لجريدة عمان:
2024-09-14@20:19:07 GMT

ماذا لو أن نجيب محفوظ بيننا اليوم؟

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

ماذا لو كان نجيب محفوظ يعيش بين ظهرانينا اليوم؟ هل كان سيبدي تأييده لعملية «طوفان الأقصى»؟ هل سيتراجع عن موقفه المؤيد للتفاوض مع إسرائيل؟ هل سيُعلي صوته بإدانة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ نحو أحد عشر شهرا؟ هذه الأسئلة وغيرها راودتني في الذكرى الثامنة عشرة لرحيل أيقونة الأدب العربي، التي توافق الثلاثين من أغسطس من كل عام.

لا يخفى على الجميع تعرض محفوظ لاتهامات من بعض المثقفين العرب، وعلى رأسهم يوسف إدريس، بُعَيْد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988، بأن حصوله عليها لم يكن إلا مكافأة له من الصهيونية العالمية على موقفه المؤيد لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. فكيف ردّ الأديب الكبير على هذه الاتهامات؟ أظن أن أهم مرجع يُفنّد هذه التهم هو كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش. في هذا الكتاب يتساءل محفوظ باستنكار: «ما معنى أن الصهيونية أرادت أن تكافئني على موقفي المؤيد لاتفاق السلام مع إسرائيل؟ إن الصهيونية لو أرادت أن تكافئ كاتبًا على موقف تشجعه هي، فقد تضع في يده، أو في حسابه بالبنك، مبلغًا من المال على سبيل الرشوة، لا أن تسعى إلى حصوله على جائزة أدبية هي الأولى في مجالها في العالم. ولو كانت جائزة نوبل جاءتني لموقفي من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإن بالجائزة نوعًا آخر يناسب هذا الموقف، وهو جائزة نوبل للسلام وليس الأدب، بل إن أدونيس أو توفيق الحكيم يستحقانها، فهما مؤيدان للسلام مع إسرائيل أكثر من تأييدي أنا له عشرات المرات».‏

ورغم أنني أتفق شخصيًّا مع ما قاله الأديب الكبير حول إن «الصهيونية العالمية التي تحدث عنها إدريس وغيره، أعطيناها ـ كمثقفين عرب ـ أكبر من حجمها، وجعلنا منها إلهًا قادرًا على كل شيء، وذهبنا إلى أنها هي التي تصنع التاريخ والحاضر والمستقبل، وتدير عجلة الكون»، رغم أنني أتفق مع هذا الطرح إلا أنني أختلف مع قوله: «يخطئ من يتصور أن الصهيونية العالمية هي التي تحرك أمريكا وتدير سياستها، لأن المواقف الأمريكية نابعة أصلًا من تحقيق المصالح الأمريكية، وهي مصالح تتفق حاليًّا مع مصالح إسرائيل. وعندما تتغير تلك السياسة سوف تصبح إسرائيل مثل مدغشقر، بلا قوة أو نفوذ».

في الحقيقة إن كل ما تفعله إسرائيل اليوم هو ضد مصلحة الولايات المتحدة، فهي أولًا تُظهِرها ضعيفة سياسيًا في قيادة العالم، وغير قادرة على وقف حماقات رئيس وزراء إسرائيل رغم أنه يدرك أن ما يحركه هو مصالحه السياسية الضيقة لا مصلحة الكيان الإسرائيلي، ثم إنها تُظهرها ثانيًا بدعمها العسكري اللا محدود في صورة المعتدي المشارك في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، كل هذا بفاتورة اقتصادية باهظة تصل إلى مليارات الدولارات تستنزفها إسرائيل من ميزانية دافع الضرائب الأمريكي! ورغم كل هذه الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقبلها الأخلاقية، لم تفكّر أمريكا مجرد التفكير في التخلي عن هذا الكيان الغاصب، ولم تصبح إسرائيل مثل مدغشقر!

