لجريدة عمان:
2025-03-10@17:07:58 GMT

هل تمثل أوروبا قدوة أو عبرة لأمريكا؟

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

خففت أوروبا من حدة الرأسمالية القاسية، فوفرت شبكات أمان، وتفوقت على الولايات المتحدة في جوانب مهمة من حيث الرفاهية. وبات الأطفال الأوروبيون أقل عرضة للوفاة من نظرائهم في أمريكا، والولادة أقل خطورة في أوروبا منها في الولايات المتحدة، والأوروبيون أطول أعمارا.

يعمل أبناء شمال أوروبا أقل مما يعمل الأمريكيون ــ لقرابة ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة ساعة فقط في السنة مقارنة بألف وثمانمائة ساعة للأمريكيين ــ وينعمون في الغالب برعاية صحية شاملة، ورعاية مجانية أو مدعومة للأطفال، ومدارس عامة راسخة.

والتعليم الجامعي في الغالب مجاني أو غير مكلف. وتقدير الشعوب لحقوق الإجهاض أكثر من تقديرهم لحقوق امتلاك الأسلحة، مع اجتنابهم ما يعرف بحروب الحمامات الشرسة -ويقصد بها الاحتجاجات التي تنشأ على خلفية نقاشات وطنية محتدمة حول تشريعات مثلا-. ولو أنك تعمل في تقليب البرجر في ماكدونالدز بالدنمارك، فإنك تحصل على أكثر من عشرين دولارا في الساعة، إضافة إلى تمتعك بإجازة مدفوعة الأجر لمدة ستة أسابيع، وإجازة أمومة لمدة عام، وخطة تقاعد. ولكن من الإنصاف أن نشير إلى أن أوروبا تعاني اليوم. فقد نما الاقتصاد الأمريكي العام الماضي بمعدل يتجاوز ستة أمثال معدل نموه في الاتحاد الأوروبي، بنسبتي 2.5% للاقتصاد الأمريكي و0.4% للاقتصاد الأوروبي.

وتزخر الولايات المتحدة بنجاحات تكنولوجية من قبيل أبل وجوجل وميتا، في حين أنه لا توجد شركة أوروبية واحدة في القائمة الحديثة لأكبر عشر شركات تكنولوجية في العالم من حيث القيمة السوقية. ويتبين من قائمة واحدة لشركات «وحيد القرن» ـ أي «الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار أمريكي» ـ أن أصغر دولة في أفريقيا، وهي سيشيل، لديها من هذه الشركات مثل ما لدى اليونان(أي شركتين) ، وما يقرب من إيطاليا أو بلجيكا (ثلاث شركات).

وفرنسا تقدم الكرواسون باللوز والعلامات التجارية الفاخرة وأسلوب الحياة المثير للحسد. ولكن لو أنها كانت ولاية أمريكية، لكانت من أفقر الولايات من حيث نصيب الفرد، متساوية مع ولاية أركانسو.

في الوقت نفسه، يبدو أن عدد سكان أوروبا بلغ ذروته في العقد الحالي ومن المتوقع أن ينخفض بشكل كبير للمرة الأولى منذ الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر. ومن المرجح أن يستمر الانحدار في عدد السكان وأن تستمر شيخوخة المجتمعات، حتى يفضي ذلك إلى التقليل من نفوذ القارة.

عسكريا، تعتمد أوروبا الغربية على الولايات المتحدة وتعجز عن الوقوف بمفردها في وجه روسيا. تبذل بولندا ودول البلطيق كل ما في وسعها، ولكن من المؤسف أن أوروبا اليوم بلا زعيم حقيقي: فالمستشار الألماني أولاف شولتز ـ وهو أوضح مرشح للقيام بهذا الدور ـ لكنه ليس أكثر من ظل لأنجيلا ميركل.

كانت ألمانيا في يوم من الأيام هي محرك المنطقة، ولكنها الآن توصف في بعض الأحيان برجل أوروبا المريض، وذلك جزئيا من أسباب تزايد القلق من قيام الحكومة الألمانية المتعثرة بقطع الدعم عن أوكرانيا.

في الوقت نفسه، يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تولي القيادة، لكن لا أحد يريده في ذلك. ولقد حذر ماكرون من جامعة السوربون في أبريل من أن «أوروبا قد تموت»، وهو منتبه لهذا الخطر ولكن حلفاءه قليلون في الداخل وفي الخارج.

