عامٌ دراسي جديد: توقعات جديدة
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
يشتد الرهان عامًا بعد آخر على استحقاقات النظام التعليمي وأدواره؛ نظير مجموعة من المتغيرات التي تفرض ذاتها سواء في سياقها العالمي أو المحلي
يستهل حقل التعليم عامًا دراسيًا جديدًا، ينتظر فيه - كما كل عام - أن يضيف رصيدًا تنمويًا من خلال عملياته إلى التأسيس الجيد للقدرات البشرية، والمحافظة على الهوية والمحددات الأخلاقية والقيمية للمجتمع، والمساهمة في حشد التفاعل مع القضايا المعاصرة؛ سواء على مستوى المعارف، أو التقانات، أو متطلبات التنمية الملقاة على عاتق الأطراف النشطة في العملية التعليمية من قيادات تربوية، ومعلمين وطلبة، وأسر متفاعلة مع النظام التعليمي.
على المستوى المحلي تطرح على النظام التعليمي 5 أسئلة أساسية: أولها - وككل الأنظمة التعليمية - سؤال استدامة الجودة في التعليم ككل في مقابل الحاجة إلى تطوير جزئيات نوعية ضمن مفهوم جودة التعليم، بما في ذلك بيئات التعلم وكفاءة المناهج وأساليب تطوير قدرات المعلمين. السؤال الآخر هو سؤال موقع النظام التعليمي من الانتقال التقني الهائل بما في ذلك ما تضيفه تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وفي هذا الصدد نسأل: هل هناك أطر واضحة وتطبيقية لإدماج هذه التقنيات بشكل مباشر وشامل في العملية التعليمية بحيث تستوعب الأدوار الجديدة لثلاثية (المعلم - الطالب - التقانة)؟ إن هذا السؤال أساس ومحوري لأنه يضعنا أمام أسئلة أخرى: هل يجب أن يتوجه تركيز التعليم اليوم على تنمية المعرفة أم تنمية طرائق التفكير؟ هل يجب أن يوضع الطالب على محك اختبار كفاءة المعرفة والفهم أم على مستوى النقد والربط والتفكيك للمادة المعرفية؟ كيف سيتعامل جيل قادم من المعلمين والمتعلمين مع أنماط مفتوحة المصدر من المعرفة والتحقق من صحتها وواقعيتها وبناء معرفة مقاربة لها؟
السؤال الثالث هو سؤال تغير الطلب على مخرجات التعليم، ومحدودية الفرص، وهو سؤال يرتبط أيضًا في جزء منه بمسارات التعلم التقني والمهني، ويرتبط بإعادة التفكير في منهجيات التقويم التربوي ليتواكب مع فرز هذه المخرجات معرفيًا ومهاريًا بشكل يتوافق مع متغيرات واحتياجات السوق والمستقبل. أما السؤال الرابع فيرتبط بالتغيرات في شخصية المتعلمين، وهذه التغيرات تتماشي مع ضرورة دراسة التغيرات في أنماط الجيل من ناحية (القيم والمعتقدات - التطلعات والتوقعات - تغير أنماط التنشئة والأدوار الأسرية - النظرة إلى العالم). وتغيرات الجيل تطرح أسئلة قد تكون طرحت في أنظمة تعليمية أخرى من ناحية: العبء الدراسي، حدود عملية التعلم بين المدرسة والمنزل، آلية تحقيق التوازن بين التعلم في الصف الدراسي واكتساب المهارات الحياتية في مؤسسات مجتمعية أخرى.
أما السؤال الخامس فيرتبط بالدور القيمي والأخلاقي للنظم التعليمية في إعادة توجيه الجيل نحو المرغوب من القيم والأخلاق، وتحييد المؤثرات المتصاعدة؛ سواء فيما يروج له عبر الاتجاهات العالمية من نشر قيم هدامة، أو ما يفرزه تباين الأجيال من صراع قيم على مستوى المجتمع، أو ما ينتجه عصر الشبكات المفتوحة من قيم وأفكار غير مفرزة وعصية على الضبط والسيطرة.
في مقالة نشرت في المجلة العلمية «العمل والشيوخة والتقاعد» بعنوان «القاعدة الدليلية للاختلافات بين الأجيال: إلى أين نتجه من هنا؟»، يشير البحث الذي تستند إليه إلى أن « الجيل - يميل إلى تفضيل التعلم التجريبي - التعلم من خلال الممارسة - على التعليم التقليدي. ويميلون إلى بيئات التعلم التعاوني، حيث يمكنهم التواصل مع الأقران وتطبيق المعرفة في بيئات عملية. وتشير الدراسات إلى أن هذه التحولات ترجع جزئيًا إلى التطور المعرفي الذي تشكله تفاعلهم مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة». وهذا يقودنا إلى القول بأن تغيير طرق وأساليب التعلم تعتبر جزءا لا يتجزأ من عملية جعل التعلم حيًا وحيويًا ومتفاعلًا مع حاضره؛ فالأمر لا يتعلق اليوم بمحتوى (ما يدرّس) فحسب؛ بل يتعلق بالطريقة التي يدرس بها، والبيئة التي تقدم فيها المادة المعرفية، وتشكل هذه العناصر في مجملها عناصر ديمومة الكفاءة والجودة في النظام التعليمي، كما تتحكم بانتماء المتعلمين إلى هذا النظام وتفاعلهم الجيد معه. وفي هذا الصدد يحدد الباحث في مستقبل التعليم إد ماثيوز خمسة عناصر تتحكم في أساليب وطرق التعليم خلال السنوات الراهنة وهي أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أكثر طبيعية وإدماجًا في عملية التعليم والتقييم، وأن التطورات التقنية ستمكن المعلمين من استخدام مواد التعلم التكيفية والمخصصة حسب اتجاهات وطبيعة كل طالب، وكما سيشيع التحول نحو التقييمات القائمة على الكفاءة أكثر من التقييمات التقليدية، ارتفاع التعلم الممتع والقائم على التلعيب، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل أكبر على نموذج الفصل الدراسي المقلوب؛ والذي يركز على اطلاع المتعلم على مصادر التعلم خارج الصف مع إتاحة الوقت في الصف للنقاش والتفكير وتنمية الحوار.
