لجريدة عمان:
2025-10-18@20:11:30 GMT

من سيعمل على خلق ثقافة حوار أوروبية جديدة

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

رغم أن أوروبا في حاجة ماسة إلى نظرة استراتيجية جديدة، فإنها تظل مهووسة بسياسة الإجماع، وبالتالي فهي عالقة في مذهب متشدد مُـحـبِـط تروج له الدوائر الرسمية والرأي النخبوي في برلين وباريس.. وهذا يعني أن مستقبلها قد يعتمد على قيام بريطانيا وإيطاليا وبولندا بإنشاء مركز ثقل سياسي جديد.

من الواضح أن حال أوروبا باتت معطوبة على نحو أو آخر.

كان أبرز ما جاء في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السوربون في أبريل الماضي تحذيره من أن أوروبا فانية ــ «إنها من الممكن أن تموت». ويشعر كثيرون بحاجة مُـلِـحّة إلى فِـكر جديد، وقيادة جديدة، وأفكار جديدة، ولكن من الصعب أن نقول أين قد يوجَـد كل هذا. إن توليد أفكار جديدة وصياغة مبادئ جديدة يتطلب حوارا مفتوحا. لكن أوروبا تظل مهووسة بسياسة الإجماع، وبالتالي فهي عالقة في مذهب متشدد مُـحـبِـط تروج له الدوائر الرسمية والرأي النخبوي في برلين وباريس.

كانت العلاقة بين فرنسا وألمانيا المحور المركزي للتاريخ الأوروبي لمدة مائتي عام. وبعد الانقطاع الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية ــ والذي ترك النخب القديمة في البلدين في حالة من الإذلال التام ــ أصبح الثنائي الفرنسي الألماني الأساس الذي قام عليه المشروع الأوروبي. ولكن الآن أصبح كل من البلدين مشلولا، وصارت الديمقراطية ــ التي شكلت ضرورة أساسية لإعادة صياغة أوروبا بعد الحرب ــ متخبطة. لقد اختار الناخبون الفرنسيون للتو برلمانا معلقا يضم اليمين المتطرف واليسار الثوري ووسطا معزولا عديم التأثير، في حين تظل حكومة الائتلاف غير الشعبية في ألمانيا عالقة في نزاعات مالية لا تنتهي. الأسوأ من كل هذا أن الانتخابات الإقليمية المقرر انعقادها هناك الشهر المقبل من المرجح أن تسفر عن نتيجة على الطريقة الفرنسية. وكما يبدو، لم يَـعُـد الأوروبيون يعلقون آمالا كبرى على محركات التكامل الأوروبي القديمة. ما يزيد الطين بلة أن قادتهم الحاليين يشبهون رسوما كاريكاتورية لتقاليدهم المختلفة. فنجد أن ماكرون (الذي شَـبّـه نفسه ذات يوم بكوكب المشتري) نابليوني النزعة في حبه للمقامرات الضخمة.

لنتذكر هنا دبلوماسيته بعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، والتي سرعان ما انهارت في محاولة عبثية لاسترضاء فلاديمير بوتين. ثم جاء اقتراحه بأن قوات حلف شمال الأطلسي ربما يجب أن تُـنـشَـر في أوكرانيا، ثم أعقب ذلك قراره غير الحكيم بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة هذا الصيف. من ناحية أخرى، كان المستشار الألماني أولاف شولتز على اتصال روحي بإيمانويل كانط الباطني داخله، ويصر على إمكانية تحقيق السلام الدائم. كان شعار حملته الانتخابية الأوروبية السيئة التقدير هو «تأمين السلام». عندما ألقى خطابا بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثمائة لميلاد كانط، توقع جمهوره بفارغ الصبر أن يذكر صواريخ توروس التي كانت أوكرانيا تتوسل للحصول عليها. وحسبما كان متوقعا، لم يفعل. وعلى هذا فإن الهوسين الألمانيين ــ السلام والميزانيات المنضبطة ــ أنتجا مزيجا خطيرا يهدد بقطع الدعم الألماني لأوكرانيا في لحظة حرجة، على نحو يُـعَـرِّض السلام والاستقرار المالي في مختلف أنحاء أوروبا للخطر.

لا عجب أن الجميع يريدون تغييرا في القيادة. في الماضي، كانت أوروبا تتألف من أربع ركائز أساسية: فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وكانت اقتصاداتها ذات يوم متماثلة في الحجم وأعداد سكانها متشابهة. ولكن بعد توحيد ألمانيا في عام 1990، تغيرت النسب، في حين فقدت إيطاليا مصداقيتها بسبب عدم الاستقرار السياسي الدائم، وبريطانيا بسبب الحرب الأهلية التي خاضها حزب المحافظين والتي أدت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ولكن من الغريب أن بريطانيا وإيطاليا تبدوان الآن في وضع أفضل من فريق برلين وباريس القديم. فإيطاليا لديها حكومة رصينة، ومسؤولة ماليا، وذكية جيوسياسيا، ومؤيدة لأوروبا تحت قيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني. ورغم أنها نشأت من الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة، إلا أنها تخلت عن معظم أيديولوجيتها. على نحو مماثل، تحظى بريطانيا الآن بحكومة عمالية رصينة، ومسؤولة ماليا، وذكية جيوسياسيا، بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي حل محل جيريمي كوربين ثم طرده هو والدافع المعادي لأوروبا والمعادي للسامية الذي يمثله. ويستفيد كلا البلدين من حقيقة مفادها أن الحكومات السابقة ارتكبت أخطاء فادحة.

هذه أيضا لحظة ملائمة للدول الأصغر حجما. الواقع أن الدنمرك والسويد وبولندا ــ ومن خارج الاتحاد الأوروبي النرويج وسويسرا ــ تُـظهِـر نفسها كدول ديناميكية اقتصاديا ومُـبـدِعة سياسيا واستراتيجيا. وتقدم بولندا، وهي الأكبر والأسرع نموا بين هذه الدول، نموذجا فريدا لأوروبا المستقبل. نظرا لموقعها الجغرافي، بذلت بولندا قصارى جهدها لزيادة الإنفاق الدفاعي؛ وعلى النقيض من القوى الأوروبية الأكبر، فإنها لا تمتلك صناعة دفاعية محلية راسخة تعمل جماعات الضغط التابعة لها باستمرار على عرقلة الجهود الرامية إلى إضفاء الطابع الأوروبي على قدرات القارة العسكرية. بوسع أوكرانيا وسويسرا والنرويج أن تعلم جيرانها الأوروبيين الكثير عن كيفية التكيف مع عالم اليوم المتغير. ويُـنـسَـب لماكرون من الفضل أنه حاول إنشاء اتحاد سياسي أوروبي أوسع، ونجح في جمع زعماء 43 دولة هذا الصيف في قمة في قصر بلينهايم (مسقط رأس ونستون تشرشل). بالنظر إلى المستقبل، يمكننا أن نتخيل إعادة توجيه الشؤون الأوروبية حول ثالوث جديد يضم بريطانيا وإيطاليا وبولندا. مثلها كمثل فرنسا وألمانيا، تشترك هذه البلدان أيضا في كثير من تاريخها. لكنها تشترك أيضا في تقدير الحقائق العالمية الحالية، فضلا عن ثقافة الحوار. فالنشيد الوطني البولندي هو أغنية مسيرة جنرال بولندي في الجيش النابليوني. وكانت لندن مقر الحكومة البولندية في المنفى بعد عام 1940، واضطلع الطيارون والجنود البولنديون بدور حاسم في المواجهات الرئيسية التي دارت في الحرب العالمية الثانية، وأبرزها معركة بريطانيا ومعركة مونتي كاسينو. كما تعيش بريطانيا وإيطاليا وبولندا بثبات في الحاضر: فهي لا تتجادل إلى الأبد حول نقل السلطات إلى المؤسسات الأوروبية أو التكامل النقدي. وهي تحترم تقاليد الحوار.

في إنجلترا في القرن التاسع عشر، سَـخَـر الكاتبان المسرحيان جيلبرت وسوليفان من تصور مفاده أن «كل صبي وكل فتاة/ يولد أو تولد في العالم على قيد الحياة/ إما أن يكون أو تكون ليبرالي أو ليبرالية قليلا/ أو محافظ أو محافِـظة قليلا!». وتغلبت إيطاليا على المعارك بين رجال الدين والمناهضين لرجال الدين. وتمكنت بولندا من النجاة من الانقسام الذي حدث بين الحربين العالميتين بين شخصيتين عسكريتين تحملان رؤى بديلة، المارشال جوزيف بيلسودسكي والجنرال فلاديسلاف سيكورسكي ــ وهي المنافسة التي دامت طويلا والتي ترددت أصداؤها في التوترات الحالية بين الزعيم اليميني المتطرف ياروسواف كاتشينسكي ورئيس الوزراء دونالد توسك.

