لجريدة عمان:
2025-01-09@10:50:02 GMT

هل تمثل أوروبا قدوة أو عبرة لأمريكا؟

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

خففت أوروبا من حدة الرأسمالية القاسية، فوفرت شبكات أمان، وتفوقت على الولايات المتحدة في جوانب مهمة من حيث الرفاهية. وبات الأطفال الأوروبيون أقل عرضة للوفاة من نظرائهم في أمريكا، والولادة أقل خطورة في أوروبا منها في الولايات المتحدة، والأوروبيون أطول أعمارا.

يعمل أبناء شمال أوروبا أقل مما يعمل الأمريكيون ــ لقرابة ما بين ألف وأربعمائة إلى ألف وخمسمائة ساعة فقط في السنة مقارنة بألف وثمانمائة ساعة للأمريكيين ــ وينعمون في الغالب برعاية صحية شاملة، ورعاية مجانية أو مدعومة للأطفال، ومدارس عامة راسخة.

والتعليم الجامعي في الغالب مجاني أو غير مكلف. وتقدير الشعوب لحقوق الإجهاض أكثر من تقديرهم لحقوق امتلاك الأسلحة، مع اجتنابهم ما يعرف بحروب الحمامات الشرسة -ويقصد بها الاحتجاجات التي تنشأ على خلفية نقاشات وطنية محتدمة حول تشريعات مثلا-. ولو أنك تعمل في تقليب البرجر في ماكدونالدز بالدنمارك، فإنك تحصل على أكثر من عشرين دولارا في الساعة، إضافة إلى تمتعك بإجازة مدفوعة الأجر لمدة ستة أسابيع، وإجازة أمومة لمدة عام، وخطة تقاعد. ولكن من الإنصاف أن نشير إلى أن أوروبا تعاني اليوم. فقد نما الاقتصاد الأمريكي العام الماضي بمعدل يتجاوز ستة أمثال معدل نموه في الاتحاد الأوروبي، بنسبتي 2.5% للاقتصاد الأمريكي و0.4% للاقتصاد الأوروبي.

وتزخر الولايات المتحدة بنجاحات تكنولوجية من قبيل أبل وجوجل وميتا، في حين أنه لا توجد شركة أوروبية واحدة في القائمة الحديثة لأكبر عشر شركات تكنولوجية في العالم من حيث القيمة السوقية. ويتبين من قائمة واحدة لشركات «وحيد القرن» ـ أي «الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار أمريكي» ـ أن أصغر دولة في أفريقيا، وهي سيشيل، لديها من هذه الشركات مثل ما لدى اليونان(أي شركتين) ، وما يقرب من إيطاليا أو بلجيكا (ثلاث شركات).

وفرنسا تقدم الكرواسون باللوز والعلامات التجارية الفاخرة وأسلوب الحياة المثير للحسد. ولكن لو أنها كانت ولاية أمريكية، لكانت من أفقر الولايات من حيث نصيب الفرد، متساوية مع ولاية أركانسو.

في الوقت نفسه، يبدو أن عدد سكان أوروبا بلغ ذروته في العقد الحالي ومن المتوقع أن ينخفض بشكل كبير للمرة الأولى منذ الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر. ومن المرجح أن يستمر الانحدار في عدد السكان وأن تستمر شيخوخة المجتمعات، حتى يفضي ذلك إلى التقليل من نفوذ القارة.

عسكريا، تعتمد أوروبا الغربية على الولايات المتحدة وتعجز عن الوقوف بمفردها في وجه روسيا. تبذل بولندا ودول البلطيق كل ما في وسعها، ولكن من المؤسف أن أوروبا اليوم بلا زعيم حقيقي: فالمستشار الألماني أولاف شولتز ـ وهو أوضح مرشح للقيام بهذا الدور ـ لكنه ليس أكثر من ظل لأنجيلا ميركل.

كانت ألمانيا في يوم من الأيام هي محرك المنطقة، ولكنها الآن توصف في بعض الأحيان برجل أوروبا المريض، وذلك جزئيا من أسباب تزايد القلق من قيام الحكومة الألمانية المتعثرة بقطع الدعم عن أوكرانيا.

في الوقت نفسه، يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تولي القيادة، لكن لا أحد يريده في ذلك. ولقد حذر ماكرون من جامعة السوربون في أبريل من أن «أوروبا قد تموت»، وهو منتبه لهذا الخطر ولكن حلفاءه قليلون في الداخل وفي الخارج.

لقد أوضح كتاب صدر في عام 2005 لأستاذ العلوم السياسية مارك ليونارد «لماذا سوف تدير أوروبا القرن الحادي والعشرين». ولكن وفقا لحساب أوروبي واحد، في حال استمرار الاقتصادات في النمو بالوتيرة الحالية، فسوف يصبح متوسط الفارق بين الأمريكيين والأوروبيين بحلول عام 2035 من الناحية الاقتصادية مساويا للفارق بين الاقتصادين الأوروبي والهندي اليوم (وللإنصاف، فإن تقييم الفجوات يعتمد أيضا على سعر الصرف المستخدم).

من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى اتساع الفجوات هو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن تستثمر في رقائق الكمبيوتر والبطاريات والإنترنت عالي السرعة، في الوقت الذي يخصص فيه الاتحاد الأوروبي ما يقرب من ربع ميزانيته للزراعة والمناطق الريفية، ويدعم في بعض الأحيان الإفراط في الإنتاج (حتى أنه يتعين على أوروبا بعد ذلك أن تدفع ثمنا لتحويل ما يسمى ببحيرات النبيذ إلى مطهر للأيدي).

والنتيجة هي القلق المتزايد بشأن «أزمة القدرة التنافسية» في أوروبا. في اجتماع اللجنة الثلاثية -وهي منظمة غير حكومية لدعم التعاون بين اليابان وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية- هذا الصيف، في بروكسل، سمعت مرارا وتكرارا تنويعات مختلفة لفكرة أن «أمريكا تبدع» بينما «أوروبا تفرض القواعد».

وثمة دواع وجيهة لمناصرة وضع القواعد: ففي العقود الأخيرة، أعتقد أن أوروبا كانت أفضل في حماية المستهلكين من الاحتكارات والمواد الكيميائية السامة. لكن الليبراليين من أمثالي يجب أن يفيقوا بسبب الأدلة التي تشير إلى أن الإفراط في وضع القواعد وضعف الحكم في أوروبا قد يقوض مستقبل القارة.

ومن الإنصاف أن نذكر أن المنتقدين يصورون أوروبا في بعض الأحيان تصويرا كاريكاتيرا، متجاهلين نقاط قوتها الهائلة. فهي بدلا من تثبيط عزيمة الناس، تعمل بالاستثمارات في رأس المال البشري على تمكينهم من العمل: فمعدلات مشاركة قوة العمل في شمال أوروبا أعلى منها في الولايات المتحدة. ويرجع هذا جزئيا إلى أن أوروبا أفضل كثيرا في مجال رعاية الأطفال، مما يسهل على الآباء الاحتفاظ بوظائفهم.

ومن الصحيح أيضا أن الأزمات تؤدي أحيانا إلى نوبات جديدة من الحيوية. فقبل قرابة خمسة عشر عاما، بدت اليونان حالة ميؤوسا منها تماما. وهي الآن واحدة من أسرع الدول نموا في أوروبا. وبعد أزمة اقتصادية في تسعينيات القرن العشرين، أعادت السويد اختراع نفسها وأصبحت رائدة في مجال الابتكار وريادة الأعمال العالمية، فالسويديون هم الذين جلبوا لكم سبوتيفاي.

وإستونيا! من كان ليراهن في تسعينيات القرن العشرين على أن إستونيا الصغيرة، التي لا تزال تعيش بجوار الدب الذي فرض عليها الرعب ذات يوم، سوف تصبح في عام 2024 واحدة من أكثر دول العالم تقدما من الناحية التكنولوجية؟ إستونيا الآن واحدة من أكثر الدول ذكاء في العالم، وهي دليل على أن محركات أوروبا الاقتصادية قد تنتقل إلى أماكن كانت في السابق تقع على الهامش.

أنا عاشق لأوروبا. عشت لأوقات مختلفة في بريطانيا وفرنسا وسافرت إلى كل مكان تقريبا في القارة. (ملاحظة شخصية: يجب أن أذهب إلى سان مارينو وبيلاروسيا!) وفيما أكتب هذه السطور، أبتسم إذ أتذكر أن مسكني الجامعي في أكسفورد كان يسمى المبنى الجديد ـ برغم بنائه في ثلاثينيات القرن الثامن عشر.

غير أن أوروبا تحتاج إلى مستقبل في مثل حيوية ماضيها. وأخشى أنها إذا لم تتخلص من القواعد التنظيمية غير المجدية والمكلفة، وإذا لم تتبن الإبداع وتدعم أمنها القومي، فقد تصبح عبرة لليبراليين في العالم أكثر من كونها قدوة لهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی أوروبا أن أوروبا أکثر من

إقرأ أيضاً:

صادرات النفط العالمية تتراجع وسط إعادة تشكيل طرق التجارة

الاقتصاد نيوز _ بغداد

أظهرت بيانات من قطاع الشحن أن حجم صادرات الخام العالمية في 2024 انخفض اثنين بالمئة في أول هبوط منذ جائحة كوفيد-19، وذلك بسبب ضعف نمو الطلب ووسط إعادة تشكيل طرق التجارة بسبب تغيير في المصافي وخطوط الأنابيب.

وتعرض تدفق إمدادات الخام عالميا للاضطراب للعام الثاني بسبب الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، مع إعادة توجيه الناقلات وانقسام الموردين والمشترين إلى مناطق.

وانخفضت صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا بينما ذهب المزيد من نفط الولايات المتحدة وخام أميركا الجنوبية نحوها. وجرى إعادة توجيه النفط الروسي الذي كان يذهب سابقا إلى أوروبا نحو الهند والصين.

وباتت تلك التحولات أكثر وضوحا مع إغلاق مصافي نفط في أوروبا وسط استمرار الهجمات على الشحن في البحر الأحمر.

وأظهرت بيانات تتبع حركة السفن من كبلر للأبحاث أن صادرات النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا انخفضت 22 بالمئة في 2024.

وقال آدي إمسيروفيتش مستشار الطاقة والمتعامل السابق في النفط، إن التحول في تدفقات الخام "يخلق تحالفات انتهازية"، مشيرا إلى تقارب بين روسيا والهند والصين وإيران يعيد تشكيل تجارة النفط.

الولايات المتحدة بإنتاجها المتزايد من النفط الصخري من بين الرابحين في تجارة النفط العالمية إذ تصدر أربعة ملايين برميل يوميا مما يعزز حصتها في تجارة الخام العالمية إلى 9.5 بالمئة بعد السعودية وروسيا.

وأُعيد تشكيل طرق التجارة أيضا بسبب انطلاق عمليات مصفاة دانجوتي النفطية الضخمة في نيجيريا وتوسيع خط أنابيب ترانس ماونتن الكندي ليمتد إلى الساحل الغربي للبلاد وانخفاض إنتاج النفط في المكسيك وارتفاعه في غيانا وتوقف قصير في صادرات الخام الليبية.

ومن المتوقع أن يستمر انخفاض الطلب على الوقود في مراكز الاستهلاك الرئيسية مثل الصين خلال هذا العام. كما سيستخدم المزيد من الدول كميات أقل من النفط ومزيدا من الغاز، في حين ستواصل الطاقة المتجددة نموها.

وقال إريك برويكويجن، مدير الأبحاث والاستشارات البحرية في بوتين اند بارتنرز "هذا النوع من الضابية والتقلبات هو الوضع الطبيعي الجديد. كان 2019 آخر عام (طبيعي)".

