جنين- لم تكن ليلة سهلة تلك التي عاشتها عائلة عثيمة، أمس الجمعة، في منزلهم بالحارة الشرقية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية. إذ لم يستطع أحد منهم النوم طيلة الليل جراء إطلاق النار وعمليات التجريف والتدمير التي يجريها جيش الاحتلال في محيط البيت.

وتخضع الحارة الشرقية لحصار شديد منذ بدء العملية العسكرية على مدينة جنين منتصف ليل الأربعاء الماضي، حيث فرضت خلالها قوات الاحتلال حظر التجول، وشرعت بأعمال تجريف وتدمير واسعة للشوارع والبنية التحتية، مما أدى إلى تضرر شبكات المياه وانقطاع الكهرباء عن الحي وأجزاء واسعة من المدينة.

وطوال 3 أيام، لم تصل "قطرة مياه واحدة إلى الحي" بينما استنفد السكان كل مخزون المياه المتوفرة في بيوتهم، ورغم محاولات الدفاع المدني إيصال كميات من المياه المعدنية فإن شهادات الأهالي تؤكد النقص الشديد في كميات الماء المتوفرة في الحي بأكمله.

تمركز آليات الاحتلال الإسرائيلي في شوارع جنين (الجزيرة) ساحة حرب

وقال عثيمة -للجزيرة نت- إنه منذ اليوم الأول للاقتحام، دخلت قوات الاحتلال بأعداد كبيرة إلى الحي الشرقي، وبدأت الجرافات بتدمير كل شيء فيه واقتحم الجنود العديد من المنازل، وتم احتجاز بعض العائلات في غرفة واحدة بينما تحولت بقية المنازل إلى ثكنة عسكرية.

واستولت قوات الاحتلال على عدد كبير من منازل المواطنين في الحي، ونشرت القناصة على أسطح البنايات المطلة عليه، بينما يتنقل الجنود من منزل إلى آخر عبر استحداث فتحات في جدرانها.

وحسب عثيمة، لجأ بعض الناس إلى الحمامات لتجنب رصاص الجيش وقناصته، ويؤكد المواطن أنهم يعيشون وسط ساحة حرب منذ 4 أيام وحتى الآن لا يمكنهم التوقع متى ينهي جيش الاحتلال عملياته.

وكانت قوات الاحتلال اتخذت من مسجد خالد بن الوليد نقطة عسكرية، وجرفت محيطه، وحطمت نوافذه، ودمرت الشوارع الواصلة إليه، ويقول السكان إن المسجد يوجد على تلة مرتفعة تكشف عمق الحي، وهو ما دفع قوات الاحتلال إلى التمركز فيه ونشر القناصة داخله.

وليلة أمس، أطلق قناص إسرائيلي 9 رصاصات باتجاه مسن فلسطيني (82 عاما) كان يسير في الشارع المقابل للمسجد، مما أدى لاستشهاده على الفور.

نزوح عبر الجبال

وعبر طرق جبلية وعرة كان عدد من الأطفال، لا تتجاوز أعمارهم 5 أعوام رفقة ذويهم، ينزحون من منازلهم التي استطاعوا الخروج منها، في محاولة منهم للوصول إلى منطقة آمنة.

وقال عبد أبو ريا وهو أحد النازحين "مشينا ساعة كاملة متسلقين الجبال، لم يسمحوا لنا بالخروج إلى مركز المدينة، قالوا إن الخروج من الحي ممنوع، لذا سلكنا هذه الطرق، معنا أطفال يطلبون الماء، ولا نملك أن نوفره لهم، نمشي في جبال السويطات حتى نصل إلى الشارع لعلنا نجد من يقلنا".

وأضاف أنه يمكنهم الصبر على الجوع، لكن الناس لا يمكن أن تعيش بدون ماء، خاصة مع وجود أطفال، وأنهم يعيشون في خوف وقلق، كما أن الطعام بدأ ينفد من المنازل. ويتابع "الأطفال يبكون طالبين الطعام والماء، بعض العائلات بحاجة لحليب لأطفالها، عدا مرضى السكري والضغط، كل هؤلاء لا يستطيعون التحرك، الجيش هددنا وقال لنا إن مصيرنا سيكون الموت إن لم نتخل عن ما سماه الإرهاب".

وبحسب سكان الحي، فإن ما يقوم به جيش الاحتلال هو عقاب للأهالي وليس للمقاومين الذين لا يوجدون بالمنازل بل في الميدان، وهو تدمير ممتلكاتهم وتجويعهم وترهيبهم كمدنيين. وكان جيش الاحتلال علق منشورات على جدران بعض المنازل التي انسحب منها قال فيها "لا تسمحوا للمجرمين بالتحكم في مستقبلكم، حيث مستقبلكم بين أيديكم".

ويوم أمس، انتشرت شهادات مواطنين هجّرهم الاحتلال من منازلهم بشكل إجباري، مفادها أن الجنود أخبروهم بعدم التمكن من العودة قبل 10 أيام، وهو ما طرح تساؤلات لديهم بشأن مدة استمرار العملية العسكرية.

ورغم خروج بعض مقاطع الفيديو، صباح اليوم السبت، والتي توثق حجم الدمار الكبير بالحي الشرقي، فإن الأهالي العالقين يؤكدون أن الوضع على الأرض "أكثر كارثية" وأن عدد المنازل التي أصبحت غير صالحة للسكن كبير.

ومنذ عدة أشهر، كثف الاحتلال من اقتحام الحي الشرقي من مدينة جنين بموازاة الاقتحامات المتكررة لمخيمها، بزعم أن مقاومين ينشطون فيه.

