عامٌ دراسي جديد: توقعات جديدة
تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT
يشتد الرهان عامًا بعد آخر على استحقاقات النظام التعليمي وأدواره؛ نظير مجموعة من المتغيرات التي تفرض ذاتها سواء في سياقها العالمي أو المحلي
يستهل حقل التعليم عامًا دراسيًا جديدًا، ينتظر فيه - كما كل عام - أن يضيف رصيدًا تنمويًا من خلال عملياته إلى التأسيس الجيد للقدرات البشرية، والمحافظة على الهوية والمحددات الأخلاقية والقيمية للمجتمع، والمساهمة في حشد التفاعل مع القضايا المعاصرة؛ سواء على مستوى المعارف، أو التقانات، أو متطلبات التنمية الملقاة على عاتق الأطراف النشطة في العملية التعليمية من قيادات تربوية، ومعلمين وطلبة، وأسر متفاعلة مع النظام التعليمي.
على المستوى المحلي تطرح على النظام التعليمي 5 أسئلة أساسية: أولها - وككل الأنظمة التعليمية - سؤال استدامة الجودة في التعليم ككل في مقابل الحاجة إلى تطوير جزئيات نوعية ضمن مفهوم جودة التعليم، بما في ذلك بيئات التعلم وكفاءة المناهج وأساليب تطوير قدرات المعلمين. السؤال الآخر هو سؤال موقع النظام التعليمي من الانتقال التقني الهائل بما في ذلك ما تضيفه تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وفي هذا الصدد نسأل: هل هناك أطر واضحة وتطبيقية لإدماج هذه التقنيات بشكل مباشر وشامل في العملية التعليمية بحيث تستوعب الأدوار الجديدة لثلاثية (المعلم - الطالب - التقانة)؟ إن هذا السؤال أساس ومحوري لأنه يضعنا أمام أسئلة أخرى: هل يجب أن يتوجه تركيز التعليم اليوم على تنمية المعرفة أم تنمية طرائق التفكير؟ هل يجب أن يوضع الطالب على محك اختبار كفاءة المعرفة والفهم أم على مستوى النقد والربط والتفكيك للمادة المعرفية؟ كيف سيتعامل جيل قادم من المعلمين والمتعلمين مع أنماط مفتوحة المصدر من المعرفة والتحقق من صحتها وواقعيتها وبناء معرفة مقاربة لها؟
السؤال الثالث هو سؤال تغير الطلب على مخرجات التعليم، ومحدودية الفرص، وهو سؤال يرتبط أيضًا في جزء منه بمسارات التعلم التقني والمهني، ويرتبط بإعادة التفكير في منهجيات التقويم التربوي ليتواكب مع فرز هذه المخرجات معرفيًا ومهاريًا بشكل يتوافق مع متغيرات واحتياجات السوق والمستقبل. أما السؤال الرابع فيرتبط بالتغيرات في شخصية المتعلمين، وهذه التغيرات تتماشي مع ضرورة دراسة التغيرات في أنماط الجيل من ناحية (القيم والمعتقدات - التطلعات والتوقعات - تغير أنماط التنشئة والأدوار الأسرية - النظرة إلى العالم). وتغيرات الجيل تطرح أسئلة قد تكون طرحت في أنظمة تعليمية أخرى من ناحية: العبء الدراسي، حدود عملية التعلم بين المدرسة والمنزل، آلية تحقيق التوازن بين التعلم في الصف الدراسي واكتساب المهارات الحياتية في مؤسسات مجتمعية أخرى.
أما السؤال الخامس فيرتبط بالدور القيمي والأخلاقي للنظم التعليمية في إعادة توجيه الجيل نحو المرغوب من القيم والأخلاق، وتحييد المؤثرات المتصاعدة؛ سواء فيما يروج له عبر الاتجاهات العالمية من نشر قيم هدامة، أو ما يفرزه تباين الأجيال من صراع قيم على مستوى المجتمع، أو ما ينتجه عصر الشبكات المفتوحة من قيم وأفكار غير مفرزة وعصية على الضبط والسيطرة.
في مقالة نشرت في المجلة العلمية «العمل والشيوخة والتقاعد» بعنوان «القاعدة الدليلية للاختلافات بين الأجيال: إلى أين نتجه من هنا؟»، يشير البحث الذي تستند إليه إلى أن « الجيل - يميل إلى تفضيل التعلم التجريبي - التعلم من خلال الممارسة - على التعليم التقليدي. ويميلون إلى بيئات التعلم التعاوني، حيث يمكنهم التواصل مع الأقران وتطبيق المعرفة في بيئات عملية. وتشير الدراسات إلى أن هذه التحولات ترجع جزئيًا إلى التطور المعرفي الذي تشكله تفاعلهم مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة». وهذا يقودنا إلى القول بأن تغيير طرق وأساليب التعلم تعتبر جزءا لا يتجزأ من عملية جعل التعلم حيًا وحيويًا ومتفاعلًا مع حاضره؛ فالأمر لا يتعلق اليوم بمحتوى (ما يدرّس) فحسب؛ بل يتعلق بالطريقة التي يدرس بها، والبيئة التي تقدم فيها المادة المعرفية، وتشكل هذه العناصر في مجملها عناصر ديمومة الكفاءة والجودة في النظام التعليمي، كما تتحكم بانتماء المتعلمين إلى هذا النظام وتفاعلهم الجيد معه. وفي هذا الصدد يحدد الباحث في مستقبل التعليم إد ماثيوز خمسة عناصر تتحكم في أساليب وطرق التعليم خلال السنوات الراهنة وهي أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أكثر طبيعية وإدماجًا في عملية التعليم والتقييم، وأن التطورات التقنية ستمكن المعلمين من استخدام مواد التعلم التكيفية والمخصصة حسب اتجاهات وطبيعة كل طالب، وكما سيشيع التحول نحو التقييمات القائمة على الكفاءة أكثر من التقييمات التقليدية، ارتفاع التعلم الممتع والقائم على التلعيب، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل أكبر على نموذج الفصل الدراسي المقلوب؛ والذي يركز على اطلاع المتعلم على مصادر التعلم خارج الصف مع إتاحة الوقت في الصف للنقاش والتفكير وتنمية الحوار.