انخفضت واردات الصين بنحو ثلاثة بالمئة العام الماضي مع صعود السيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن والاستخدام المتزايد للغاز الطبيعي المسال في الشاحنات الثقيلة. وفي أوروبا، أدى انخفاض القدرة التكريرية والقرارات الحكومية للحد من الانبعاثات الكربونية إلى خفض واردات الخام بنحو واحد بالمئة.

موردون جدد ومسارات شحن جديدة
خفضت مصافي التكرير الأوروبية الواردات الروسية وزادت من مشتريات النفط من الولايات المتحدة والشرق الأوسط بعد العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا. وأدت الهجمات على السفن في البحر الأحمر في أعقاب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى ارتفاع تكلفة الشحن من الشرق الأوسط. كما رفعت المصافي وارداتها من الولايات المتحدة وغيانا إلى مستويات غير مسبوقة.

وخلال العام الماضي، تراجعت صادرات العراق 82 ألف برميل يوميا. وزادت واردات أوروبا 162 ألف برميل يوميا من غيانا و60 ألف برميل يوميا من الولايات المتحدة.

وأدى تصاعد الصراع في الشرق الأوسط في أواخر سبتمبر والمخاوف من فرض المزيد من العقوبات الأميركية على طهران إلى تقليص المعروض من النفط الإيراني وارتفاع أسعاره. ودفع ذلك المصافي الصينية إلى البحث عن مصادر جديدة في غرب أفريقيا والبرازيل.

مصاف وخطوط أنابيب جديدة
استهلكت مصفاة دانجوتي الجديدة في نيجيريا كمية كبيرة من الإمدادات المحلية وقلصت صادرات البلاد بنحو 13 بالمئة في 2024 ارتفاعا من اثنين بالمئة في 2023، وفقا لشركة كبلر. وأدى ذلك إلى خفض صادرات نيجيريا إلى أوروبا، كما استوردت نيجيريا 47 ألف برميل يوميا من خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لمصدر رئيسي.

ومن المرجح أيضا أن تؤدي زيادة طاقة التكرير في البحرين وعمان والعراق والمكسيك إلى استهلاك بعض إنتاج النفط في تلك البلاد.

ومع زيادة إمدادات الخام الكندي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، اشترت المصافي في المنطقة كميات أقل من نفط السعودية وأميركا اللاتينية، في حين أدت الشحنات المباشرة من كندا إلى الدول الآسيوية إلى خفض إعادة التصدير من ساحل الخليج الأميركي.

ورغم أن الصين كانت المشتري الرئيسي للنفط الكندي، وجد الخام أيضا مستوردين في الهند واليابان وكوريا الجنوبية وبروناي. ويرجح محللون أن تشتري مصاف آسيوية أخرى النفط الكندي.

وبحسب وكالة رويترز، يقول محللون إن الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على النفط من كندا والمكسيك، أكبر مُصدري النفط للولايات المتحدة، قد تغير تدفقات الخام خلال 2025.

مقالات مشابهة

  • أكثر من (5) مليارات الدولار قيمة الصادرات النفطية العراقية لأمريكا خلال العام الماضي
  • عالم أوبئة إيطالي: الضحية الأمريكية الأولى لأنفلونزا الطيور جرس إنذار 2025
  • البيت الأبيض يعرب عن تأييدها لقرار كييف منع عبور الغاز الروسي إلى أوروبا
  • صادرات النفط العالمية تتراجع وسط إعادة تشكيل طرق التجارة
  • كندا وبنما وغرينلاند.. ما قد لا تعلمه عن أهمية وموارد 3 مناطق يرغب ترامب بضمها لأمريكا
  • بيان لسفيرة الولايات المتحدة: الطرفان المتحاربان يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان
  • مجموع مبالغ التسوية الطوعية للضريبة بلغ أكثر من ملياري درهم وفقا لمكتب الصرف
  • غزة وأوكرانيا تتسببان بتراجع صادرات النفط العالمية 2% في 2024
  • إحياء رواية نادرة من القرن التاسع عشر.. "محمد علي" تعود في نسخة محدثة بعد أكثر من 150 عامًا
  • العلاج بالصدمة للتعددية