لجريدة عمان:
2024-09-14@20:31:51 GMT

ماذا يتعلم أهل الاقتصاد من التمويل الأصغر؟

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

في حين أن «القائم بأعمال» بنجلاديش الجديد، محمد يونس، معروف على نطاق واسع بريادته في مجال التمويل الأصغر، فقد رفض أهل الاقتصاد المنتمون إلى التيار السائد إلى حد كبير الأفكار المستمدة من التمويل الأصغر باعتبارها حكايات شعبية تبعث على الشعور بالسعادة. ولكن هناك سبب للاعتقاد بأنهم أكثر من ذلك بكثير.

قبل بضعة أشهر، قال محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام ورائد التمويل الأصغر والخبير الاقتصادي الـمتمرد، لمجلة تايم: «الاقتصاد موضوع عقيم».

لم يكن يدرك آنذاك أنه سيحظى قريبا بفرصة لإثبات مقصده. فبعد الإطاحة برئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة في وقت سابق من هذا الشهر، اختير يونس لقيادة حكومة تصريف الأعمال هناك.

تأسست بنجلاديش في عام 1971 بعد حرب استقلال دموية، ولم يكن من المرجح أن تصبح مرشحة لتتحول إلى مثال للتنمية، نظرا للانفجار السكاني وضعفها الحاد في مواجهة الكوارث الطبيعية. ومع ذلك، بحلول تسعينيات القرن العشرين، بات بوسعها أن تُـطالِب بمصداقية بهذا اللقب. عندما كانت بلدان نامية عديدة أخرى تختنق تحت وطأة إجماع واشنطن النيوليبرالي، كانت شخصيات بنجلاديشية مثل يونس (مع بنك جرامين الذي أسسه) وفضل حسن عابد (مؤسس منظمة BRAC غير الربحية لمكافحة الفقر) تستفيد من أداة ثالثة إلى جانب الدولة والسوق: ألا وهي المجتمع المدني.

أثناء عملي كباحث شاب في مجال التنمية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كنت شاهدة بشكل مباشر على الأعمال المبكرة التي نفذتها هذه المنظمات غير الحكومية الرائدة. فقد سعت إلى إيجاد الحلول ليس على السبورة بل في الميدان، فخلقت بذلك طبقا عالميا للإبداع في مجال التنمية. وكما قال أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات، كانت بنجلاديش «وول ستريت التنمية». لكنه كمثل وول ستريت الحقيقية، انزلق نموذج بنجلاديش إلى متاعب قبل نحو خمسة عشر عاما، عندما عادت حسينة إلى السلطة (شغلت منصب رئيس الوزراء سابقا من عام 1996 إلى عام 2001). باعتبارها زعيمة رابطة عوامي العلمانية وابنة «الأب المؤسس» لبنجلاديش، مجيب الرحمن، كانت حسينة تُعَد في الأصل رمزا للديمقراطية. لكن فترة ولايتها اتخذت منعطفا مثيرا للقلق نحو الاستبداد والفساد المستشري، ووصلت الأمور أخيرا أوجها هذا الصيف، عندما حاولت إصدار أمر بشن حملة قمع عنيفة ضد محتجين من الطلبة المسالمين. كانت الاضطرابات التي شهدها هذا العام ردة فِـعل ليس ضد سياسات حسينة القمعية فحسب، بل وأيضا سياساتها الاقتصادية.

لا شك أن النمو السريع الذي شهده الناتج المحلي الإجمالي وتحسن البنية الأساسية منح بنجلاديش سمعة «المعجزة» الاقتصادية. لكن حسينة فرضت قيودا صارمة على منظمات المجتمع المدني ذاتها التي وضعت بنجلاديش على خريطة التنمية في المقام الأول. كانت تحتقر يونس بشكل خاص، ووصفته بأنه «مصاص دماء». وبعد طرده من منصبه كرئيس لبنك جرامين في عام 2011، لاحقته حكومتها باتهامات قانونية ملفقة. كانت استراتيجية حسينة الاقتصادية تتلخص في الاستفادة من محاكاة النماذج الواردة في كتب اقتصاديات التنمية التقليدية. ولتسخير النمو القائم على الصادرات، عملت على توجيه بنجلاديش لتصبح مركز تصنيع منخفض التكلفة للملابس الجاهزة. وبفضل أجور شديدة الانخفاض وأقل قدر من التنظيم، أصبحت البلاد المؤسسة الاستغلالية لإنتاج الأزياء السريعة للعالَـم.

كانت إحدى عواقب هذه الاستراتيجية أن فرص العمل المتاحة لخريجي الجامعات كانت قليلة للغاية خارج الوظائف الحكومية، والتي يجري تخصيصها من خلال نظام حصص فاسد وقائم على المحسوبية. كان هذا النظام ــ إلى جانب التضخم المرتفع وغيره من الآثار المتبقية من زمن الجائحة ــ هو الذي أشعل شرارة الاحتجاجات الصيفية.