وفي المجمل فإن المدخلات والمتغيرات التي تحيط بأنظمة التعلم لا تنتهي؛ كون أن العملية التعليمية تتفاعل مع 3 عناصر متغيرة في ذاتها: الفرد (أيما كان موقعه في العملية التعليمية أو المجتمع)، المعرفة (التي تتسم بطبيعتها المتغيرة وتوالدها النووي)، المجتمع (الذي تتبدل أحواله وتتغير على ضوءها توقعاته ويعيش ديناميكية ثقافية واقتصادية واجتماعية وتقانية وسياسية متغيرة). ولذلك الرهان اليوم على تفعيل حقل أبحاث التعليم، وحقل أبحاث مستقبل التعليم، وربط هذين الحقلين بمنظومة صنع القرار ورسم السياسات التعليمية، وهو ما اعتنت به بعض الدول وأرقته إلى مستوى كيانات مستقبل لأبحاث التعليم، أو دراسات تنمية التعليم، فنجد تجربة كوريا الجنوبية على سبيل المثال في إنشاء معهد التنمية التعليمية الكورية، والذي يركز في مهامه على تطوير نظام تعليمي مبتكر لمواجهة تحديات التعليم الكوري، بالإضافة إلى إجراء أبحاث شاملة وعلمية حول القضايا الحالية المتعلقة بالتعليم الكوري. وكذا الحال مع المعهد الألماني للبحوث التربوية الدولية في ألمانيا، والمعهد الوطني للتعليم في سنغافورة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العملیة التعلیمیة النظام التعلیمی عملیة التعلیم
إقرأ أيضاً:
هل يتعلم الإنسان من أخطائه؟ دراسة تجيب
توصلت دراسة بحثية جديدة إلى أن ليس كل الناس يتعلمون من الفشل، لكن كثيرين من الناس يفترضون ذلك.
ولاحظ الباحثون أن الافتراض بأن الفشل معلم جيد قد يجعل الناس أقل ميلاً إلى اتخاذ خطوات لتحسين أنفسهم في المستقبل.
وأجريت الدراسة في جامعة نورث وسترن، ولتقييم المواقف بشأن النجاح بعد الفشل، قام فريق البحث بتحليل البيانات من استطلاعات الرأي عبر الإنترنت لـ 1800 شخص بالغ في الولايات المتحدة.
وطرحت الأسئلة على المشاركين ما إذا كانوا يعتقدون أن الناس سيكونون مرنين في مواقف معينة، مثل: عندما تفشل صحتهم، أو عندما لا يحصلون على درجات الاختبار التي يريدونها.
وبحسب "مجلة هيلث"، اكتشف الباحثون أن المشاركين اعتقدوا مراراً وتكراراً أن المزيد من الناس سينجحون بعد انتكاسة أكثر مما فعلوا بالفعل.
مثلاً، بالغ المشاركون في الاستطلاع بشكل كبير في تقدير عدد المحامين والمعلمين والممرضات الذين سيجتازون الاختبارات القياسية التي فشلوا فيها في البداية، والأشخاص الذين يعانون من إدمان المخدرات والذين سيصبحون رصينين، ومرضى قصور القلب الذين سيجرون تغييرات في نمط حياتهم لتحسين صحتهم.
المبالغةولم يبالغ المشاركون في تقدير فرص تحسن شخص فشل في شيء ما في المستقبل فحسب، بل قالوا إنهم أقل ميلاً إلى اتخاذ إجراء بسبب هذا الاعتقاد.
مثلاً، وجد الباحثون أنه عندما لم يكن المشاركون يعرفون أن من يتعافون من إدمان المواد الأفيونية لديهم معدل انتكاس بنسبة 91% في السنة الأولى، كانوا أكثر ميلاً إلى الاعتقاد بأن أموال الضرائب يجب أن تذهب إلى برامج إعادة التأهيل مقارنة بالأشخاص الذين يعرفون معدل الانتكاس.
وقالت لورين إسكرايس وينكلر، الباحثة الرئيسية: "إن هذا الاعتقاد المبالغ فيه حول إمكانات التعلم من الفشل يمكن أن يمنع الناس من صياغة خطة وإحراز تقدم فعلياً".
وأضافت: "إن الذين يبالغون في تقدير احتمالية النجاح الفعلي بعد الفشل هم أقل ميلاً إلى اتخاذ الخطوات الملموسة التي تجلب المرونة الحقيقية، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك تحقيق النجاح بعد الفشل، بل يجب ألا تفترض أنه سيكون أمراً مفروغاً منه".
التعلم من الفشلوتابعت: "عندما يفشل الناس، فإنهم يواجهون تلقائياً هدفين متنافسين، الهدف الأول هو التعلم من الفشل من أجل القيام بعمل أفضل في المرة القادمة".
"لكن الهدف الثاني هو الشعور بالرضا عن النفس. وعندما يتغلب هدف الشعور بالرضا على هدف التعلم، يتجاهل الناس ويفشلون في التعلم من الفشل".
ونصحت وينكلر: "إن اتخاذ قرار واعٍ باستخدام لحظة الفشل كلحظة تعليمية يمكن أن يساعد في تقليل احتمالات ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى".