لجريدة عمان:
2024-09-14@20:42:10 GMT

عودة الأستاذ... إدوَرد سعيد في الجامعة

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

لم يكن لأحد أن يتوقع عودة إدوَارد سعيد للواجهة بهذه القوة، لكنه عاد وبقوة. فالتلامذة «الخارجون عن المقرر» في جامعة كولومبيا، معقلِه الحصين، نجحوا في بعث حضوره من جديد كمفكر فذٍّ بعيد الرؤية، حيث يمكننا أن نرى اليوم بوضوح، وأكثر من أي وقت مضى، خلاصات نقده الاستشراق الغربي وهو يتجلى في أكثر صوره عنفًا.

فمنذ اندلاع حملة الإبادة الصهيونية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، عقب السابع من أكتوبر الماضي، أي بعد مرور أيام قليلة على الذكرى العشرين لرحيل إدوَارد سعيد عن عالمنا (25 سبتمبر عام 2003) تكرر اسمه «الطباقي» ببروز، ليس في النقاشات الثقافية فحسب، بل قُرِئ في اللافتات المرفوعة خلال المظاهرات الطلابية التي شهدتها ساحة كولومبيا مؤخرًا: «يا جامعة كولومبيا، لماذا تطلبين منّي أن أقرأ للأستاذ إدوَارد سعيد إن كنتِ لا تودين أن أستعمله؟» هكذا كتبت إحدى الطالبات المتظاهرات على لافتتها.

هل نستطيع أن نتخيل إدوارد سعيد مثقفًا بلا جامعة؟ كانت الجامعة بالنسبة لإدوَارد «معقلاً» بالفعل، بكل ما تعنيه الكلمة، وإلا من يتخيل أن أستاذا للأدب الإنجليزي يجلس في مكتب جامعي زجاجه مضاد للرصاص؟! لا شكَّ أن الجامعة العريقة وفَّرت له منبرا عالميا لإذاعة أفكاره، وخاصة خلال السنوات الضارية من معركته الفكرية الشرسة مع المؤسسة الاستشراقية في الغرب ممثلةً بأهم رموزها المعاصرين، المعركة التي لم تتوقف «اشتباكاتها» حتى نهاية حياته. وبالتأكيد فإن الإشارة إلى دور المؤسسة المهم في صناعة المثقف ومركزيتها في بلورة مشروعه مسألة ضرورية عند مراجعة تجربة مفكر مثل إدوَارد سعيد، دون أن يتعارض هذا الاعتبار لدور المؤسسة أو يُنقص شيئا من حقيقة أنه كان مفكرا ألمعيا وعقلاً نقديًّا حرًّا تشكلت ملامح نبوغه في المراحل المبكرة التي سبقت وصوله إلى كولومبيا في ستينيات القرن الماضي وبعد مروره بجامعتي برنستون وهارفارد. والأهم أنه كان شخصية «طِباقية» بامتياز منذ التكوين، لا هي شرقية تماما ولا هي غربيةٌ تماما، بل هوية كونية مفتوحة للتعدد بكل ما يتمتع صاحبها ومطورها من تعدد للأدوار والمواهب والأماكن. فأينما حل ترك تأثيره العميق، سواء كان أستاذا في الجامعة أو متحدثا في البرامج التلفزيونية أو عازفا للبيانو أو سياسيا في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية.

غير أن كل ما سبق لن يمنع ناقديه ومناوئيه - بصورة لا تخلو من الحسد الواضح - من المجادلة بأن «كولومبيا» هي الرافعة التي منحت إدوَارد سعيد كل هذه الشهرة والمكانة العلمية المرموقة والمقروئية الواسعة في الغرب حتى تصديره للشرق، وذلك منذ أن دخل إلى الوظيفة الأكاديمية فيها شابا في نهايات العشرين. لكن المفاجأة أن رئيس الجامعة الأسبق يرجح الحقيقة المعاكسة تماما؛ فقد اجتمع بجوقة من الطلبة اليهود الذين تظاهروا ضد إدوَارد سعيد عام 2000 للمطالبة بفصله من الجامعة بعد أن استفزهم بصورته الشهيرة التي التُقطت له وهو يقذف حجرا على برج المراقبة المهجور عند بوابة فاطمة في الجنوب اللبناني بعد تحريره. همس رئيس الجامعة في الطلبة المتظاهرين ليثنيهم عن موقفهم المتطرف، مُذكرا بأن شهرة جامعتهم والامتيازات التي يتمتعون بها بعد تخرجهم فيها إنما تعود لوجود من وصفوه بأنه «فيلسوف الإرهاب» كعلم من أعلام الهيئة التدريسية بالجامعة. من يؤكد هذه الحادثة هو تلميذه تِمُثي بْرِنَن الذي قدَّم لنا سيرةً غيرية ممتازة عن أستاذه الراحل بعنوان «إدْوَارْد سعيد: أماكن الفكر». علاقة الأستاذ بالجامعة في قصة كهذه لا بدَّ أن تستوقفنا لنتخيَّل، ولو من باب التسلية، كيف سيبدو موقف إدارة كولومبيا من المفكر الكبير لو أن المصرية البريطانية الأمريكية، نعمت شفيق، كانت هي من يرأس الجامعة آن ذاك؟!

ربما يمكننا أن نقول اليوم بأن استقالتها على خلفية المظاهرات الطلابية كانت انتصارا سياسيا لأسطورة إدوَارد سعيد العائدة إلى معقلها التليد. لقد انتصر «السعيديون» على نعمت شفيق إذن، وهو برهان آخر على حضوره القوي بين أجيال متأخرة من طلاب الذين لم يقابلوه يوما، بل منهم من هم طلاب طلابه في الواقع. العبرة في الأمر أن قيمة المؤسسة الجامعية ومكانتها العلمية تتحدد بقيمة أساتذتها. فالاستثمارات الضخمة والمباني العملاقة والمرافق والمختبرات المعدَّة بأحدث الأجهزة والإنفاق الحكومي كلها عوامل مادية تغدو بلا معنى يُذكر لبناء جامعة مرموقة إذا لم تستقطب الجامعة الأساتذة الرائعين، ضامنةً لهم حرية الرأي والفكر، وهم الذين سينجبون بدورهم تلامذة رائعين أوفياء لمعلميهم ومدافعين عنهم بوجه السلطة الجامعية إن استدعى الأمر. فالمدافعون الحقيقيون عن إدوَارد سعيد في الجامعة لم يكونوا سوى طلابه الذين يتسابقون على مقاعد محاضراته. وهو بالفعل النموذج الحقيقي للحياة الجامعية التي يفتقدها الطلاب في جامعاتنا العربية، حيث أساتذتهم ليسوا أكثر من «موظفين» حالهم كحال سائر الموظفين في الدوائر الحكومية البيروقراطية، وهذا بحد ذاته تفسير كاف لتخلُّف الجامعات العربية عن التفاعل السياسي في لحظة تاريخية حاسمة كهذه، بينما تنتفض أهم قلاع الأكاديميا الغربية ضد الإبادة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كاريلو: سعيد بانضمامي لنادي كورينثيانز لما يمتلكه من قاعدة جماهيرية

نواف السالم

أكد لاعب الهلال والقادسية السابق، أندري كاريلو، عن سعادته الكبيرة لانضمامه لنادي عريق مثل النادي البرازيلي كورينثيانز.

وقال كاريلو: “سعيد بتواجدي في نادي كبير مثل كورينثيانز الذي يملك واحده من اكبر القواعد الجماهيريه في العالم و من اسباب قبولي بعرض كورينثيانز هو شغف جماهيرهم و هتافهم في كل مباراه لمدة 90 دقيقه بشكل متواصل”.

وكانت إدارة نادي القادسية قد أعلنت استغنائها عن كاريلو، بداية من الموسم الجديد، ليكون متاحًا للانتقال مجانًا لأي نادي، ليتعاقد معه النادي البرازيلي.

مقالات مشابهة

  • شكرًا «سعيد».. بالتوفيق «عرب»
  • محمد فؤاد المهندس فى الذكرى الـ١٨ لوفاة الأستاذ فى "أغانى منسيه"
  • كاريلو: سعيد بانضمامي لنادي كورينثيانز لما يمتلكه من قاعدة جماهيرية
  • الصديق الخالد
  • منتخب السيدات يكسب بالاو في «أولمبياد الشطرنج»
  • الجامعة القاسمية تستقبل طلبتها للعام الجامعي 2024-2025
  • عاطف خليل رئيس تحرير الوفد ينعى المناضل الوفدى سعيد الجوجرى
  • كولومبيا تدعو لوقف تجنيد مواطنيها للقتال في أوكرانيا
  • بعد تأخر لـ17 عاما.. كولومبيا تثأر من الأرجنتين بغياب ميسي
  • سمو ولي العهد ورئيس مجلس الدولة الصيني يبحثان التعاون والمستجدات