في الكتاب نفسه يسرد نجيب محفوظ أن موقفه الداعي للتفاوض مع إسرائيل بدأ بعد هزيمة عام 1967 مباشرة في مؤتمر نظمه وزير الثقافة المصري ثروت عكاشة ضم قيادات وزارة الثقافة، وحضره محفوظ بصفته مديرًا لمؤسسة السينما. في ذلك المؤتمر دار حوار مفتوح حول ما سميت بـ«النكسة»، وما ينبغي عمله للخروج منها، والحلول المقترحة لذلك، فقال محفوظ: «إن الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو العودة للديمقراطية والحوار وإطلاق حرية تعدد الأحزاب والآراء، وأن نرضى بالحزب الذي يصل إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة نزيهة حتى ولو تفاوض مع إسرائيل». ثم كرر محفوظ هذا الرأي في عهد السادات أمام العقيد معمّر القذافي، رئيس الجماهيرية الليبية، عندما استُضيف هذا الأخير في مبنى جريدة «الأهرام» المصرية ونُظِّم له حوارٌ مع الأدباء والمفكرين والكتّاب المصريين، أداره الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، يقول محفوظ إنه طَرح على الحاضرين سؤالاً: «هل في إمكاننا الآن أن نحارب إسرائيل؟» فأجاب أحد الحضور أنه ليس بوسع المصريين الحرب في تلك الظروف، وأن أي حركة سيقومون بها يمكن أن تستغلها إسرائيل في ضرب منشآت مصر الحيوية، فعقّب محفوظ على إجابته بالقول:‏ ‫«بما أننا لا نستطيع الحرب فلا بد أن نسلك الطريق الآخر، طريق التفاوض، أما الحالة التي نعيشها والمعروفة باللاسلم واللاحرب فإن التاريخ لم يعرف مثلها من قبل، كما أن نتائجها ضارة جدا لنا».‏‬

غير أن هذا الرأي لم ينتشر جماهيريًّا إلا بعد فترة من هذا اللقاء مع القذافي، حين أجرت صحيفة «القبس» الكويتية حوارًا مطوَّلا مع محفوظ، أثار ردود فعل هائلة، يصفها الأديب الكبير بالقول: «على مدى ستة أشهر كاملة تعرضت لسيل من الشتائم، كان بعضها يحتوي على ألفاظ جارحة واتهامات حادة، حتى إن بعضهم قال عني بالحرف الواحد: «أحسن لك تروح تبيع ترمس!» لم يقتصر الأمر على ما ينشر في «القبس»، بل كتب كثيرون في صحف مصرية يسفهون آرائي وينتقدونني بقسوة، ومع ذلك ظللت متمسكا برأيي لم أحد عنه».

خلاصة القول: لا يمكن لقارئ أدبٍ نزيه أن يعزو فوز نجيب محفوظ بنوبل لأسباب أخرى غير كونه أديبًا فذا استطاع أن يعبّر بصدق وفنية عالية عن خلجات الإنسان، منطلقا من حارته المصرية إلى العالم، ولذا فإن تهمة مكافأة الصهيونية العالمية له ليست إلا هراء. غير أن موقفه من القضية الفلسطينية مع ذلك يظلّ معقّدًا، فهو لم يكن مؤيدا بوضوح للمقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه لم تكن دعوته للتفاوض مع إسرائيل انبطاحًا كالذي نراه اليوم من بعض المتصهينين العرب. وقد نفى ذلك بشدة بقوله: «كان أكثر ما يضايقني ويثير أعصابي عندما نشـر حديثـي في «القبـس» هو اعتقـاد بعـض الناس بأنني أطالب بالسلام من أجل إسرائيل، ولو كان لـدى هـؤلاء ذرة من التفـكير المنطقي الموضوعي لفهموا أنني أنشد السلام من أجل هؤلاء البسطاء الذين طحنتهم الحروب».