والآن بعد أن زَوَّد الشباب يونس بدرجة غير مسبوقة من النفوذ على الساحتين الوطنية والدولية، تواجه جدارة بنجلاديش في مجال التنمية اختبارا كبيرا. فهل كان «نموذج بنجلاديش» الذي يركز على المجتمع المدني مجرد انحراف غريب عن الاقتصاد النيوكلاسيكي ووصفاته السياسية، أو أنه يمثل تحديا حقيقيا؟ كما وَثَّـقْـتُ في مكان آخر، يكمن الاختراق الإبداعي الكبير الذي حققه التمويل الأصغر في توفير القروض من دون الضمانات الاقتصادية أو القانونية (مثل الضمانات والعقود الملزمة) التي يصر الاقتصاد التقليدي على كونها ضرورية. على النقيض من كل ما قد يتنبأ به المنظور الأكاديمي، فإن مؤسسات التمويل الأصغر في مختلف أنحاء العالم تسجل معدلات سداد تتجاوز 90%. وفي حين كان يونس معروفا على نطاق واسع بدوره في تقديم أحد أهم التدخلات الإنمائية في العقود القليلة الأخيرة، فقد كنت أشك منذ فترة طويلة في أن البصيرة النفسية التي تكمن في قلب نموذج التمويل الأصغر من الممكن أن تعيد تشكيل تفكيرنا في عموم الأمر.

بدلا من افتراض أن المقترضين (أغلبهم من النساء الفقيرات في القرى البنجلاديشية) هم «فاعلون عقلانيون» يسعون إلى تعظيم المنفعة، وأن السداد من منظورهم غير عقلاني في غياب الإكراه، عَـوَّلَـت مؤسسات التمويل الأصغر عليهم. وبدلا من استهداف أفراد، قدمت مؤسسات التمويل الأصغر القروض لمجموعات تتألف من خمس نساء أو نحو ذلك. ولأن الأفراد يندمجون دائما تقريبا في مجموعات، فإن المنطق وراء هذا النهج واضح. لكن الديناميكيات بين المجموعات لا تزال غير مدروسة بالقدر الوافي في علوم الاقتصاد (حيث تشكل الأسر والشركات عملاء صنع القرار الرئيسيين ووحدات التحليل الأساسية). باتباع هذا النهج، تخلق مؤسسات التمويل الأصغر التماسك الاجتماعي داخل المجموعات المتلقية، التي تعقد عموما اجتماعات منتظمة وطقوس سداد عامة، وبالتالي تثير السلوك الاجتماعي الإيجابي من جانب جميع المشاركين. وكما لاحظت في عمل حيث قارنت بين مؤسسة التمويل الأصغر SKS في الهند وسجل بنك جرامين، فإن آليات التعزيز الاجتماعي هذه، وليس الحوافز الاقتصادية، هي التي تدعم نجاح هذا النموذج.

تتمثل رؤية قَـيِّـمة أخرى من عالَـم التمويل الأصغر في أهمية تقدير حجم المجموعة المناسبة على الوجه الصحيح، وهو ما يعني في هذه الحالة عموما الإبقاء على المجموعات صغيرة. وفي حين ساق هذه الحجة منظرون مثل ليوبولد كور وإيرنست فريتز شوماخر في الماضي، يظل خبراء الاقتصاد المنتمون إلى التيار السائد مهووسين باقتصادات الحجم (الأكبر هو الأفضل دائما). بعد محاكاته في أكثر من مائة دولة، يتميز نموذج التمويل الأصغر في بنجلاديش بأنه احـتُـضِـن في الجنوب العالمي بدلا من استيراده إليه. وهذا المنشأ يجعله مناسبا تماما للسياق الثقافي الذي يعمل فيه. على سبيل المثال، بما أن المقترضين في الاقتصادات الريفية القائمة على الزراعة يجدون في عموم الأمر صعوبة في الوصول إلى الخدمات المصرفية، فقد أدرك المصرفيون في مجال التمويل الأصغر الحاجة إلى الخروج إلى القرى. لقد رفض أهل الاقتصاد المنتمون إلى التيار السائد إلى حد كبير الأفكار المستمدة من التمويل الأصغر باعتبارها حكايات شعبية تبعث على الشعور بالسعادة. لكني في مشروع بحثي جديد، استكشفت بالتعاون مع فريق من العلماء الأهمية العميقة الكامنة في «التفضيلات الاجتماعية» في الترتيبات الاقتصادية. هل من الممكن أن يتسنى لمؤسسة مصممة لإشراك نظام الأفراد «الغريزي» بدلاً من النظام «التدبري» أن تثير سلوكيات مختلفة منهجيا؟ ماذا لو بدأنا بافتراض وجود وكيل اقتصادي مؤيد للمجتمع، بدلا من وكيل أناني مفتت؟ ماذا لو أعدنا تشكيل شبكاتنا لجعلها أكثر تعاونية؟ ربما نتمكن من تجنب نبوءة الاقتصاد التي تحقق ذاتها حول مأساة الموارد العامة. إذا توقفنا عن «مزاحمة» خيرنا الباطني، فربما نتمكن من بناء ما يسميه صامويل بولز «الاقتصاد الأخلاقي». نتمنى لو يتمكن يونس من المساعدة في توجيه بنجلاديش بعيدا عن كونها ورشة عالمية لاستغلال العمال، والعودة إلى العمل كمختبر عالمي للتنمية البشرية والتقدم الاجتماعي. في وقت حيث يناقش كثيرون ماذا قد يأتي بعد النيوليبرالية، فإن «مصرفي الفقراء» قادر على المساعدة في تشريب الاقتصاد بالخبرة الحقيقية الواقعية وروح الإبداع الذي يحتاج إليه بشدة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بدلا من فی مجال

إقرأ أيضاً:

غضب إسرائيلي بسبب زواج ابن «نتنياهو» الأصغر.. والتهديدات تؤجل الزفاف

في الوقت الذي تعاني فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي من تحديات بداية من حربها بشمال الأراضي المحتلة، والعدوان على قطاع غزة، والغضب العالمي، سادت حالة من الغضب بين المواطنين بعد الإعلان عن موعد حفل زفاف ابن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

حفل زفاف ابن نتنياهو

وبحسب تقرير الصحفي الإسرائيلي أوري مشغاف والذي نشر على صحيفة tmi.maariv العبري، فإن حفل زفاف الابن الأصغر لنتنياهو «أفنر» وخطيبته عميت جورداني، كان من المفترض أن يكون يوم 26 سبتمبر الجاري، بمزرعة رونيت بمنطقة الشارون بجانب عاصمة الاحتلال تل أبيب، قبل أن يتم تأجيله.

وتعد المزرعة، واحدة من أفخم وأغلى المناطق في دولة الاحتلال، وهو ما يعني أن تكلفة هذا الحفل سيدفع من ضرائب المواطنين.

وبحسب التقرير العبري، سادت حالة من الغضب بين المواطنين، حتى أنه وصلت العديد من التهديدات بمهاجمة حفل الزفاف وهو ما استدعي تأجيله ليصبح في 26 نوفمبر المقبل.

ووفق المعلن فأن الحفل الجديد سيقام في قاعة المناسبات لاغز في ريشون لتسيون كونها تلبي جميع المتطلبات الأمنية، وسخر التقرير من أن الحفل سيكون بسيط، وفي أضيق الحدود «نحو 500 مدعو فقط».

وبحسب الصحفي المعارض لحكومة نتنياهو، الإعلان عن تفاصيل حفل زفاف الابن الأصغر لنتنياهو في ظل القهر والرعب الذي يجتاح عائلات المحتجزين في قطاع غزة منذ أكثر من 11 شهر، يؤكد أنها «عائلة منفصلة عن الواقع ووقحة».

وأضاف، أن ابن رئيس الحكومة من حقه أن يتزوج بمن يختار قلبه حتى في أثناء الحرب والدمار الذي تسبب فيها والده، لكنهم لن يقيموا حفلا بسيطا بل على العكس من ذلك سوف يبحثون عن أفخم وأغلى احتفال ممكن.

يشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تزوج 3 مرات، ولديه 3 أبناء، ابنته الكبرى نوعاه روث وهي من اليهود الحريديم «المتدينين» وترتدي حجاب المرأة اليهودية، كما أن لديه ولدين من زوجته الحالية سارة نتنياهو وهما يائير، والذي غالبا ما يتسبب في أزمات لوالده بسبب نمط حياته المرفه، أما الأصغر فهو أفنر، والذي يفضل الابتعاد عن وسائل الإعلام، والعيش بشكل طبيعي قدر الإمكان. 

مقالات مشابهة

  • غضب إسرائيلي بسبب زواج ابن «نتنياهو» الأصغر.. والتهديدات تؤجل الزفاف
  • وزارة الاقتصاد والمالية تعتمد استراتيجية جديدة لتطوير التمويل المناخي في أفق سنة 2030
  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو
  • «جائزة الشهر» لـ «المدرب الأصغر» في «البريميرليج»
  • توقعات بالمزيد.. انهيارات أرضية وقتلى في بنجلاديش بسبب الفيضانات
  • قتلى جراء انهيارات أرضية في بنجلاديش
  • 6 قتلى جراء انهيارات أرضية في بنجلاديش
  • الصور الأولى للسفينة التي كانت متجهة إلى مصر وقصفتها روسيا
  • صهاينة أميركا.. ماذا تعرف عن الشخصيات الخفية التي أنشأت إسرائيل؟
  • انتظروا قرارات صعبة.. ما الذي سيفعله كير ستارمر لإنقاذ الاقتصاد البريطاني؟