جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-14@20:07:36 GMT

قبل أن تتمكن وسائل التواصل من قيمنا!

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

قبل أن تتمكن وسائل التواصل من قيمنا!

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

دخلت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا بشكل مخيف حتى أصبحنا عالقين فيها نكاد لا نستطيع التخلص من متابعتها، وباتت نافذة لكل فرد منَّا نحو العالم وما يدور فيه، وأضحى هذا العالم الافتراضي مكاناً نعيش فيه، متنقلون داخله من مكان إلى آخر، نطلع على أخبار العالم ونعيش في قلب الحدث مهما كان بعيدًا، ونتفاعل مع أناس لا نعرفهم ولم نلتقِ بهم في حياتنا الواقعية، ونبني علاقات افتراضية وكأننا في أحد أفلام الخيال العلمي.

هذه حقيقة واقعية لم نكن لنصدقها لو قيلت لنا قبل 25 عامًا، وعندما أعود بالذاكرة إلى فترة تسعينيات القرن الماضي عندما بدأت تتحرك الثورة التكنولوجية الرقمية وبداية ظهور الهواتف المحمولة، كان أغلبنا يتوجس مما هو قادم، لقد أصبح بالإمكان العثور علينا ومزاحمة حياتنا واقتحام خصوصياتنا دون الحاجة لعناء البحث عنَّا ولم يعد بإمكاننا الحصول على مساحة خاصة نمارس فيها حياتنا التي اعتدنا عليها، وننعم بوقت للقراءة والرياضة والتفكير والابتعاد عن ضجيج الحياة والعيش في عالمنا الخاص.

لقد فقدنا كثيراً من الأشياء المميزة التي كانت تبهج حياتنا البسيطة، حتى لذة مصادفة شخص لم نلتقِ به لفترة طويلة فقدناها فقد أصبح لدينا القدرة على الوصول لأي فرد في أي مكان وفي أي وقت رغمًا عنه، ولم يطل بنا الوضع طويلًا حتى ظهرت المجتمعات الافتراضية بظهور تطبيقات الهواتف الذكية ومعها فقدنا آخر معاقل الخصوصية وسقطت قلاع الحياة الخاصة ومعها سقطت كل ممارساتنا اليومية التي كنَّا نستمتع بها وأصبح رتم الحياة سريعًا خاليا من الذكريات والممارسات الاجتماعية التي صنعت سلوكنا وأسست قيمنا.

لقد تركنا جلسة الأسرة واجتماعاتها حتى وإن كنَّا حاضرين أجسادًا إلا أننا نعيش في عالمنا الافتراضي الخاص الذي نتفاعل فيه مع أشخاص آخرين، لقد ابتعدنا عن المساجد وحلقات الدروس وعن السبلة وما يدور فيها من رص رصين للعادات والتقاليد وترسيخ لسلوكيات الآباء والأجداد وتدريب على فن الحديث وغرس للسمت والأصول، لقد هجرنا الزيارات العائلية وعيادة المرضى ومواساة القريب والوقوف مع الناس واكتفينا بالنذر اليسير من أداء الواجبات وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي فأصبحت رسالة التعزية كافية والاتصال قمة التعبير عن صادق المشاعر.

لقد تغلغلت هذه التقنيات في أدق تفاصيل حياتنا وأصبحنا نعرف كافة تفاصيل حياة الآخرين بل أصبحنا متطلعين لمعرفة ماذا سوف يفطر فلان وماذا سوف يتغدى علان وأين سيقضي إجازته وتعدى الأمر حتى وصل لمرحلة لا تليق بكتابتها في هذا المكان، وما هذا إلا انعكاس لما وصلت إليه حياتنا من سطحية، وفقدان للمعنى والهدف من الحياة، وانجرار وراء ما حملته هذه التقنيات من سلبيات، وانغماس متناهٍ فيها واستسلام تام لما فرضته علينا من واقع جديد، دون أدنى مقاومة منَّا للتخلص من هذه السموم التي أفسدت حياتنا.

إنَّ مشكلة هذه الوسائل الكبرى تكمن في صعوبة السيطرة عليها ووصولها إلى مرحلة الإدمان بشكل سريع وهو ما أطلق عليه "الإدمان الإلكتروني"، وصنف كأحد أخطر الاضطرابات النفسية وأشدها صعوبة في الشفاء، وهذا الأدمان له عواقب نفسية وصحية على الفرد والمجتمع بحد سواء وربما سوف أتحدث عنها في مقال مستقل لاحقًا، ولعل أهم آثار هذا الإدمان أنه أصبح الموجه لسلوكنا والغارس لقيمنا وتربيتنا وتنشئتنا.