شخصيا أصدّق هذا التبرير من أديبنا الكبير، ولا أزايد عليه، لكنني أصدّق أيضًا أن هؤلاء البسطاء الذين طحنتهم الحروب، لا يمكن أن يعود لهم السلام بمجرد التفاوض.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصهیونیة العالمیة نجیب محفوظ مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

ميقاتي يدعو لزيادة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها

سرايا - أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الخميس، على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي على بلاده.

جاء ذلك خلال استقباله بالسرايا الحكومي وسط بيروت الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي يزور لبنان حاليا.

خلال اللقاء، عبر ميقاتي، عن تقديره لمواقف بوريل، الداعمة لبلاده، وفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.

وقال إن "المطلوب في هذه المرحلة تكثيف الضغط الدولي والأممي لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان".

ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر "الخط الأزرق" الفاصل، ما أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.

وتطالب هذه الفصائل بإنهاء حرب تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر؛ ما أسفر عن أكثر من 136 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

مباحثات ميقاتي وبوريل، تطرقت كذلك إلى الأوضاع الداخلية في البلاد، بما يشمل "ضرورة تكثيف التعاون بين لبنان والاتحاد الأوروبي لمعالجة ملف النزوح السوري ومخاطره الراهنة والمستقبلية" على بلاده، حسب الوكالة اللبنانية.

ويشتكي لبنان من تداعيات اقتصادية واجتماعية "سلبية" جراء أزمة لجوء سوريين إلى أراضيه، ويدعو المجتمع الدولي لوضع خارطة طريق تتضمن حلول مستدامة لتلك الأزمة قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكل يخرج عن السيطرة.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.8 مليون، نحو 880 ألفا منهم مسجّلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بحسب تقديرات لبنانية.

والأربعاء، وصل بوريل على رأس وفد من المفوضية الأوروبية من القاهرة إلى بيروت، وزار مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) في الناقورة، والتقى بقوات حفظ السلام من بعض دول الاتحاد الأوروبي.

وفي وقت سابق الخميس، التقى بوريل، كل من وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأكد بو حبيب، في مؤتمر صحفي مشترك عقب لقاء بوريل، أن السلام الدائم في المنطقة يتطلب حل القضية الفلسطينية، مجددا التزام لبنان تطبيق القرار 1701.

فيما قال بوريل، إن الشعب اللبناني "يتطلع إلى السلام والاستقرار بدلاً من الحرب، والاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب الشعب اللبناني للمساعدة في التغلب على التحديات".

وأردف بوريل: "الحرب ليست محتومة وتعتمد على الإرادة في تجنبها".

وأوضح أن "التنفيذ الكامل للقرار الدولي 1701 ينبغي أن يمهّد الطريق إلى تسوية شاملة بما فيه ترسيم الحدود البرية".


مقالات مشابهة

  • من هي الميليشيا التي وصفها الصدر بالوقحة وطردها من جناحه العسكري؟
  • دول عربية وأوروبية تطالب إسرائيل بالانسحاب من محور فيلادلفيا ومعبر رفح
  • بيان مدريد: انسحاب إسرائيل من غزة ومن ممر فيلادلفيا ومعبر رفح
  • بابا الفاتيكان: لا أعتقد أن إسرائيل أو حماس تتخذان خطوات لصنع السلام
  • بيان مدريد المشترك بشأن تنفيذ حل الدولتين.. دعوة لانسحاب إسرائيل من غزة
  • ماذا تعني استقالة قائد وحدة الاستخبارات الصهيونية “8200” من منصبه؟
  • ميقاتي يدعو لزيادة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها
  • مستشهدا بكتابات نجيب محفوظ.. رئيس ألمانيا: مصر أهم شريك تجاري لنا
  • صهاينة أميركا.. ماذا تعرف عن الشخصيات الخفية التي أنشأت إسرائيل؟
  • هوكشتاين سيصل إلى المنطقة.. ما هي الرسالة التي يحملها إلى إسرائيل؟