لقد أوضح كتاب صدر في عام 2005 لأستاذ العلوم السياسية مارك ليونارد «لماذا سوف تدير أوروبا القرن الحادي والعشرين». ولكن وفقا لحساب أوروبي واحد، في حال استمرار الاقتصادات في النمو بالوتيرة الحالية، فسوف يصبح متوسط الفارق بين الأمريكيين والأوروبيين بحلول عام 2035 من الناحية الاقتصادية مساويا للفارق بين الاقتصادين الأوروبي والهندي اليوم (وللإنصاف، فإن تقييم الفجوات يعتمد أيضا على سعر الصرف المستخدم).

من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى اتساع الفجوات هو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن تستثمر في رقائق الكمبيوتر والبطاريات والإنترنت عالي السرعة، في الوقت الذي يخصص فيه الاتحاد الأوروبي ما يقرب من ربع ميزانيته للزراعة والمناطق الريفية، ويدعم في بعض الأحيان الإفراط في الإنتاج (حتى أنه يتعين على أوروبا بعد ذلك أن تدفع ثمنا لتحويل ما يسمى ببحيرات النبيذ إلى مطهر للأيدي).

والنتيجة هي القلق المتزايد بشأن «أزمة القدرة التنافسية» في أوروبا. في اجتماع اللجنة الثلاثية -وهي منظمة غير حكومية لدعم التعاون بين اليابان وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية- هذا الصيف، في بروكسل، سمعت مرارا وتكرارا تنويعات مختلفة لفكرة أن «أمريكا تبدع» بينما «أوروبا تفرض القواعد».

وثمة دواع وجيهة لمناصرة وضع القواعد: ففي العقود الأخيرة، أعتقد أن أوروبا كانت أفضل في حماية المستهلكين من الاحتكارات والمواد الكيميائية السامة. لكن الليبراليين من أمثالي يجب أن يفيقوا بسبب الأدلة التي تشير إلى أن الإفراط في وضع القواعد وضعف الحكم في أوروبا قد يقوض مستقبل القارة.

ومن الإنصاف أن نذكر أن المنتقدين يصورون أوروبا في بعض الأحيان تصويرا كاريكاتيرا، متجاهلين نقاط قوتها الهائلة. فهي بدلا من تثبيط عزيمة الناس، تعمل بالاستثمارات في رأس المال البشري على تمكينهم من العمل: فمعدلات مشاركة قوة العمل في شمال أوروبا أعلى منها في الولايات المتحدة. ويرجع هذا جزئيا إلى أن أوروبا أفضل كثيرا في مجال رعاية الأطفال، مما يسهل على الآباء الاحتفاظ بوظائفهم.

ومن الصحيح أيضا أن الأزمات تؤدي أحيانا إلى نوبات جديدة من الحيوية. فقبل قرابة خمسة عشر عاما، بدت اليونان حالة ميؤوسا منها تماما. وهي الآن واحدة من أسرع الدول نموا في أوروبا. وبعد أزمة اقتصادية في تسعينيات القرن العشرين، أعادت السويد اختراع نفسها وأصبحت رائدة في مجال الابتكار وريادة الأعمال العالمية، فالسويديون هم الذين جلبوا لكم سبوتيفاي.

وإستونيا! من كان ليراهن في تسعينيات القرن العشرين على أن إستونيا الصغيرة، التي لا تزال تعيش بجوار الدب الذي فرض عليها الرعب ذات يوم، سوف تصبح في عام 2024 واحدة من أكثر دول العالم تقدما من الناحية التكنولوجية؟ إستونيا الآن واحدة من أكثر الدول ذكاء في العالم، وهي دليل على أن محركات أوروبا الاقتصادية قد تنتقل إلى أماكن كانت في السابق تقع على الهامش.

أنا عاشق لأوروبا. عشت لأوقات مختلفة في بريطانيا وفرنسا وسافرت إلى كل مكان تقريبا في القارة. (ملاحظة شخصية: يجب أن أذهب إلى سان مارينو وبيلاروسيا!) وفيما أكتب هذه السطور، أبتسم إذ أتذكر أن مسكني الجامعي في أكسفورد كان يسمى المبنى الجديد ـ برغم بنائه في ثلاثينيات القرن الثامن عشر.

غير أن أوروبا تحتاج إلى مستقبل في مثل حيوية ماضيها. وأخشى أنها إذا لم تتخلص من القواعد التنظيمية غير المجدية والمكلفة، وإذا لم تتبن الإبداع وتدعم أمنها القومي، فقد تصبح عبرة لليبراليين في العالم أكثر من كونها قدوة لهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی أوروبا أن أوروبا أکثر من

إقرأ أيضاً:

أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين

كشف صيدلاني مرخص ما أسماه أكبر عملية احتيال في الصناعة الطبية، وهي كبسولات الجل، والتي يتناولها الملاين.

و تشكل هذه الكبسولات صناعة بمليارات الدولارات، ومن أهم نقاط بيعها أن المادة الأكثر ليونة تذوب بسرعة أكبر في الجسم، مما يسمح للأدوية بالتأثير بشكل أسرع، غير أن الدكتور غرانت هارتينغ،  صيدلاني ومؤسس CrushCost في مقطع فيديو له، يزعم أن الأقراص تتحلل بشكل أسرع من الكبسولات بعد إجراء تجربة حيث قام بإذابة كليهما في الماء، وفق دايلي ميل.
وقال هارتينغ إن هذا أمر بالغ الأهمية، فذوبان القرص بشكل أسرع في الماء، يعني أنه لا مبر لأن تكون كبسولات الجل أكثر تكلفة من الأقراص، وهو الأمر الواقع.

 


وعلى سبيل المثال، تكلف عبوة من 24 قرص Tylenol  حوالي 5 دولارات مقارنة مع 8 دولارات لكبسولات الجل "سريعة الإطلاق"، كما توصف.
وكبسولات الجل عبارة عن غلاف صلب أو ناعم يحمل الأدوية بداخله، ويتحلل الغلاف عندما يدخل الجهاز الهضمي ثم يتم امتصاص الدواء المغلف في مجرى الدم، ومن ناحية أخرى، تتكون الأقراص بالكامل، من الأدوية ويتم تصنيعها عن طريق ضغط مكون واحد أو أكثر من المكونات المسحوقة لتشكيل حبة صلبة ومتماسكة وناعمة الملمس تتحلل في الجهاز الهضمي.

 


 عندما ذكر مشاهدو فيديو الدكتور هارتنغ، أن حمض المعدة ليس له نفس خصائص الماء، كشف أنه أجرى نفس التجربة في مادة تشبه حمض المعدة وشاهد القرص يذوب بشكل أسرع مرة أخرى.
وأوضح الدكتور هارتنغ أن درجة حرارة الجسم ومحتوى الماء هما العاملان الرئيسيان اللذان يؤثران على قابلية ذوبان الكبسولة أو القرص، وتؤدي درجة حرارة الجسم المرتفعة عموما إلى ذوبان أسرع للدواء بسبب زيادة الحركة الجزيئية، مما يعني أن الكبسولة أو القرص سوف تتحلل بشكل أسرع وتنتشر بسهولة أكبر في مجرى الدم.
 وبالمثل، يمكن لمستويات المياه الأعلى في الجسم أن تذيب الكبسولة أو القرص بشكل أسرع أيضا حيث يبدأ الماء الموجود بالفعل داخل الدواء في التفاعل مع الماء في الجسم أثناء تحلله ودخوله بسرعة إلى الدم.

 


وفي العام الماضي، طُلب من المستهلكين تجنب جل Tylenol سريع الإطلاق بسبب الملصقات "المضللة" حول المدة التي يستغرقها لتخفيف الألم،ىوتم رفع دعوى قضائية جماعية مقترحة ضد الشركة المصنعة لـ Tylenol، Kenvue   وهي جزء من Johnson and Johnson في وقت سابق من العام الماضي.
و قالت المستهلكة ، إيفي كولاز، من نيويورك، والتي كانت تقود الدعوى القضائية الجماعية إنها لم تكن لتشتري الأقراص إذا أدركت أنها لا تعمل بنفس سرعة الإصدارات الأصلية.

مقالات مشابهة

  • أكثر من (95) مليون برميل نفط حجم الصادرات العراقية لأمريكا خلال 2024
  • العراق يصدر لأمريكا أكثر من 95 مليون برميل نفط في 2024
  • قانون جديد في أوروبا أكثر صرامة بشأن اللجوء والعودة
  • فون دير لايين: الولايات المتحدة حليفة الاتحاد الأوروبي
  • أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين
  • عاجل | هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إحراز تقدم معين في المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع حماس
  • أمير غالب: اخترت الكويت سفيرًا لأمريكا بعد دراسة متأنية وتقدير للعلاقات العميقة
  • عضو بمكتب خامنئي يصف ترامب بـالوجه الحقيقي لأمريكا دون تجميل
  • (5.62) ملايين برميل نفط الصادرات العراقية لأمريكا خلال شهر 1-2025
  • هل يستطيع الناتو البقاء بدون الولايات المتحدة؟