نعم.. لقد انتشرت قيم وسائل التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع وأفسدت ما تقوم به الأسرة والمدرسة والمجتمع من عمل في هذا الجانب، وأصبح المجتمع يعاني من الأفكار الدخيلة والسلوكيات المستوردة والثقافة الغريبة التي لم تكن تصل إلينا سابقًا، وظهرت سلوكيات خاطئة كثيرة بين النشء واستسلمت الأسر لهذا الواقع الجديد عندما رأت أنَّ الحال متشابه مع الجميع، والخوف الأكبر أن يفقد المجتمع هويته وعندها لن يكون بمقدورنا عمل أي شيء اتجاه هذا الوضع الذي فرضته التكنولوجيا علينا.

وقبل أن تتمكن وسائل التواصل الاجتماعي ومجتمعاتها الافتراضية من قيمنا يجب علينا أن نعيد مفهوم التربية وأن نصيغ فلسفتنا الخاصة بالتعليم وفق المعطيات الحالية وأن نعيد تعريف أدوار الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني وفق السياق المعاصر الذي نعيشه، وعلينا أن نتفاعل مع ما يحدث حولنا حتى نستطيع المحافظة على أدوارنا الحقيقية في التربية وغرس القيم سواء كمربين أو كمؤسسات معنية بذلك، ويجب أن نستفيد من التكنولوجيا فيما هو مفيد وهذا مجال واسع جدًا لو تمَّ استغلاله بالصورة المناسبة.

نعم.. لقد ساهمت التكنولوجيا في تسهيل حياتنا وهذا أمر لا ينكره عاقل، ولكن وكما هو الحال في كل تقنية لها جانبان فالسيارة التي اختصرت علينا المسافات والزمن هي نفسها صندوق الموت المتحرك إذا ما استخدمت بشكل خاطئ، وقس على ذلك كل التقنيات، وهنا محور ومفصل الحديث كله.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لحماية المراهقين.. 42 مدعيا عاما أمريكيا يدعون لوضع تحذيرات على تطبيقات التواصل الاجتماعي

تسعى مجموعة من المدعين العامين الأمريكيين إلى وضع ملصقات تحذيرية على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي لتنبيه الأطفال حول المخاطر الإدمانية المحتملة.

اعلان

قال اثنان وأربعون من المدعين العامين الأمريكيين إنهم يؤيدون وضع ملصقات تحذيرية على منصات التواصل الاجتماعي، كتلك الموجودة على علب السجائر. وقالت الرابطة الوطنية للمدعين العامين (NAAG) في رسالة إلى المشرعين الأمريكيين إن هذه التحذيرات يمكن أن تساعد في معالجة أزمة الصحة العقلية المتزايدة التي تسببها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جزئي.

شاشة هاتف محمول تظهر فيديو على إحدى وسائل التواصل الاجتماعيBrittainy Newman/Brittainy Newman

وجاء في الرسالة: "إننا نقلق جميعا بسلامة الأطفال، وإن منصات التواصل الاجتماعي التي تعتمد على الخوارزميات تهدد سلامتهم".

وجاءت رسالة المدعين الأمريكيين تأيدا لدعوة جراح أمريكي يدعى فيفيك مورثي في يونيو تموز، وضع علامات تحذيرية على منصات التواصل الاجتماعي. وقال في مقال رأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن التحذير من شأنه أن "يذكّر الآباء والمراهقين بأن وسائل التواصل الاجتماعي لم تثبت أنها آمنة".

تحذير صحي على عبوة جهاز تدخين إلكترونيAP

وجدت دراسة أجريت عام 2019 على 6500 مراهق أمريكي ونشرت في مجلة طبية تدعى "JAMA Psychiatry" أن الأشخاص الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي هم أكثر عرضة لمشاكل الصحة العقلية من أقرانهم.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" عام 2023 أن المراهقين الأمريكيين يقضون ما معدله 4.8 ساعة يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

Relatedإدمان وأخبار مضللة وتنمر رقمي... هكذا يريد الاتحاد الأوروبي وقاية القُصّر من مخاطر وسائل التواصلكيف نهزم إدمان وسائل التواصل الاجتماعي ونتوقف عن مقارنة حياتنا بالآخرين؟اليونان استهلتها وبلجيكا تلتها.. حرب شاملة في المدارس على الهواتف الذكية لمعالجة إدمان الشاشة

يذكر أن المدعين العامين في الولايات المتحدة يقدمون المشورة لحكومات الولايات بشأن مجالات التشريع المختلفة ويمثّلون الولاية في المحكمة بصفتهم كبار المسؤولين القانونيين.

ورفعت الرابطة الوطنية للمدعين العامين والنائب العام في نيويورك دعوى قضائية فيدرالية ضد "ميتا" في عام 2023 لإلحاق الضرر بالصحة العقلية للشباب، وفقًا لبيان صحفي. وتزعم الدعوى القضائية أن الشركة "صممت خصائص ضارة على إنستغرام وفيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى التي تجعل الأطفال والمراهقين مدمنين".

وأقر مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الصيف قانون "أمان الأطفال على الإنترنت"، ليلزم شركات التكنولوجيا بحماية الأطفال من الأضرار التي قد يتعرضون لها عبر الإنترنت.

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إسرائيل والجنائية الدولية.. تجسس وترهيب ومدعي عام المحكمة يكشف: قيل لي إن لاهاي وُجدت لبوتين وأمثاله الولايات المتحدة تحث أوكرانيا على اختيار شخص يحارب الفساد لمنصب مدعي عام البلاد وسائل إعلام أمريكية: بايدن يعتزم ترشيح مدعي عام كاليفورنيا كزافييه بيسيرا لمنصب وزير الصحة الولايات المتحدة الأمريكية مراهقون وسائل التواصل الاجتماعي مدمنون حماية الأطفال اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next في اليوم الـ341 للحرب: نتنياهو قلق من جبهة جديدة على حدود الأردن ويؤكد سعيه لتأمين الحدود الشرقية يعرض الآن Next ذكرى 11 سبتمبر توحد الخصوم السياسيين: بايدن وترامب وهاريس في لحظة وطنية يعرض الآن Next في أول زيارة خارجية له.. بزشكيان من بغداد: التعاون الأمني مع العراق ضروري للتصدي لتهديدات الأعداء يعرض الآن Next البرلمان الإسباني يُوافق على طلب الاعتراف بإدموندو غونزاليس رئيساً لفنزويلا يعرض الآن Next في منطقة شنغن.. إليكم 8 دول شدّدت إجراءات الدخول عبر حدودها البرية اعلانالاكثر قراءة حب وجنس في فيلم" لوف" الهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن تعلن فوز حزب جبهة العمل الإسلامي بـ31 مقعدًا إيطاليا.. جدل سياسي حول مقترح جديد لإصلاح قانون الجنسية ألمانيا ترفع أسوارها أمام الجيران الأوروبيين: خطوات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية على حدودها التسعة وفاة المتهم بحرق العداءة الأوغندية ريبيكا تشيبتيجي بعد إصابته بحروق قاتلة خلال الهجوم اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم إسرائيل الحرب في أوكرانيا دونالد ترامب روسيا غزة مناظرة انتخابية أوروبا كامالا هاريس فلاديمير بوتين قصف إسبانيا المفوضية الأوروبية Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • التحقيق مع المتهم بابتزاز سيدة بصور خاصة في الهرم
  • القبض على المتهم بابتزاز سيدة بصور خاصة فى الهرم
  • هل قال مؤسس تيليغرام إن واتساب يسمح بالتجسس على الهواتف حتى لو كانت مغلقة؟
  • كريستيانو رونالدو يحطم الرقم القياسي ويصل إلى مليار متابع على شبكات التواصل الاجتماعي
  • كريستيانو رونالدو يدخل التاريخ كأول شخص يتجاوز مليار متابع على وسائل التواصل الاجتماعي
  • غوارديولا: أكره “واتساب”.. ولا أطيق “تيك توك”
  • بعد إحالة أوراق «سفاح التجمع» إلى المفتي.. القاضي: هذه الجرائم دخيلة علينا وناقوس خطر يهدد المجتمع
  • حظر قانون أمريكي يمنع الشباب من الوصول إلى مواقع التواصل بحرية
  • لحماية المراهقين.. 42 مدعيا عاما أمريكيا يدعون لوضع تحذيرات على تطبيقات التواصل الاجتماعي
  • رئيس وزراء أستراليا يريد حظر وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال