامنا البيولوجي الرقمي الذي نرجوه أن يصلح نظامنا الصحي، وأن يعيد العلم إلى منطقته الآمنة. لعلّ ذهاب دهشتنا بالذكاء الاصطناعي واستبدالها -المحتمل- بدهشة جديدة تخص الرقمنة البيولوجية بما فيها الجينية أشبه بدهشتنا في عام 2023م بالذكاء الاصطناعي الذي لم يكن ليعمل لولا الكهرباء والحاسوب اللذين أدهشا البشرية في زمن غابر، وهنا تتردد مقولة مارك توين: «قد لا يعيد التاريخ نفسه، ولكنه يتشابه كثيرًا». حديثنا عن دهشتنا الجديدة المحتملة ستنال نصيبها في مقالات قادمة بإذن الله نتناول فيه أبعادها الإنسانية والعلمية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بالذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی بما فیها عام 2023م یمکن أن

إقرأ أيضاً:

أهم ابتكارات الذكاء الاصطناعي في الصحة عام 2024

في عام 2024، أثبتت الذكاء الاصطناعي أنه قادر على إحداث تغيير جذري في المجال الطبي، حيث يعمل على إعادة تشكيل كيفية تشخيص المرضى، وعلاجهم، ومراقبة حالتهم الصحية.

وفي هذا التقرير يعرض "براند فيجين" أهم ابتكارات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، وفوائدها سواء للمرضى أو لمقدمي الرعاية الصحية.

Med-PaLM 2 

Med-PaLM 2 هو نموذج اللغة الطبية المتقدم من غوغول هيلث، والذي تم تصميمه خصيصاً لمعالجة المعلومات الطبية وتوليدها بدقة عالية.

وتم تصميم برنامج Med-PaLM 2، لتلبية الاحتياجات المعقدة لمتخصصي الرعاية الصحية.

وفوائده هي: دعم القرار السريري، من خلال توفير إجابات موثوقة للأسئلة الطبية المعقدة، ويساعد الأطباء على الوصول السريع إلى المعلومات ذات الصلة، وتشخيص لحالات المعقدة والنادرة.

(DAX) Copilot

تم تطوير برنامج DAX Copilot بواسطة مايكروسوفت، وهو نموذج ذكاء اصطناعي توليدي يعمل على أتمتة الوثائق السريرية وتسجيل محادثات المريض والطبيب وتلخيصها في السجلات الصحية الإلكترونية.

والميزات الرئيسية لهذه الأداة:

1. التوثيق الآلي: يستمع DAX Copilot إلى المحادثات أثناء زيارات المرضى وينسخ التفاصيل الطبية ذات الصلة مباشرة في السجلات الصحية الإلكترونية، ما يقلل من إدخال البيانات يدوياً.

2. تكامل السجلات الصحية الإلكترونية: تتكامل هذه الأداة بسلاسة مع أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية الحالية، مما يضمن دقة التوثيق وتحديثه وسهولة الوصول إليه.

ويقلل هذا البرنامج من إرهاق الأطباء من خلال تقليل الأعمال الورقية، ويساعد على توفير رعاية أفضل للمرضى.

ليلىLaila  

ليلى Laila هي أداة ذكاء اصطناعي قوية أنشأتها شركتا بيونتيك BioNTech وInstaDeep لمساعدة الباحثين، وخاصة الذين يعملون في علم الجينوم وعلم المعلومات الحيوية، من خلال أتمتة مهام البحث المعقدة.

وتقوم هذه الأداة بالتالي:

1. تحليل تسلسل الحمض النووي بسرعة، وتحدد الأنماط والتشوهات التي قد يستغرق الباحثون أياماً لتقييمها يدوياً.

2. التخطيط للتجربة التنبؤية: تقدم الذكاء الاصطناعي رؤى حول النتائج المحتملة، وتقترح الخطوات التالية المثلى والمنهجيات للتجارب المعملية، مما يساعد في تسريع الجدول الزمني للبحث.