عقاب قطع الماء

ويوم أمس، سُجلت في قرى محافظات جنين حملات لجمع التبرعات الخاصة بطرود الطعام، وكراتين المياه المعدنية والخبز، لإرسالها لأهالي المدينة والمخيم، غير أن هذه الحملات اصطدمت بمنع الاحتلال السكان من دخول الحي الشرقي وحارات الدمج والفلوجة والحواشين في المخيم.

وفي الجهة المقابلة للحي، حاصر الاحتلال مستشفى جنين الحكومي، ولليوم الرابع على التوالي تمنع الآليات العسكرية المتمركزة أمام مداخله الرئيسية الدخول والخروج إليه إلا بعد تفتيش دقيق.

ويعاني هذا المستشفى الوحيد، الذي يخدم قرابة 400 ألف مواطن بمحافظة جنين، من انقطاع المياه فيه بعد نفاد الخزانات الاحتياطية، وعمدت إدارته إلى الاستعانة بكميات المياه -التي تم التنسيق مع الدفاع المدني- ونقلها يوميا إلى قسم الكلى وخزانات المياه فيه.

وقال مدير المستشفى الدكتور وسام بكر إن الدفاع المدني نقل -خلال الأيام الثلاثة الماضية- 300 كوب من الماء إلى المستشفى بمعدل 100 كوب يوميا.

آثار الدمار في الحي الشرقي (الجزيرة)

وتتمثل المعضلة الأكبر -حسب بكر- في قسم غسل الكلى بالمستشفى الذي يحتاج لكميات مياه كبيرة كل يوم، ويحاولون أن يستمر القسم في العمل لخدمة مرضاه بالمحافظة "لكن إذا استمر الحصار أياما إضافية قد نضطر لوقف الغسل في المستشفى".

ومنعت قوات الاحتلال، اليوم، صهاريج المياه التابعة للدفاع المدني من نقل المياه إلى خزانات المستشفى الحكومي. وفي الصباح، نشرت كتيبة جنين وكتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين أن مقاوميها "أوقعوا عددا من جنود الاحتلال في كمين محكم، مما أدى لسقوط عدد من القتلى والإصابات في صفوفهم".

وعلى الفور، دفع الاحتلال بتعزيزات من حاجز الجلمة إلى مداخل الحي الشرقي والبلدة القديمة، ومحيط المستشفى إضافة للمخيم، بينما اشتدت الاشتباكات، وسماع دوي إطلاق النار، وتواصلت نداءات المواطنين ومناشدتهم ضرورة تجنيبهم انتقام الاحتلال.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الاحتلال جیش الاحتلال الحی الشرقی

إقرأ أيضاً:

أمجد الشوا: إسرائيل تستغل العجز الدولي في تضييق الخناق على سكان قطاع غزة

قال مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، إن إسرائيل تستغل العجز الدولي في تضييق الخناق على سكان قطاع غزة، وإحداث ضرر بالغ على حياة وصحة الفلسطينيين.

وأوضح الشوا في تصريح لقناة القاهرة الإخبارية، اليوم الثلاثاء أن الأوضاع تزداد سوءا على كل المستويات وأن كل يوم يمر على قطاع غزة هو أسوأ من سابقه فيما يتعلق بالكارثة الإنسانية وتداعياتها، ولاسيما المجاعة التي انتشرت بشكل خطير وبخاصة حالات سوء التغذية التي أصابت الأطفال في ظل نفاد الكثير من الأدوية والمكملات الغذائية.

وأكد أنه لا يوجد أي مبرر سواء كان سياسي أو أمني يمنع دخول المساعدات إلى القطاع، محذرا من أن الاحتلال يمارس جريمة ضد الإنسانية في إطار جرائمه المتواصلة منذ بدء العدوان.

وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول استغلال الواقع المأساوي والمعقد في قطاع غزة من أجل تمرير مخططاته للسيطرة على المساعدات وعسكرتها، مطالبا المجتمع الدولي بضرورة التدخل الفوري والعاجل للضغط على إسرائيل لفتح المعابر وإدخال المساعدات بكل أشكالها لإغاثة الفلسطينيين.

اقرأ أيضاًأمجد الشوا: 20 شهيدا جراء الاستهدافات الإسرائيلية بغزة مع بداية العام

أمجد الشوا: قطاع غزة يعاني من مجاعة شديدة رغم محاولات برنامج الغذاء العالمي

أمجد الشوا: 3 أيام غير كافية لتطعيم نحو 640 ألف طفل في غزة ضد شلل الأطفال

مقالات مشابهة

  • سموتريتش: لا وقف للحرب قبل تهجير سكان غزة وتفكيك سوريا (شاهد)
  • أحدث إحصائية رسمية لعدد سكان إسرائيل
  • أمجد الشوا: إسرائيل تستغل العجز الدولي في تضييق الخناق على سكان قطاع غزة
  • 93 يوماً من العدوان والتدمير وتهجير سكان طولكرم
  • العدوان الصهيوني يتواصل على جنين ومخيمها لليوم الـ99
  • ممثلة مصر أمام العدل الدولية: إسرائيل تخير سكان غزة بين القصف أو التهجير
  • فلسطين : إسرائيل تمنع وصول الماء والدواء إلى غزة منذ شهرين
  • الاحتلال يطلق الرصاص الحي باتجاه منازل المواطنين خلال اقتحام مخيم الفوار بالخليل – فيديو
  • أستاذ شريعة بالأزهر: الإسراف في استخدام المياه يمثل تعديًا على النعمة
  • هاني تمام: الإسراف في المياه أثناء الوضوء وغسل السيارات حرام