هل تقلصت دهشة العالَم بالذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
لعلّ ذهاب دهشتنا بالذكاء الاصطناعي أشبه بدهشتنا في عام 2023م بالذكاء الاصطناعي الذي لم يكن ليعمل لولا وجود الكهرباء والحاسوب اللذين أدهشا البشرية في زمن غابر، وهنا تتردد مقولة مارك توين: "قد لا يعيد التاريخ نفسه، ولكنه يتشابه كثيرًا"
من واقع التجربة والمعايشة، شهد عام 2023م ثورة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي خصوصا عبر تطبيقاته التوليدية التي أخذت انتباه العالَم وأثارت دهشته الأولى، ولا مبالغة في وصف معنى الدهشة الأولى التي تأتي مع كل فريد وجديد؛ فكل حدوث في وهلته الأولى مساق للدهشة التي تأسر العقل البشري المشدوه بعجائب الأشياء والأحداث وغرائبها، وكان للذكاء الاصطناعي نصيبه في العام المنصرم الذي شهد انبثاق خوارزمياته التي كانت أسيرة الاستعمال المحدود والخاص، ولكن خطوة شركات التقنية في إظهار ما يمكن أن نطلق عليه المارد العلمي والرقمي أثار الصخب الإعلامي والعالم أجمع بما صاحبه من قدرات تخيلها كثير من الناس بمثابة «الخلق الجديد» و «الوعي الرقمي» الذي ينافس الإنسان ووجوده.
رغم مضي سنوات طويلة على اتصالي بالذكاء الاصطناعي وأبحاثه إلا أن السؤال الفلسفي الذي طرق باب عقلي لم يراودني إلا في عام 2019م، وكان السؤال متعلقا بمعنى الوعي والعقل وإمكانية سريانه لخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وعبر الاستدعاء العلمي لمكنونات الذكاء الاصطناعي وتكوينه الرياضي تبين لي بشكل لا يقبل النقاش أن الذكاء الاصطناعي دماغ رقمي يتحرك وفق مسارات البشر التي تتمثل في بياناتهم المُرسَلة إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وبعدها يبدأ الدماغ في تمحيص هذه البيانات ومعالجتها بسرعة عالية تفوّقت في بعض أوجه وظائفها على الدماغ البشري وفقَ مبدأ نسبي تحكمه الظروف والفرضيات، وهنا تنعكس قوة الرياضيات ولغتها الساحرة التي أعادت تموضعها لتكون دماغا رقميا مفكرا، وهذا ما أشعل فتيل الدهشة الأولى وأقام قيامة العقل بعد ثورة الآلة البخارية وقبلها بآلاف السنين دهشة النار وجذوتها المضيئة.
أيقنت أن العقل لا يمكن أن يكون حكرا على مظاهره البيولوجية بما فيها دماغ الإنسان، ولا يمكن حينها أن نصف الذكاء الاصطناعي عقلا -كما أكدت سابقا في مقال نشرته في الربع الثاني من عام 2023م-، ويومها خالفني البعض معللا حدوث التفوق غير المعهود للذكاء الاصطناعي على الإنسان مثل الذي أحدثته أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي استطاعت أن تظهر قدرات حوارية وجدلية لم نعتد أن نراها في الأنظمة التقنية السابقة مثل محركات البحث وتطبيقات الدردشة الفورية، وهنا يكون تأثير الدهشة الأولى حاضرا في عقل الإنسان الذي استدعى خيالاته الطامحة المندفعة من مخزونات ذاكرته الجينية التي تبحث عن الدهشة والجديد، وكان مربط الخلاف بين كثير من المهتمين في نقطة أن يمتلك الذكاء الاصطناعي وعيا يقود العالَم إلى دهشة جديدة تتمثل فيها قدرات خارقة للذكاء الاصطناعي بما فيها قدرته على الشعور الحقيقي وبلوغا إلى تهديده للبشرية وإحلالها بالإنسان الآلي.