التأثير:

1. تسريع أبحاث السرطان: تعمل قدرات ليلى الآلية على تسريع عملية الاكتشاف، ما يسمح للباحثين بإحراز تقدم أسرع في مجالات مثل: السرطان، والاضطرابات الوراثية.

2. تعزيز دقة البحث: من خلال تقليل الأخطاء اليدوية وتبسيط المهام الروتينية، تساعد ليلى في تحسين دقة وموثوقية البحث العلمي.

التصوير الطبي

قدمت مايكروسوفت أداتين، هما:

MedImageInsight وMedImageParse ، ويعزز هذان النموذجان للذكاء الاصطناعي دقة وكفاءة تحليل التصوير الطبي، وهو جزء أساسي من الأشعة التشخيصية.

1. MedImageInsight: يساعد في تصنيف الصور، ما يساعد أخصائيي الأشعة في تصنيف وتحديد التشوهات بسرعة.

2. MedImageParse: يوفر تقسيماً تفصيلياً للصور، ما يساعد أخصائيي الأشعة على تحديد المواقع الدقيقة وخصائص المشكلات المحتملة داخل الصور الطبية.

تصوير الثدي بالأشعة السينية

طورت CureMetrix أدوات ذكاء اصطناعي متخصصة لتحليل تصوير الثدي بالأشعة السينية، وهي مصممة للكشف عن العلامات المبكرة لسرطان الثدي بأعلى دقة.

وقد حصلت هذه التقنية على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، حيث ترصد علامات خفية لسرطان الثدي في الأنسجة الكثيفة قد يفوتها أخصائيو الأشعة.

Med-Gemini

هو نموذج ذكاء اصطناعي متعدد الوسائط يجمع بين البيانات من النصوص والصور ومقاطع الفيديو لتقديم رؤى شاملة للرعاية الصحية. يعد هذا الذكاء الاصطناعي مفيًدا بشكل خاص في الإعدادات حيث تتضمن سجلات المرضى أنواعاً مختلفة من تنسيقات البيانات.

ويمتاز هذا البرنامج بإمكانية التحليل الكثيف، والمساعدة في التشخيص، وتقليل احتمالية تجاهل المعلومات، ما يقدم رؤية أعمق لفهم الحالة.

محرك تحليلات Biovitals

محرك تحليلات Biovitals من شركة Biofourmis هو عبارة عن منصة ذكاء اصطناعي تستخدم البيانات من الأجهزة القابلة للارتداء لمراقبة المرضى المصابين بأمراض مزمنة في الوقت الفعلي.

وتجمع هذه الأداة البيانات في الوقت الفعلي، مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم ومعدل التنفس، وتراقب باستمرار التغيرات في العلامات الحيوية للمريض.

كما يوفر هذا المحرك تنبيهات تنبؤية تشير إلى تدهور محتمل في الصحة، ويرسل تنبيهات إلى مقدمي الرعاية الصحية، ما يتيح التدخل السريع.

ويساعد ذلك على تقليل إعادة الدخول إلى المستشفى، من خلال المراقبة المستمرة، وكشف المضاعفات مبكراً.

مقالات مشابهة

  • صور لمادونا مع البابا فرانسيس أنتجت بالذكاء الاصطناعي.. هل يجب أن تثير الاهتمام أو الغضب؟ أم لا؟
  • الذكاء الاصطناعي دربنا للسعادة أم للتعاسة؟
  • ميتا تطلق أداة لكشف فيديوهات الذكاء الاصطناعي
  • أوبن إي آي تطرح محرك البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي لجميع المستخدمين
  • أول بنك مدعوم بالذكاء الاصطناعي.. "زاند" يقدم خدمات حفظ الأصول الرقمية بالإمارات
  • تخرج الدفعة الأولى من برنامج "سفراء الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي"
  • أهم ابتكارات الذكاء الاصطناعي في الصحة عام 2024
  • إيلون ماسك يطرح برنامجًا حديثًا للدردشة بالذكاء الاصطناعي
  • ماذا يحصل لنا بسبب قلة النوم؟.. الذكاء الاصطناعي يجيب
  • متحف مصر الكبير..آثار فرعونية تتحدث مع زائريها بالذكاء الاصطناعي