تتلخص سمة الديمقراطية الناجحة الأساسية في المفهوم الأثيني القديم للصراحة وحرية التعبير: من حق وواجب كل المواطنين التعبير عن أنفسهم بحرية في التجمعات العامة. ويُـقَـدَّم ذات المفهوم في بعض الأحيان على أنه المسؤولية عن قول الحقيقة للسلطة. بعد مرور مئات السنين، أنتج هذا المفهوم ازدهار عصر النهضة، مع مُـعـتَـقَده بأن الأفكار والحجج يجب أن تكون قابلة للاختبار وكذلك قابلة للجدال. وباعتباره المبدأ الوحيد الذي يتعين على الأنظمة الاستبدادية قمعه قطعا، فإن مفهوم الصراحة وحرية التعبير هو المفتاح لإنقاذ الديمقراطية ــ والإنسانية معها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بریطانیا وإیطالیا

إقرأ أيضاً:

ترامب يرفض منح صواريخ توماهوك لأوكرانيا وحيرة أوروبية من انقلاب موقفه

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض عزم بلاده على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا بالسرعة الممكنة، مشددا على أولوية الدبلوماسية لتحقيق ذلك.

وقال ترامب إنه أبلغ زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت قد حان لوقف الحرب وإبرام اتفاق.

من جانبه، قال زيلينسكي إن موسكو لا تريد السلام ويجب الضغط على الرئيس بوتين لدفعه إلى طاولة المفاوضات.

وأضاف زيلينسكي أنه بحث مع ترامب تزويد بلاده بصواريخ توماهوك، ونفى طرح موضوع توجيه ضربات لمنشآت الطاقة الروسية مع ترامب.

وعقب اللقاء، قال الرئيس الأوكراني إن ترامب يدرك أن أصعب قضية في أي محادثات ستكون قضية الأراضي، مشددا على أنها قضية سيادة بالنسبة لكييف.

وأضاف أنه يعتقد أن الرئيس الأميركي يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا، وأنه قادر على ذلك.

حيرة أوروبية

في السياق ذاته، نقل موقع أكسيوس عن مصادر أن ترامب أوضح لنظيره الأوكراني أن أولويته الآن هي الدبلوماسية، مضيفا أنه يعتقد أن توفير صواريخ توماهوك لأوكرانيا قد يقوض تلك الجهود.

وقالت تلك المصادر إن زيلينسكي وجد ترامب في حالة مختلفة تماما بعد يوم من اتصاله المطول مع الرئيس الروسي بوتين.

وأضافت المصادر أن زيلينسكي ضغط بقوة للحصول على صواريخ توماهوك لكن ترامب ردّ بقوة ولم يُظهر أي مرونة.

ونقل أكسيوس عن مصدر أن الاجتماع بين ترامب وزيلينسكي لم يكن سهلا وأن الرئيس الأميركي كان صارما.

وكتب ترامب على منصته تروث سوشيال إن اجتماعه مع زيلينسكي كان "مثيرا للاهتمام ووديا للغاية، لكنني قلت له، كما اقترحت على الرئيس بوتين، أن الوقت حان لوقف القتل، وإبرام اتفاق!"، معتبرا أن على الطرفين المتحاربين "التوقف".

وأضاف "فليعلن كلاهما النصر، وليحكم التاريخ. كفى إطلاق نار، كفى قتلا".

من جهة أخرى، قال مصدر لموقع أكسيوس إن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اقترح خلال مكالمة زيلينسكي مع زعماء أوروبيين العمل مع الولايات المتحدة لصياغة السلام في أوكرانيا على غرار خطة ترامب لوقف الحرب في غزة.

إعلان

وأضاف المصدر أن العديد من القادة الأوروبيين الذين تحدث معهم زيلينسكي بعد لقائه مع ترامب بدوا في حيرة من أمرهم بشأن التغير الواضح في موقف الرئيس الأميركي.

مقالات مشابهة

  • 29 ألف سائح يصلون إلى مطاري الغردقة ومرسى علم في أكبر حركة طيران أوروبية هذا الأسبوع
  • دعوات أوروبية لمحاسبة إسرائيل على تدمير مشاريع ممولة من أموال دافعي الضرائب
  • ترامب يرفض منح صواريخ توماهوك لأوكرانيا وحيرة أوروبية من انقلاب موقفه
  • "بوليتكو": ضغوط أوروبية على إدارة ترامب لإقرار حل الدولتين في إطار اتفاق غزة
  • مسودة خطة أوروبية لحث ترامب على دعم حل الدولتين
  • نيوزيلندا تنضم الى ثلاث دول أوروبية باعادة فرض عقوبات على إيران
  • مستشارة بالناتو: القلق الأوروبي لا يرتبط بروسيا وحدها بل برغبة القارة في دفاع مشترك
  • المخابرات الروسية: بريطانيا وأوكرانيا تستعدان لتخريب أنابيب غاز تركية
  • الاتحاد الأوروبي يطلق خارطة طريق دفاعية شاملة لتعزيز جاهزيته بحلول 2030
  • إعلان خريطة دفاع أوروبية جديدة تتضمن الردع وحماية الأجواء