لم أنكر يومها أننا نقترب من هذه المرحلة التي نحتاج فيها إلى جرعات مسبقة من الوعي الرقمي تمهّدنا لانتزاع عنصر الدهشة السلبي الذي يعكس مخاوفنا من الطفرات الرقمية ونزعاتها النرجسية -كما يرى البعض-؛ فنحن بحاجة إلى إدراك كل المخاطر المحتملة التي لا ننكر كثيرًا منها مثل اقتراب الذكاء الاصطناعي من النوع العام -الخارق- الذي يملك قدرة تحاكي قدرات الإنسان في جميع قطاعات الحياة بما فيها الشعور والتفكير المنطقي، ولعلّ بعضَ هذه المظاهر -رغم بساطتها- متحققٌ في وقتنا، ولكن نحتاج إلى مزيد من اليقين والوعي العلمي لفهم هذه الجدلية العلمية؛ فنحن بكل تأكيد نقترب من اكتمال مشروعات الرقمنة الإنسانية والأنسنة الرقمية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ونقترب من تحقق الذكاء الاصطناعي العام، وبدا للبعض أننا نقترب من نهاية مؤسفة للبشرية، ولكن نكرر القول إن الذكاء الاصطناعي طفرة رقمية تُحدِثُ تأثيرها في المجتمع الإنساني وفق ضوابط البيانات وماهيتها، وكل ما أمكن أن تحدثه أنها نقلته من مجتمع صناعي إلى مجتمع رقمي، ولعل الدهشة الأولى في العام المنصرم باتت حديث الذاكرة التي ستتلاشى مع الزمن حتى تفقدَ بريقها، وهذا ما نلمحه عبر آراء الناس والمتخصصين الذين بتقلص دهشتهم لم تعدْ للمخاوف الرقمية تأثيرها السابق، وفي فترة قصيرة من الزمن، وجدت تضاعفا في الوعي المجتمعي بواقع الذكاء الاصطناعي وفهم أبجدياته الرياضية التي تعتمد على بيانات كبيرة، وعلى خوارزميات رياضية معقدة تجعله محاكيا للدماغ البشري ووظائفه دون أيّ قدرة لبلوغ مستويات العقل والوعي.
بغياب هذه الدهشة أو على الأقل تقلّص مفعولها، يدبُّ السؤالُ عن دهشتنا القادمة التي لا أرى للذكاء الاصطناعي بصبغته الرقمية الحالية بما فيه النوع العام -الذي لم يتحقق حتى اللحظة بمفهومه العلمي المطلق- نصيبا فيها، ولكن يمكن أن تكون دهشتنا القادمة أقرب إلى ثورة رقمنة أنظمتنا البيولوجية التي من المحتمل أن تحدثَ ثورتَها العلمية في نظامنا الجيني الذي سيتصل اتصالا وثيقا بالنظام الرقمي الذكي، وحينها لا نربط دهشتنا بالذكاء الاصطناعي بل بنظامنا البيولوجي الرقمي الذي نرجوه أن يصلح نظامنا الصحي، وأن يعيد العلم إلى منطقته الآمنة. لعلّ ذهاب دهشتنا بالذكاء الاصطناعي واستبدالها -المحتمل- بدهشة جديدة تخص الرقمنة البيولوجية بما فيها الجينية أشبه بدهشتنا في عام 2023م بالذكاء الاصطناعي الذي لم يكن ليعمل لولا الكهرباء والحاسوب اللذين أدهشا البشرية في زمن غابر، وهنا تتردد مقولة مارك توين: «قد لا يعيد التاريخ نفسه، ولكنه يتشابه كثيرًا». حديثنا عن دهشتنا الجديدة المحتملة ستنال نصيبها في مقالات قادمة بإذن الله نتناول فيه أبعادها الإنسانية والعلمية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بالذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی بما فیها عام 2023م یمکن أن
إقرأ أيضاً:
كواليس الـ48 ساعة التي انقلب فيها ترامب على زيلينسكي
(CNN)-- مع تمزق العلاقة المشحونة منذ فترة طويلة بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، كان السؤال الذي ظل عالقًا بين حلفاء الرجلين هو ما إذا كانت المعركة ستبدد الآمال في التوصل إلى سلام بوساطة أمريكية؟
وفي رسالة غاضبة على منصته للتواصل الاجتماعي، وصف ترامب زيلينسكي بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات"، وألقى باللوم عليه في تسليح الولايات المتحدة بقوة لإنفاق مئات المليارات من الدولارات "لخوض حرب لا يمكن الفوز بها".