وفي المجمل فإن المدخلات والمتغيرات التي تحيط بأنظمة التعلم لا تنتهي؛ كون أن العملية التعليمية تتفاعل مع 3 عناصر متغيرة في ذاتها: الفرد (أيما كان موقعه في العملية التعليمية أو المجتمع)، المعرفة (التي تتسم بطبيعتها المتغيرة وتوالدها النووي)، المجتمع (الذي تتبدل أحواله وتتغير على ضوءها توقعاته ويعيش ديناميكية ثقافية واقتصادية واجتماعية وتقانية وسياسية متغيرة). ولذلك الرهان اليوم على تفعيل حقل أبحاث التعليم، وحقل أبحاث مستقبل التعليم، وربط هذين الحقلين بمنظومة صنع القرار ورسم السياسات التعليمية، وهو ما اعتنت به بعض الدول وأرقته إلى مستوى كيانات مستقبل لأبحاث التعليم، أو دراسات تنمية التعليم، فنجد تجربة كوريا الجنوبية على سبيل المثال في إنشاء معهد التنمية التعليمية الكورية، والذي يركز في مهامه على تطوير نظام تعليمي مبتكر لمواجهة تحديات التعليم الكوري، بالإضافة إلى إجراء أبحاث شاملة وعلمية حول القضايا الحالية المتعلقة بالتعليم الكوري. وكذا الحال مع المعهد الألماني للبحوث التربوية الدولية في ألمانيا، والمعهد الوطني للتعليم في سنغافورة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العملیة التعلیمیة النظام التعلیمی عملیة التعلیم
إقرأ أيضاً:
جهود الحكومة لتطوير التعليم الفني.. تخصصات جديدة وتدريب مكثف
قال الدكتور أحمد عبدالرشيد، وكيل كلية التربية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة سابقاً بجامعة حلوان، إن الدولة المصرية حققت العديد من الإنجازات في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي في مجال النهوض بالتعليم الفني، إذ إن التعليم الفني يساعد على الارتقاء بالمجتمع.
وأوضح أن وزارة التربية والتعليم بذلت مجهودات كبيرة لتطوير هذا النوع من التعليم مما جعل بعض خريجي التعليم الفني قادرين على العمل في ضوء احتياجات سوق العمل المصري وبعض الدول الأخرى.
وأضاف «عبدالرشيد» لـ«الوطن»، أن الوزارة تعمل حاليا على زيادة عدد المدارس الفنية لاستيعاب أعداد كبيرة من المتعلمين خال الفترة المقبلة، لاسيما التخصصات التي يحتاجها سوق العمل في مجال الصناعة، والبتروكيماويات، والذكاء الاصطناعي، والمناهج الخاصة بالتعليم الرقمي التكنولوجي، فضلا عن التوسع في مدارس التكنولوجيا التطبيقية التي تؤهل الطلاب لسوق العمل.
تطوير مناهج التعليم الفنيوأكد أن وزارة التربية والتعليم اهتمت بتطوير مناهج التعليم الفني بما يلبي احتياجات سوق العمل، كما تسعى إلى تنمية كفايات معلمي التعليم الفني بتخصصاته المختلفة كي يكون قادراً على تحقيق المخرجات المستهدفة من التعليم الفني تحقيقاً لرؤية مصر 2030 في الجمهورية الجديدة.
ونوه بأن الوزارة اهتمت بتدريب المتعلمين بمدارس التعليم الفني وفقاً لنظام الجدارات والذي يمكن المتعلم قبل تخرجه من اتقان مكونات الأداء المهني في ضوء معايير جودة الأداء الحرفي والتنمية المهنية، وعلاوة عن الاهتمام بتنمية مكونات الخبرة المربية لدى المتعلمين الملتحقين بمدارس التعليم الفني من خلال إكسابهم جوانب النمو المعرفي والمهاري والثقافي.
زيادة نسبة الملتحقين بالتعليم الفنيوقال الدكتور أحمد عبدالرشيد، إن الدولة تستهدف حتى عام 2030 زيادة نسبة الملتحقين بالتعليم الفني من الطلاب المتفوقين بالشهادة الاعدادية وفقاً لاحتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية المستدامة في مصر 2030، لافتاً إلى أن الفني أو الحرفي يحتاج قدراً من المعرفة بالآلات والأجهزة التي يعمل عليها، وهو ما تسعى إليه مدارس التعليم الفني بتخصصاتها المختلفة خلال الفترة الأخيرة من خلال تدريب المتعلمين قبل تخرجهم بالمنشآت المؤسسات الصناعية الكبرى.
وأضاف أنه حتى يحقق التعليم الفني في مصر المخرجات المستهدفة منه ينبغي تغيير النظرة المجتمعية للتعليم الفني الذي يُعد عصب التنمية في المستقبل، وذلك من خلال تكثيف برامج توعوية بوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني حتى يكون هناك إقبال على هذا النوع من التعليم.