وتحول الأمر إلى سلسلة من الاستهزاءات استمرت طوال اليوم، والتي ضخَّمها ترامب خلال خطاب ألقاه ليلة الأربعاء في ميامي، حيث أعلن: "من الأفضل لزيلينسكي أن يتحرك بشكل أسرع، وإلا لن يبقى له وطن".
وكان كلا الاتهامين بمثابة تكرار لنقاط حديث موسكو المليئة بالسخرية حول الحرب والرئيس الأوكراني، الذي أعلن الأحكام العرفية في بداية الغزو الروسي، الأمر الذي حال دون إجراء انتخابات مقررة.
لم يكن منشور ترامب هجومًا معزولًا، فلسنوات، كان ترامب ينظر إلى زيلينسكي بتشكك، وشكك في قراراته، وفي لحظة خلال أول إجراءات عزل ترامب، ضغط عليه لفتح تحقيق مع منافسه آنذاك جو بايدن، وقال ترامب ليلة الأربعاء: "لو كانت إدارة (بايدن) قد استمرت لعام آخر، لكنتم في حرب عالمية ثالثة ولن يحدث ذلك الآن".
ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، كان مساعدو ترامب يراقبون عن كثب تصريحات زيلينسكي العامة، وخاصة انتقاداته للولايات المتحدة لاستبعاد أوكرانيا من المحادثات مع المسؤولين الروس في المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، مع تصاعد الانفعالات.
وقالت المصادر إن إحباطهم كان يتزايد قبل يوم الأربعاء، لكن الأمر تفاقم بعد أن قال زيلينسكي للصحفيين في مكتبه في كييف إن ترامب يعيش في "شبكة من المعلومات المضللة".
وقال مسؤول يسافر مع ترامب إن الرئيس أخبر مساعديه الذين كانوا معه في فلوريدا بشكل خاص أنه يريد الرد مباشرة، وألقى هذا الصاروخ الدبلوماسي في طريقه إلى نادي الغولف الخاص به في ميامي، مع استمرار توسع تصريحاته العامة في مؤتمر الاستثمار الذي رعاه صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية التي استضافت محادثات في وقت سابق من الأسبوع بين مسؤولين أمريكيين وروس.
وقال مسؤال آخر في البيت الأبيض لشبكة CNN "إنه إحباط.. هناك شعور قوي ومشروع بأن هذه الحرب الوحشية يجب أن تتوقف وأن هذا المسار يتضاءل بسبب خلال تصريحات زيلينسكي العامة".
ومع ذلك، فمن وجهة نظر زيلينسكي، فإن نهاية الحرب التي يتصورها ترامب تبدو مشابهة إلى حد كبير لما كانت تطالب به روسيا، وبالفعل، استبعد أعضاء في إدارة ترامب عضوية كييف في حلف شمال الأطلسي وقالوا إن القوات الأمريكية لن تساعد في ضمان أمن أوكرانيا عندما تنتهي الحرب، ولهذه الأسباب، يقول زيلينسكي إنه لا يستطيع إلا أن يتكلم.
ولعدة أشهر، سعى زيلينسكي بعناية إلى تجنب حدوث قطيعة كاملة مع نظيره الجديد في واشنطن، وقام بترتيب اجتماع في الأسابيع التي سبقت انتخابات العام الماضي بهدف تهدئة بعض شكوك مرشح الحزب الجمهوري آنذاك حول تورط الولايات المتحدة في الحرب.
وظهر الرجال في بداية المناقشة في برج ترامب في مانهاتن لإظهار رغبتهم في الانسجام. وقال ترامب إن لديه "علاقة جيدة للغاية" مع الرئيس الأوكراني، لكنه يتمتع أيضًا "بعلاقة جيدة جدًا" مع خصمه في موسكو، فلاديمير بوتين، فقاطعه زيلينسكي قائلاً: "آمل أن تكون لدينا المزيد من العلاقات الجيدة"، ليجيب ترامب: "لكن، كما تعلمون، يتطلب الأمر شخصين لرقصة التانغو".